رصد 1000 مخالفة نقل بمكة والمدينة    غياب مختار علي عن تدريبات الأخضر    قميص النصر يخطف الأنظار في ودية البرتغال    مليون ريال مخالفات أسواق ومسالخ الرياض    تعامل سريع لإنهاء إجراءات الحاج في صالات مطار جدة    الأرصاد: طقس شديد الحرارة على مكة والمدينة والشرقية والرياض    صور مولود عابس.. تجذب ملايين المشاهدات !    بارقة أمل.. علاج يوقف سرطان الرئة    ختام العام الدراسي الحالي غداً.. العام الجديد في 14 صفر    الجبير يؤكد التزام المملكة بالتعاون مع المجتمع الدولي لحماية المحيطات والموارد البحرية    بعدما صفع معجباً على وجهه.. هل يمثُل عمرو دياب أمام النيابة المصرية؟    حارس الشباب رسميًا في الإتحاد    تقارير..لوكاكو يعوض بنزيمة في الإتحاد    إعلانات الشركات على واتساب ب«الذكاء»    تحتفل برحيل زوجها وتوزع الحلوى    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    استقبل حجاج إندونيسيا وقدم لهم الهدايا.. نائب أمير مكة يتفقّد العمل بصالات الحج في المطار    السعودية للكهرباء تكمل استعداداتها لموسم حج 1445ه بعشرين مشروعاً جديداً    نادي الرياض يُتَوّج بكأس بطولة المملكة لسلة الكراسي    فرنسا وإنجلترا أبرز مرشحين للفوز بكأس أوروبا 2024    أزمة تنتظر لجان المسابقات بالشرقية.. القادسية والخليج دون ملعب!!    "جوتا" الاتحاد.. مطلوب في الدوري الإنجليزي    المملكة تفوز بعضوية المجلس الاقتصادي    الأسواق الحرة في منافذنا    مدير فرع «الموارد البشرية» بمنطقة مكة يتفقد لجان الرقابة بمطار الملك عبدالعزيز    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    أثر التعليم في النمو الاقتصادي    الجامعات منارات التقدم    اطلاق برنامج أساسيات التطوُّع في الحج    ليس للمحتل حق «الدفاع عن النفس»..!    استفزاز المشاهير !    مَنْ مثلنا يكتبه عشقه ؟    مرسم حر    "صحة المدينة" تدشن "الربوت الذكي" بالمنطقة المركزية    "أرشدني".. آليات ذكية لإرشاد حافلات الحجاج    مناقشة الأمراض والتحديات الشائعة في موسم الحج    توفير خدمة الواي فاي في المواقيت    وزير الدفاع يؤكد دعم المملكة للحكومة اليمنية    التنظيم والإدارة يخفِّفان الضغط النفسي.. مختصون: تجنُّب التوتّر يحسِّن جودة الحياة    «إنجليزية» تتسوق عبر الإنترنت وهي نائمة    رسائل الإسلام    الوزاري الخليجي يناقش اليوم التطورات الإقليمية والدولية    عدد العاملين في القطاع الخاص يتخطى حاجز 11 مليوناً    المها الوضيحي يستظل تحت شجر الطلح في "محمية الإمام تركي"    القلعة الأثرية    رئيس وزراء باكستان يعود إلى بلاده بعد زيارة رسمية للصين    الأردن يدين الاعتداء الإسرائيلي الوحشي الذي استهدف مخيم النصيرات وسط غزة    الجهات الحكومية والفرق التطوعية تواصل تقديم خدماتها لضيوف الرحمن    أمن الوطن والحجاج خط أحمر    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء «تنمية الموارد المالية»    فيصل بن مشعل يقف على مدينة حجاج البر.. ويشيد بجهود بلدية المذنب    هجوم شرس على عمرو دياب بسبب «صفعة» لمعجب    "البحر الأحمر": جولة ثالثة لدعم مشاريع الأفلام    سُوء التنفس ليلاً يسبب صداع الصباح    سوء التغذية يسبب اكتئاب ما بعد الولادة    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سماحة الشيخ عمر بن حسن في (رحلة الذكريات العذبة عن الحج والناس قبل ستين عاماً)
قصة أول سيارة دخلت الرياض في عهد صقر الجزيرة..
نشر في الجزيرة يوم 07 - 01 - 2006

وأنت أمامه!! ستدرك للوهلة الأولى قدرة الرجال الواعين على تضييق الهوة بين الأجيال بجعلها تتلاحم تلاحماً إيجابياً دون إحساسك بأن فارقاً كبيراً يفصلها عن بعضها البعض ويحيلها إلى اشياء مبعثرة تفتقد الرابط بينها.. وتحتاج إلى من يصهرها في بوتقة واحدة.. وأنت أمامه!! لابد وأن تنعكس كافة الصور السلبية التي تحتفظ بها خطأ ودون ركيزة حقيقية.. لتتحول إلى مناخ إيجابي يكونها وقوفك مواجهاً له.. وأنت أمامه..! ستقرأ تاريخاً عريقاً يشع من عينيه وتلمح عمراً حافلاً مغروساً في جسمه الذي عركته السنون وعاشت في داخله الأجيال..
ذات مساء كنت وزميلي إسماعيل كتكت نأخذ بعضنا.. ونستأذن بالدخول عليه وكان سلاما جميلا وترحيبا حارا من جانبه ومن ثم كان هذا اللقاء..
وقضينا أكثر من ساعة ونصف لم يشعرنا أنا قد أثقلنا على صحته أو قطعنا من وقته شيئا البتة..!
فسماحة الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ من الرجال القلائل القادرين على أن يقولوا لك كل شيء وبصراحة متناهية وبصدق تلمح منه الدقة والثقة..
وكان هذا الحوار الذي ربما كان هذا الأول من نوعه..
* * *
* نحن الآن في مناسبة دينية مباركة حيث أظلنا موسم الحج بقدسيته ودلالته العميقة. وكان لابد لنا أن نطرح السؤال حول الحج.. وعن عدد المرات التي حج فيها:
- قريباً من خمس عشرة حجة. أولها سنة 1344 هجرية ذلك العام الذي يسمونه عام الرمي واعتمرت احدى وثلاثين عمرة..
* ومن ذكر الحج ننطلق إلى ذاكرة العمر وكان سؤالنا؟!
- كان عمري آنذاك احدى وعشرين سنة.
* وعن الفارق؟!
- الآن الفارق كبير جدا بين الحج ذلك الوقت وبين الحج هذا الوقت..
* وسألناه كيف يكون الاستعداد للحج في ذلك الوقت!!
- نستعد له بالإبل الرواحل ونجعل عليها اشياء جميلة مما يسمونه في وقتهم (دشن الجيش) فالذي لديه رفاق كثير يبدأون بالاستعداد للحج بعد خروج شهر رمضان.
وبدأ الشيخ يروي الحجة الأولى له فيقول:
أنا مثبت أن أول حجة حججتها كان على عهد الملك الراحل عبدالعزيز وعهد والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل رحمهما الله حيث توجهنا إلى الإمام عبدالرحمن في اليوم الثاني من ذي القعدة وكنت وقتذاك أصلي بالإمام عبدالرحمن الفروض الخمسة في اليوم والليلة وقد مكثنا في الطريق تمام شهر ذي القعدة وكانت أقرب المراحل 10 كم.. وعندما توجه الإمام عبدالرحمن إلى الحج طلب له الملك الراحل عبدالعزيز -رحمه الله- أولى سيارة وجدت في مدينة الرياض نراها نحن وغيرنا من المواطنين وكان وقت دخولها مدينة الرياض بعد صلاة المغرب ليلة 25 من شهر شوال في آخر عام 1344 ولازلت اتذكر ان جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- عندما وصلت السيارة المشار إليها إلى قصر الحكم مسكن جلالته كان أول من ركبها في الساعة الراهنة وجعل يتجول فيها حرصا على راحتها والناس ينظرون إليه ويلحّون بالدعوات الحارة لجلالته.
وعاد يروي مسيرة الحج:
كان الإمام عبدالرحمن -رحمه الله- يمشي فيها طيلة سفره إلى مكة وأكثر ما يمضي ساعة من النهار او ساعة وزيادة إذا طال به السير وحينا يمشي أقل من ذلك قدر ثلثي ساعة.. وقد طلب مني -رحمه الله وغفر له- أن أكون في صحبته بالسيارة ولكني أبديت له عذري بأن معي والدتي ومحارم كثيرة لابد من مسيري معهم وطلبت منه السماح لي بذلك وأن أسير مع الجيش الذي فيه الراية وفيه محارمه كلهن فوافق على ذلك وكان يصحبه في السيارة أكبر أبنائه بعد صاحب الجلالة عبدالعزيز الأمير الكريم محمد بن عبدالرحمن آل فيصل وعلى جنبتي السيارة غلام له خاص ظاهره الصلاح يدعى سرور وخادم له يدعى عبدالعزيز بن بخيت.. وكان مع الجيش ابنه الأمير أحمد بن عبدالرحمن وابنه الأمير مساعد بن عبدالرحمن.. وكان الجيش فيه الراية ومجموعة كثيرة من الجند يسير في الغالب آخر الليل.. وفي آخر هذه السنة حج الملك العظيم عبدالعزيز قدس الله روحه على الرواحل والجيوش الكثيرة والرايات تتبعه وقاضي هذه الجيوش كلها سماحة الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ يركب على راحلته ويتبارى مع جلالة الملك سويا وفي أوان ذلك أورد صاحب الجلالة عبدالعزيز في الخارج في آخر هذه السنة ثماني عشرة سيارة ووصلت إلى مكة بعد وصول جلالته بالجيوش التابعة له وركب في السيارات المذكورة في ذهابه إلى المسجد الحرام ورجوعه منه وتجوله في شوارع مكة. ثم بعد ذلك خرج في عدد سياراته المذكورة ومن معه من بعض حاشيته وخدامه وانتظر قدوم والده عليه في المكان الذي يسمّى (عشيرة) وتلقى والده وهو يمشي على رجليه وقبّل يده وجبينه ورأسه وسأله سؤالاً حفياً عن صحته وعسى انه لم يتكلف. وأجابه والده بأنه بصحة تامة ومكث مع والده في عشيرة آخر اليوم الذي قدم فيه والده الإمام عبدالرحمن وفي الصباح ركب مع والده في سيارته وتوجه الجميع إلى مكة المكرمة واحرموا كلهم من السيل قبالة الجبل المسمّى قرن المنازل ومشت سياراته المعدودة خلفه وخلف والده حتى وصل الجميع إلى مكة المكرمة.
* آخر حجة لسماحتكم..؟!
- عام 1386ه.
* قلتم أنكم تؤمون الإمام عبدالرحمن -رحمه الله- وقتذاك بالصلوات الخمس في مسجده نود أن نتعرف على بعض جوانب من حياته كما رأيتموها؟!
- كان الإمام عبدالرحمن -رحمه الله- من أعظم الرجال العباقرة الصالحين وكان من أعظم الناس مسارعة إلى المسجد وأداء للصلاة فيه ليل نهار. وكان مشتهراً بالإيمان والتقى والصلاح وكثرة العبادة وتلاوة القرآن وكان من أعظم عباقرة الرجال صلاحا وصدقا مع ربه واخلاصا في عمله وكان في البلد يحافظ على أوراد دينية شرعية تتضمن دعوات صالحة أول النهار وآخره. فكان يجلس بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس يسبح ويستغفر ويدعو في جلوسه. فإذا ارتفعت الشمس صلّى أربع ركعات ثم دخل إلى قاعة قصره وطلب المصحف وقرأ بعد ذلك ثلاثة أجزاء من القرآن قبل أن يطعم شيئاً وقبل أن يجلس للسلام عليه. ثم بعد ذلك يلبس ثيابه ويجلس للناس مجلساً حافلاً ويحضره غالبا بعض العلماء في ذلك المجلس وينظر فيه وكله إليه ابنه الملك عبدالعزيز من أحوال الرعية وكان -رحمة الله عليه- مشغوفا بحب سماع القرآن وحب سماع كتب السنة وله أوقات اخرى تحل عليه بعض كتب السنة وشيء من مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.. هذا في مجلسه بعد صلاة الظهر. وأما بعد صلاة العشاء فإنه كان -رحمه الله- يؤخر صلاة العشاء إلى الساعة الثالثة ليلاً تقريباً طلباً للأفضل ثم يصلّي العشاء معنا جماعة ويجلس مجلساً طويلاً حافلاً فيه بعض أعيان المواطنين وفي الغالب يحضره بعض العلماء وخصوصا منهم الشيخ حمد بن فارس وكان لا يتخلف عن هذا المجلس أبدا إلا من عذر شرعي وكان -رحمه الله- يجلس هذا المجلس حتى ليالي الأعياد وكنت أقرأ عليه في التفاسير وفي كتب الحديث زمنا طويلا وكان يحب إطالة القراءة جدا وقد أكملت عليه تفسير الإمام ابن كثير وتفسير الإمام البغوي وصحيح الإمام البخاري ثم بعده صحيح مسلم ثم بعدما أكملت عليه قراءة الصحيحين أمرني أن أقرأ في مسند الإمام أحمد. وكان رحمه الله إذا خلا وحده في غرفته الخاصة المملوءة بالكتب يديم المطالعة فيها ولو كان وحده وكان عنده كتب كثيرة من كل فن حتى كتب الطب. وكان رحمه الله له خبرة تامة وفهم ثاقب ومعرفة لما تدل عليه الأحاديث.
وهذا قليل من كثير من سيرته ولا يمكن استقصاء سيرته كلها طيلة حياته.
* حديث الذكريات لا ينقطع لدى الشيخ وعندما يمسك بهذا الخيط فهو يشعر برغبة جامحة في البقاء داخل دائرته.. ولكن ماذا عن حياته والبداية التي حددت مسار هذه الحياة الحافلة؟
عندئذ اعتدل الشيخ وعاد بصره شاردا يتأمل في البداية..
- اتجهت إلى العلم الشريف مبتدئا بكتاب الله العزيز منذ الصغر وأدخلني والدي العالم العلامة الشيخ حسن قدس الله روحه المدرسة عندما بلغت السابعة من العمر وكانت المدرسة في زماننا الأول عبارة عن مبنى من الطين واللبن وفي داخلها ما يزيد على ثمانين تلميذا وعند هؤلاء التلامذة من الطاعة وحسن السلوك ما الله به عليم وبعد أن درست القرآن نظراً وحفظته حفظاً جيداً في آخر السنة السابعة ألزمني والدي أن أدرسه عليه حتى اكملته وطابت نفسي بقراءتي عليه نظراً وأتقنته إتقاناً جيداً ثم ألزمني والدي -رحمه الله- بغيب القرآن وأنا في السنة الثامنة واجتهدت في ذلك جيدا ولازمني والدي على ذلك فأكملته حفظاً عن ظهر قلب في آخر السنة التاسعة.. ومن ثم قرأته على والدي غيباً مراراً وتكراراً ثم ألزمني بالقراءة عليه في كتب الأصول ومجموعة التوحيد والزمني أيضاً بالقراءة في هذه الكتب المفيدة على عالم نجد المشهور الشيخ عبدالله بن عبداللطيف وشرعت أقرأ على هذين العالمين العظيمين لمدة طويلة وكان الشيخ العلامة الجليل عبدالله بن عبداللطيف أكبر علماء نجد وأشهرهم وكانت له اليد الطولى في التعليم والإفادة وسعة العلم وكان والدي -رحمه الله- طويل الباع واسع الاطلاع في العلوم وكانوا يسمونه في وقته (فقيه آل الشيخ) ثم مازلت أثابر على طلب العلم على هذين العالمين الشهيرين وأبذل جهودي في الطلب واحرص على التحصيل على الفوائد وأكتب بقلم يدي من مسائل العلم ما أشكل علي وأسأل عنه والدي الشيخ حسن ووالدي الشيخ عبدالله بن عبداللطيف ونفعني الله بهما وبعلومهما نفعا عظيما وذلك من توفيق الله جل شأنه وبصرف النظر عن إكرام والدي لي وما يجده الوالد لولده من الحنان والشفقة والمحبة العظيمة فكان الشيخ الإمام عبدالله بن عبداللطيف -رحمه الله- يبالغ في إكرامي بشيء لا أرى نفسي كفؤا له ولا أهلا له حتى من مزيد اكرامه -رحمه الله- انه إذا رآني دخلت في الحلقة وقبلي من الطلبة أناس كثير قدمني وأمرني أن أقرأ وهم جلوس. ثم بعد وفاة أكبر علماء نجد ذاك الوقت وأشهرهم أعني به الشيخ عبدالله بن عبداللطيف لازمت القراءة والطلب على والدي قدس الله روحه وقرأت أيضاً على الشيخ العلامة المحدث الكبير سعد بن عتيق. وقرأت أيضاً على الشيخ حمد بن فارس وقرأت أيضاً على الشيخ عبدالله بن راشد في علم الفرائض لأنه هو فنه وهو مشهور بذلك ثم بعد فقد هؤلاء المشايخ الأجلاء قرأت على الشيخ محمد بن عبداللطيف وعلى الأخ الشيخ عبدالله بن الشيخ حسن رئيس قضاة الحرمين الشريفين رحمهم الله. وقرأت أيضاً على الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله. وكانت قراءتي على هؤلاء المشايخ كلهم -رحمهم الله- في علم التوحيد وعلم الأصول وفي الأمهات الست وشروحها وفي تفسير القرآن الكريم وكان هؤلاء المشايخ المذكورون يجلسون لطلبة العلم في بيوتهم وفي المساجد.. وكنت أحفظ عن والدي قدس الله روحه في اليوم والليلة ستة مجالس للطلبة في تعليم العلم.
* وسألناه عن القراءات المعاصرة..
- لقد طالعت كتبا كثيرة من كتب علماء العصر ومن أجلهم تفسير السيد رشيد رضا -رحمه الله- وتفسير السيد قطب. وكنت أحب في الأخير الاطلاع على تفسير هذين العالمين وكنت أيضاً صاحب أرق شديد ونومي في الليل قليل جداً وفي بعض الليالي إذا لم أقدر على المنام أقضي الليل كله في مطالعة الكتب.. وبالجملة فتفسير السيد رشيد رضا وتفسير السيد قطب فيهما فوائد عظيمة ولهما اطلاع واسع في العلوم غير ان تفسير كل واحد منهما لا يسلم من بعض الأخطاء وكل البشر عرضة للخطأ حتى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم والكمال المطلق لله والعصمة لرسل الله:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها
كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
* وعن العقاد؟
- قرأت شيئاً من بعض كتبه فوجدته كاتبا مجتهدا قديرا وعقيدته لا بأس بها فيما قرأت - من بعض كتبه.. إلا أنه ليس هناك في غاية من التحقيق الكامل ولا يوصف في العلم والإحاطة والفهم بالسيد رشيد رضا ولا بالسيد قطب.
* وعدنا نسأل الشيخ عن ابن تيمية وابن القيم باعتبارهما من العلماء الذين يعتز بهما الشيخ.
- أبو العباس شيخ الإسلام بن تيمية عالم عظيم مطّلع في جميع الفنون العلمية كلها ولا أعتقد أن يوجد له نظير في زمانه ولا بعد زمانه في كل فن من فنون العلم إلا ما شاء الله وقد عده بعض العلماء الأكابر من أهل وقته ومن بعدهم من أنه من أكابر أئمة السنة ويماثل الأئمة الأربعة رحمهم الله في سعة علومهم واطلاعهم وبعضهم يقول ان علم شيخ الإسلام ابن تيمية يعتبر معجزة من معجزات الرسول صلّى الله عليه وسلم .وأن علمه علم لدنّي وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ولا يمكننا الآن البسط فيما أعطاه الله من العلوم الشرعية والعقلية والجدلية وما له في ذلك من سعة الاطلاع.. وأما تلميذه الحافظ العظيم شمس الدين ابن القيم فهو من أجل تلامذته وأوسعهم علماً وأكثرهم تصانيف وأكملهم تحقيقا في سائر العلوم وكان - رحمه الله- يشابه شيخه في الزهد والورع والصبر على الأذى في ذات الله وكان أيضاً -رحمه الله- آية في علم سير القلوب إلى الله ولله ما قدمه هذان الإمامان العظيمان من خدمات علمية عظيمة النفع جليلة القدر مشهورة الذكر لعلماء الفكر الإسلامي.. ومن الكتب التي قرأتها لهذين الإمامين العظيمين أجد ان كل مصنف لشيخ الإسلام في فن من الفنون موسوعة علمية عظيمة النفع وكذلك تلميذه. وقد ذكر بعض العلماء المحققين ان تصانيفه بلغت إلى خمسمائة مصنف وقيل غير ذلك. وقد انتشرت كتبه في هذا العصر الأخير وانتفع الناس بها في شرق الأرض وغربها وانتشرت أيضاً كتب تلميذه الحافظ ابن القيم ومصنفاته الكثيرة.. وإني أعتقد أن لشيخ الإسلام وتلميذه الحافظ كتبا كثيرة لا توجد الآن وتصانيف ابن القيم الموجودة الآن فيها من التحقيق والتدقيق والفهم الثاقب العظيم ما يدلك دلالة ظاهرة على انه أعلم أهل وقته وإذا تكلم في بحث تكلم في فن من فنون العلم قلت هذا الرجل لا يعرف إلا هذا الفن مما أعطاه الله ومصنفاته وان كانت موجودة بكثرة فإنها لا تبلغ تصانيف شيخه في العدد والكثرة.
* ومادمنا في الحديث عن العلم والعلماء نود أن نتعرف كما تتصورون على ابرز ابناء الامام الشيخ محمد بن عبدالوهاب الديني والمقدرة من ناحية التأثير.
- أولاد هذا الشيخ -رحمه الله- ستة وهم الشيخ علي بن الشيخ محمد والشيخ حسين والشيخ عبدالله والشيخ حسن والشيخ براهيم والشيخ عبدالعزيز وكلهم رحمهم الله علماء أجلاء جلسوا للتدريس وتعليم العلم في مدينة الدرعية بعد وفاة والدهم ونفع الله بعلومهم وتعليمهم خلقا كثيرا من أهالي نجد وظهر على أيديهم قضاة وعلماء ومعلمون ولازال ورثة هذا الإمام العظيم يتوارثون هذا العلم خلفا عن سلف إلى وقتنا هذا.
* الحوار مع الشيخ لا يمل حتى ولو تشعب وطال ولذلك لم نكن وقتها نحمل أسئلة محددة فهو بطبعه يكره التحديد بهذه الطريقة ويرغب الانطلاق في حديثه بلا قيود تتحكم في طريقة الحوار ومن هذا المنطلق انتقل الحديث كما أوردناه إلى المغفور له الملك عبدالعزيز وكأننا حركنا شجون الشيخ وسحبنا الشريط العزيز في ذكرياته.
بدأ الشيخ يتكلم وعندما يتكلم هذا الرجل فثمة شعور يداهم المرء بالإصغاء بكل جوارحه..
- أنا لا أغالي في مدح هذا الملك العبقري الفذ عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله رحمة واسعة- فإن لدى هذا الملك عقيدة إسلامية سلفية صالحة وكان - رحمه الله- على جانب عظيم من الديانة والأمانة والصلاح والرغبة فيما عند الله والخوف من عذابه يشهد له بذلك كل من عرفه وكان مرتبا بعض أوقاته على الدروس العلمية وقراءة الكتب الدينية وقتا في النهار ووقتا في الليل بعد العشاء على الرغم مما هو مشغول به من مشاغل الملك والجهاد بنفسه وتجييش الجيوش الجبارة وكان -رحمه الله- قد أحال تصاريف الأمور الداخلية وتدبير القضاة والأمراء في تعيينهم وعزلهم إلى والده الإمام عبدالرحمن في صحته وحياته. وكان جلالته من أشجع الملوك وأعظمهم صرامة وحزماً وأقواهم بأساً وأشدهم جرأة وأسدهم رأياً وأحسنهم سيرة وأصلحهم علانية وسريرة وكان آية عظيمة في السخاء والجود وبذل المعروف على أمته وشعبه حاضرة وبادية من قوي وفقير كل على قدره. وكان إذا جاد على أحد بالمعروف والإحسان لا يعرف منه المن والأذى على من أعطاه قليلاً كان أو كثيراً وكان يكرم رجال العلم والدين إكراماً لا أعلم له نظيرا وكانت صدقاته العظيمة في شرق المملكة وغربها تحملها السيارات إلى الناس في أوطانهم من الحاضرة والبادية. وإذا علم من أحد أن أحدا من المسلمين أصابته نكبة في شيء من ماله أو حرثه أو تجارته مد له يد العون واغاثه، وكان -رحمه الله- كثيراً ما يقول هذا مال الدولة ليس مالي ولا مال أولادي ولا كافة أسرتي بل كل المسلمين لهم فيه حق.
وقد سمعته غير مرة يقول.. العدل كل العدل في حق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي يقول (والله لئن أحياني الله إلى قابل ليأتين الراعي في جبل صنعاء حقه من بيت هذا المال وهو في مكانه) هذا العدل الذي ينبغي ان يذكر ويثنى على صاحبه ويشهر.. وكان أيضاً -رحمه الله- من أعف الناس ضميراً وأطيبهم وأعفهم عرضا شبابا ومشيبا.
وكان -رحمه الله- كثير العفو لمن يستحق العفو إذا كان ضعيفا ولا ناصر له إلا الله أما إذا كان الإنسان مجرما متمردا يسعى في الأرض وفي المجتمع فسادا فإنه لا يرقب فيه إلاً ولا ذمة.
ويقول ليس عندي لأصحاب الجرائم إلا السيف. لأنه لا يمكن أن أصلح رعيتي إلا بذلك. وقد كان -رحمه الله- رحيما بالرعية متحببا لهم بما يعمل معهم من أعمال خيرة صالحة دينية وقد كسب قلوب الناس بحبه. وكان كثير عمارة المساجد في مملكته حتى قال لي بعض من أثق به ان الذي عمر للبادية بعد تحضرها للهجر ما يزيد على ستمائة مسجد.. أما عمارته لمساجد الحاضرة فهذا شيء معروف يعلمه كل أحد.. اما ما كان منه في نصرة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرته الشديدة على حرمات الله فحدث ولا حرج. أما الزامه لي برئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكان ذلك في عام 1346ه وقد صدر أمره علي مرارا عديدة بالحج معه إلى مكة المكرمة في طائرته ودارت بين جلالته وبيني بحوث خاصة بمحضر يوسف ياسين والسيد الكيلاني ولقد عرض علي مرة ونحن في الطائرة وردا حافلا ألفه وجمعه من كتب السنة جامعا أدعية كثيرة شرعية. وقال لي طالع هذا الورد وان رأيت فيه شيئا لا ينبغي فأخبرني. فأخذته وتصفحت شيئا قليلا من صفحاته.. وسألت جلالته.. هل اطلع عليه أحد من المشايخ الكبار، فقال نعم اطلع عليه اخوك الشيخ عبدالله بن حسن والشيخ محمد بن ابراهيم واستحسناه جدا. فقلت لجلالته طالما ان الشيخ عبدالله والشيخ محمد رحمهما الله قد اطلعا عليه فلا بعدهما احد يعلم علمهما او يدرك فهمهما ولا أرى اني اتصفحه كله.. وقد أجازه الشيخ عبدالله والشيخ محمد رحمهما الله وفي عام 1369 من الهجرة. بعدما عاد جلالة الملك من سفره من مصر اقتضى نظره أن يصلي هو بعض وجنوده وحراسه وكثير من رجال الدفاع في مسجد قريب من قصر السقاف فألزمني بخطابته فامتثلت أمر جلالته.. وكان -رحمه الله- شديد الخوف من ربه كثير البكاء من خشيته إذا سمع الخطب لم يتمالك من نفسه حتى يعظم بكاؤه ويشتد خوفه من ربه يعرفه بذلك الخاص والعام ممن يصلّي معه من العلماء وغير العلماء..
* بقدر ما نحن في حاجة أن تلعب هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دورها الديني المشرف الذي رسمته لها فنحن أحوج ما نكون إلى توسيع هذا الدور ولكن كيف..؟
- رأيي أنه لو يكون لهم معهد علمي يزيد في معلوماتهم ومعرفتهم المعرفة العامة لما دل عليه الشرع الشريف حتى يتمكنوا خبرة ومعرفة فيما يترتب على قيامهم بهذه الرسالة الإسلامية الخالدة ويعرفوا المصالح والمفاسد فيما يأمرون به وينهون عنه ويعرفوا أيضاً القاعدة المعروفة ان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فسيكون ذلك زيادة فيما لدى بعضهم من معلومات. وقد سبق أن صار بحث مع صاحب الجلالة الملك فيصل حرسه الله في هذا الشأن فرأينا منه تجاوبا طيبا ووعد بهذا الطلب.
وجرتنا مرونة الشيخ وتفهمه لما هو مطلوب من الهيئات لنكون أكثر جرأة.. فيقول إن بعض المنتسبين لهذه الهيئات الدينية لم يقوموا بكل الواجب في ناحية تقريب الناس المهمة التي من أجلها نذروا أنفسهم للقيام بها.. وكان الشيخ يتوقع منا هذا السؤال.. فأجاب بكل هدوء!
ان لدى هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعليمات شرعية مقتبسة من الكتاب والسنة يسيرون عليها كما جاءت بذلك الشريعة أولاً: نصح الناس وإرشادهم في أمرهم ونهيهم والتمشي مع الناس بالرفق والحلم واللين ووضحنا لهم على ذلك الادلة من نصوص الكتاب والسنة وحذرناهم من الشدة والغلظة والقسوة مع الناس عملا بقول الله عز وجل {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ويقول الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلم: (بشّروا ولا تنفروا.. ويسّروا ولا تعسّروا).. وبقوله: (ان الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله). ولقوله صلّى الله عليه وسلم أيضاً: (ما وضع الرفق في شيء إلا زانه. ولا نزع من شيء إلا شانه) اللهم إلا إذا كان صاحب المنكر معاندا متمردا لا يرعوي لحق ولا يترك ما هو فيه فهذا يعامل بالقوة ويلجم بلجام الحق حتى يخضع لأوامر الشرع.. أما القيام بالواجب كله فلا يدعيه حتى ولا عمر بن الخطاب ولكن من أعظم فضل الله وكرمه على هذه الحكومة المسلمة تأييدها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما حصل من صاحب الجلالة الملك فيصل حفظه الله من تأييدها ورفع مستواها ماديا ومعنويا فإن ذلك أكبر عون على جلب المصالح وقلة المفاسد وقطع دابرها ولا نزال دائما وأبداً نمد رجال الهيئات بالنصائح الغالية مشافهة وكتابة.. وقد كان لهذه النصائح وقع كبير وأثر طيب حسن.. وكانت مساعيهم تحوم على الشرع المطهر الذي رسمه رسولهم صلّى الله عليه وسلم.. وكذلك نحذرهم عن الخطاب القاسي مع الناس والرعونة في الكلام وان يبتعدوا عن الشتائم والسباب.. ومن حصل منه ما يخالف الشرع ويتمادى في ذلك عاملنا بالفصل عن العمل.. ومن خصالهم الحميدة انهم بعيدون عن التجسس على المسلمين وتتبع عوراتهم.. وقد ذكر الإمام الحافظ ابن القيم -رحمه الله- ان انكار المنكر إذا تولد منه ما هو أنكر فإنكار هذا المنكر هو المنكر..
* وانتقلنا من هذه الأحاديث إلى السفر ورحلات الشيخ.
- نعم لقد سافرت للخارج ثلاث مرات للعلاج وكان علاجي في لندن وأجريت عملية تكللت بالنجاح والشفاء التام.. وسافرت مرة ثانية إلى لندن لإجراء عملية أخرى ونجحت نجاحا تاما. ومررت في هذه السفرة على إيطاليا وعلى إسبانيا.. ثم رجعت إلى الوطن سالماً معافى.. ومرة ثالثة سافرت إلى القاهرة للعلاج وانتفعت ولله الحمد والمنة بالعلاج في هذه السفرة ومنّ الله بالشفاء..
تعليم المرأة
تعلم العلم شرف عظيم في حق الذكور والإناث ومازال العلماء سلفا وخلفا يعلمون أولادهم من الرجال والنساء علم الوحيين ويبصرونهم فيما أوجبه الله عليهم في أديانهم ويوضحون لهم ما أحل الله لهم وما حرم في أمر دينهم ودنياهم وآخرتهم وما فيه لهم الخير والصلاح في العاجل والآجل وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.