إنها قلوب الأمهات التي تضخ الحب ليلاً ونهاراً في شرايين الأبناء صغاراً وكباراً. إنه قلب لا يعرف أمراض القلوب فلا يضم حقداً وحسداً، ولا يطيق فراقاً وبعداً، ولا ينتظر ثناءً أو شكراً. يزداد حباً كلما وهب، ويتقد حناناً كلما وصب! أيجهل أحدنا هذا الأفق من الحب، والشوق، والبذل والعطاء، لا يجهله حتى من فقد قلب أمه فهو يراه في قلوب أمهات الحيوان والطيور والحشرات من حوله! إنه الحب الحقيقي، الصادق، الأزلي، بعد حب الله. سكن الحب قلوب البشر ففاقه حب الأم! ونبضت القلوب بفراق من نحب واشتعل قلب الأم ولهاً وولعاً! أكاد ألمح قلب أمي، بل أوشك أن أتحسسه وهو يتمزَّق كمداً لفراق فلذة كبدها الذي غادر لعالم لا عودة منه لعالمنا! ويكاد الحزن يشل هذا القلب لموت الحبيب فهو بكرها، ووحيدها من الذكور، فكان لها الزوج، والأخ، والابن الذي عرفت الأمومة بولادته بعد أن عاشت تسع سنوات تنتظر هذا المولود وهذا الحدث لتثبت به أنها امرأة ودود ولود. فعاشت أهازيج الأمومة معه طفلاً. وذاقت تباشير البر بكنفه رجلاً. تقاسمت أدوار الحياة معه لتجعل منه شاباً فتُسر، وتصل معه إلى مرفأ الأمومة فتراه أباً فتقر!! تتعهده تارة، وتتعهد أبناءه تارة أخرى، فهذا قلب الأم لا يكل من الدفق والرفق؛ يكبر كلما كبر الأبناء ويحيا كلما رآهم سعداء. صبراً قلب أمي عندما أرى تلك الدموع في عينيك فتخفينها عبثاً عني! صبراً قلب أمي وأنتِ تغالبين الكرى ليلاً دون جدوى! صبراً قلب أمي وأنتِ تنادين (فهد) ترينه أمامك خيالاً فيسقط اسمه سهواً! صبراً قلب أمي وأنتِ تترحمين عليه كلما أكلتِ وشربتِ فتجوعين فقداً! صبراً قلب أمي وأنتِ ترقبين جلسته في ركن غرفتك فتزدادين هماً! مضى عام على رحيلك يا فهد وها هو قلب أمك يشيخ أعواماً حزناً ولا تصدق أنك لن تعود!! ما أسعد الأبناء من الأموات بقلوب أمهاتهم من الأحياء!! فما يزيدهن ألم الفراق ولهيب الحزن إلا دعاء لهم، وترحماً عليهم، وتقرباً لله بالصدقات عنهم. وبهدايا من نفحات الاستغفار عنهم. جمعنا الله يا أماه به في جنات النعيم، وأسكن قلبك راحة الإيمان وحلاوة الصبر.