في مساء هذا اليوم السبت 22 ربيع الآخر 1427ه تحتفل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتخريج خمس دفعات من طالباتها حملة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه للأعوام: 1424-1425-1426 -1427ه، من الخريجات والمتوقَّع تخرجهن هذا الفصل، والحفل الكبير في المدينة الجامعية على شرف حرم خادم الحرمين الشريفين، الأميرة حصة بنت طراد الشعلان حفظها الله، والحفل فيه مميزات جميلة، ففيه أول دفعة تتخرج من كلية اللغات والترجمة، مع الاحتفال بالمتوقَّع تخرّجهنّ؛ تشجيعاً لهن على العطاء الأفضل في الاختبارات التي تفصلنا عنها أيام قليلة، والجامعة بانتظار الدفعة الأولى التي تتخرج من قسم الحاسب الآلي.. إضافة إلى أن معظم خريجات الدراسات العليا من طاقم الجامعة الإداري القيادي، كوكيلة المركز، وبعض وكيلات الكليات.. وهذا دليلٌ على أن الجامعة فتيّة أمامها الكثير لتنجزه وتهديه للعالم. أيضاً، ستشرع الجامعة أحضانها العام القادم لدارسات الإعلام في الماجستير والدكتوراه في خطوة هي الأولى على مستوى جامعات المملكة العربية السعودية.. وهناك المزيد من المفاجآت والخطوات التطويرية الواثقة التي يقوم عليها معالي مدير الجامعة، الأستاذ الدكتور محمد بن سعد السالم، وساعده الأيمن في شؤون الطالبات فضيلة عميد مركز دراسة الطالبات الدكتور محمد بن إبراهيم العجلان وفقهما الله. (جريدة الجزيرة) بدأت الرهان معنا، وكسبناه بها ومعها.. في خطوة رائدة تؤكد أن للإعلام دوراً مؤثِّراً جداً في صناعة العطاء الأكاديمي؛ إذ حملت هموم جامعة بأكملها، وحملت آمالها، وأشرعت لأنفاسها كل ودّ وترحيب وصدق.. فمبارك لها.. ومبارك للجميع هذه الكوكبة من الخريجات.. ***** في هذه المناسبة تحتشد الكلمات، وكأنني قد استقطبتُ كلمات الدنيا كلّها، وتركتُ العالم بلا كلمات؛ لكي أبوح بما عندي، ثم أعيدها إليه. قصتي مع جامعة الإمام جامعة الإمام وقصتي معها أو قصتها معي.. باتت شيئاً يحفظه كثيرون عنِّي، فلم يعدْ في ذلك جديدٌ أضيفه، إلا أنني أستمتع بالفصل الثاني من القصة الذي أعيشه هذا اليوم، وهو يوم التخرّج بنيل درجة الماجستير في النقد الأدبي الحديث بمرتبة الشرف الأولى التي هي علامة على الإنجاز، أول الإنجاز.. هي حلمي منذ الطفولة.. ووعدي لأبي ساعات احتضاره.. وكلمتي الأولى في جامعة الإمام التي أحبّها وتحبّني، ويحب مَناخَها بعيري.. لا أدري، والله ! دخلتها لا أدري ماذا سأجد، ولكنني -بحمد الله- وجدتُ أسرةً فيها، أُسرة دافئة لا تعرف فصل الشتاء، وإن هبّت بعض عواصفه أحياناً لتؤكد أننا في مجتمع بشري، ولسنا فوق جبال الألب.. تميّزٌ في الهدف العلمي التأصيلي، تميّزٌ في تقدير الطاقات واختلافها واستثمارها، تميّزٌ في الوضوح والرغبة في البناء.. تميزٌ في كثير من القيادات العلمية والإدارية التي تعاملتُ معها حتى الآن.. طبعاً في ضوء النظرة الواقعية.. زميلاتي وصديقاتي زميلاتي.. أستاذاتي جزءٌ من ابتسامة حياتي فيها.. طالباتي صديقاتي.. منبع التفاؤل والنشاط والحماسة.. وبخاصة المجموعة التي كانت أول قاعة أدخل عليها فور تعييني معيدة العام الماضي (مجموعة لُبابة أبو صالح ونورة الشريف)، وكانت أضخم مجموعة (88 طالبة).. خفتُ من ضخامتها، لكنها آمنتني بالإبداع والرغبة في تميّز الإبداع، فلا أنسى الصداقة التي نمتْ بيننا، نستريح بين محاضرة وأخرى بقصيدةٍ ما، ننطلق في مشروع نشاط شعري أو قصصي كأطفال فتحت لهم المعلمة بوابة حديقة الحضانة لينطلقوا من فصول الدرس الصغيرة.. وها أنا وهنّ اليوم نتخرج معاً بكلمة واحدة وخفقة واحدة.. قد استجاب الله دعواتنا أن نفرح معاً، ونخطو معاً إلى مرحلةٍ جديدة.. قسمي قسمي برئاسة أستاذنا الشيخ: د.صالح بن محمد الزهراني.. ووكيل كليتنا العامرة، ومهندس النجاح الخفي: د.فهد بن محمد العمار.. حياة من العطاء الفذ، واللُّحمة التي لا تنفصم، والقلب الذي يُعطي بلا حدود، يدفع للأمام، ويدعو بالخير، ويُظلل في ساعات الهجير.. شيخي عبد الله شيخي الذي كان في بؤرة الحدث؛ حيث أُريدُ كل شيء في لحظة واحدة، وهو يؤمن بمبدأ الأناة والروية والرفق بالنفس.. ولكنه لم يحظَ إلا بعناء المتابعة المستمرة المضغوطة في ثقب إبرة، والتوجيه، والتشجيع، والمناقشات الطويلة، واجتمع عليه ملاحظة رسالتي للماجستير (مرشداً ومشرفاً) وملاحظة كل ما أكتب في الأدب والأبحاث والأعمال الإعلامية بصورة أدركتُ الآن كم كانت صعبة. لكنها أنجزتني على يديه وإن اختلفنا كثيراً في بعض التفاصيل والمناهج.. ما زلتُ أذكر كيف كانت رغبتي متواضعة في السنة المنهجية، أن أنجح بمعدل (عادي)، أن أُسجل موضوعاً (عادياً)، وأنتهي نهاية (عادية)، وأخرج لميدان العمل خروجاً (عاديا)؛ لكي تستقر حياتي بعد أبي -رحمه الله-، فكانت الخطة غير هذا؛ إذ وضع لها حدوداً مثالية أقرب للطبيعة التي يفكر بها ويحبها أن تكون.. كل عطاء أو اختبار كان يتابع تحصيلي فيه، ما استغلق على ذهني.. أعطى من وقته لشرحه وإيضاحه بالطريقة القصصية التي لا أفهم بعض القضايا العلمية المعقدة إلا بها.. المؤتمرات والندوات في الجامعة وخارجها.. دائماً وأنا أريد أن أُشارك، وأُريد أن يقرأ ما كتبته، وما سأكتبه - قبل أن أكتبه- أحجز له وقتاً لقراءته.. الزمن والتعامل معه.. يحب الحفاظ عليه، ولكنه لا يطمئن إلى عدم وضع مكابح تحدّ من السرعة التي تتمتع بالإتقان والإجهاد الزائد عن المطلوب، ومع هذا فقد راعى -في آخر الأمر- رغبتي الملحة في الإنجاز المبكر لرسالة الماجستير في ضوء الحد الأدنى المشروط في اللائحة لإنجازها؛ لكي ألتحق ببرنامج الدكتوراه هذا العام، ولكي أكون ضمن الخريجات اللاتي يطرن على أجنحة الفرح؛ فلشيخي الأستاذ الدكتور: (عبد الله بن صالح العريني) كل تقديري وشكري؛ فما أحتفل به اليوم وما أشرف به في الحفل.. كان من نسج يديه وهناً على وهنٍ، وفي ظل أبوّته وتأديبه الذي جعلني أقف من جديد بعدما تكسرت النصال على النصال بفقدي أبي -رحمه الله-، ولعل الفضل الأكبر -بعد توفيق الله- هو فيما رسمته لي روايته (مهما غلا الثمن) في صدق الصلات الإنسانية والتضحية الواعية، والبر والإحسان للأقربين؛ فكان ثمرة ذلك لأبي.. بما لا مجال لتفصيله، ولكنني أعرف شيئاً واحداً هو أن الله تعالى قد يسر لي الانضمام لهذه الجامعة رحمة بي قبل غيري، ومن الرحمة أن يكون اليوم الذي تنتهي فيه الرسالة -بعد ثمانية أشهر دراسية من تسجيلها- هو نفسه يوم انتهائي من حمل الأعباء التي تُثقل كاهل أبي -رحمه الله- في قبره، وهو أُسبوع نيل أستاذي درجة الأستاذية بعد يومين من هذا؛ فما أروع اليقين برحمة الله وتوفيقه، التي يجني الإنسان ثمارها في حياته وبعد مماته ! أطلتُ، ولكنه نموذج من مميزات الجامعة، نحن أجيال تختلف أفكارها ومناهجها وقناعاتها، وقد يحدث بعض الشد والمد، ولكن الهدف واحد واضح، يحافظ على الوحدة وعلى استمرار العطاء.. في مركز دراسة الطالبات وفي المركز حياةٌ أخرى من العطاء في ظلّ توجيه فضيلة العميد: محمد بن عبد العزيز العجلان، وسعادة رئيسة وحدة الإعداد والتطوير: د.الجوهرة بنت محمد العمراني، الأستاذة الصديقة الأُخت المُبدعة طيبة النفس.. مميزات كثيرة على المستويات المعنوية والمادية والعلمية قلّما يحظى بها إنسان في صرح علمي وهو مرتاح النفس، راضيها، متوثِّبٌ للمزيد من العطاء، ولا سيما أن العالم -بعدُ- لم يعرف الصورة الحقيقية لجامعة الإمام التي ستتجلى يوماً ما لهم بعد انقشاع النظارة السوداء التي يلبسونها إذا عرض ذكر الجامعة، فسيعرف الجميع جمالها وتميزها الخاص. سيدتي الأميرة عشتُ في ضوء رعايتك لكثير من المحافل العلمية والثقافية منذ نشأتي الأدبية والعلمية الجامعية، وكنتِ تتعاملين معنا بكل ودٍّ وتشجيع وحنان أختٍ بعيدة النظرة.. واليوم نلتقي في ظلالكِ من جديد في إنجازٍ كُنّا نتهامس فيما بيننا.. هل سنكون أو لا نكون.. والحمد لله.. نصافحكِ اليوم امتناناً للبذور التي غرستها فينا منذ الصغر، وسريعاً ما أثمرت في وقتٍ هو زمن التحديات الصعبة، لكنها غير المستحيلة.. مباركٌ لنا تشريفكِ، ومباركٌ لكِ تخريجنا في مسيرةٍ نورها وضّاحٌ مُبين.. لكِ، لوالدنا خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، لجامعة الإمام، لكل قائد وعالم وأب وأم وجامعة .... شكراً لكم، فنحن فرحون اليوم كثيراً كثيراً! الجوهرة آل جهجاه معيدة ودارسة للدكتوراه