الفلسطينيون لا يتفاءلون بنجاح المفاوضات غير المباشرة، التي بدأت الآن برعاية أمريكية، بينهم وإسرائيل.. وإسرائيل تقول أن الحديث عن قضايا حساسة لا يمكن أن يتم بالمفاوضات غير المباشرة بل لا بد من الحديث وجهاً لوجه مع القيادات الفلسطينية.. والأمريكيون يسعون جادين لتحقيق نجاح ما لهذه المفاوضات.. وربما وحده جورج ميتشل، الذي فوضه الرئيس أوباما للقيام بمهمة الوسيط بين الطرفين غير المتفائلين، المتفائل الوحيد وسط كل هؤلاء المعنيين بالمفاوضات. يقول المفاوض الفلسطيني أن على إسرائيل أن تقبل بالبحث الآن في كل شيء يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة وعلى رأس القائمة مواضيع من ضمنها حدود الدولة، وبالطبع حدود إسرائيل، وحق العودة، وكيفية تقسيم القدس لتكون عاصمة للفلسطينيين والإسرائيليين أيضاً.. وأصر الفلسطينيون ومعهم الأمريكيون على وقف بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربيةوالقدس أو بالأصح الجزء الذي أحتله الإسرائيليون عام 1976م.. وبالمقابل يصر الإسرائيليون على عدم وقف الاستيطان في القدس، وإن كانوا يقبلون بتجميد بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية لبعض الوقت وحتى إشعار قريب آخر. المعضلة التي يواجهها الفلسطينيون أنه لا توجد لهم قيادة موحدة، ولا يتوفر لهم قائد يستطيع اتخاذ القرارات الصعبة، ويقدم التنازلات المطلوبة للوصول إلى حلول فيما إذا حسنت النيات وتوقعنا أن تقدم إسرائيل، بقيادتها الحالية أو بحكومة معدلة، على عرض (تنازلات) من طرفها فيما يتعلق ببعض مواقفها.. والجانب الآخر للمعضلة الفلسطينية أن إسرائيل غير مستعدة في الوقت الحاضر لحديث جدي عن إقامة دولة فلسطينية، ولا ترى قياداتها أنه سيكون في مصلحتها نجاح مفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، تؤدي إلى تحقيق الحلم الفلسطيني. صحيح أن الجهة القادرة على إقناع الإسرائيليين ولوي ذراعهم للوصول إلى حل الدولة الفلسطينية، أي أمريكا، أعلنت بشكل واضح أنها ترغب الوصول إلى هذه الدولة، ودخلت بثقلها إلى المحادثات غير المباشرة الآن.. ولكن إدارة الرئيس الأمريكي أوباما تواجه قضايا ملحة ومهمة داخلية وخارجية هي بحاجة لدعم الكونجرس الأمريكي للوصول إلى حلول لها.. والقضية الفلسطينية ليست بالأمر الحيوي والهام بحيث تعلو على كل هذه القضايا في الأهمية، ولا تستطيع مواجهة الضغوط الداخلية التي يمارسها اللوبي الإسرائيلي والمتعاطفون مع إسرائيل في الكونجرس الأمريكي.. ولذا فإن قدرة هذه الإدارة على ممارسة الضغوط على إسرائيل محدودة. فكيف لنا إذن أن نتفاءل بنجاح الجهود الأمريكية في المفاوضات القائمة ؟! إسرائيل نجحت حتى الآن في سياساتها تجاه الفلسطينيين بحيث قسمتهم وأضعفت السلطة الفلسطينية في رام الله بشكل كبير.. وأصبح الفلسطيني مهمشاً في وطنه ولاجئاً في بعض الدول العربية ومشكوكاً به في بعضها الآخر.. واستمرار الحال كما هو عليه قد يعتبر أمراً مزعجاً بالنسبة للمجتمع الدولي ولكنه لا يشكل خطراً على النظام العالمي.. وفي ظل الفشل الحالي لمسعى إقامة الدولة الفلسطينية فإن إسرائيل ماضية في بناء مستوطناته في الضفة الغربية والاستيلاء على القدس بكاملها وتحويل ما تبقى من الأراضي التي يعيش فيها الفلسطينيون إلى كيانات متباعدة قد تقوم في أكثر من واحدة منها سلطات محلية فلسطينية بشعارات مشابهة لما يحمله النظام القائم في غزة من دعوة للمقاومة كشعار واستسلام فعلي بحكم الأمر الواقع والآلة العسكرية المدمرة التي تستخدم في قمع أي أعمال مقاومة حقيقية.. ولا يبقى للسلطة الفلسطينية في رام الله سوى الاسم فقط ولا سلطة حقيقية على باقي الضفة. الإسرائيليون يسعون إلى تخفيف الضغوط الدولية عليهم للوصول إلى حل للدولة الفلسطينية، عوضاً عن مواصلة مسيرة السلام.. وسارعوا إلى فتح جبهة جديدة ضد المملكة العربية السعودية، في مسعى منهم إلى التأثير على الموقف السعودي، وقالت صحيفة (معاريف) الإسرائيلية في تقرير لها يوم الخميس الماضي أن وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قرر شن حملة دولية ضد السعودية التي اتهمها، حسب قول الصحيفة، بأنها تقف خلف «الحملة الدولية لنزع الشرعية عن إسرائيل».. وستشمل هذه الحملة تفعيل اللوبي اليهودي في أمريكا وأماكن أخرى من العالم بطرح قضايا يعتقدون أنها تسيء إلى المملكة وسياساتها الداخلية والخارجية.. ويؤكد هذا الموقف الإسرائيلي نجاح الجهود التي تقوم بها المملكة وخشية إسرائيل من أن تؤدي هذه الجهود إلى الضغط عليها بشكل يؤدي إلى (استسلامها) لمساعي إقامة الدولة الفلسطينية بحدود واضحة وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. النجاح السعودي في تصعيد الضغوط على إسرائيل قد يؤدي إلى إرغام إسرائيل على فعل ما لا ترغب الوصول إليه من البحث الجدي في الوضع النهائي للدولة الفلسطينية فإن على الدول العربية إن تتوجه إلى مسار آخر وهو أن توحد موقفها وتسعى مجتمعة في البحث عن أسلوب آخر للتعامل مع التعنت الإسرائيلي، وذلك ببحث سبل تجاوز المعوقات التي أدت إلى تجميد تنفيذ المبادرة العربية والتي أجازها القادة العرب كحد أدنى لمطالبهم وتنطلق إلى إدارة القضية الفلسطينية بشكل مباشر بالتعاون مع الفلسطينيين عبر تشكيل كتلة عربية قوية يضع العالم حساباً لها وتبادر إلى الدخول في حل عربي مشترك يؤدي إلى معالجة كافة القضايا المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وقيام الدولة الفلسطينية ودعم الكيان الفلسطيني الجديد بكل الإمكانيات المادية والمعنوية.. وبدون هذا الدور العربي الجماعي فإن مخاطر تحول القضية الفلسطينية إلى موضوع ثانوي يتم تآكله، بمرور الزمن، إلى حد النسيان دولياً هو خطر حقيقي وفعلي.