* في ديسمبر من العام 1979م كان دخول قوات الاتحاد السوفيتي إلى (أفغانستان)، بعدها انطلق ما سمي ب (الجهاد الأفغاني)، الذي بحث عنه مئات الآلاف من الشباب العَربي من مختلف الدول، بتسهيلات إجرائية، وتذاكِر مُخَفّضَة، وتحت ضغطٍ وتَحْرِيْضٍ من خُطب منبرية وفتاوى حَكَمَتْ بوجوب الجهاد في تلك الدّيار؛ باعتباره من جِهَاد الدَّفع!! * أيضاً تلك التسجيلات الصّوتية والمجَلّات التي كانت توزع بأرقَام فلكية، كان لها دورها الكبير والفَاعِل في إشعال نيران حماس أولئك الفِتْيَة، وذلك بزعمها رَصْد معجزات كبرى وقعت في تلك السّاحة، ومشاهداتها لِقَبْضَة مِن الرّمْل وهي تُفَجِّرُ دَبّابَةً سُوْفِيتّية، وحديثها المُكَثّف عن دِماء هناك كانت بِرائحة المِسك! * انسحَب الجيش السوفيتي من كابل عام 1992م، وبدأت الحرب الأهلية بين الفصائل الأفغانية التي كان يقودها مَن عُرفُوا بأُمَرَاء الجهاد! * أمّا أولئك الشباب الذين لقبوا ب (الأفغان العَرب) فمنهم مَن عاد لبلاده ومَسَار حياته الطبيعية، ومنهم مَن انتقل إلى البوسَنة والهرسك والشيشان، وهناك فريق ثالث استقر في أفغانستان، لِتستقطبه الأفكار والأيدلوجيات المتطرفة؛ ولتبدأ عندهم مرحلة (التكفير والتفجير)، ولتأتي «القاعدة» ولتتوالى الأحداث، وظهور الجماعات الإرهابية بمسمياتها المختلفة! * صفحات الماضي تلك لابد من دراستها جيداً والإفادة منها؛ فنعم المعطيات والأدوات والأهداف قَد تغيرت، ولكن ما بقي راسخاً (سهولة السيطرة على قلوب، وعقول بعض الشباب، وتجنيدهم باستثمار عواطفهم الدينية)! * فمَن يفجر نفسه (اليومَ) في مسجد أو كنيسة أو مكان عام ليقتل الأبرياء من المسلمين وغيرهم؛ بالتأكيد تسيطر عليه الفكرة ذاتها (وهي إيمانه المُطلق أن ما يفعله جِهَاد مِن صَحيح الإسلام، وأنه الطريق المستقيم والسّريع إلى جَنّة الخُلْد، والحُور العِيْن)! * وهنا كلّ الدراسات والمؤتمرات والندوات التي عُقِدت حول (ظاهِرة الإرهاب) تبدو عاجزة عن الإجابة عن الأسئلة المهمة: (كيف يستطيع زعماء ودُعَاة الفكر المتطرف استقطاب الفئة الشابة تحديداً، ومِن ثَمّ تجْريف ما تعلموه وتَربّوا عليه، وآمَنوا به لسنوات ربما بمجرد محادثة إلكترونية عَابِرة، لِيَحْقِنوهم بعدها بِثَقَافة الكراهية، ومِن ثَمّ ينقلوهم من مسرح الحياة إلى خَنْدق المَوت؟!!). * صَدقوني ما لم نتخلَّ في تعاملنا مع الأحداث عن رَدّة الفِعْل، وما لَم تتم الإجابة عن تلك الأسئلة بشفافية، وكذا مراجعة نصوص التراث، ووضعها في سياقاتها الصحيحة، بعيداً التوظيفات الخاطئة لها، وما لم تُفتح حوارات مباشرة مع الشباب بلغة وأدوات عصرهم، وإطلاق برامج تطبيقية لتحصينهم فكرياً، سيبقى (الإرهاب) جاثماً على الصدور، ولن يفلح معه حجب المواقع الإلكترونية المشبوهة، ولا تلكم المحاضرات والمؤتمرات وتوصياتها النظرية والنمطية، ولا تلك العبارة المنمقة (الإرهاب لا دِيْن له)؛ فهي فقط للهروب من الواقع والحقيقة الصَادِمَة!!