** (كفى بالموت واعظاً).. الموت.. ذلك الزائر المفاجئ.. الذي يخطف الأرواح بإرادة الله.. ليقال.. فلان (يطلبك الحل).. أو فلان مات.. أو تقلِّب صحيفة الصباح.. لتفاجأ بفلان وفلان وأنت تعرفهم.. صاروا في عداد الموتى. ** هذا قريب.. وهذا قريب.. وهذا صديق.. وهذا زميل.. وهذا شاب.. وهذا كهل.. وهذا مريض.. وهذا سليم.. كل هؤلاء.. قد تجدهم في أخبار الموتى. ** شخص تعرفه في كامل حيويته وصحته ونشاطه.. ينافح ويكافح ويطارد في هذه الدنيا.. ليقال لك.. إنه مات. ** هذا مات بجلطة.. وهذا مات بسكتة.. وهذا جاءه عارض مرضي خاطف فقتله.. وهذا مات في حادث مروري.. وهذا ذهب للمستشفى بمرض بسيط أو مفاجئ وخرج جثة هامدة.. ** وهذا سافر ولم يعد.. وهذا مات لسبب أو لآخر.. المهم.. أنه صار في عداد الموتى في لحظة.. ** مشكلتنا.. ومشكلة الكثير.. أو ربما الكل.. أنه لم يحسب حساب هذه اللحظة.. ولم يضعها ضمن اهتماماته رغم أن الموت.. هو ذلك الزائر الذي قد يفاجئك في أي لحظة دون إشعار أو استئذان.. بل يخطف الأرواح هكذا.. بتدبير الحي القيوم.. ولكل أجلٍ كتاب.. والإنسان لا يدري متى أجله.. فقد يصبح ولا يمسي.. وقد يمسي ولا يصبح.. وقد يخلد للنوم في فراشه.. فيُحمل منه ميتاً.. ** وقد يخرج من بيته ويكون الخبر بعد لحظات.. أنه مات.. هذا.. هو هادم اللذات.. ومفرِّق الجماعات. ** الناس بالفعل.. تركض في هذه الدنيا.. وتظن أنها خالدة مخلدة.. تظن أن الدنيا دائمة.. هكذا الإنسان.. يحمل دوماً.. طول الأمل.. يُفكِّر في كل شيء.. إلا الموت. ** لقد شُرعت زيارة المقابر ليتعظ الناس ويعتبروا.. وتلين قلوبهم الخشنة القاسية (اللِّي تبطش.. وتظلم.. وتلهط وتبلع). ** والناس.. عندما يموت لها قريب.. أو تصلِّي على أحد أقاربها أو معارفها الموتى.. تتعظ وتلين قلوبها.. و(تْشاهق.. وتْناشِق) الساعات وبعدها.. تعود القلوب لقسوتها وتنسى كل شيء. ** هكذا نحن.. نعتبر في صلاة الميت.. وفي المقابر.. وعند العزاءات.. وعندما نزور المستشفيات.. وعندما نسمع أو نقرأ خبر الموت.. ** هكذا تلين قلوبنا للحظات.. وهكذا نعتبر ونتعظ للحظات.. وهكذا نراجع أنفسنا لبعض الوقت ثم نعود كما كنا. ** إلا أن المشكلة الأخرى.. أن البعض وهو ينتظر صلاة الجنائز.. وهو في المقبرة يُشيِّع أحد الموتى وهو يقدم واجب العزاء.. يتحدث في أمور الدنيا.. بيعاً وشراءً ولا يهمه سوى جيبه.. وكأن الآخرين هم الذين سيموتون.. وهو وحده سيُعمَّر إلى الأبد. ** في المقابر.. وفي المساجد.. تسمع عمليات بيع وشراء وصفقات تُدار هناك. ** تسمع حديثاً عن الأسهم والعقار.. ** وتسمع من يتحدث عن الدنيا في كل شؤونها وشجونها. ** في المقابر.. تسمع عن صفقات تُدار.. وعن أسئلة حول سوق الأسهم.. وعن كل أمور الدنيا. ** تسمع قهقهات.. وترى ابتسامات وأصوات تتعالى.. وهواتف جوالة لا تسكن.. والناس في الطرف الآخر.. يبكون على ميتهم بكاء مُرَّاً. ** تشاهد أبناء الميت (الأيتام الصغار) يلفهم الحزن وتتقطع قلوبهم من الصياح.. والناس حولهم تجري صفقات.. وتتعازم وتبتسم وتضحك ملء أشداقها.. ولا يهمها سوى أنفسها.. وكأن الموت لهذا الميت فقط.. ** كم من شخص شيَّع ميتاً ولحقه بعد يوم أو يومين؟ ** وكم من مشيِّعٍ ذهب للصلاة على ميت ولحقه بعد يوم أو يومين.. أو مات في حادث بعد عودته؟ ** هكذا.. هو الموت.. ** فهل نعتبر؟ * هل نتعظ؟ ** يا من تبلعون.. وتلهطون و(تخابطون وتلابطون) بأموال المساكين.. نسيتم هادم اللذات ومفرِّق الجماعات؟!. ** أيها النصابون.. والغشاشون في سوق الأسهم.. وفي كل مكان.. هل نسيتم (الحفرة) التي تنتظركم.. وفيها ما فيها من العذاب لكل غشاش ونصاب؟!.