الأحوال: تعديل مواد تتعلق بتغيير الاسم الأول وتعديل أو حذف اسم الشهرة    البسامي: ضبط أكثر من 140 حملة حج وهمية    فاطمة الشمسان ل"الرياض" الحاج يحتاج نحو 100 جرام من البروتين يومياً    السقوط أمام أيسلندا جرس إنذار لمنتخب إنجلترا قبل يورو 2024    إطلاق أجير الحج والتأشيرات الموسمية    "الداخلية" ترحل 11.9 ألف مخالف بأسبوع    طقس شديد الحرارة على 5 مناطق    تفتيش "بيئي" ل 91% من منشآت ومواقع الحُجّاج    "البحر الأحمر": جولة ثالثة لدعم مشاريع الأفلام    الفنانة المصرية شيرين رضا تعلن اعتزال الفن    "السياحة": 227 ألف غرفة مرخصة بمكة    سُوء التنفس ليلاً يسبب صداع الصباح    القلعة الأثرية بمحافظة جزر فرسان .. وجهة سياحية ومعلم يمزج التراث بجمال الطبيعة الساحرة    عمرو دياب يصفع.. يشتم.. ويثير الجدل    النائب العام يتفقّد ويدشّن مقرات للنيابة العامة في المشاعر المقدسة    الدكتوراه ل«العنبر» في فلسفة التربية    «الراجحي» يتوج بالذهب من بلاد «التانجو»    غانتس يستقيل.. حكومة نتنياهو باقية        200 كشافة سعودية تساند أمن "الحرم المكي" في الحج    جنة ينافس العيسى على رئاسة الأهلي    الفلبين تحظر واردات الطيور والدواجن من أستراليا بسبب أنفلونزا الطيور    قرار الأمم المتحدة بوضع إسرائيل على القائمة السوداء خطوة في الاتجاه الصحيح    غزة تستغيث لتوفير مولدات كهربائية للمستشفيات    نائب أمير مكة يتفقد العمل بصالات الحج    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأردن    "آبل" تخرج بعض إصلاحات "آيفون" من الضمان    "أبل" تدعم تطبيق البريد ب "الذكاء"    مقتل صاحب أول صورة ملونة لكوكب الأرض من الفضاء    الهلال يعلن برنامج تحضيراته للموسم الجديد    سوء التغذية يسبب اكتئاب ما بعد الولادة    الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    بيئة نجران تدشن اليوم العالمي للبيئة تحت شعار "أرضنا مستقبلنا"    تأهّل الحزم والنور والابتسام والصفا إلى نصف نهائي بطولة المملكة لكرة اليد الشاطئية للكبار    الجبير يرأس وفد المملكة المشارك في الحدث رفيع المستوى بشأن العمل من أجل المحيطات        المملكة عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC) للفترة 2025-2027م    100 ألف زائر في كرنفال القادسية الأسطوري    بعثة المنتخب السعودي تزور صالة مبادرة "طريق مكة" بباكستان    انطلاق الدورة العلمية الكبرى تحت عنوان "التوحيد في الحج"    الدفاع المدني ينفذ فرضية حريق بالعاصمة المقدسة    ضيوف المليك: استضافتنا للحج امتداداً لأعمال المملكة الإنسانية    منصور ابو شهران في ذمة الله    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    «هيئة النقل» تنفذ أكثر من 98 ألف عملية فحص حتى بداية شهر ذي الحجة    نائب رئيس جمهورية جامبيا يغادر المدينة المنورة    جامعة الملك خالد تتقدم 160 مركزًا في تصنيف QS العالمي للجامعات 2025م وتحقق المركز 601    400 مشروع فني وتصميمي لطالبات كلية التصاميم بجامعة الإمام    «الأحوال»: منح الجنسية السعودية لشخصين.. وقرار وزاري بفقدانها لامرأة    فيصل بن مشعل يقدر لامين وأمانة القصيم جهودها في مدينة حجاج البر    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفضال لا تنسى 5.. عبد الرحمن العثيمين 2
وكان من خبره
نشر في الجزيرة يوم 28 - 02 - 2020

كان ارتباطي بوالدتي - رحمها الله رحمة واسعة - عظيمًا وثيقًا، روحًا وجسدًا، لا أكاد أفارقها حضرًا أكثر من ساعات المنام أو الدوام، وسفرًا أكثر من أيام الحج، ولي معها في اليوم والليلة خمس جلسات راتبة، الوجبات الثلاث وجلستا شاي، لا أعتذر عن واحدة منها إلا لحاجة.
ولما واعدني د. عبد الرحمن العثيمين الساعة العاشرة مساء، حاولت استعجال العشاء تلك الليلة، فحال دون ذلك حائل أخرني عن الموعد ثماني عشرة دقيقة، فلما طرقت الباب لم أجد إجابة، فاتصلت بالجوال فلم أجد ردًّا، فعلمت أن تأخري وقع موقعًا سيئًا.
فلما كان من الغد أتيت مجلسه بعد المغرب، ولم يكن ثم أحد غيري، فقام سريعًا وجاء بالقهوة، لا يبتدئ الحديث، ويختصر الإجابة إن سألت، فاعتذرت عن التأخر ليلة أمس، فقال: لو اتصلت واعتذرت قبل! فما أحرت جوابًا، فالحق في جانبه، والصواب مجانبي!
كان - رحمه الله- يخبرني من قبل عن حرصه على الالتزام بالمواعيد، وعن حالات متعددة قابلَ التأخرَ بما يستحقه عنده من إلغاء الموعد، أو أكثر من ذلك، مع من لهم وزنهم سنًّا وعلمًا، فلم أكن جاهلاً بمنهجه، غير أني لم أقدر للأمر قدره.
بقيت فترة لا أغشى المجلس، وإنما أكتفي بالاتصال، كل أسبوع، بعد عصر يوم الاثنين، وقلت في نفسي: إذا كانت الإجابةُ كان اللقاءُ، فلما أذن الله به تحقق، بعد زمنٍ استغرق عملي بالرسالة وإتمامها.
نبع المودة قد يحسِرُ حينًا لكنه لا يجف، يبقى ما دام الفضل يَمُدُّه، والوفاء يرفده، والعرفان يصفيه ويزيده.
عدنا كما كنَّا، ما كان الانقطاع إلا ذكرى ما تخطُرُ إلا ويُصرف عنها الذهن، لم يجرِ لها معه من بعدُ ذكر ولا عتب، والإحسان يقيد الإنسان، فإن نفخ الشيطان في حظ النفس ليربو، هوَّنه الفضل المتقدم، ومن وجد الإحسان قيدًا تقيَّدا.
كان المرض إذ ذاك قد أخذ من أستاذنا ما أخذ، فكان ملازمًا بيته، يشكو ما أصاب قدمه من أثر مرض السكر، ولما أخبرته بموعد مناقشتي للرسالة، سرَّ بذلك، وقال لو كانت المناقشة في القصيم لتحاملت على نفسي وحضرتها، ولكن السفر يشق عليَّ.
لم أتأخر في نشر الكتاب بعد المناقشة، وإنما هي ستة أشهر مدة المراجعة والطباعة، فأهديته نسخته، فكان أول اطلاع بعد الانقطاع، ولقد رأى فيه جانب إجادة وإخفاق، ومن إحسانه أن نسب الإجادة لي، والإخفاق لغيري!
عِلمُهُ بالكتب مطبوعِها ومخطوطها في علوم اللغة والشريعة والرجال والتاريخ لا يشق له فيه غبار، شهد له به كبار العلماء والمحققين، أمثال السيد صقر، وعبد الخالق عضيمة، ومحمود شاكر، وحمد الجاسر وغيرهم، وقد صور لنفسه عددًا كبيرًا منها، لما تتبعها في زيارتها للمكتبات وخزائن الكتب في العالم، وكان يبذلها لمن يتحقق فيه شرط الجدية عنده، وربما صورها له مجانًا، وقد صور لي نسخة من شرح السيرافي نسخة دار الكتب (خمسة مجلدات كبار) وأهداها، فضلاً عن نسخة الغرة، ومن طريف ما حكى لي، أن طالبًا جاء يسأله عن كتاب ليسجله رسالة علمية، فأُعجب بالطالب، وتوسم فيه خيرًا، وكان للكتاب أربع نسخ، ثلاث منها عند أبي سليمان، والرابعة ليست عنده، ولكنه يعرف مكانها ورقمها، فأعطى الطالب النسخ الثلاث ليصورها، وأعطاه رقم الرابعة في مكتبة في تركيا، وبعد سنة كاملة عاد ذلك الطالب إليه، وقد نظم قصيدة يمدحه بها، ثم طلب منه الرابعة!! وعندئذ لم يملك أبو سليمان نفسه، فلامه أشد اللوم: لو كنت سأبخل عليك لم أعطك النسخ الثلاث، ثم إني أخبرتك بمكان النسخة الرابعة ورقمها، ولو ذهبت إلى تركيا زحفًا لوصلتها ورجعت في سنتك هذه، ثم إنك أتيت لتمدحني بقصيدة، أتظن أنك تستغفلني أو تخدعني؟! ثم قطع التواصل معه، لما خاب ظنه فيه. مر على هذا سنوات، وبينما هو في الطائرة في رحلة بين الرياض ومكة، وقد أخذ مكانه فيها، إذا برجل يأتي ويسلم عليه، ويدعوه إلى مكان خال بجواره، فظن أبو سليمان أنه ذلك الطالب، فاعتذر من غير تروٍّ، وقال: لن أفرط بجاري، قاله وهو لا يعرف ذلك الجار، وإنما هربًا من ذلك الطالب الخامل، فذهب الرجل، ولم يلبث حتى عاد وقال لأبي سليمان: أعرفتني أبا سليمان، أنا علي الزبن، (الشيخ الدكتور)، فاستدرك أبو سليمان، وعرف أنه قد وهم، والشيخ علي لا يفرط في جواره، يقول أبو سليمان، ولكن موقفي من جاري صار محرجًا، فلما حييته بما يستحقه، واعتذرت بالوهم، أردفت: حتى وإن عرفتك، فلن أفرط بجاري، لكن موعدنا إذا نزلنا من الطائرة.
لقد كان رحمه الله في أمر العلم صارمًا حادًّا، غير أنه كريم باذل، قد فتح بيته وصدره، ولم يكن صاحب دنيا، فلم يطلب ترقية، ولم ينتظر منصبًا، ولا طالبَ ناشرًا بثمن كتبه، أخبرني مرة أن (الخانجي) طلبه ليعطيه حقه من كتاب إعراب القراءات السبع وعللها، ومقداره ثمانية عشر ألف ريال، وذلك عام 1430ه تقريبًا، و الكتاب مطبوع عام 1413ه!!
رحمه الله وغفر له.
** **
أ.د. فريد بن عبد العزيز الزامل السليم - أستاذ النحو والصرف في جامعة القصيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.