تعجز الحروف وتئن الكلمات وتذرف الدمعات وتسكب العبرات عندما نكتب مقالة نرثي بها أخاً عزيزاً وزميلاً فريداً وصديقاً حميماً وصاحباً مخلصاً، نعم إنه من الحق الواجب علي أن أعترف بفضل هذا الإنسان وأن أشيد بتلك الجهود العظيمة التي سارت بها الركبان عندما كان زميلاً لي في كلية المعلمين في الرس، إن أبا محمد رجل تميز يوم أن قل المتميزون وأبدع حينما ندر المبدعون وأقدم يوم أن كثر المتأخرون، أبا محمد كم أنت إنسان أرى فيك الإخلاص وألمس في عملك الإتقان وأحس من نبرات صوتك رغبة في الإنتاج. لقد تألمت كثيراً وأنا أرى هذا الإنسان وقد اشتد وجعه وتفاقم مرضه وقلت حيلته وضعفت قوته إلا بربه جل علا ولكني كنت أراه إنساناً صبوراً كما عهدته أيام صحته ونشاطه قد وكل أمره إلى ربه وتوكل على خالقه وفوض الأمر إليه وقد أيقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه إرادة نافذة وقضاء مقدر تستلزم قوة في الإيمان وثباتاً عند المصائب والملمات ليكون كل ذلك سبباً في تكفير السيئات ورفعة الدرجات من سابغ الرحمات ومقيل العثرات وغافر الزلات. عندما جاءني خبر وفاة أبي محمد قلت سبحان الله كم هي الحياة تجمع وتفرق وتضحك وتبكي، لا يؤمن كمالها من نقص ولا يحرم نقصانها من كمال، كم أنت أيتها الحياة عجيبة أيامك دول وساعاتك تقلبات ولله في خلقه شؤون. وعندما جاءني الخبر تذكرت أياماً جميلة ولحظات سعيدة قضيتها مع هذا الرجل، تذكرت تلك الجلسات واللقاءات والزيارات المتبادلة، لقد تذكرت كم مرة استيقظت قبيل الفجر على رنين الهاتف لتبث إلي مشكلة في عمل تريد إتمامه أو تقترح رأياً ترى وجوب طرحه وعدم التأخير فيه. وكم مرة يا أبا محمد سابقت الشمس في الطلوع وسبقك القمر في الغروب، نعم كنت أفرح باتصالك في الساعات الأخيرة من الليل وأقول في نفسي إن أمة فيها أمثال هؤلاء لهي أمة خير وفلاح. لقد صحبت هذا الإنسان فما سمعته في يوم من الأيام يتكلم عن نفسه أو يشكي حاله أو يطلب خدمة شخصية له فزاد إعجابي به وقلت مرة أخرى كم أنت إنسان فريد! رفع الله مكانتك وغفر ذنبك وأصلح ذريتك وخلف أهلك خيراً وجمعنا وإياك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.