محافظ الأحساء يستقبل سفير باكستان لدى المملكة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان .. الأربعاء    عاجل .. بيان بشأن نتيجة انتخابات الغرفة التجارية بالرياض    ساوثجيت يرد على شائعات انتقاله لقيادة مانشستر يونايتد    الشؤون الدينية تعزز من خططها الاستباقية لموسم حج 1445ه    غيابات الهلال أمام النصر في ديربي الرياض    اعتماد الإستراتيجية العربية للأمن المائي في المنطقة العربية    الكويت ترفع سعر خام التصدير لآسيا لشهر يونيو    سيفول رحمات: مبادرة طريق مكة سهلت رحلة الحاج    تحت رعاية ولي العهد«سدايا» تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي سبتمبر المقبل    انطلاق الاختبارات الوطنية "نافس" في جميع مدارس المملكة للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة    بنك التصدير والاستيراد السعودي يوقّع اتفاقيتين لتمكين الصادرات السعودية غير النفطية    جامعة طيبة تحتفل بتخريج الدفعة العشرون من طلابها    ‫ وزير التعليم يتفقد مدارس الحدود الشمالية ومشاريع جامعة الشمالية    وصول أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من إندونيسيا    300 طالب يشاركون بحلول رقمية إبداعية في "برمجاثون"    "البنك الإسلامي" يجمع 2 مليار دولار    مساعدات طبية وغذائية ل3 دول من "سلمان للإغاثة"    ارتفاع عدد كوادر التمريض إلى 235 ألفاً في 2023    «الزعيم » لا يكل ولا يمل    أمير تبوك يطلع على إنجازات التجارة.. ويرأس اجتماع لجنة الحج.. اليوم    السعودية و31 دولة تشارك في تمرين «الأسد المتأهب»    إزالة 23 مظلة وهنجراً عشوائياً في أحياء الطائف    19710 مخالفين للأنظمة ضبطوا في 7 أيام    جامعة «مالايا» تمنح العيسى الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية    رابطة العالم الإسلامي ترحب بقرار الأمم المتحدة تبني قرار عضوية فلسطين    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    لزيادة حجم القطاع 10 أضعاف.. السعودية تطلق خارطة طريق الطيران    «البلدية»: إيقاف وسحب «المايونيز» من أسواق المملكة    حظر «الرموش الصناعية» على العاملات في تحضير الأغذية    هيئة الصحفيين السعوديين يقيم ندوة "المواقع الإخبارية التحديات والآمال"    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخريج الدفعة ال 20 من طلاب وطالبات جامعة طيبة    الخليج يطرح تذاكر مواجهة الاتحاد .. في الجولة 32 من دوري روشن    جامعة الملك سعود تتوّج ببطولة الرياضات الإلكترونية للجامعات    البصمة السينمائية القادمة    نحو سينما سعودية مبهرة    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    الذكاء الاصطناعي يتعلم الكذب والخداع    نسيا جثمان ابنهما في المطار    إبادة بيئية    تحسينات جديدة في WhatsApp    إنقاذ ثلاثيني من إصابة نافذة بالبطن    مواد مسرطنة داخل السيارات    بعض الدراسات المؤرشفة تستحق التطبيق    كبسولة السعادة .. ذكرى ميلادي الرابعة والأربعون    تنمية المواهب في صناعة الأزياء محلياً    لؤلؤ فرسان .. ثراء الجزيرة وتراثها القديم    " الأحوال" المتنقلة تواصل خدماتها    محافظ جدة يدشن مبادرة " العمل والأسرة"    أمير تبوك يطلع على إنجازات "التجارة"    إنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة طريق مكة آليًا    أرتيتا يحلم بتتويج أرسنال بلقب الدوري الإنجليزي في الجولة الأخيرة    الهلال يوافق على انتقال بيريرا لكروزيرو    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    روتين الانضباط وانقاذ الوقت    المراكز الصحية وخدماتها المميّزة    نائب أمير مكة يناقش مستوى جاهزية المشاعر لاستقبال الحجاج    سمو أمير منطقة تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج غداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس حسني مبارك: قيام مؤسسة الفكر العربي تحمل دلالات هامة
الأمير خالد الفيصل: ضرورة نبذ الخلافات العربية وإعادة المفكر العربي للتواصل مع قضايا أمته
نشر في الجزيرة يوم 28 - 10 - 2002

بدأت أمس الأحد تحت رعاية الرئيس حسني مبارك أعمال المؤتمر الأول للفكر العربي بحضور أكثر من 500 مشارك من المثقفين العرب والأجانب.
حضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل امير منطقة عسير ورئيس مؤسسة الفكر العربي والشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ولي عهد مملكة البحرين عضو مجلس امناء المؤسسة والشيخ صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس الشورى السعودى والدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي الذي ألقى كلمة الرئيس حسني مبارك راعي المؤتمر والدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب والسيد نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني والسيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية.
كما حضر الحفل عدد من الوزراء في مصر والدول العربية والسفراء العرب والاجانب والاعضاء المشاركين في المؤسسة ورؤساء المنظمات العربية والاسلامية والدولية.
وفي الكلمة الافتتاحية للمؤتمر التي وجهها راعي المؤتمر الرئيس حسني مبارك ألقاها نيابة عنه الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي حيث أكد الرئيس حسني مبارك ان القضية الفلسطينية التي تحولت بالفعل إلى مأساة انسانية مر عليها الآن أكثر من خمسين سنة تتعرض في هذه الآونة لمرحلة خطيرة للغاية بل لعلها الاخطر في تاريخها كلها.
وأوضح الرئيس مبارك ان السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى الإدارة الإسرائيلية الحالية التي تلقي عرض الحائط بقرارات الامم المتحدة ومجلس الامن وجميع المناشدات الدولية والرأي العام العالمي مشيراً إلى ان استمرار هذه المأساة يعد وصمة عار في تاريخ المجتمع الدولي وحضارة العصر التي تدعو إلى التعايش السلمي وتنادى بحقوق الانسان.
جاء ذلك في الكلمة التي وجهها الرئيس حسني مبارك أمس لمؤتمر الفكر العربي وألقاها نيابة عن سيادته في افتتاح المؤتمر الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس مبارك:
السيدات والسادة:
إن قيام مؤسسة الفكر العربي بامكانياتها وأهدافها وتوجهاتها القومية يحمل دلالة هامة في تلك المرحلة الحرجة التي تمر بها امتنا العربية والعالم من حولنا... ولاشك ان المرحلة التي نعيشها الآن تعد بكل المقاييس مرحلة جديدة على الانسانية كلها فقد تجمعت فيها نتائج ثلاث ثورات كبرى هي الثورة التكنولوجية وثورة الاتصالات وثورة المعلومات الامر الذي أصبح له تأثيره الكبير على سرعة التطور ومعدلاته حتي قيل بحق ان ما توصل له العالم في العشر سنوات الاخيرة من القرن العشرين يعادل ماتوصل اليه من خلال عشرين قرنا بأكملها.
ومن الواضح ان تلك الثورات الثلاث قد جعلت من هذا العالم الكبير قرية صغيرة تتواصل فيها المجتمعات وتلتقى الثقافات.
ولقد كان من المتوقع ان يتم ذلك في جو إنساني يسوده الاحترام المتبادل وتحكمه المساواة ويتحاور فيه الجميع بمنطق العقل وتحت مظلة القانون... لكن مطلع الألفية الثالثة فاجأ الشرق والغرب على السواء بما لم يكن في الحسبان فبرزت توجهات ضاغطة ووقعت احداث موسفة القت بظلالها على الافق فأشاعت فيه الكأبة مكان التفاول ونشرت اليأس مكان الأمل.
في تلك المرحلة التي أصبح فيها الانسان العربي يشهد كل مايجري في العالم من تطورات وأحداث وينعكس عليه بعضها بالايجاب والكثير منها بالسلب لم يعد هناك مفر من ضرورة القيام بعمل ثقافي كبير تتساند فيه القوى وتتكامل الامكانيات وقبل هذا وذاك تناقش القضايا المصيرية مناقشة حرة وجريئة معتمدة في ذلك على تحديد المصطلحات وبلورة المفاهيم وتبادل وجهات النظر من أجل التوصل إلى أنسب الصيغ لمشروع فكري وثقافي تجتمع عليه الأمة ولاتتفرق وتقوى ولا تضعف وتنطلق للامام ولا تتخلف.
السيدات والسادة:
لقد احسنتم صنعا باختيار محاور مؤتمركم الأول الذي ينعقد بالقاهرة تلك المحاور التي تتنوع ولكنها تتكامل وتمس بصورة مباشرة مجموعة من أهم قضايا الأمة العربية ويأتي في مقدمتها أهمية العلاقة بين العرب والغرب تلك العلاقة التي تمتد عبر مراحل التاريخ إلى مئات السنين وتتراوح خلال صفحاته بين القوة والضعف والسلام والحرب... لكننا في الوقت الراهن أصبحنا في حاجة إلى اعادة صياغتها على نحو جديد وفي إطار تبادل متكافئ للمصالح والثقافات وبهدف نبيل يتمثل في تحقيق الفوائد المشتركة للشعوب بكلا الجانبين.
ومما يلفت النظر بشدة ذلك المحور الذي سوف يناقشه المؤتمر للاجابة عن سؤال هام هو «ماذا لو فشل خيار السلام» والواقع ان مثل هذا السؤال ما كان يطرح لولا ان الانسان العربي من المحيط إلى الخليج. قد أصبح يشاهد يوميا ما تفعله الممارسات اللاإنسانية للجيش الإسرائيلي في فلسطين وضد شعبها الاعزل وأطفالها الابرياء، والواقع ان القضية الفلسطينية التي تحولت بالفعل إلى مأساة إنسانية مر عليها الآن أكثر من خمسين سنة تتعرض في هذه الآونة بمرحلة خطيرة للغاية بل لعلها الاخطر في تاريخها كلها. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى الإدارة الإسرائيلية الحالية التي تلقي عرض الحائط بقرارات الامم المتحدة ومجلس الامن وجميع المناشدات الدولية والرأي العام العالمي، ولاشك ان استمرار هذه المأساة يعد وصمة عار في تاريخ المجتمع الدولي وحضارة العصر التي تدعو إلى التعايش السلمي وتنادي بحقوق الانسان.
لايمكن ان تستقيم أسس النظام العالمي الجديد ومثل هذه المأساة الانسانية تواجه ضمير العالم صباح مساء ومن غير المتوقع ان يتم احترام المواثيق الدولية في الوقت الذي يتساوى فيه الجاني والضحية وبأي وجه تقف فيه الحضارة الحديثة أمام التاريخ وهي تكيل بمكيالين، أو تجامل شعبا على حساب شعب آخر، ومما يوسف له ان قادة الأمة العربية حين تبنوا استراتيجية السلام ومدوا بغصونه الخضراء أيديهم إلى إسرائيل لم تقبله ادارتها الحالية وراحت تعصف بمسيرة السلام التي كان من الممكن ان تحقق لجميع شعوب المنطقة المزيد من الاستقرار والرخاء بدلا من التوتر والدمار.
من هنا أصبح مشروعا طرح ذلك السؤال ماذا لو فشل خيار السلام وبالفعل ان هذا السؤال قد أصبح جزءا لا يتجزأ من هموم المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، وهو يتساءل أيضا هل تقوم الحرب وبأي الوسائل ولمصلحة من وهل سيخرج منها أي جانب منتصرا أم ان ويلاتها ستلحق بالجميع.
أما قضية التعليم في الوطن العربي فأرجو ان تسمحوا لي بالتوقف عندها قليلا لأنه حجر الزاوية في أي تقدم ونقطة الانطلاق لأي نهضة.
لقد كان التعليم هو منهج الحضارة العربية والاسلامية وبالتعليم خرجت أوروبا من العصور الوسطى إلى عصر النهضة وبجودة التعليم أصبح العالم المعاصر ينقسم إلى متقدم ونام والواقع ان التعليم في العالم العربي قد اتسعت قاعدته وتنوعت مجالاته وكثرت تخصصاته وأصبحت جامعاته تضم ملايين الشباب المقبل على المعرفة المتعطش لكل ما هو جديد، لكننا نعلم جميعا انه مازال يحتاج إلى التطوير المستمر والذي ينطلق من الواقع مستجيبا في نفس الوقت للمستجدات العالمية.. ويجمع بين الاصالة والمعاصرة ويحقق لابناء الأمة العربية ما يصبون اليه من تأهيل جيد يمكنهم من القدرة على المنافسة ويضعهم مباشرة في قلب العصر الحديث، ومما يتصل اتصالا وثيقا بالتعليم قضية التنمية أو التكنولوجيا التي هي في المقام الأول قضية ذهنية تتطلب من المفكرين العرب توجيه شعوبهم إلى اهمية استنابتها وضرورة المشاركة في صنعها والابداع فيها.
السيدات والسادة
ان السياسة لا تنفصل عن الاقتصاد ولاشك انهما يحققان أفضل النتائج عندما يتم التخطيط لهما في إطار استراتيجية متكاملة.. ومن الواضح ان أمتنا العربية في مختلف أقطارها قد خطت خطوات لابأس بها على طريق الديمقراطية تشهد بذلك مجالس الشعب والشورى والنقابات وتعدد الاحزاب وهو الامر الذي انعكس بالايجاب على تحرير الاقتصاد وتحقيق انطلاقة كبرى له جعلته يصل في بعض الاحيان إلى تعامل الند بالند مع الاقتصاد العالمي.
لكن الأمة العربية مازالت بحاجة إلى الكثير من توسيع دائرة الديمقراطية، ومن ترشيد النشاط الاقتصادي ولن يتحقق ذلك بالصورة المرجوة إلا عندما نقضي تماما على الامية التي مازالت تقف عقبة في سبيل التنمية البشرية وبالتالي في تحقيق التشغيل الكامل لسائر قوى المجتمع.
وكما تمثل الأمية عقبة في سبيل التنمية فان ضعف مشاركة المرأة في قضايا مجتمعها يمثل عقبة أخرى لابد من ان يواجهها الفكر العربي بتصور واضح وجريء.. فمما لاشك فيه ان المرأة العربية خلال عصور التاريخ كانت مشاركة بصورة ايجابية في مختلف المجالات وكانت مشاركتها ترتبط دائما بتقدم المجتمع وازدهاره في حين كانت عزلتها وانسحابها علامة على التخلف والضعف.. ومن هنا في اتاحة فرص التعليم امام الفتاة العربية وتوفير ظروف العمل المناسب والكريم أمامها هما الطريق الطبيعي لاطلاق ملكاتها التي لاتقل بحال من الاحوال عن ملكات الرجل، وبالتالي ينبغي ان يرسخ في الفكر العربي المعاصر ان الفصل التعسفي بين الرجل والمرأة انما هو وليد عادات وتقاليد محدودة في الزمان والمكان وليس من تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف الذي أعطى للمرأة حقوقها المتساوية تماما مع الرجل بل انه أوصى بالنساء خيرا وجعل الجنة تحت أقدام الامهات.
السيدات و السادة
وسوف يظل صحيحا القول بأن الفكر واللغة وجهان لعملة واحدة وان العلاقة بينهما علاقة عضوية، يرتفعان معا ويهبط احدهما حين يهبط الآخر، لذلك فان كلا من الازدهار الفكري، والتقدم العلمي سوف يدفع اللغة العربية إلى مزيد من التقدم والرفعة.
ودعوني أصارحكم القول بأنني أشعر بالسعادة البالغة حين اجد ابناء الجيل الجديد يقبلون على الاخذ بالتقنيات العلمية الحديثة، فيستخدمون الحاسب الآلي، ويتعاملون بمهارة فائقة مع شبكة الانترنت، فمن المؤكد ان هذا التوجه العلمي سوف ينعكس على فكرهم وبالتالي سيكون له مردوده الايجابي على استخدامهم للغة، بحيث تكون أكثر دقة ووضوحا، وافصح تعبيرا وبيانا.
وعلى الرغم من أنني أدرك مع حضراتكم مدى ما تعاني منه اللغة العربية الفصحى من مشكلات لها بالتأكيد أسبابها فانني أقف دائما في جانب المتفائلين بمستقبلها بناء على مقارنتها بحالها في القرن التاسع عشر وما قبله حيث كانت قد وصلت إلى أدنى مستوياتها في الاساليب والمصطلحات وخلت أو كادت من الابداع في التوليد والاشتقاق وثقلت بالاصباغ البلاغية التي ظن أصحابها انهم بها قد يعيدون اليها الشباب، ولكنها منذ مطلع القرن العشرين ومع البداية الحقيقية لنهضة الشعوب العربية، والانتشار الواسع للتعليم العام والجامعي وشيوع وسائل الاعلام وفي مقدمتها الصحافة، استطاعت اللغة العربية ان تخرج من حالة المرض والضعف إلى حالة الصحة والعافية، وان يتم بفضلها التواصل بين ارجاء الوطن العربي، بل تجاوزت ذلك إلى الجامعات ومراكز البحوث في جميع الدول المتقدمة وأصبحت احدى اللغات المعترف بها، أي المترجم منها واليها في هيئة الامم المتحدة وجميع المنظمات المنبثقة عنها.
ومن الجدير بالاعتبار ان القرن العشرين الميلادي قد شهد نبوغ عدد من كتّاب اللغة العربية في سائر المجالات العلمية والادبية كان لهم اثرهم البالغ في تطوير اللغة العربية كما أصبح لهم قراء ومعجبون في سائر البلدان العربية من امثال الزيات والرافعي وشوقي وحافظ والعقاد وطه حسين وأحمد أمين وزكي نجيب محمود تلك مجرد نماذج فقط من مصر وحدها فما بالنا بأمثالهم من كبار الكتّاب في السعودية والخليج والشام والعراق والسودان و دول الشمال الافريقي.
السيدات والسادة:
إن الفكر العربي المعاصر مدعو اليوم بشدة وأكثر من اي وقت آخر إلى الانطلاق باقصى طاقته للخروج من العزلة والتقوقع وحالة اليأس والقنوط إلى آفاق واسعة من الابداع والمشاركة الايجابية والتواصل مع مسيرة الفكر العالمي ولن يكون هذا جديدا عليه كما انه ليس بالمستغرب فقد اتسم فكرنا العربي طوال التاريخ بالغنى والتنوع والانفتاح على فكر العالم القديم منه والمعاصر، ومازال «بيت الحكمة» الذي انشأه الخليفة المأمون شاهدا على حركة الترجمة من اللغات الاخرى إلى اللغة العربية لكي يطلع العرب على ثمار الفكر الموجود وعالمهم.
ومن المعروف انهم لم يكتفوا بالترجمة أو النقل فقط، بل انهم قد ناقشوا هذا الفكر، وجاوروا اعلامه وأضافوا إليه وطوروه إلى ان تلقت الشعلة منهم أوروبا فخرجت به من العصور الوسطى إلى عصر النهضة وفي العصر الحديث وفي مصر بالذات حدث اللقاء التالي بين العرب والحضارة الغربية الحديثة وما لبث هذا اللقاء ان اثمر حركة ترجمة قوية تبعتها حركة تأليف وإحياء للتراث ونهضة نعيش اليوم نتائجها.
ومن هنا فإن الفكر العربي لن يتردد أو يتراجع في مواجهة الفكر الجديد القادم هذه المرة تحت شعار العولمة وانا على ثقة من شنه سوف يستوعبها ويحاورها ويخرج في النهاية كما خرج من قبل متمسكا بثوابته مكتسبا بعض الملامح الجديدة. وهنا استطيع ان اوكد ان الوطن العربي يشهد حاليا فترة مناسبة تماما لكي يزدهر الفكر العربي دون ان تحده قيود أو توضع أمامه عقبات، بل على العكس لقد رصدت الحكومات العربية والمنظمات الاهلية والافراد العديد من الجوائز التكريم التي يستحقها الرواد والموهوبون اعترافا بفضلهم وتقديرا لسيرتهم وتشجيعا لمبادراتهم، تحية للقائمين على موسسة الفكر العربي، وأصدق تمنياتب لمؤتمرها الأول الذي يعقد بالقاهرة راجيا ان تجرى أعماله في أفضل جو علمي حتى تتحقق النتائج المرجوة منه.
وفقكم الله وسدد على طريق الحق والخير خطاكم.
وكان الدكتور مفيد شهاب قد نقل في بداية الكلمة تحيات الرئيس مبارك إلى المؤتمر وقال يسعدني غاية السعادة ويشرفني كل التشريف أن أنوب عن السيد محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية في افتتاح مؤتمركم وان أنقل إلى حضراتكم تحياته لكم واعزازه لرسالة مؤسستكم.. مؤسسة الفكر العربي وتمنيات سيادته لأعمال مؤتمرها الأول بكل التوفيق والسداد.
وأضاف شهاب قائلا كما يسعدني شخصيا أن اشهد معكم اليوم أعمال الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر الذي يهدف إلى تنمية الحوار الراقي وتأكيد الاعتزاز بثوابت الأمة وقيمها واخلاقها والحث على نبذ دواعي الفرقة واتاحة الفرصة لقادة الفكر لمناقشة عدد من القضايا المصيرية لامتنا العربية من اجل تنمية التكامل الفكري والثقافي بين أقطارها وشعوبها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية... هذا فضلا عما يحرص عليه المؤتمر من تكريم الرواد والمبدعين والموهوبين من أمتنا العربية.
وقد أوضح الدكتور أحمد فتحي سرور في كلمته أنه من المغالطات المكشوفة اليوم محاولة الربط بين الاسلام والارهاب بينما أن نظرة سريعة لدور الحضارة الاسلامية في بناء صرح الحضارة البشرية كفيلة بدحض هذا الادعاء المغرض.
وأشار إلى أنه من الخطأ الحضاري الفاضح محاولة تشويه الفكرالعربي الاسلامي والخلط بينه وبين الارهاب واستغلال البعض حركة مكافحة الارهاب الدولي للخلط بين حركات تحرير الشعوب وبين الارهاب بهدف العدوان على الشعوب والسيطرة عليها.
وقال إننا مدعون اليوم إلى دور حيوي للفكر والثقافة العربية يزود حياة البشر بقيم الخير والحب والتسامح والسلام بما يؤدي إلى ترشيد حضارة العصر ويرقى بنوعية الحياة للانسان في هذه الالفية الثالثة.
وأكد الدكتور فتحي سرور في كلمته ضرورة مواجهة الغزو الفكري و الثقافي وطالب بعدم ابراز التراجع الاجتماعي والثقافي في بعض البيئات العربية والاسلامية لعدم تشويه صورة الثقافة والحضارة العربية لوقف هذه الاتهامات المباشرة لحضارتنا وثقافتنا والتي تخفي وراءها بواعث سياسية واقتصادية لا تخفي على أحد.
وقال في ختام كلمته اننا نفتح الطريق أمام الحوار مع الثقافات الاخرى لأن الحوار في ذاته هو افضل النماذج لحل التوترات والنزاعات ولانه يقدم لنا لغة مفيدة في التعبير عن الرغبة في التعاون وتحسين العلاقات.. مشيراً إلى انه بهذا الحوار يتحقق التواصل والتفاعل بواسطة الألفة بين الجانبين أكثر مما يتحقق بسبب الاقتناع.
وقد وجه الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي في كلمته الشكر للرئيس حسني مبارك على تشجيع هذه المؤسسة منذ شهدت أرض الكنانة مولدها في شهر يونيو من العام الماضي ورعايته للمؤتمر.
وقال ان الشكر موصول لمصر الحضارة وشعبها العريق وفي طليعته المفكرون والمثقفون الذين يواصلون دعم المؤسسة بالرأي والمشورة ويبذلون لها عزيز الوقت والجهد.
ووجه الأمير خالد الفيصل نداء إلى الأمة العربية يدعو فيه ويناشد الجميع بأن الوقت لم يعد يحتمل الخلافات بين الأمة العربية حكومة وشعباً مفكراً وتاجراً يمينا ويساراً فالكل في سفينة واحدة تجابه عاصفة عاتية فإما ان يعمل الجميع لانقاذ السفينه وركابها وإلا غرقت وغرق معها الجميع.
ووجه الفيصل في كلمته شكره للرئيس حسني مبارك على رعايته للمؤتمر الأول والذي أجمع مجلس الأمناء ان يكون في القاهرة تقديراً لمكانتها الفكرية والثقافية، كما وجه شكره الى المفكرين والمثقفين الذين يدعمون المؤسسة بالرأي والمشورة، إضافة الى الاشقاء العرب الذين أسهموا بالمال والفكر في النهوض بالمشروع ليقف على قدميه.
وأكد أنه من غير الممكن تجاهل الاحداث العالمية المتسارعة وتداعياتها الخطيرة على الساحة العربية والتي أسفرت عن حالة التشرذم شيعاً وأحزاباً والتخلف عن ركب الحضارة اكتفاء بالاستيراد والاستهلاك دون الدخول إلى حلبة المنافسة العالمية والانتاج متناسين ان الحضارة الإنسانية هي شراكة وتواصل بين حضارات مكانية وزمانية متعددة.
وأوضح أن دعوته لقيام مؤسسة أهلية على مستوى الوطن العربي لا تخضع لتيارات ويساهم رجال المال العرب بوديعة لا يمس أصلها وينفق من ريعها على توفير الأسباب التي تعيد المفكر العربي إلى التواصل مع قضايا أمته وتأكيد هويتها وتفجير طاقاتها في خدمة حركة التحديث الحتمية والعاجلة للعالم العربي.
وأشار الأمير خالد الفيصل إلى أن المؤسسة في هذا النطاق لا تمثل بديلاً ولا منافساً لمؤسسات أخرى على الساحة بل مكملة لخطى من سبقوها وتتابع مع الجهات الأخرى ما يمكن ان تتبناه من المشروعات التي تطرحها الدراسات والأبحاث في المؤتمر.
وأكد أن المؤسسة تهدف إلى تحريك السياسة الفكرية العربية والعناية بالثقافة والمثقفين وتوفير منبر حر لآرائهم وإن تباينت شريطة ان تنحاز هذه الآراء للإنسان والحرية والمسؤولية مما يؤدي إلى الاتفاق على صيغة خطاب عربي موحد يتسم بالموضوعية وادراك مستجدات العصر ولغة الآخر الذي نقدم إليه الخطاب.
وأشار إلى أن المؤسسة اعادت ترتيب أولوياتها لمواجهة الهجمة الشرسة على العرب والمسلمين بعد احداث 11 سبتمبر، مؤكداً حرص المؤسسة على الحضور في الغرب لرصد ما يذاع وينشر في هذا الصدد ومحاولة الرد عليه.
وفي كلمته قال عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية: أود في البداية أن أهنئ أخي الأمير خالد الفيصل بمناسبة انطلاق مبادرته القيمة بانشاء مؤسسة الفكر العربي، في دعوة بل صحوة العقل العربي والاسهام في بث روح التجديد والتنوير، حيث تنطلق في وقت يحتاج فيه العرب الى امعان الفكر فيما آل اليه الوضع، وما سوف إليه يؤول، نحن نجتاز موقفاً أقل ما يقال فيه أنه دقيق، وأنه مفصل تاريخي بالمعنى الحقيقي للكلمة تدخله المجتمعات العربية وهي تعاني ضعفاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بل وفكرياً ويعكس قصوراً شديداً في عملية التنمية والتطوير الاقليمي، وفي مسار التحديث ومواكبة العصر أخذاً وعطاء.
إلا أن أخطر ما أثر بالسلب في المسيرة العربية هو فشلها في طرح صيغة واطار لتحقيق تطور عربي اقليمي يقوده عمل مشترك، عمل جماعي يمكننا في الوقت نفسه من التفاعل مع المجتمعات الأخرى، ونطارح ثقافاتها الفكر منطلقاً وفلسفة وعلماً، والأدب قصة وبحوثاً وشعراً، وندافع في هجوم عن هويتنا الثقافية وقواعدها الدينية ليس فقط بالتذكير بما كان وانما بالتركيز على ما هو كائن أو يمكن أن يكون، وهو ما يتطلب استنهاض الهمم، وشحذ الفكر وتبادل الرأي وليس هذا بالصعب، ولا هو من قبيل الترف، إذا كان قومنا حقاً يعلمون.
نعم هناك قصور كبير ولكن هناك قدرات كثر ومنطلقات ذات فعل وأثر، وملكات لم نستثمرها حتى في حدودها الدنيا.
نعم هناك نواقص واضحة، ولكن الطريق إلى علاجها واضح أيضاً.
وهنا يأتي دور مؤسسة الفكر العربي والذي أرجو أن تبدأ على الفور في لعب دورها بكل جرأة ورصانة ليس فقط في مواجهة العالم الخارجي، وما أحوجنا إلى الحديث إليه والحوار معه ولكن في الحديث مع أنفسنا وبصراحة، اننا ان لم نتفاهم مع أنفسنا ونتصارح بكل أمانة عن امراضنا والعلاج نستطيع مواكبة العصر، وربما نخسر سباق الحضارات إلى الأبد.
إن أسباب رقي المجتمعات معروفة وسبل قوتها مدروسة والاستمساك بها هو طريقنا إلى غد أفضل، إن ارتقاء مجتمعاتنا هو السبيل الى استعادة حقوقنا والحفاظ على دورنا وإلى الوقوف الصلد في مواجهة الهجمة الشاملة الضاربة علينا وعلى هويتنا.
واغتنم هذه المناسبة لأعرب عن ترحيبي بمبادرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل للتوقيع على مذكرة تفاهم وتعاون بين جامعة الدول العربية ومؤسسة الفكر العربي، دعماً وتفعيلاً للمسيرة الثقافية العربية.
أما صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى فأكد أن المؤتمر يستهدف تجميع شمل الأمة وتنمية الاعتزاز بثوابت الأمة وهويتها للنهوض بها لتبدأ من حيث انتهى الآخرون، وقال: «إن عوامل وحدة الأمة «الدين واللغة والتاريخ» وكانت أمة العرب قبل الدين لم تكن شيئاً مذكوراً وأن الأوروبيين برغم اختلافهم استطاعوا ان يشكلوا مرجعية شاملة لهم في الوقت الذي فشلت فيه السياسات العربية عن تحقيق ذلك».
وأضاف انه لا يمكن اغفال أمرين في الأمة أولهما احداث سبتمبر التي وضعت العرب في مقتل وراح البعض يتهم بأن الدين هو سبب الارهاب فضلاً عن الاتهامات التي بدأت تنال من النبي واتهامه بالعنف والارهاب.
أما الأمر الثاني الذي تناوله رئيس مجلس الشورى السعودي فهي القضية الفلسطينية والتي انفصلت عن محيطها الإسلامي واطارها الديني فكانت الخسائر والنكبات، وطالب في ختام كلمته مؤسسة الفكر العربي بالنهوض بعمق وشجاعة لخدمة قضايا الأمة العربية.
وأشاد د. أحمد فتحي سرور بالموضوعات التي يناقشها مؤتمر الفكر العربي الأول مؤكداً على أهميتها والتي تهدف الى تنمية الحوار الراقي والاعتزاز بثوابت الأمة العربية وقيمها وسط تطورات الوضع الحالي والتي كادت أن تودي بقيم الإنسانية التي أفرزتها كافة الحضارات، وطالب في الكلمة التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بتعزيز الأسس الفكرية للثقافة العربية في الوجدان العربي وابرازها إلى العالم الخارجي في محاولة لمواجهة الاجتياح الثقافي الغربي، واشار إلى ضرورة ادراك ان تقوية الحوار الثقافي من شأنه أن يؤدي إلى تفاهم أفضل مع الثقافات الأخرى لاكتشاف التراث المشترك والقيم الإنسانية وينمي قيم احترام الثقافات للآخرين.
وأكد على ضرورة مواجهة الغزو الفكري الاستلاب الثقافي.. مطالباً بعدم ابراز التراجع الاجتماعي والثقافي في بعض البيئات العربية والإسلامية لعدم تشويه صورة ثقافاتنا وحضارتنا العربية لنوقف تلك الاتهامات الجائرة لثقافتنا وحضارتنا والتي تخفي وراءها بواعث سياسية واقتصادية لا تخفى على أحد، وشدد على أنه من الجحود انكار اسهام العلماء المسلمين في سائر العلوم والمعارف وانجازاتهم والتي دفعت بالثقافة الإسلامية لان تكون الباعث الأساسي لرقي الإنسانية، واعتبر انه من المغالطات الفادحة اليوم الربط بين الإسلام والارهاب لأن النظر الى دور الحضارة الإسلامية في بناء صرح الحضارة البشرية كفيلة بدحض تلك الفكرة وهذا الادعاء المغرض. وأشار الى أنه من الخطأ الفاضح محاولة تشويه الفكر العربي والإسلامي واستغلال بعض حركات تحرير الشعوب وبين الارهاب بهدف شن العدوان على تلك الشعوب والسيطرة عليها ارضاء لنزعات الهيمنة والتسلط التي لا علاقة لها بمكافحة الارهاب.
ورحب رئيس مجلس النواب اللبناني السيد نبيه بري بدعوة مؤسسة الفكر العربي والتي جاءت في الوقت المناسب لتوجيه الاستثمار على بناء هذه المؤسسة الفكرية وجعلها وعاء للتبادل الفكري والثقافي في حوار منتج بين أهل المعرفة والاختصاص والخبرة. واشاد بفكره الأمير خالد الفيصل بانشاء هذه المؤسسة والمهمة التي طرحتها لمواجهة مثيلاتها التي تم طرحها في السابق بكل سلبية من مختلف انماط السلطات التي تعاقبت على اقطارنا والتي عملت على تجميد العقل ونفيه وفتحت الأبواب أمام هجرة الأدمغة. وطالب بأن تكون كل العناوين مباحة للنقاش والتحري واكتشاف اثارها السلبية والايجابية لأننا في وقت يتعرض فيه عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج لتقطيع الطرق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.