كل من له اتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أو من لديه نوع من الفضول في متابعة مسؤول كبير على (كرسي الاعتراف) الذي نسميه - حديثاً - (طاولة الحوار)، كان يرتقب حلقة برنامج (ساعة حوار) في قناة المجد الفضائية مساء الأحد 18 شوال 1426ه التي يعدّها ويقدّمها الأخ الفاضل: فهد السنيدي - وفقه الله -، والتي كان لدعايتها صدى جيد جذب كثيرين وكثيرات لمتابعة الحلقة، ولربما لمتابعتها وتسجيلها - معاً - كما فعلتُ وفعلتْ بعض صديقاتي لأهداف مختلفة. يرجع هذا الاهتمام بالدرجة الأولى إلى جاذبية ما يُثار حول جامعة الإمام من انتقادات سلبية متعدِّدة، كثير منها مجرد انسياق وراء ادعاءات خارجية تسعى في جوهرها إلى زعزعة أمن بلاد الحرمين الشريفين - لا قدَّر الله - من خلال زعزعة الثقة في مؤسساتها التعليمية الرئيسة؛ لأن البيئات الخارجية التي تُصدّر هذه الادعاءات من مطابخها الفكرية لها تاريخها المجيد - عند أهلها - في الحرب ضد الدين ورفضه، ويبدو أن لدى الناس - في مجتمعنا - حباً لجلد الذات من خلال الاستمتاع المبالَغ فيه بسلخ ما ينتمون إليه وينتمي إليهم ؛ ظنّاً أن هذا هو طريق النقد الذاتي البنَّاء، والحوار الحضاري المنتِج، وتصحيح الخطأ، وإتمام الناقص، وإقامة الإصلاح. كنتُ متحمسة وأطمح أن تقدِّم الحلقة رؤية مشرقة لواقع الجامعة، لمدير الجامعة، لمنسوبي الجامعة، لدور الإعلام الهادف في تحرير الواقع من شباك التضخيم والادعاء، ولكنها فيما يبدو لي خرجت عن سيطرة الأخ السنيدي الذي لا ننفي جهده في إعداد الحلقة والسعي إلى تحقيق رؤية عادلة للجامعة كما تعودنا في حواراته السابقة؛ إذ غلبت جوانب الإثارة الإعلامية، فأُديرت بطريقة كرست النظرة السلبية السائدة بأغلاطها الكثيرة وتحاملاتها المصابة بسمنة مفرطة ظهرت في أن كل ما أُعد من أوراق مدير الحوار كان اتهامات إعلامية ومساءلات استجوابية تكاتفت المكالمات المتنوِّعة في دعمها، مما أبرز دور الإعلان المسبق عن محاور الحلقة بصورة سلبية من جهة تحكمه فيما سيُطرح فيها، والإيحاء للمشاهدين والمشاهدات أن المطلوب هو السلبيات فقط، وتحكمه أيضاً في الردود المتوقّعة من معالي مدير الجامعة، الأستاذ الدكتور: محمد بن سعد السالم - حفظه الله وسدَّد خطاه للخير - تحت هذا الضغط الاستفزازي والمكثف عليه وحده.. مباشرة وأمام الملأ! استقرار الأمن الفكري ضرورة لنا في القضايا الداخلية والخارجية كلها، وقضية جامعة الإمام وما يُثار حولها تدخل ضمن هذا الهم وهذه المسؤولية الصعبة في ضبطها بضوابط المنهجية العلمية النقدية المنصفة، وإن كان البعض يتحرَّجون من الدفاع العلمي عن الجامعة وأهلها؛ خوفاً أن يُفسَّر بالمجاملة وما يتبعها؛ فإن الحق أبلج، والمنهجية التي ربَّانا عليها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - امتثالاً لأوامر الدين الحنيف وسنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفه في تعميقها وتوثيقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه -، وكثر تأكيد سمو وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز - حفظه الله - عليها كثيراً، وبخاصة على أهل العلم والبحث العلمي وشباب الوطن من الذكور والإناث، هي منهجية تسمو فوق أي عوائق وهمية أو هشة تنتج عن التفسير السلبي للموقف العلمي والواجب الوطني؛ لذا نطرح هذه اللفتات التي نرجو أن يتأملها القارئ بإنصاف ورغبة صادقة في التقويم: 1 - من المعروف أن الحوار يطرح القضايا بموضوعية؛ خِلوًا من أي إيحاءات ضاغطة بموقف ما، إضافة إلى أن جوانب القضية يجب أن تشمل السلب والإيجاب على حد سواء، ولا تقتصر على السلب فقط بوصفه الواقع المُعانى منه، وتُبعد الإيجاب بوصفه الحلم المأمول بتحقيقه، ولو بعد سنين، أو بوصفه ليس مجال الحلقة؛ وما لا يحمل الطرفين ليس بحوار، وإنما يدخل في إطار الجدل وتفرعاته. 2 - لا يُقبل أن يضيع احترام أصحاب المعالي ومقاماتهم في ظل الدعاية الإعلامية إلى الحوار الذي يُسيّر شخصية الضيف كما يُريد المُضِيف وجمهوره أو كما لا يريدون؛ بسبب فقدان السيطرة على توجيه الحوار نحو الإفادة والإنصاف؛ فنحن نبحث عن حوار يحترم الأشخاص، ويُظهر الحقائق بنسبها الواقعية، ويفرق بين الادعاء، والواقع، والطموح المأمول، والممكن الآن وبعد سنوات، وغير الممكن أبدا. 3 - لمعالي مدير الجامعة مهام معينة يعرفها من يطلع على لائحة (نظام مجلس التعليم العالي والجامعات)، ونحن - بالتأكيد - تنقصنا ثقافة اللوائح والأنظمة التي يجب أن نقرأها ونفهمها قبل الدخول في دائرة النقد والجدل حولها؛ واللوائح الهامة في هذا السياق كثيرة، وجُمع أغلبها في موقع جامعة الملك سعود، خانة الأنظمة واللوائح مثل: اللائحة المنظمة لشؤون منسوبي الجامعات السعوديين من أعضاء هيئة التدريس ومَن في حكمهم، واللائحة الموحدة للبحث العلمي في الجامعات، واللائحة المنظمة للشؤون المالية في الجامعات، والقواعد المنظمة للجمعيات العلمية في الجامعات السعودية، ولائحة توظيف غير السعوديين في الجامعات السعودية، ولائحة الدراسة والاختبارات للمرحلة الجامعية، واللائحة الموحدة للدراسات العليا في الجامعات السعودية؛ إضافة إلى أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قد طبعت دليلاً للجامعة عام 1425ه - 2004م فيه تعريف واف بالأنظمة وبأرقام المسؤولين ومهامهم، لا يضيع من يتتبع شأنه فيه. وفيما يخص معالي مدير الجامعة، فلا جدال في أنه مسؤول مسؤولية كاملة عن كل صغيرة وكبيرة، ولكن الأصل هو تركيز اللقاء على مهام معاليه الخاصة التي نصت عليها اللوائح والأنظمة بعيداً عن الشؤون الشخصية التي ترجع إلى جهات إدارية أخرى تهتم بها اهتماماً مباشراً؛ فما ذكرته لائحة نظام مجلس التعليم العالي والجامعات عن ماهية معالي مدير الجامعة ومسؤولياته المباشرة وفقاً للمادة الثالثة والعشرين، والرابعة والعشرين، والخامسة والعشرين كالآتي: (يُعيَّن مدير الجامعة ويُعفى من منصبه بأمر ملكي بناء على اقتراح وزير التعليم العالي، ويكون تعيينه في المرتبة الممتازة وتُطبَّق عليه أحكام موظفي المرتبة الممتازة). (يكون مدير الجامعة مسؤولاً أمام وزير التعليم العالي طبقاً لهذا النظام، ويتولى إدارة شؤونها العلمية والإدارية والمالية، ويشرف على تنفيذ هذا النظام ولوائحه وقرارات مجلس التعليم العالي ولوائح الجامعة وقرارات مجالسها، ويمثِّل الجامعة أمام الهيئات الأخرى، وله أن يفوّض بعض صلاحياته). (يقدم مدير الجامعة لوزير التعليم العالي تقريراً عن شؤون الجامعة ونواحي نشاطها عن كل سنة دراسية في موعد لا يتجاوز الشهر الرابع من السنة الدراسية التالية لها، وذلك طبقاً للعناصر التي يضعها مجلس التعليم العالي، ويتم إقرار التقرير من قِبل مجلس الجامعة المختص، وعلى وزير التعليم العالي رفع التقرير إلى مجلس التعليم العالي، ويناقش التقرير في أول دورة للمجلس تمهيداً لرفعه إلى رئيس مجلس الوزراء)، وهو (رئيس اللجنة العليا لسياسية التعليم ورئيس مجلس التعليم العالي: خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -) وفقاً للمادة الثانية عشرة. والشخص الذي يلي مدير الجامعة في المسؤولية هو وكيل الجامعة، وله ما يخصه من أحكام، ويهمنا المادة السابعة والعشرون التي تقول: (يُعاون الوكلاء مدير الجامعة في إدارة شؤونها، وتحدد اللوائح صلاحيتهم، ويقوم أقدمهم عند تعددهم مقام مدير الجامعة عند غيابه أو خلو منصبه)؛ فالمسؤولية مشتركة وفق تراتب نظامي معلن. كذلك هناك ما يسمى المجلس العلمي الذي يختص بكثير من الأمور التي طُرحت في الحلقة؛ فرئيس المجلس العلمي هو وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي وفق المادة التاسعة والعشرين، واختصاصات هذا المجلس توضحها المادة الثامنة والعشرون كالآتي: (ينشأ في كل جامعة مجلس علمي يتولى الإشراف على الشؤون العلمية لأعضاء هيئة التدريس وشؤون البحوث والدراسات والنشر، وله على الخصوص: 1- التوصية بتعيين أعضاء هيئة التدريس بالجامعة. 2 - البت في الترقيات العلمية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة وفق القواعد التي يقرها مجلس التعليم العالي. 3 - تشجيع البحث العلمي والتأليف والترجمة والنشر وله في سبيل ذلك: أ - وضع قواعد لتشجيع إعداد البحوث العلمية. ب - اقتراح إنشاء مراكز البحث العلمي. ج - التنسيق بين مراكز البحث العلمي ووضع خطة عامة لها. د - تنظيم الصلة مع مراكز البحث خارج الجامعة. ه - تحديد المكافآت التشجيعية والتقديرية للأعمال العلمية وتحكيمها والأمر بصرفها. و - نشر البحوث والمؤلفات والرسائل العلمية التي يرى نشرها. ز - التوصية بإصدار الدوريات العلمية. ح - التوصية بإنشاء الجمعيات العلمية والمتاحف والتنسيق فيما بينها. ط - إقرار ما يُحال إليه من الكتب الدراسية والرسائل الجامعية التي تحتاج إلى مراجعة. 4 - تقويم الشهادات العلمية التي يتقدم بها أعضاء هيئة التدريس السعوديون. 5 - النظر فيما يحيله إليه مجلس الجامعة). ومجلس الجامعة وفقاً للمادة التاسعة عشرة يتألف من (وزير التعليم العالي رئيساً، ومدير الجامعة نائباً للرئيس، ووكلاء الجامعة، ثم أمين عام مجلس التعليم العالي، والعمداء، وثلاثة من ذوي الخبرة يعينهم وزير التعليم العالي لمدة ثلاث سنوات)، وفي هذا المجلس نرى السلطات فيه موزعة ومشتركة، ومَن يريد تحقيق ما يصبو إليه أو حل الإشكال الذي يواجهه عليه أن يعرف المسؤول المباشر عن قضيته؛ ليختصر الزمن والجهد النفسي والفكري والرياضي في مطاردة القضية عند غير أهلها، وإن أعياه الأمر، فمعاليه لن يهمل ما يُرفع إليه؛ لذا فإن ما لحظناه من نفي معالي مدير الجامعة لكثير مما وُجه إليه كاتهامات وقصور لم يكن إنكاراً للقضايا والإشكالات للتخلص من مواجهة مسؤوليتها أمام شاشات التلفاز، وإنما هو احترام لقاعدة معروفة هي: ما كل ما يُعلَم يُقال، وبخاصة أمام الملأ؛ لأن لكل مقام مقالا؛ فمعاليه على اتصال يومي بأطراف الجامعة من خلال ما يزوّده به الوكلاء والعمداء من تقارير فيها متابعة دقيقة ورصد يومي لوقائع الجامعة باختلافها، مما جعل من الحكمة صرف النظر عن بعض القضايا والحقائق الصالحة للمناقشة في سياقات خاصة جداً، لا مصلحة ولا فائدة من طرحها للرأي العام؛ لأن الأصل هو التوجيه لما يخدم الصالح العام قبل الخاص. 4 - يبدو أن الموقف النفسي السلبي المشاع من جامعة الإمام يتضخم ويتحول من إحساس مجرد إلى حجر عثرة محسوسة حتى ممن هم في داخل الجامعة؛ بسبب زيادة شعورهم بالغربة الاجتماعية والثقافية والإدارية وسط ما تسلط الأضواء الخارجية والداخلية عليه من انتقادات وادعاءات متنوِّعة دون محاولة جادة لضبط هذا الشعور ومعالجته في ضوء المعطيات الواقعية التي لا تجعل له مسوغاً مقبولاً! ما زلتُ أذكر أول يوم دخلتُ فيه الجامعة قبل عامين، وقد سألتُ إحدى الصديقات الدارسات فيها لسنوات طويلة، وأعطتني تصوراً مرعباً جداً، درجة أنني بكيتُ وأنا أدخلها وحدي وتمنيت من أعماق أعماقي أن تكون أمي معي، وأنا أمشي خلفها متمسكة بعنف بطرف عباءتها، وهي تغامر في المقدمة وتسأل عن جدول الماجستير، والقاعة الدراسية، وغيرها كما كنا في الفصل الأول الابتدائي.. لكن للأسف كان تحقيق الأمنية محالاً؛ لأنها - حفظها الله - كانت في أيام الحداد على أبي - رحمه الله -.. ولقد كنتُ أرى كل شيء مثل كل شيء اعتدتُ عليه إلا أن الفزع النفسي الذي نقلته إليّ تلك الصديقة حوّل يومي الأول إلى كابوس بلا أشباح، وبمجرد خروجي من الجامعة ذلك اليوم ندمتُ أشد الندم على استشارة أحد وتصديقه، وعلى وضع نظارة واقية تمنعني من رؤية حقائق الأماكن والأشياء؛ رغبة في الدخول بوعي؛ لأن الآخرين قد يعدمون وعينا المنصف أحيانا. 5 - جامعة الإمام واجهة للوطن، لا تقف وحدها، وقد اختبرتها ما استطعتُ حتى أحببتها عملياً وعلمياً؛ إذ تحوي أطيافاً من البشر يمثلون شرائح المجتمع كلها بنفسياتهم المختلفة، وهممهم المختلفة، وآمالهم المختلفة، ومن الطبعي أن نجد من يُقصر في مسؤوليته المباشرة مثل الذي يقوم بها على أكمل وجه، ولم يكن الأمر ليُعيينا في رفع الأمر إلى معالي مدير الجامعة سواء بالاسم الصريح إن كان الأمر يخصنا، أو باسم من نُعينهم عبر فاكس مكتبه المباشر والمنشور في موقع الجامعة، في ضوء الالتزام بالإيجاز وتحديد الإشكال والحلول المقترحة إن وُجدت... وكلها كانت تمضي على أحسن ما يرام.. وما يخص مركز دراسة الطالبات، فدوننا الوكيلات المسؤولات، ومن بعدهن عميد المركز فضيلة الدكتور: محمد بن إبراهيم العجلان - حفظه الله - الذي شهدنا تواصله قبلاً مع (الجزيرة) تفاعلاً مع هموم الأهالي والطالبات أيام التماس الكهربائي في فرع البطحاء الفصل الدراسي الماضي؛ فالمسؤوليات متدرجة، وإذا قفز الشخص صاحبها المباشر عادت إليه؛ لأنه المسؤول عنها، وهي عمله الأساس. 6 - أخيراً، لعلنا نعيد النظر في تطبيقنا العملي للحوار والبرامج الحوارية في ضوء الوعي باللوائح التي أقرتها الدولة والإسهام في تطويرها وتقويمها بالطرق الفاعلة، وفي ضوء الحفاظ على احترام المقامات العلمية والإدارية، والحفاظ على إنجاح دور الإعلام الهادف في تقويم مسار تفكير المتلقين وطُرق تحاورهم؛ حرصاً على تحقيق الأمن الفكري الذي يقي الأشخاص من الانسياق وراء الحقائق المزيفة أو المضخَّمة والمثيرة من خلال الموازنة في الطرح النقدي، والاتزان في العرض الحواري في ضوء مساعي المملكة العربية السعودية للتعامل الحكيم والهادئ مع أي طارئ من طوارئ القضايا الفكرية بما يخدم الصالح العام؛ وسلامٌ على معالي (السالم)!