نسعد دون سائر البشر بانتماء عروقنا لهذه الأرض، أرض الحرمين، ومهد الرسالات ومهبط الوحي، ونحن سعداء بما خص الله هذا التراب من نعمة الرخاء، ووفير النعم حتى أصبحت الأقدام تتسابق نحو الأفضل والأكثر لا إلى الأحوج والأهم! ودلفت أمواج الحضارة من كل صوب نحو أبواب بيوتنا وعبر نوافذنا، فشلغت البيوت باقتناء ماجد واستجد من مظاهر الحداثة ونعيم الرفاهية وأصبح الناس على اختلاف شرائحهم مهمومين بظاهرة المظاهر في كل زوايا حياتهم، حتى امتلأت الجيوب بفواتير السداد، وأثقلت الكواهل بشهور الأقساط!! واشتعلت المشاكل لمجاراة الأهل والأصدقاء وانقطعت الصلات هرباً من مكابدة التقليد والمحاكاة، وتمزقت الرغبات بين الحاجة والترف. فما نراه في بيوتنا أو أسواقنا أو شوارعنا إلا براكين تشتعل بحمم المظاهر وسعير التقليد، فاختلط حال الغني مع الفقير والميسور مع المعسر والدائن مع المدين. وكم هي الصور الناطقة لظاهرة المظاهر التي تغذو نفوسنا قبل بيوتنا فتسلبها نعمة الراحة والرضا والقناعة، وتسكنها لهيب التعب والسخط والجشع! فها هي تقنية الهاتف المحمول الذي سكن أيدي أطفالنا ذكوراً وإناثاً، وإن كانت أسرهم تمثل الشريحة الكبرى في المجتمع من أصحاب الدخل المحدود. هواتف باهظة الثمن بأنواعها وفواتيرها، وإن استغنت الأسرة عن ضروريات حياتها فلا تستغني عن هذا الترف مجاراة للآخرين!. وعن المنازل والسباق المحموم بأن يكون على أحدث التصاميم وأكبر بيوت الأقارب أو الجيران على أقل تقدير، فهو بيت العمر كما يقولون، وليس بيت الحاجة والاستقرار والدفء. حتى أصبحت الأسر ما أن تنهي بناءه إلا وتدخله خاوية اليدين، ساهرة العينين لا تستطيع فرشه أو تأثيثه، فيستقر بها الحال أن تنام على الأرض وإن بدا هذا البيت للآخرين من الخارج قصراً فاخراً.! وعن السيارات فحدث ولا حرج فهي في بلادنا ليست وسيلة للنقل والتنقل ولكنها بيت العرض والتبختر والمصيبة العظمى أن صغار السن هم من يركب السيارات الفارهة والتي تتزين بآخر ما وصلت إليه تقنية واكسسوارات السيارات الداخلية والخارجية ومختومة بلوحة مميزة، وبارك الله في الأقساط التي تمتد لعشرات السنوات فها هم أبناء الأسر يتبخترون بسيارات آخر موديلات العصر، والعجيب أن أسرهم يسكنون ببيوتات مستأجرة إن لم تكن شققا فهذه محاكاة لظاهرة المظاهر! وعليه يمكن القياس على تلك الملابس وما يتبعها من اكسسوارات وأحذية وذلك الأثاث وما يكمله من أوان وأجهزة. وهذه أعراسنا وحفلاتنا وأعيادنا وما يتبعها من مظاهر الترف السافر حتى تساوت هذه التكاليف والصور عند مختلف الأسر. وإن كانت سائر نفوس البشر في بلاد الله الواسعة يستهويها كل جديد ويمتعها كل نعيم، فنحن نفوقهم في ذلك، بل وإن ضمت البيوت في بلادنا فقراء ومحتاجين فهم ليسوا كفقراء تلك البلاد ومحتاجيها، فكثير من فقراء بلادنا يبحثون عن سد ما هو أبعد من الحاجة نفسها، وإن قال قائل هناك الفقراء والمعوزون فيظل سواد فقرائنا مميزين بفقرهم! لم يشغلنا الأكل نوعاً كما هو كما! ولم يقنعنا النعيم أمناً كما هو امتلاكاً وترفاً! ولم تسلم نفوس صغار الأبناء من وسن الهم، والقلق والتطلع إلى ما يملكه الآخرون، وإن كان حسداً. فانجرفوا وجرفوا آباءهم معهم نحو صنوف الديون، وقضبان السجون. أين التحضير للمستقبل بتوفير الحال والجهد لمحطات الحياة! والتطلع إلى معالي الأمور، ورفع الهمة إلى القمة. لتهدأ النفس، وتعمل دون هم ووهن؟ أين القدوة المتمثلة بأهمية امتلاك الأشياء لاهمها ونهمها؟ أين القدوة في راعي الأسرة والمربي الفاضل والمسؤول القانع؟ وفي الرجل الصالح في كل مؤسسات المجتمع؟ نحن بحاجة لحث شباب الجيل لأن يقف متأملاً لمجتمعات أخرى حاصرها الفقر والعوز، وشغلها البحث عن قوت اليوم اليسير جداً. والحياة البائسة، ويتذكر المقولة الخالدة: إن النعم لا تدوم، والمجد يبنى بالسواعد. لا بالأماني. وأن الترف معول هدم لسياج النفوس قبل البيوت.