لإحصائيات الأسماء في (الجوال) دِلالات تُفضي إلى نتائج تعكس واقع الحال القائمة دون تضليل للباحث أو المهتم بقضية معينة، فكيف إذا كانت القضية تتعلق بخلافات رسخت عبر الأزمنة المتعاقبة وتوارثتها الأجيال؟ لعل من محاسن جوالي أنه كشف لي -وربما غيري مثلي- عن إحصائيات تبين عمق محبتنا لشخصيات أثَّرت في مسيرة التاريخ، واتُّهِمنا بعدم محبتنا لها دون بينة. كلنا نعلم الخلاف بين طائفتي السنة والشيعة الممتد منذ خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) إلى يومنا هذا. ولنأخذ جانبًا من الخلاف وهو المتمثل في قول الشيعة بأن السنيين لا يحبون عليًّا وأهل بيته الطاهرين رضي الله عنهم أجمعين. وليسمح لي الإخوة الشيعة بالقول إن الإحصائيات خير دليل على خطأ مقولتهم، فأنا أقطن شمال جنوبنا الغالي على مقربة من غرب بلادنا (المملكة العربية السعودية)، هذا الجزء من بلادنا عُرف عنه أنه سُني، وبناء على رأي الشيعة في كراهية السنيين لعلي فإن النتيجة الطبيعية هي (عدم) التسمِّي بعلي وأهل بيته في هذا الجزء من بلادنا، فالمنطق يرفض التسمِّي بمن تكره. إلا أنني وفي لحظة تأمل تفحصت الأسماء المخزَّنة في جوالي التي ليس بينها شخص من شرق بلادنا اللهم إلا من كان مهاجرًا إليها من الجنوب، بمعنى أن الأسماء المعنيَّة (جميعها) لأقربائي وأصدقائي في جنوب وغرب المملكة، وكم كانت المفاجأة حين حصلت على النتائج التالية -ووالله إنها كما هي في جوالي دون حذف أو إضافة- (أبوبكر) «1» ، (عمر) «8» ، (علي) «77» بل ويحمل جوالي أسماء ل(حسين وحسن) بلغت (26) اسمًا! أليست مفاجأة أن تكتسح مسميات (علي وحسين وحسن) مسميَي (أبي بكر وعمر) بفارق خيالي في وسطٍ سني؟ ما دِلالة هذه الأرقام؟ وبماذا تشي؟ ألا تكفي دليلاً على محبتنا نحن السنيين لعلي وأهل بيته؟ ووالله الذي لا إله غيره ما سمعتُ طوال سنين عمري مَن يقدح في علي وأهل بيته أو ينتقص من حقهم، فهل يعي إخوتنا الشيعة فداحة تهمتهم لنا؟ وأنهم حمَّلونا بما ليس فينا؟ وهنا تحضرني قصة حصلت لي قبل ما يزيد على عام حينما كنت في المسجد النبوي وكان بجواري إيراني (شيعي) وأمامه كتابان -وكم كنت أتمنى أن أقرأ مثل هذه الكتب فأنا أشاهدها دون أن أستطيع الوصول إليها- لذلك استأذنته في قراءتهما فأذِن على الرغم من ركاكة عربيته، فتصفحت الأول، ثم تناولت الثاني فإذا فيه من السب والقذف واللَّعائن ما لا يحسن ذكره، فاضطررت لإرجاعه ، وسألت صاحبي عن ذلك فأتى بحجج يعرفها الجميع، ثم قلت له: وكيف تفسر زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة وحفصة ابنتي أبي بكر وعمر؟ فقال: هذه سياسة. فقلت له: وهل تظن الرسول بعث سياسيًّا؟ فأصر على رأيه. وفي نهاية الحوار الطويل قلت له: لكنكم تتهموننا بكراهية آل البيت، فقال: نعم، قلت لكننا نحبهم مثلكم ونتسمى بهم على العكس منكم مع أبي بكر وعمر، قال: كيف؟ فأخرجت له بطاقتي الشخصية وكان حوله جمعٌ من أصحابه فأخذتهم الدهشة عندما قرؤوا اسمي واسم والدي، بل قلت لولدي: قل لهم اسمك، فقال: علي، فزادت دهشتهم، ثم قلت لهم إن ابنتي الصغيرة اسمها فاطمة فدهشوا وأخذوا يمسكون بكفيَّ معترفين بصدق حجتي، بل أصر صاحبنا على أخذ صورة لي بجواله الخاص وافترقنا وهم يضعون أيديهم على صدورهم في إشارة لمحبتهم وتقديرهم على رسالتي الواضحة الصريحة... وماذا بعد؟....