فليسمح لي الصديق الجميل جمال بخيت باستعارة تسحيرته الأجمل لنابغة الطب العربي مجدي يعقوب.. مسحراتي يدوب.. على الحنان محسوب.. مصري وحنيته.. تشفي جراح أيوب.. سيدنا المسيح بيحب.. لمسة إيديك في الطب يا مجدي يا يعقوب. والحاصل أن حبي واحترامي منذ الطفولة للأطباء لم يكن نتيجة مرض أو علة، بقدر ما كان إعجاب وهيام بتلك الطلة! ورغم اكتشافي أن الدكتور أو الحكيم الأول في القرية، لم يكن طبيبا، فقد ظللت أحبه حتى مات. هكذا نشأنا على حب الدكتور «حبيب» ذلك المصري القبطي البسيط الذي عاش بيننا حتى مات فارتدت إبنته «فلورة» الأسود وظلت هكذا حتى اختفت هي الأخرى. في تلك الأثناء، كنت أستمع حديث أمي، عن ابن خالتها الدكتور إبراهيم أبو العينين الذي يمتلك أشهر صيدلية في ميدان العتبة بالقاهرة! لكن خالي إبراهيم لم يعد يأتي لمنزلنا منذ زمن بعيد، وانشغل ابنه الطبيب أحمد بمرضى القاهرة، وبمهام منصبه الجديد، ومن ثم فإن اسم الدكتور ظل مرتبطا بالسيد «حبيب» الذي لم يدخل كلية الطب. أخيرا تخرج الدكتور فوزي قنديل، وأصبح لنا طبيبا، لا يصح الإفتاء الطبي أمامه، ولا يجوز الذهاب إلى أي طبيب آخر في منوف أو أشمون أو القاهرة قبل استشارته.. شيئًا فشيئًا أصبح الدكتور فوزي أشهر وأمهر الأطباء في المنوفية والوجه البحري. ورغم تخصصه في جراحة المسالك البولية، لم يكن ليتحرك ذوو مريض أو مريضة إلى أي مكان للعلاج من أي مرض قبل الاستئذان من دكتور فوزي، الذي لا يبخل على إنسان بالنصيحة. كان الدكتور حلمي نوفل، قد سبق الدكتور فوزي بسنوات، لكنه انصرف لعلاج الأسنان بحكم تخصصه، فضلا عن بقائه بعيدًا عن القرية.. لقد علمنا الدكتور حلمي قيمة التنافس ومناطحة الكبار، ذلك أن اللافتة المكتوب عليها اسمه في ميدان عرابي بمدينة منوف، كانت تشير إلى أبناء القرية المارين بالمدينة بأن لا شيء مستحيل. وعلى العكس من الدكتور حلمي، انشغل الدكتور فوزي، بكل هموم القرية، فهو يعالج المشاكل الطبية والاجتماعية والاقتصادية، بدءًا من مشاكل الزواج والطلاق، نهاية بمعارك العائلات، ومرورًا بكل هموم القرية المصرية.. لقد كان مجرد حضور الدكتور فوزي لمنزل المريض أو المريضة، الشعور بالاطمئنان، حتى وان كانت الشكوى من مرض في القلب أو الكبد أو العظام! ومنذ رحل عن الدنيا افتقد أهل قريتي والقرى المجاورة على المستوى الصحي شعورهم بالأمان. في المرحلة الثانوية، دخلت القسم الأدبي، رغم صداقتي الحميمية لمجموعة من الطلاب قرروا منذ البداية أن يكونوا أطباء، وقد حدث! كنت الوحيد الذي اختار الإعلام في مجموعة أمين الخولي التي تضم محمد أبو ناشي بوجهه الوديع وقلبه الجميل، وجابر كشك، بخفة ظله المتناهية، ورمزي القللي بطيبته، وحسن أبو ركيبه، بفطنته، وجمال خيرالله وأصالته، وسلامة اللبودي برقته، وأسامة طلبة بشهامته.. لقد أصبحوا اليوم أساتذة كبار كل في تخصصه! وحين مات الدكتور أبو ناشي، بكيته كما بكت عليه أشمون كلها. سنوات قليلة، ومن فرط إعجاب الأجيال بالدكتور فوزي، إمتلأت كليات الطب في القاهرة والإسكندرية وطنطا والمحلة بأبناء القرية، الذين أصبحوا أساتذة بحق في أمراض النساء، والكبد، والجراحة، والقلب، والأذن والحنجرة والأوعية الدموية والعظام والأسنان والأطفال والجلدية وغيرها من تخصصات. وفي القاهرة والمحافظات ستجد عشرات اللافتات للدكاترة: محمود عيد، وأحمد قنديل، وعاطف عوض، وأسامة مصطفى، وخالد غريب، ووفاء طايل، وموسى فهيم، وطارق قنديل، واللواء علاء غيته، وعلاء زيدان، ومحمود قنديل، ومجدي مغاوري، ومجدي مصطفى، وسعيد تهامي «يرحمه الله»، ومنى مسلم، وحمدي عبدالرسول، وأسامة سعد هلال، وأحمد سمير نوفل، وحسن عيد، وإبراهيم عامر، وكريمة بدر، وزينب الملاح، وعمرو رضوان، وعبدالحكيم مطر، ومحمد عبدالجواد، ومحمد أحمد قنديل، وخالد عبدالوهاب، ومحمود حجاج، ومحمد محمود الشيخ، ومحمد صابر جاد، وأحمد أبو العينين، وعلي عبدالفتاح سلامة، ومحمد هشام قنديل، وخلود شريف قنديل، وإيناس فتحي نوفل، ومحمود ورحمة سمير علي، وبسام وأحمد أيوب، وسامح الملاح، وغادة السيد، ورحاب غنيم، وياسمين صميدة، وأحمد محمد زكي نوفل، وعمرو فوزي قنديل، ومحمد أحمد زكي نوفل، وأحمد وآلاء محمد عبدالله، وايمان الملاح، وشروق عبدالعليم، ومحمد عبدالناصر، واحمد سويلم، وحسناء حسام رمضان، ورانيا صلاح إبراهيم، وفدوى وآية هشام حربي، ومنار محمود نوفل، وريم عبدالعظيم، وريم علام، وآخرين، مع الاعتذار لعدم الإلمام بالأقدمية وببقية الكوكبة الطبية. والحق أنني شعرت بالزهو بهم في مناسبات عديدة، فمرة عندما انفجرت أسطوانة غاز في منزل بقريتي وأصابت العشرات الذين تم نقلهم لمستشفى أشمون.. وهناك كان أطباء القرية يتحلقون حول الجرحى، فيما حضر من القاهرة الدكتور خالد غريب، ولأن عدد الجرحى فضلا عن حجم الحروق كانت كثيرة، فقد اصطحب الدكتور خالد خمس حالات إلى حيث عمله في مستشفى أحمد ماهر. ومرة، عندما كنت في العاصمة النمساوية قبل ثلاث سنوات، وطرت مزهوًا بأجمل خبر قرأته في الصحف الصادرة.. كان الدكتور كريم مهدي، قد أجرى عملية دقيقة لإزالة ورم في المخ لأشهر عازفة فلوت نمساوية! وعندما أنهى عمليته الناجحة ظل جالسًا حتى أفاقت من التخدير، ليفاجئ الجميع بالعازفة تطلب آلة الفلوت لتعزف مقطوعة رائعة للطبيب المصري حفيد محمد أفندي مهدي، رائد التعليم في قريتي وزوج خالتي. تحية لكل طبيب قبل وأثناء وبعد كورونا.. لأنه كما يقول بخيت: خير ربنا في مسيرة الإنسان.. وآدي الطبيب مننا ماشي مع الشريان.. مغزول بايد صبرنا.. طيب أصيل موهوب.. ينده عليه حسنا.. ويبلغه المطلوب.. مصري وحنيتك تشفي جراح أيوب.