غدًا الأربعاء .. افتتاح مطار غرب القصيم بمحافظة الرس    انخفاض أسعار الذهب لأدنى مستوى في أسبوعين    الاستعلام عن السجلات التجارية عبر "توكلنا"    المجمع الفقهي يوصي بتمكين المرأة بالتعليم    السديس يُثمِّن جهود القيادة الرشيدة لتعزيز رسالة الإسلام الوسطية وتكريس قيم التسامح    سمو وزير الدفاع يتلقى اتصالا من وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    نائب رئيس مجلس الشورى يلتقي النائب الأول لرئيس البرلمان اليوناني    السعودية للكهرباء" تشارك في مؤتمر "الطاقة العالمي" بنسخته ال 26 بهولندا    مارتينيز سعيد بالتتويج بلقب الدوري الإيطالي في قمة ميلانو    نيابة عن خادم الحرمين .. أمير منطقة الرياض يحضر حفل تسليم جائزة الملك فيصل العالمية    ميتروفيتش يشارك في مران الهلال قبل مباراة العين    قيادات أمن الحج تستعرض الخطط الأمنية    ريادة "كاوست" تحمي التنوع بالبيئة البحرية    العين الإماراتي يختتم تحضيراته لمواجهة الهلال    طرح تذاكر مباراة الاتحاد والشباب في "روشن"    ارتفاع في درجات الحرارة على منطقتي مكة والمدينة وفرصة لهطول أمطار بالجنوب    منح السعوديين تأشيرة «شنغن» ل 5 سنوات    «السيادي السعودي».. ينشئ أكبر شركة أبراج اتصالات في المنطقة    «أرامكو» تبحث الاستحواذ على 10 % في «هنجلي» الصينية    الإعلام والنمطية    «مسام»: نزع 857 لغماً في اليمن خلال أسبوع    أمير القصيم يخصص الجلسة الأسبوعية للزراعة الذكية    تعزيز التعاون الخليجي الأوروبي    الرباط الصليبي ينهي موسم "زكريا موسى" مع أبها    «تيك توك» ينافس إنستجرام بتطبيق جديد    تجربة ثرية    الشورى يوافق على مشروعي السجل والأسماء التجارية    الأزهار البنفسجية تكّون لوحة جمالية.. «شارع الفن».. مناظر خلابة ووجهة مفضلة للزوار    دور السعودية في مساندة الدول العربية ونصرة الدين الإسلامي    غربال الإعلام يصطفي الإعلاميين الحقيقيين    الأمانة العلمية    «أضغاث أحلام» في جامعة الطائف    3 آلاف مفقود تحت الأنقاض في قطاع غزة    تقدير أممي لجهود مركز الملك سلمان في اليمن    النسيان النفسي    اختلاف زمرة الدم بين الزوجين    عيسي سند    ماذا يحدث في أندية المدينة؟    أمانة المدينة تطلق الحركة المرورية في طريق سلطانة مع تقاطعي الأمير عبدالمجيد وخالد بن الوليد    سلسلة من الزلازل تهز تايوان    حاجز الردع النفسي    قصور الرياض واستثمارها اقتصادياً    أمير حائل يفتتح أكبر قصور العالم التاريخية والأثرية    أمير حائل لمدير قطاع الحرف: أين تراث ومنتوجات حائل؟    شعوب الخليج.. مشتركات وتعايش    العين بين أهله.. فماذا دهاكم؟    الرياض تستضيف معرضاً دولياً لمستلزمات الإعاقة والتأهيل.. مايو المقبل    مساجد المملكة تذكر بنعمة الأمن واجتماع الكلمة    نائب أمير جازان يدشن حملة «الدين يسر»    محافظ طبرجل يطلع على الخدمات البلدية    أكثر من ثمانية آلاف ساعة تطوعية في هلال مكة    جمعية عطاء تدشن برنامجي قناديل وعناية    «البيئة» تُطلق مسابقة أجمل الصور والفيديوهات لبيئة المملكة    الزائر السري    أمير الرياض يرعى حفل تخريج دفعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة الفيصل    وزير «الإسلامية» للوكلاء والمديرين: كثفوا جولات الرقابة وتابعوا الاحتياجات    انطلاق منتدى «حِمى» بمشاركة محلية ودولية.. ريادة سعودية في حماية البيئة لمستقبل العالم والأجيال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صانع السلالم
نشر في الجزيرة يوم 24 - 04 - 2020

في زمن البدايات كان كل ما حولي صغيراً، ووحدي أنا كنت أنمو بعيداً عن أي معرفة للمصدر، أو طريق نجّارٍ نادرٍ مخلصٍ، يعلمني صناعة السلالم، أو يضعني فوق أحدها.
وقبل عقدين من الزمان.. عشرون عاماً كاملة قضيتها بحثاً عن درجة واحدةٍ للصعود، لم أكن قادراً وحدي على صناعة ذلك؛ لأنني في مدينتي جازان محاط بشاعر، أو كاتب، أو ناقد، أو أكاديمي، أو روائي؛ فكل جهات جازان كانت تلد باستمرار، ولكنني لم أكن أتخيل يوماً أنني سأغدو أحد مواليدها.
قبل ثمانية عشر عاماً تقريباً سمعت عن شاعرٍ اسمه أحمد الحربي، وسمعتُ أنه لا يخذل أحداً طرق بابه، وأنك إذا التقيته ستجد نفسك؛ ستتحدث معه وكأنك تعرفه، ستجلس إليه وستجده يتحدث عنك بروح الابن، ويقربك إليه بإنسانية عالية. كنت بحاجة ماسة في زمني ذاك إلى رجلٍ ولو بأقل من هذه المواصفات التي حكوها لي عنه.. فحزمت أوراقي، ووضعتها في كيسٍ أعطتني إياه أمي، وقالت لي: «اذهب إليه، اذهب فقد رأيتك في المنام وأنت تحمل جريدة وتقرؤها عليّ، ولم تقرأ لي في حلمي ذاك إلا اسمك، ولم تريني من تلك الصحيفة إلا صورتك، وصور كُتب كثيرة باسمك... اذهب يا بني فهذا تأويل رؤياي إن شاء الله، ولن يخذلك هذا الرجل ما دامت له صلة بحلمي...».
وحملت عدتي وعتادي، وذهبت إلى قرية البديع والقرفي. لم أكن أعرف أين طريقها حتى ذلك المساء. طرقتُ باباً بلا موعدٍ سابقٍ، وكنت واثقاً من يدي التي تدق ذلك المزلاج، مدفوعاً بحلم أمي، وحديث أصدقائي الكتّاب والشعراء الصغار من جيلي عن صاحب هذه الدار... ليلتها كان الوقت مغرباً، وما أحلى الغروب إليه. وقف رجلٌ كنت أراه على أغلفة الصحف، والمجلات، وعلى منصّات الأمسيات الشعرية، ولم أتوقع يوماً أن قدرة القدر ستضعني أمام من رأيت لتحولنا معاً من علم اليقين إلى عين اليقين. وبابتسامةٍ هادئةٍ، وببساطة الرجال الكرام، صافحني، أمسك بيدي، وأنا الذي ليس لديه ما يقوله من حياء وخجل الكاتب الصغير الذي يترنح في داخلي أمام موقفه الأول. لقد كنتُ خاضعاً لأكبر عملية صمتٍ في حياتي، وفقدت خلق جملتي الأولى التي سأضعها في ميناء رمز من رموز منطقتي ووطني في تلك اللحظات، واستضافني كما لو أننا على موعدٍ سابق. ذلك الشاعر الحربي منذ البدء، ومنذ تلك الفناجين التي قدمها لي مقسماً بالله أن لا يصبّ لي سواه، على ما حوله من أبنائه.
ذلك الشاعر الحربي الذي ظل ينصت لي، ويتصفحني ورقةً بعد أخرى دون أن يمل من انكسار لغتي، وأخطائي النحوية، والإملائية الصغيرة.
ذلك الحربي الذي أعطاني موعداً بعد أسبوعٍ لأعود إليه ثانيةً فأجد كيسي المملوء بالأوراق وعليها جميع ملاحظاته ورؤاه. ذلك الحربي الذي عدت إليه بعد أسبوع فوجدته وقد صنع لي سُلّماً مناسباً لمقاسي، وقامتي، وموهبتي. لقد أزالني من قائمة الشعر والشعراء، وهو يسلّمني أوراق قصائدي المريضة وعليها ملحوظاته ورؤاه العظيمة، ثم وضعني أمام القاص، والروائي المنتظر... في لقائنا الثاني ذاك جلستُ إليه وليس في أجواء مكتبته غير صوته، وعناوين الكتب التي لم أرها في حياتي قبل ذلك اليوم: شعراء، ورواة، ونقّاد، وتفاسير، ومؤلفات.. لكم حلمتُ يومها أن لو يمنحني يومًا واحدًا في الأسبوع لأعيش في أحضان مكتبته، تلك التي اجتمع بي فيها كما لو أنه يود أن يرسل لي رسالة صامتة، مفادها: إنك في حاجة ماسة لكثرة القراءة يا جابر... وصلت رسالته تلك، ولم أخرج من هناك إلا بعشرات العناوين التي سمح لي باقتنائها من مكتبته، إضافة إلى مؤلفاته، وتوصياته بكتبٍ، منها ما سوف يبحث عنها هو، ومنها ما سوف أبحث عنه أنا. وعدت ليلتي تلك مملوءًا بحب ذلك الرجل، لا طريق لديّ غير أن أقرأ، وأكتب، وأتدرب على ملامح الكتابة الأدبية السليمة، وأن لا أستعجل... قال لي وهو يودعني يومها: «ابني العزيز جابر: الكاتب يلد كاتباً، الظروف تصنعه، والتجارب تؤدبه، وأنا أرى أمامي شابًّا قادمًا، وكاتبًا سيضع بصمته في أدبنا العربي...».
وسلمني بمقولته تلك، سلّمني سُلّمي ذاك، وبدأت الصعود... ومنذ ذلك اليوم حتى اليوم وهو أبي، أبي الذي لم تلده جدتي...
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.