إجمالي الاتفاقيات والصفقات بين الشركات السعودية والأمريكية بلغ 575 مليار دولار    إثراء الشريك الثقافي في منتدى مسك العالمي 2025    أمانة المدينة المنورة توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز استثمار الحدائق العامة وتطويرها    ولي العهد والرئيس الأمريكي يُشاركان في أعمال منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    ولي العهد في واشنطن.. تحالف يتجدد ورؤية تتقدم    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لجمهورية الصومال    ولي العهد والرئيس الأميركي يوقعان اتفاقية الدفاع الإستراتيجية    أمير تبوك يستقبل مدير عام السجون بالمملكة    القادسية ينظم دورة "الذكاء الاصطناعي في الإعلام الرياضي" بالشراكة مع هيئة الصحفيين السعوديين    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    وسط غموض ما بعد الحرب.. مشروع قرار يضغط على إيران للامتثال النووي    غارة إسرائيلية تقتل شخصاً وتصيب طلاباً.. استهداف عناصر من حزب الله جنوب لبنان    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم    الأمير عبد العزيز بن سعود يلتقي متقاعدي قطاعات وزارة الداخلية في منطقة الحدود الشمالية    في الجولة التاسعة من دوري روشن.. الاتحاد والأهلي يواجهان الرياض والقادسية    المتأهلون إلى كأس العالم 2026.. 42 مقعداً حسمت.. والملحق يحدد آخر 6 منتخبات    حنيف يوثق تاريخ نادي الوحدة    طيار بلا شهادات يقود «إيرباص A320»    تعمل عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.. درون وروبوت لمكافحة الحرائق بالمباني الشاهقة    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    إبراهيم إلى القفص الذهبي    «جوجل» تطلق نسخة مطورة من التنبؤ بالطقس    تامر حسني يكشف تفاصيل أزمته الصحية    مهرجان الديودراما المسرحي يحتفي بالثنائية الفنية    «وسم الثقافي» يكرم المعيبد    «التخصصي» يعتمد مركزاً وطنياً لخدمات الميتاجينومكس    دراسة: دواء السكري يقلل فوائد التمارين    «بيئة مكة».. جولات رقابية على الخضار والأسماك    عطارد يمر بين الأرض والشمس... اليوم    يايسله: المهمة أمام القادسية صعبة    عبدالعزيز بن سعود يدشّن منظومة الرادارات في نظام أمن الحدود الشمالية ومركز الجراني بقطاع طريف الحدودي    بولندا تنشر جيشها لحماية البنية التحتية الحيوية بعد هجوم على خط للسكك الحديدية    أثر مدهش من بيضة مجهولة    «جامعة سطام» تطلق «خيمة ثقافات الشعوب»    «فنون العلا 5» ينطلق في تنوع فني وتجارب أدائية غامرة    20 بحثًا يعزّز التعاون الثقافي السعودي - الصيني    14 ألف جولة رقابية على المساجد بالشمالية    فيصل بن مشعل يتسلّم تقرير لجنة الحج الفرعية    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    القبض على شخصين لترويجهما «القات المخدر»    «الجوف الصحي» يقدّم الفحوصات الدورية المتنقلة    لماذا يبدع ضعيف الذاكرة؟!    سمنة الصغار تزيد الإصابة بضغط الدم    "سورات وميرونك" يتصدّران افتتاح بطولة السعودية الدولية 2025 للجولف    xAi: سيتم دمج "غروك" في نظام هيوماين وان التابع لشركة هيوماين السعودية    وزير الرياضة: رؤية 2030 أحدثت تحولًا جذريًا ورفعت عدد الاتحادات إلى 97 اتحادًا    من تشجع في مباراة الفضاء؟    استثمارات جديدة في27 متنزها ومشتلا وطنيا    120 ألف شخص حالة غياب عن الوعي    احتكار الجو    عبء العلاقات الاجتماعية ثقل يتزايد بصمت    سماحة الإسلام    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة بريطانيا لدى المملكة بمناسبة اليوم الوطني    5 أهداف للاتفاقية الدفاعية بين السعودية وأمريكا    حسن الظن بالله أساس الطمأنينة    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كُرونا والثقافة الإلكترونية! (التعليم والكتاب في مواجهة البيروقراطيَّة الورقيَّة)


-1-
منذ سنين، تناهز العشرين، أي منذ بداية هذا القرن الحادي والعشرين، تطرَّقتُ مرارًا إلى التحوُّل الإلِكتروني، الذي يُشبِه التحوَّل من الشفاهيَّة إلى الكتابيَّة في التاريخ البشري. وأنَّ ذلك التحوُّل سيشمل التعليم، والكتاب، والصحافة، والثقافة بعامَّة. كنتُ أطرح ذلك من خلال ندوات، أو دراسات، أو مقالات، وحوارات، وتحقيقات صحفيَّة. وكان هذا الرأي يجابه ببعض الاستغراب من كثيرٍ، وربما بتسفيهٍ سافر، ولا سيما من الساكنين في الشُّقق القديمة من بنايتنا الآيلة إلى السقوط. ولطالما تغزَّل هؤلاء بالمنتج الورقي، ورائحة الأحبار والأوراق؛ فهي- بزعمهم- عشقٌ أبديٌّ لا بديل له، ولا يقلُّ عشقها عن عشق «الأحبار والرهبان»، عند بعض الأقوام!
كنتُ أقدِّر عشر سنوات على هذا التحوُّل في عالمنا العربي، أو خمس عشرة سنة؛ فعالمنا العربي؛ ولأسباب حضاريَّة، لا يُدرِك رَكب الأُمم قبل هذه المدَّة الافتراضيَّة، غالبًا، وإنْ فعلَ ظلَّ الفاعلون مقلِّدين على استحياء، ومرفوضين، على غير استحياء، يُقال عادةً عنهم ما قاله (فرعون): «إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُون، وإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُون، وإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُون». حتى هلَّت (الآنسة كُرونا)، ولم تتأخَّر كثيرًا، لتُنصفني- لا جزاها الله خيرًا!- وأضرابي من الشِّرذمة القليلين، وتُعيد تأهيل الإخوة الساكنين في الشُّقق القديمة من البناية الآيلة إلى السقوط، وتربِّي معاندي التاريخ منهم تربيةً صارمة؛ فالمسألة لديها مسألة حياةٍ أو موت! ورُبَّ ضارةٍ نافعة!
-2-
حول سؤالٍ عن التعليم الإلِكتروني، كتبتُ قبل عِقدٍ من السنوات: إن واقع التعليم الإلِكتروني، في الجامعات العربيَّة عمومًا، ما يزال دون الدرجة المطلوبة، والوضعيَّة الممكنة، بكثير. والسبب أنَّنا نعاني من أُمِّيَّة إلِكترونيَّة على مستوى أعضاء هيئة التدريس الجامعيِّين أنفسهم، فكيف، إذن، ستنهض عمليَّة تعليميَّة إلِكترونيَّة؟! وأُولى العقبات في سبيل التعليم الإلِكتروني هي تلك الأُمِّيَّة لدَى أساتذة الجامعات؛ من حيث إنَّ التعليم الإلِكتروني ليس أجهزة، بل هو قبل ذلك فكرٌ وثقافة.
إنَّ شبكات الجامعات الإلِكترونيَّة- ولا فخر- من أردأ الشبكات التي يمكن أن يعوِّل عليها طالب أو باحث. وإمكانيَّة التطوير ستظل مرهونةً بإدراك أنْ لا جامعة في هذا العصر بلا شبكة إلِكترونيَّة حقيقيَّة، تربط الطالب بالأستاذ، والجامعة بالمجتمع، والوطن بالعالم، وبأسلوبٍ مباشرٍ وسهلٍ وسريع. هذه لغة العصر. ولم تَعُد أمرًا ثانويًّا في التربية والتعليم. وغيابها لدينا كان أحد الأسباب وراء تأخُّر تصنيف جامعاتنا بين الجامعات في العالم. وقد جاءت النظرة التي سادت أوساطنا الجامعيَّة إلى هذا السبب- على أنه لا يعني شيئًا في معايير تصنيف الجامعات- دليلًا على أنَّ جامعاتنا ما برحت تفكِّر خارج العصر، وتتصوَّر العمليَّة التعليميَّة وَفق عقليَّة تقليديَّة، وبحسب أدوات هي في طورها إلى الانقراض.
منذ وقت مبكر أخذت الجامعات- في الولايات المتحدة الأميركيَّة تحديدًا- تدير العمليَّة التعليميَّة في كثير من جوانبها عبر الشبكة الإلِكترونيَّة، بما في ذلك إجراء الاختبارات وتقويم مستوى الطلبة. هذا فضلًا عن الإفادة من النشر الإلِكتروني في إتاحة الكتاب للطالب والباحث، مجَّانًا أحيانًا، مع ربط الطالب بمعلِّميه، وتسهيل الوصول إلى مكتبات الجامعة وأوعية معلوماتها عبر لوحات المفاتيح الحاسوبيَّة. فيما الأمر لدينا ما يزال إلى اليوم أقلَّ من هذا الحُلم بكثير.
ولقد حدث لدينا خلال الأشهر الماضية ما يبشِّر بخيرٍ في هذا الصدد، اضطرارًا لا بطولة، ومضت الأمور بسلام، واكتشف المستعبَدون بالبيروقراطيَّة الورقيَّة أنَّ معظم الإجراءات الإداريَّة يمكن إتمامها عن بُعد، وبضبطٍ أكبر. لكنَّ البيروقراطيَّ الورقيَّ لا يرضيه ذلك! فبمجرد أن فُكَّ الحظر، عادت في اليوم التالي الحياةُ البيروقراطيَّة الورقيَّة القديمة إلى عادتها. خِرِّيج الجامعة أو خِرِّيجتها، على سبيل المثال، لا يسلَّم وثيقته هذه الأيام- التي ما زالت فيها جائحة كرونا قائمةً على قدمٍ وساق- حتى يعبِّئ ورقة، ويحضرها شخصيًّا، وإنْ جاء مسافرًا من خارج المدينة التي فيها الجامعة؛ وذلك لإخلاء طَرَفه الكريم! لا بأس، وإنْ تسبَّب ذلك في إخلاء أطراف حياته كلها! على الرغم من أن الجامعة تملك من الحواسيب والمعلومات ما يمكن أن تتوثَّق به من خلوِّ طَرَف المذكور وطَرَف الذين خلفوه أيضًا. ومثل هذا الإجراء الشكلي التافه كان يمكن أن يتمَّ إلكترونيًّا. غير أنه يبدو أن هناك من يستمتع بهذه الإجراءات المتخلِّفة، التي نذكرها منذ سبعينيات القرن الماضي! ولن يُغيِّره غير فرض نظامٍ بديلٍ عن إجراءات القرن الماضي، بملفَّاتها العلَّاقية الجميلة، ومراجعاتها التي لا تنتهي! فهل يُفرَض مثل هذا النظام لإراحة الناس من عبيد البيروقراطيَّة الورقيَّة؟! إنْ لم يحدث ذلك الآن، فمتى؟ وسيظلُّ شِعار «التحوُّل الرقمي» ترجمة شعار، لا أكثر، فارغة من المحتوى الواقعي.
-3-
وعن معارض الكتب الدوليَّة، كنتُ أرى، وما زلتُ وسأظل!: أنها تجارة أكثر من أيِّ أمرٍ آخر، وأن المعارض الدولية للكُتب- إنْ هي ظلَّت محصورةً في ميدان الكتاب الورقي- باتت أقلَّ جذبًا من ذي قبل؛ لأن الحصول على مكتبة كاملة صار اليوم ممكنًا عبر التقنيات الرقميَّة، وإنْ تأخَّر ذلك بعض الشيء في إتاحة ما يجدُّ في حركة التأليف والنشر. والمكتبة الرقميَّة هي البديل المعاصر للمكتبة الورقيَّة التقليديَّة. وأرى أن مشروع مكتبة رقميَّة شاملة، ومتاحة للجميع، يمكن أن يمثِّل قفزة نوعية واعية بضرورات القارئ الآن، وبتطوُّر سِلعة الكتاب، ونشر المعلومة.
الكتاب الإلكتروني (أو الرقمي، كما يحلو للرقميِّين) هو المستقبل، ولن يمرَّ وقت طويل حتى يصبح الكتاب الورقي في ذِمَّة التاريخ، كما أصبح قبل ذلك الكتاب المخطوط في ذِمَّة التاريخ.
عمَّا قريب ستُقفِل المطابع ودُور النشر التقليديَّة أبوابها. أجل، سيحدث ذلك عاجلًا غير آجل.
ولكرونا- تربيتها وتعليمها وتثقيفها- بقيَّة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.