أطِّرت القيِم في السابق بمُحددات أخلاقية ترتبط بالذات ومعايير ضبط اجتماعية خارجية لا تقبل المساومة وترفض التشكيك، وتأسيسًا على ذلك كان المُجتمع يسير وفق آليِّة مُحكمة تحفظ للجميع اعتبارهم بعيدًا عن الإسقاطات السلبية الوهمية، التي ارتهن لها البعض على حساب الوعي الجمعي المُقابل، الأمر الذي جعلها موجهة لسلوك الأفراد وإطارًا مرجعيًا يحكم تصرفاتهم ويُنظِّم علاقاتهم بين بعضهم البعض لترسم خطًا واضحًا لتعاملاتهم الحياتية. ولكن الملاحظ الآن في التعاطي اليومي لا يجد هذا الإطار المرجعي كوسيلة ضبط للمجتمع بقدر ما يجد تباينًا شاسعًا في احترام القيمة كقيمة ناهيك عن تمثلّها كسلوك، وقد يعود ذلك العنت الذي تغشَّى الكثير من الشباب واللامبالاة ودخول ثقافات جديدة جرَّاء التواصل المفتوح مع المُجتمعات الأخرى؛ مما أوصل لهم قناعة سلبية ترتكز على أن التوقف عن تلك المُحددات لا يعدو كونه سوى منهجية رجعية يجب ألًا تكون هي المُحدِد، بل من المفروض أن نتجاوزه لندعِّي أننا صنو التطور لا ضده، متناسين أن التوازن مطلبٌ حتمي للتفاعل مع كل مُستحدَث في ظل مرجعية شرعية وسُلَّم قيَمِي وعادات وتقاليد إيجابية متوارثة تُمثل في مُجملها هويته المُستقلة ذات التأثير في الآخر دون الاستسلام فقط للتأثير فيه. لقد أدى هذا الاختلال القيمي إلى ظهور أنماط سلوكية لا تمت للمجتمع بصلة، حيث عملت على تقويض القديم باعتبار قِدمه لا باعتبار ملاءمته للقادم الجديد، مما يعني أننا أمام مُعضلة ستكون في المُستقبل القريب معول هدم لبُنية المُجتمع ما لم يعمل الجميع على وأدها في مهدها، وهذا العمل لا يتأتى فرديًا بل لابد وأن يكون مؤسسيًا تشترك فيه جميع الأجهزة الحكومية والأهلية وبالذات الثالوث الأهم- الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام بكل مساقاتها- بهدف إيجاد حلولًا عملية تعمل للحفاظ على ما تبقى من قيم المُجتمع وتستهدف إعادة تأهيل ما تهدَّم منها بفعل التجاوزات غير المنطقية المُنطلقة من أن تحديث المُجتمع لا يحكمه قوانين بالية ولا ممارسات مُعطِلّة للتطور المزعوم الذي لا يعي منادوه بأن التأسيس الصلب لأي مُجتمع يجب أن ينطلق من ثقافته الأصلية لا من ربيبتها المُستوردة.