نشهد اليوم ثورة رائعة في الطب، تشدد على الوقاية لا على العلاج، وعلى استخدام الوسائل الطبيعية للعلاج إلى جانب الأدوية الكيميائية أو كبديل عنها. والأدلة التي تشير إلى قدرة العلاجات الطبيعية على محاربة أمراض القلب تتراكم كل يوم وتمتلئ صفحات مجلات طبية عريقة بتقارير تشير إلى القدرة المذهلة للطعام والمكملات الغذائية الطبيعية على محاربة ارتفاع ضغط الدم والكولسترول والنوبات القلبية. إنها قدرات لم يكن يتصور أنها فعلية وحقيقية منذ عقد ونيف من الزمن إلى الحد الذي يجعل المرء يظن في ذلك تضاربا في رسائل وسائل الإعلام. فبالأمس كان البيض يعتبر طعاما ضارا للقلب (غنيا بالكولسترول) ولكنه يعتبر اليوم مفيدا للقلب (منخفض الحراريات).. ما السبب في ذلك؟.. في الحقيقة إن الأطعمة الغنية بالكولسترول ليست إلا سببا ثانويا من أسباب ارتفاع الكولسترول بالدم. ولكن الطعام الذي يزيد الكولسترول فعلا هو الدهون الحيوانية التي يزيد مفعولها أربعة أضعاف من حيث رفع معدل الكولسترول بالدم (ولذلك ينبغي الإقلال منها قدر المستطاع). وقد كشفت دراسات في جامعة روكفلر في نيويورك أن النظام الغذائي الغني بالبيض المشبع بالكولسترول يرفع معدل هذا الأخير عند اثنين من أصل خمسة أشخاص فقط. ويعود السبب في ذلك إلى أنه عندما يأكل المرء طعاما يحتوي على الكولسترول يقوم كبده بضخ كميات أقل من الكولسترول إلى مجرى الدم بحيث تبقى مستوياته على حالها ولا ترتفع كثيرا (علما بأن الكبد هو الذي يفرز الكمية الأكبر من الكولسترول 80% وليس الطعام 20%) - لكن لا يعني ذلك دعوة للإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالكولسترول وإنما الاعتدال في تناولها - ولذلك فإن أكل بيضة واحدة في اليوم لا يؤدي إلى زيادة في احتمالات الإصابة بمرض القلب أو الجلطة الدماغية عند الرجال والنساء الأصحاء، وقد يكون البيض نافعا لرفع الكولسترول المفيد وخفض الشحوم الثلاثية ربما لأنه يزود الجسم بمضادات الأكسدة وعناصر غذائية أخرى تعوض عن أي زيادة طفيفة في الكولسترول الضار بالدم. وأظهرت دراسات علمية أخرى أن مستهلكي زيت الزيتون بكثرة من سكان حوض المتوسط كانوا الأقل عرضة للموت بالسرطان أو بأي مرض آخر!. وحسب ما قاله الدكتور كيز (الذي أجرى الدراسة) كان استهلاك الدهون الأحادية غير المشبعة مصدرا رئيسيا للدهون العامل الغذائي الوحيد الذي أبعد عنهم شبح الموت الناتج عن جميع الأمراض)، وذلك على الرغم من أن غذاءهم أكثر دسما بشكل نموذجي مما جاء في التوصيات الغربية. فما الذي يجعل الدهون الأحادية غير المشبعة المتوافرة في زيت الزيتون أفضل لصحة القلب؟. من الناحية الكيميائية، لا شيء سوى أنها ألطف على الشرايين؛ فهي تخفض مستوى الكولسترول الضار LDL وتترك مستوى الكولسترول النافع HDL على حاله، وإضافة إلى ذلك للدهون الأحادية غير المشبعة تأثير مضاد للأكسدة يقي الشرايين من الأذى الذي يتسبب الكولسترول الضار به.وبالإضافة إلى ما سبق من منافع زيت الزيتون، يقلل هذا الزيت أيضا تدبق صفائح الدم؛ الأمر الذي يضاف إلى تأثيرات زيت الزيتون الأخرى التي تحمي الشرايين، ففي إحدى الدراسات التي أجريت في كلية الطب في لندن تم إعطاء عدد من المتطوعين ثلاثة أرباع ملعقة طعام من زيت الزيتون فقط مرتين في اليوم ولمدة ثمانية أسابيع إلى جانب غذائهم الاعتيادي، وتبين في نهاية البحث أن معدل تكتل الصفائح في دمهم قد انخفض بشكل كبير، وقد وجد العلماء أن أغشية صفائح الأشخاص الذين خضعوا للتجربة كانت تحوي نسبة أعلى من حمض الزيت (وهو الحمض الأساسي في زيت الزيتون) ونسبة أقل من حمض الأراكيدوني الذي يجعل الصفائح دبقة. أضف إلى ذلك أن الصفائح كانت أقل إفرازا لمادة الثرومبوكسين A2 التي تزيد من تكتل التصاق الصفائح ببعضها بعضا. ومن الأطعمة المفيدة للقلب أيضا (المسكرات): قد يكون هذا مستغربا؛ إذ إنه من المعلوم أن المكسرات غنية بالدهون فكيف تكون مفيدة للقلب؟ الجواب هو أن حوالي 50 - 80% من الدهون الموجودة في المكسرات أحادية غير مشبعة ومعروفة بقدرتها على خفض معدل الكولسترول ومنع الكولسترول الضار من التأكسد، كما تحتوي المكسرات على عناصر غذائية أخرى فضلا عن الدهون المفيدة فهي غنية بالمغنزيوم والبوتاسيوم وحمض الفوليك والكالسيوم، كما تعد أحد المصادر الغذائية الجيدة القليلة للفيتامين E. وينصح الباحثون بأن يتناول الشخص بضع حبات من المكسرات (جوز - لوز -...) فقط يوميا بديلا عن مصادر الدهون والسعرات الحرارية الأخرى، فتلك طريقة سهلة لتحسين معدل الكولسترول، كما أشارت الدراسات العلمية الحديثة. وينبغي عدم الإفراط في تناولها؛ لأن ذلك يؤدي إلى زيادة الوزن (30ج منها تحتوي على 175 سعرة حرارية). تناول وجبة الفطور يحمي من الإصابة بالجلطات تحصل معظم النوبات القلبية في ساعات الصباح الأولى بعد الاستيقاظ، وهذا الأمر لا يزال محيرا، وتقول إحدى الدراسات الأمريكية في هذا الشأن إن السبب في ذلك ربما يعود إلى عدم تناول معظم الناس وجبة الفطور، فقد تبين أن عدم تناول الفطور يزيد احتمال تكون جلطة في الدم بنسبة ثلاثة أضعاف؛ الأمر الذي يعرض المرء إلى خطر الإصابة بنوبة قلبية أو دماغية؛ إذ إن صفائح الدم تكون في أقل معدلات التدبق أثناء الليل، لكنها تصبح دبقة أكثر بعد الاستيقاظ من النوم، ولكن لأسباب لا تزال مجهولة يبدو أن تناول الطعام يجعل الصفائح أقل تدبقا. وهكذا نستطيع القول إن إحدى الطرق للوقاية من التعرض لنوبة قلبية صباحية هي أن تفطر عندما تستيقظ.