سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تجاربهم في الكتابة.. نصائح لكتّاب المستقبل هيمنجواي: اكتب الجملة الأصدق التي تعرفها
بودلير: لا أعرف ضربات عاصفة في مجال الصيت
بوتور: لا أعرف دائماً ما يجري في الكتاب
كنا قد نشرنا في العدد السابق طائفة مختارة من أقوال عدد من الكُتّاب يعرضون فيها لتجربتهم في الكتابة في إيجاز موحٍ، قد يجد فيه أولئك الذين يعنون بأسرار الإبداع بعض المفاتيح أو الملامح التي تعينهم في مهنة الكتابة.. أو قد يجدون فيها متعة محايدة تفتح بصيرتهم للتأمل في طقوس وكيفية حدوث الإبداع وتحقق المكتوب.. على ان طائفة من الذين يشقون طريقهم على دروب الكتابة قد يجدون في هذه الإشارات المكثفة للعمل الكتابي عصا بلاغيه، لا يتوكأون عليها في أول عهدهم بالكتابة وحسب وانما يهشون بها عن انفسهم في وجه من قد تسوّل له نفسه السخرية منهم.. انها كلمات كتاب جمعها وأعدها كل من آن ربسات وهيلين باتوريل وترجمها حليم طومسون في مجلة الثقافة العالمية الكويتية.. كلمات قال عنها صاحب المقال «40 نصيحة لكتّاب المستقبل» ووصفها بأنها طريفة موجهة لأدباء الغد عن الشكل والاحساس وبناء الشخصية وحتى ماذا تلبس وكيف تعثر على فكرة.. انها كلمات نستكمل بها كلمات سبقت لعل فيها ما يحرك القلب والذهن واليد إلى القلم. كيف يكون استئناف الكتابة؟ كنت أكتب دائماً حتى اللحظة التي أكون قد انتهيت فيها من مقطع ثم اتوقف عن الكتابة عندما اكون قد وجدت البقية، وهكذا كنت واثقاً من اني سأتمكن من المواصلة في الغد.. ولكن عندما كنت أبدأ أحياناً قصة جديدة دون ان أتمكن من السير بها قدما، كنت اجلس أمام النار واعصر قشر برتقالة صغيرة فوق اللهب وأتأمل طقطقته الزرقاء، وكنت انهض في حالات أخرى واتطلع إلى اسقف مباني باريس واقول لنفسي: «لا تبال، لقد كتبت دائماً حتى الآن، وستواصل، المطلوب هو كتابة جملة واحدة صادقة، اكتب الجملة الأصدق التي تعرفها»، وهكذا كنت اكتب في نهاية الأمر جملة صادقة وأواصل على هذا الأساس، وكانت المسألة سهلة لأن هناك دائماً جملة صادقة قرأتها أو سمعتها أو كنت أعرفها، ولو بدأت في الكتابة بفن أو كشخص يعلن شيئاً أو يقدمه لاتضح لي ان بوسعي تمزيق تلك المحسنات أو الزخارف والقاءها في السلة، مع البدء بأول جملة بسيطة وصادقة خطها قلمي». أرنست هيمنجواي هل يتعين وضع خطة محددة؟ «أعرف أين أنا ذاهب ولكني أجهل كيف سأذهب؟ هنا يتدخل الخيال والمصادفة والتطور المبدع، لا يمكنني ان اكتب عملاً خيالياً إلا بعد ان اكون قد درست ترتيباته طوال عدة شهور، وهناك في البداية دائماً منطقة معتمة تحتاج لاضاءتها، وظلمات يجب تجاوزها: ولكي تتضح لي الرؤية، أكدس كافة انواع الخطط، وعلى أساس هذه الأدوات والبوصلات أبدأ استكشافاتي، ومن خلال عمليات المراجعة المتتالية يتغير الهيكل في الوقت نفسه مع الجسم لأن كل تعديل في التفاصيل يمكن ان تترتب عليه ارتدادات تمس المجموع، وعليه فإني لا أعرف دائماً ما يجري في الكتاب ولا يمكنني ان الخصه إلا بعد أن أكون قد انتهيت منه، والكتاب ينتهي عندما يترسخ، وعندما يتبين لي من كثرة إعادة قراءته انني لن اتمكن من تغيير أي شيء فيه أو إعادة ترتيبه، يصبح الكتاب مصقولاً». ميشيل بوتور إذا أصاب الملل الكاتب فإن القارئ لن يلهو أيضاً «إذا أصاب الملل الكاتب فإن القارئ لن يلهو هو أيضاً، وعلى أية حال أنا لا أعلم تماماً إلى أين أنا ذاهب.. يجب ألا نعرف ماذا نفعل وألا نتكهن بما سنعمل.. يجب ترك الفرصة للمصادفات، ولو علم المرء أكثر مما ينبغي لأصبح موظفاً في الأدب، ومن «المجتهدين»، اعتقد انه يجب ان نكتب ما تحلو لنا كتابته، وفي اللحظة التي يخطر ذلك على بالنا». لوس جييو كن مقداماً «اخترع لنفسك نظاماً على طريقة زولا.. ولكن اشتر لنفسك حافظة بطاقات، وارسم على أول تلك البطاقات الحمراء العامة لتطريز رواية ستشمل عصرنا على نطاق واسع «اطمئن فالعصر سيتقلص من نفسه» واعمل طوال شهرين على أساس ذلك التخطيط، وسجل بعد ذلك في البطاقة الرئيسية ما تعتبره ذروة الحبكة، وخلال الشهور الثلاثة التالية راجع مخططك بالتقدم والتقهقر انطلاقاً من تلك النقطة الرئيسية واستخلص عندئذ مما حصلت عليه شيئاً في غاية التعقيد كما لو كان تواصلاً، والتزم بمنهج «...» وبوسعك ان ترسم جوا باهرا، او حبكة عامرة بالتقلبات، او شخصيات لامعة او ان تغير باستمرار ايقاع الكتابة ولهجته، ولكن يجب ان يكون ذلك مقررا مقدما في خطتك، ولو تخليت عن عنصرين او ثلاثة أو أربعة من تلك العناصر لذوي كتابك واصبحت مثل مدير سوبر ماركت لا يجهز سوى نصف أرففه». فرانسيس سكوت فيتز جرالد «أنا أول قارئ لما اكتب، ولا أريد ان أبدد فرصة استمتاعي، واطلق العنان لكتابي الناشئ، وأنا اكتب حالياً رواية جديدة، وهي تضم حتى الآن اكثر من خمسمائة صفحة ويخامرني الاحساس بأنني لا أزال حتى الآن في بدايتها، ولن اعرف حقا إلا عندما ستنتهي، فأنا أخلق شخصيات، وهي تصنع الرواية، وقد عملت دائماً على هذا النحو». جوليان جرين كيف يكون اختيار أسماء الشخصيات؟ «قلما فسر الروائيون بصفة عامة اختيارهم لأسماء شخصياتهم وأنا أجرب الأسماء كما أجرب الأحذية، قد لا تصلح أو تصلح قليلاً وفجأة اعثر على الاسم الذي يلتحم مع الشخصية، وأنا أعرف ذلك لأن هذه الشخصية تتواجد بالنسبة لي في تلك اللحظة وفجأة أشعر بالراحة معها». جاك لوران كيف تدرك أن فكرة ما تستحق أن تستغل؟ «سواء كانت بذور الأفكار رقيقة أو كبيرة، بسيطة أو معقدة، جزئية أو كاملة، جامدة أو متغيرة، فالمهم التعرف عليها عندما تظهر، وأنا اتعرف عليها من خلال الإثارة التي تولدها في الحال، على غرار المتعة التي تجلبها قصيدة أو حتى مجرد بيت شعر في قصيدة، وربما خيل إليك ان مواضيع ما تصلح كأفكار لسيناريوهات، وهي ليست كذلك، فهي لا تتطور، ولا تظل ماثلة في الذهن». باتريسيا هيجسميث كيف يتم التوفيق بين النشاط المهني والكتابة؟ «كيف يمكنك أن تجد الوقت والطاقة لكتابة رواية، عندما تعمل أصلاً ثماني ساعات كل يوم؟ «...». وإذا كنت تكتب في الوقت نفسه الذي تمارس فيه نشاطاً مهنياً، فمن المهم ان تحتفظ لنفسك بقدر من الوقت اليومي أو خلال عطلة نهاية الأسبوع يكون مقدساً، لا تتخلله أي انقطاعات، ويتعين على الكاتب ان يحدد لنفسه جدولاً زمنيا ويتمسك به سواء كان ساعتين أو ثلاثاً خلال خمسة أيام في الأسبوع، أو ثماني ساعات كل يوم سبت، أو ثلاث ساعات على مدى أربع أمسيات كل أسبوع. والإحساس بالفخر تجاه عملك مسألة لها الأولوية، ولو سمحت بانقطاعات وقبلت دعوات، فإن هذا الإحساس سيتلاشى شيئاً فشيئاً». باتريسيا هيجسميث هل يمكن أن تسمح لنفسك بتجاوزات في اللهجة؟ «أياً كان سمو اللهجة فإنها ستضيع إذا لم تدخل بعض الترويح على تلك الانحرافات، فرتابة السمو مقززة، يا صديقي العزيز لا يوجد جمال من دون التنوع، وإثارة الاعجاب باستمرار تولد الملل، ولينتقدوني، ولكن ليقرؤوا ما اكتب ولنتحول من الخطير إلى اللطيف، ومن السار إلى الصارم». فولتير ما العمل إذا حصل توقف؟ «قد تثور المشاكل في أي مكان، ومن الصفحة الأولى إذا كان الأسلوب يعوزها، ولا ترضيك وتدفعك إلى التوقف، وقد تتسبب في توقفات طويلة بقدر أو بآخر، وذات طابع مختلف، ومن الممكن حل المشاكل الصغيرة في حالة جملة عادية خلال دقيقتين بإعادة كتابة الجملة، ولكن هناك مشاكل أصعب تجعلك في وضع يتعذر حله، وهي تأتي في النصف الثاني من الكتاب وقد تتسبب في توقفك عدة أيام أو أسابيع، وعندئذ ينتابك شعور مقلق بأنك وقعت في فخ، وان يديك مقيدتان وذهنك قد توقف، ويبدو لك أن الشلل أصاب شخصياتك وان القصة تذوي قبل ان تنتهي، وربما تمثل العلاج في الرجوع إلى الفكرة الأصلية وإلى ما كان يدور في ذهنك قبل ان تبدأ الكتابة، اطرح على نفسك السؤال: «ماذا أرغب في أن يجري؟ «...» عد إلى الأثر الذي كنت تريد أن تحدثه، وربما خطر على ذهنك في اللحظة نفسها الحل أو الشكل الذي سيطرأ على الحبكة». باتريسيا هيجسميث كيف تتأكد من منزلتك ككاتب؟ «تسألني ما إذا كانت أشعاري جيدة، أنت توجه هذا السؤال لي، وقد سبق ان وجهته لآخرين، وأنت ترسلها لمجلات، وتقارنها بقصائد أخرى، وينتابك القلق إذا رفضت بعض هيئات التحرير محاولاتك الأولى، «وبما انك طلبت في ان أسدي لك النصائح» فإني اتوسل إليك ان تقلع عن كل ذلك، إنك توجه نظرك إلى الخارج، وهذا ما يجب ان نتحاشاه من الآن فصاعداً، ليس هناك أحد يستطيع ان يمد لك يد المساعدة ويسدي لك النصائح، لا يوجد سوى سبيل واحد، تعمق في نفسك، وابحث في اغوار شخصك عن السبب الذي يفرض عليك الكتابة، تأكد من ان جذورها تمتد إلى أعماق قلبك، واعترف بذلك لنفسك: هل سيعني امتناعك عن الكتابة الموت بالنسبة لك؟». رينر ماريا ريلكه هل يمكن كتابة قصيدة في أي مكان وأي وقت؟ «يشعر المرء بكل جوارحه انه يتشوق إلى كتابة قصيدة وانه في حاجة إلى ذلك، وقد يستبد بي ذلك في أي مكان وأي وقت، عند الاستيقاظ، في مقهى، في لحظة انفراد، في المترو.. استرسل في التأمل، ثم تأتي الكلمات والايقاعات أيضاً.. يكفي ان تكون معي ورقة.. وانا أحمل معي دائماً دفتر شيكاتي، ونادراً ما لا يكون غلافه مغطى بكتابات رفيعة مخربشة، كما يحدث لي أحياناً ان أضحي بشيك أو شيكين، والحق انه يجب اجراء دراسة حول أهمية دفتر الشيكات في مجال الشعر؟». روبير ساباتييه ما الموهبة؟ «الكتابة مسألة كم، والموهبة ليست كتابة صفحة، بل ثلاثمائة، ومهما كان جمال جملة فبوسع المبتدئ ان يكونها، وينطبق ذلك أيضاً على أية رواية تستطيع قريحة عادية ان تتخيلها، ولكن يبقى رفع القلم بعد ذلك وتهيئة الصفحات والتحلي بالصبر لتسويدها، وهنا لا يتردد الأقوياء، فسيجلسون للكتابة وسيتصببون عرقا، وسيواصلون العمل حتى النهاية وسيستنفدون الحبر ويستهلكون الورق، وهذا هو الفارق بين أصحاب المواهب والجبناء الذين لن يبدأوا أبداً، وفي مجال الأدب لا يوجد سوى ثيران، انهم أضخم العباقرة الذين يكدون ثماني عشر ساعة في اليوم دون ان يكلوا، فالمجد مجهود مثابر». جول رينار هل يجب أن تتفق الكتابة مع الذوق السائد؟ «عندما بدأت أكتب كان أفضل أصدقائي يقولون لي: «أنا لا استشعر شيئاً مثل هذا، من أين استخرجت ذلك، وهو لا يتفق مع أي حقائق؟» ومع ذلك فقد واصلت، ثم واصلت رغم كل الانتقادات، ولم يكن هناك شيء يساندني قبل «الرواية الجديدة» إذ تعين علي آنذاك ان اكتب مقالات «عهد الشك» لكي اثبت لنفسي لماذا كنت مدفوعة إلى الكتابة في الاتجاه الذي اخترته، ولم يكن هذا الاتجاه انحيازا للاتيان الجديد.. وبوسعي، إما ألا أعطي أسماء لشخصياتي، وإما ان اعطي أسماء كما هي الحال في «القبة الفلكية الاصطناعية» لأن الناس يرون بعضهم بعضا، على ان اختياري في كلتا الحالتين يتفق مع حاجة حقيقية لا مع نوع من القواعد التي فرضتها على نفسي، واعتقد انني لم اضع في اعتباري ابدا الموضة، فالكتّاب ذوو الرؤية الشخصية تماما يستخفون بالذوق الذي تمليه الموضة، ويؤكدون أشخاصهم دائما بالسير قدماً مسافات أبعد فأبعد». ناتالي ساروت هل الكتابة ممكنة بسرعة وبشكل جيد؟ «يتعين الإنتاج اليوم بوفرة، ولذا يتوجب الإسراع والاستعجال ببطء، وعليه يجب ان تكون الضربات صائبة وألا تكون أية لمسة عديمة الجدوى». وتستدعي الكتابة بسرعة الامعان في التفكير وجرجرة الموضوع معك في النزهة والحمام والمطعم، وعند عشيقتك تقريباً. وقد قال لي اوجين ديلاكروا ذات يوم: «الفن شيء مثالي وشارد حتى ان الأدوات لا تكون نظيفة أبداً بالقدر الكافي والوسائل غير منجزة بما فيه الكفاية»، وينطبق ذلك على الأدب، ولذا أنا لست من أنصار الشطب، فهو يعكر صفو مرآة الفكر، ويبدأ بعضهم من بين الأكثر تمايزاً وتدقيقاً بالافراط في تحميل الورق ويسمون ذلك تغطية لوحت هم.وترمي هذه العملية الملتبسة إلى عدم اضاعة أي شيء، ثم انهم يعمدون في كل مرة يعيدون فيها نسخ نصوصهم إلى التشذيب والتقليم، وحتى لو كانت النتيجة رائعة إلا انهم يسيئون استغلال وقتهم ومواهبهم، فتغطية لوحة لا يعني تثقيلها بالألوان، بل رسم خطوطها الأولى بألوان شفافة، وتهيئة كتل بدرجات من اللون الخفيف والشفاف، ويجب ان تكون اللوحة مغطاة، في ذهن الكاتب في اللحظة التي يمسك فيها بالقلم ليكتب عنوانها». شارل بودليير هل يتعين أن تكون الأخلاقيات شاغل الكاتب؟ «تتواجد الرقابة عندما نريد ان نقدم صورة لأنفسنا، ولكن الكاتب شخص يريد ان يعرف، فهو يبدأ قصة ويريد ان يعرف ماذا سيحدث في اليوم التالي، وهناك كتّاب لا يريدون ان يحدث شيء: «لو كتبت ذلك، كيف ستكون فكرتهم عني؟» ولو تمكن الكتّاب من العيش قابعين في الظل ولو لم يتعرض التلفزيون والإذاعة والصحافة.. إلخ في كل لحظة لأشخاصهم وحياتهم الاجتماعية لكان الأدب أكثر إثارة للانفعال، وذلك هو نوع من الرقابة الذي يبدو لي انه الأدق حالياً، فالكتّاب يريدون ان يكونوا ذوي خلق، وان يظهروا كأناس عادلين، ومتفهمين ومتسامحين، أي باختصار أناس صالحون، وهم ينسون ان الاخلاق الوحيدة هي القيم الجمالية والجمال، ويريدون التلاؤم مع بعض معايير الخروج على الأعراف المقررة، ويوافقون على طيب خاطر ان يكونوا منبوذين أو وقحين، وعلى أية حال أشخاصاً متميزين ومرسومين، نحن نعيش في مجتمع تجريبي ومادي، فكل شيء يستعاد ويمكن استرداده، وكل شيء يجب ان يستخدم وان يكون مفيداً، ولكن الأدب لا يفيد في شيء فذلك ليس موضوعه أو من طبيعته، ولو كتب المرء وهو يعتقد انه انعكاس لمجتمع أو عربة في القاطرة التاريخية، فهو يخطئ وليس من واجب الكتابة خدمة عهدها، بل استخدامه». فرانسواز ساجان هل يكون الكاتب أكفأ من يصحح مخطوطة؟ «عهدت إلى مصحح ماهر إعادة قراءة الطبعة المكونة من سبعة مجلدات، وقد عثر على مائتين وأربعة أخطاء فضلاً عن تلك التي لاحظتها من قبل: والمؤلف لا يصلح كثيراً لتصحيح صفحات مؤلفه الخاص، فهو يقرأ دائماً كما يكتب، لا كما هو مطبوع، أهنئكم لاستعانتكم حالياً بمصحح ماهر، فلا غنى عنه، والأخطاء العديدة في هذه الطبعة المكونة من سبعة مجلدات مضحكة للغاية وتشوه المعنى إلى حد كبير حتى ان عدم ذمها مستحيل». فولتير أي القراءات مفيد لكاتب المستقبل؟ «هناك لحظة بالنسبة لمن يكون مقدراً له ان يصبح كاتباً حيث يقرأ كل شيء أو كله تقريباً، و«الكل» معناها كل ما يقع تحت يده أولاً وما «يتحدث عنه الناس»، وما يكون حبره لايزال طازجاً، مما يؤثر عليه مثل البارود بالنسبة للمحارب.. فهل سيتبخر كل ذلك بالنسبة للكاتب دون ان يترك أثراً؟ هذا أمر غير مؤكد، فقد بدأ محاولة الكتابة أو الكتابة بشكل أو آخر، وسط خضم مياه الفيضان الربيعية، والمياه المختلطة: فعادات العصر التي تعرض لعدواها بكل سذاجة وبلا حصانة، ستترك آثارها على طريقته في الكتابة التي ستتحسن، بل وستصبح أروع في أغلب الأحوال لو كانت لديه الموهبة». جوليان جراك هل توجد وصفة لكتابة أحد أروع الكتب لم أحاول أبداً أن أؤلف كتاباً يحقق أعلى المبيعات، ولن أكون قادرة بالطبع أن أقول لأحد كيف يتوصل إلى ذلك، في كل مرة أحاول أن أكتب مؤلفاً يثير اهتمام القارئ من أول صفحة ويدفعه إلى قلب الصفحة التالية ليقرأها، وربما يحقق هذا الكتاب أعلى المبيعات، وربما لن يحدث ذلك.. فلا توجد مكونات سرية أو وصفة سحرية تضمن النجاح، ويرى العديد من الكتّاب المبتدئين أو المؤلف الناجح يملك الوصفة السحرية، وأود أولاً ان أبدد ذلك الوهم، فسر الروائي الوحيد يتمثل في طابعه الفريد وشخصيته». باتريسيا هيجسميث هل يتعين على المبتدئ أن يلجأ إلى مساعدة كاتب معروف؟ «كثيراً ما يحتاج الكاتب للعديد من السنوات والكتب لكي يصل إلى جمهوره، ولكن بمجرد تواجد الجمهور فإن بناتا وصبياناً، ونساء ورجالاً يخرجون في صفوف هذا الجمهور إذ يودون هم أيضاً ان يكتبوا، وهم يرسلون نصوصهم لكاتب معين لأنهم يحبونه ويشعرون بتقارب وثيق معه، كما يضفون على هذا الكتاب الذي حظي بنشر كتبه ورواجها بين القراء، كل القدرات، فهو سيقرأ بدوره ما كتبوه ويفرض على ناشر مؤلفاته مخطوطاتهم. وبمجرد ظهور الرواية فإنه لن يبقى على الروائي الراسخ القدم إلا ان يشيد بها حتى يتصدر محسوبه رأس قائمة الكتب التي تقرأ على أوسع نطاق، لا لن يحدث ذلك، ولنكرر مرة أخرى، لا يمتلك الكاتب أية سلطة في هذا المجال، يجب ان ترسل المخطوطات للناشرين، ومن الخطأ الاعتقاد بأن النصوص لا تقرأ، فأعضاء لجان القراءة أناس جادون، وقد يخطئون أحياناً، ولكنهم مدققون في عملهم، وعندما يرفضون كتاباً سيئاً فإنهم يسدون بذلك خدمة لمؤلفه أولاً، وحتى لو اشتد ألم هذا الأخير وأصابه اليأس في هذه اللحظة، إلا ان الألم سيزول، وإذا كان لدى المؤلف حقاً شيء يستحق ان يقال، فسيأتي يوم يقول فيه». برنار كلافيل كيف يكون رد الفعل إزاء رفض الناشرين؟ «كتبت بكثرة قبل أن أعثر على ناشر، ولكن التمرس يتم بتلك الطريقة، لقد انتجت ثماني أو تسع مخطوطات دون ان اجد مشترياً، فأول رواية لي «الحائط العظيم» نشرت في 1969، ولكني كنت أكتب منذ 64، والمسألة تحتاج إلى وقت، وهنا أيضاً يجب بالذات ألا يهون العزم، حتى وإن كان تسلم خطابات رفض من جانب الناشرين محبطا للهمة. ولدي الكثير من تلك الخطابات، وبعضها رائعة، من جانب ناشرين باريسيين كبار في ذلك الوقت، ولا يزالون كباراً حتى الآن.. غير ان المرء يكون في هذه الحالة إزاء حلين: إما رفض هذا الحكم والعناد بالتمسك بمخطوط واحد يقدم ناشرين إلى عشرة أو خمسة عشر، وإما تركه جانبا والبدء في كتابة رواية أخرى.. وقد اتبعت هذا الحل «...» واضطررت مع كل رفض، لا إلى معالجة موضوع آخر فأنا أدور دائماً حول الأرض ولكن إلى اللجوء إلى شكل آخر للسرد بقصة مبتكرة.. وهكذا تعلمت الكتابة لأن الكتابة تخضع للتعليم». كلور ميشليه هل يتحقق النجاح من الوهلة الأولى؟ «يقول الكتّاب الجدد وهم يتحدثون عن زميل لهم شاب بنبرة لا تخلو من الحسد: «إنها بداية جميلة، كان حظه سعيداً؟» دون ان يتبادر إلى أذهانهم ان لكل بداية سوابق، وانها نتاج عشرين بداية أخرى لا يعلمون عنها شيئاً، والواقع انني لا أعرف ان هناك ضربات عاصفة في مجال الصيت، واعتقد بالأحرى ان النجاح يتحقق بنسب حسابية أو هندسية وفقاً لقوة الكاتب، وانه نتاج نجاحات سابقة لا تظهر بالعين المجردة في الكثير من الأحوال، فهناك تراكم بطيء لنجاحات جزئية، أما التوالد المعجز والتلقائي فلا وجود له».