مفهوم العقوبة التقليدي يقوم على أنه جزاء مقابل جريمة ينص عليها المشرع، في حين يقوم المفهوم الحديث للعقوبة فضلًا عن الجزاء على تقويم المذنب وتأهيله ليعود فردًا صالحًا في المجتمع، فالعقوبة هي جزاء وعلاج في نفس الوقت، والسجن هو أحد أنواع العقوبات، وهو عقوبة قديمة عرف من خلال مفهومها التقليدي بأنها وضع الأفراد في الأماكن المغلقة وعزلهم عن المجتمع وقد يتم استخدام القوة والعنف والقسوة اتجاههم. تلقيت مؤخراً دعوة كريمة من الإدارة العامة للعلاقات والإعلام برئاسة أمن الدولة لحضور فعاليات وعروض المهرجان الثاني لأجنحة برامج إدارة الوقت بسجون المباحث العامة والمقام بأيدي ومجهودات النزلاء في سجن المباحث العامة بمحافظة جدة (ذهبان) وذلك تحت رعاية معالي رئيس أمن الدولة وقد شملت الدعوة عرضاً تضمن صوراً لمعرض الفنون التشكيلية وعروض الأفلام الوثائقية والمسرحيات والأمسيات الشعرية والفنون الموسيقية، وقد حضر ذلك المهرجان ضيوف من بعض الجهات الحكومية ومجموعة من الإعلاميين وأسر النزلاء واستمر ذلك المهرجان الفني المميز لمدة ثلاثة أيام شارك فيه 285 نزيلًا من سجون المباحث الخمسة. من أجمل ما ذكره أحد النزلاء المواطنين في ذلك المهرجان بأنه لا يتم معاملتهم كسجناء أو معاقبين بل كمواطنين في حاجة إلى تأهيل وإعادة مرة أخرى للمجتمع ولذلك تم إعداد (برنامج إدارة الوقت) والذي يشمل برامج تطويرية يقدمها مختصون داخل السجن كما يشمل مزاولة الأنشطة الرياضية والهوايات المختلفة والحصص الثقافية ويتضمن ذلك تناول الوجبات الرسمية، وقد ساهم البرنامج في تطوير المهارات والمواهب الفنية لبعض النزلاء سواء من خلال توفير المواد والأدوات الفنية أو الكتب أو حتى الحصول على العضوية في جمعية الثقافة والفنون والمشاركة في العديد من المعارض داخل المملكة. دعم لا محدود يلقاه جميع المشاركين من قبل إدارة السجن سواء بالنسبة لتوفير المكان المناسب أو تهيئة الأجواء لتطوير مواهبهم الفنية وتعامل يسوده الاحترام والتقدير والمحبة بل إن الإدارة حرصت على السماح بعرض اللوحات التشكيلية والأعمال الفنية وغيرها من منتجات النزلاء كالملابس والسبح والعطور للشراء من قبل الضيوف بمقابل مادي يحصل عليه النزيل وكل ذلك للمساهمة في صقل مواهبهم وتعزيز الثقة في أنفسهم وتطوير مهاراتهم وتحفيزهم لاستغلال أوقاتهم خلال وجودهم في هذا المكان بأفضل طريقة. جهود رائعة وعمل جبار تقوم به إدارة سجون المباحث العامة لإعادة دمج هؤلاء المواطنين في المجتمع ومساعدتهم خلال هذه الفترة على الاستفادة من وقتهم وذلك بأسلوب راقِ وطريقة عصرية وشفافية مطلقة تدحض كل الأكاذيب والإشاعات التي تروج وتنشر من قبل الإعلام المأجور عن تلك السجون وتؤكد للجميع أن هدفها هو الإصلاح وإعادة التأهيل فهؤلاء في نهاية المطاف أبناء الوطن والوطن حريص على أبنائه.