تشهد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة العديد من الظواهر المختلفة أبرزها ضعف اليسار الإسرائيلي وانحساره بصورة كبيرة من على الساحة السياسية على الرغم من تاريخة المعروف، حيث قاد إسرائيل منذ نشأتها حتى عام 1948 - متمثلاً في حزب العمل - وكذلك في اكثر من دورة انتخابية بعد ذلك تحت قيادة رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين وشمعون بيريس وأيهود باراك ويعكس ذلك الانحسار نتائج استطلاعات الرأي المختلفة التي تجرى في إسرائيل والتي تظهر تنامي القوى المتطرفة بصورة كبيرة وتصاعد شعبية اليمين الإسرائيلي حتى اصبح هو الاتجاه المفضل لاغلب الإسرائيليين، بالإضافة إلى التوجهات السياسية لأعضاء حزب العمل أنفسهم ومعهم كافة قادة الأحزاب اليسارية الأخرى التي باتت ومنذ فترة طويلة في حالة من الانحسار والانهيار الواضح وهو الانهيار الذي لم يكن بسبب الانتفاضة كما يتصور البعض ولكن المتتبع لحالة اليسار الإسرائيلي سيكتشف أنه في حالة من الانهيار بدأت منذ اغتيال رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين حتى الآن ولقد بدأت ملامح هذا الانهيار تتمثل في إعلان عدد كبير من أعضاء الكنيست ذوي الاتجاهات اليسارية عن الابتعاد عن العمل السياسي برمته مثل عضو الكنيست عنات مؤور الذي يعتبر من أهم أعضاء حزب العمل والصديق الشخصي والمقرب من إسحاق رابين وشمعون بيريس وكبار قادة الحزب حتى ان الكثيرين ينظرون إليه على أساس أنه رمز لليسار الإسرائيلي كله بالإضافة إلى رئيس لجنة التخطيط بالحزب أمنون روبنشطاين الذي استقال من الحزب احتجاجاً على انصباب اهتمام الجميع سواء داخل حزب العمل أو في كافة الأحزاب اليسارية الأخرى مثل ميرتس وشينوى على تحقيق المصالح الشخصية والمكاسب السياسية العديدة بغض النظر عن المصلحة العامة أو أي شيء آخر وهو نفس ما اكده صراحة وزير الخارجية الأسبق وعضو اللجنة المركزية بالحزب شلومو بن عامي وقبله يوسي بيلين. والأمر نفسه ينطبق على الأحزاب اليسارية الأخرى مثل ميرتس حيث اعترف أوري سفير عضو حزب ميرتس بأن الحزب بصورة خاصة واليسار بصورة عامة اصبحوا مثل الماء لا طعم لهم أو رائحة وكذلك حزب شينوى الذي أكد رئيسه تومي لفيد أن اليسار الإسرائيلي يمر بأسوأ الظروف منذ إقامة إسرائيل عام 1948 حتى الآن وهو ما يؤدي إلى استقالة أعضاء الأحزاب اليسارية وشعورهم بأن تلك الأحزاب لم تعد تكفي طموحهم أو تحقق لهم المطالب السياسية التي يرغبون في تحقيقها وبالتالي اصبح الابتعاد عن الحياة الساسية والشعور باللامبالاة هو الاتجاه الذي يفضله أعضاء الأحزاب اليسارية وهو أيضا الحل الأسهل لهؤلاء الأعضاء سواء في حزب العمل أو غيره من الأحزاب اليسارية الأخرى المختلفة وبالتالي اصبحت خيبة الأمل الكبيرة من المناخ السائد في إسرائيل والذي يوحي بانسداد الآفاق السياسة المختلفة هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تلك الحالة التي وصل إليها حزب العمل وكافة الأحزاب اليسارية الأخرى على الساحة الحزبية الإسرائيلية بالإضافة الى مشكلة اكبر واهم ألا وهي فقدان الهوية السياسية لليسار الإسرائيلي ضمن محاولات ومساعي كبار قادته إلى مجاراة التطورات السياسية المختلفة ولعل توجه حزب العمل إبان تولي بنيامين بن اليعازر رئاسته وانضمامه في ائتلاف حكومي مع حزب الليكود بزعامة ارئيل شارون التي ترتب عليها تفكك حكومة «الوحدة الوطنية» يعكس صيرورة هذا الفقدان بعد أن كان متمثلا أساسا، وما ترتب بعد ذلك من فقدان حزب العمل لهويته السياسية التي من المفترض أنها تميزه عن حزب الليكود، بل وصول الأمر الى توحيد خطابه السياسي مع حزب الليكود وهو ما جعل الكثيرين يؤكدون ان انضمام حزب العمل الى الائتلاف الحكومي مع شارون هو البداية الحقيقية لانهيار الحزب وكافة الأحزاب اليسارية الأخرى ولا تظهر في الأفق أي مؤشرات تدل على انصلاح حال اليسار الإسرائيلي في المستقبل القريب وطالما استمر اليسار الإسرائيلي في الإخفاق في طرح برنامج وضعي يحدد ما الذي ينبغي فعله وليس فقط ما الذي يتوجب معارضته. فانه سيبقى مغتربا عن الواقع الإسرائيلي، غير فاعل فيه بشكل مغايرو هو ما يجب أن يلتفت إليه رئيس حزب العمل الجديد عميرام متسناع وكافة القيادات اليسارية الأخرى من اجل مواجهة اليمين المتطرف الذي يستمر في حكم إسرائيل ويسبب العديد من المشاكل المختلفة التي لا يدفع ثمنها إلا الإسرائيليون أنفسهم .