من دون وجه حق، تتصرف حكومة قطر وكأنها «حركة»، لا دولة. ومن دون وجه حق تتصرف حركة «حماس» وكأنها «دولة»، لا حركة. وهذه الحال قد تكشف عن مفارقة ضياع تام، ولكنها مفارقة ضلال أيضاً. الضياع يعني أنهما، إذ يتصرفان بعيداً عن هويتهما الطبيعية، فلأنهما اختارا تبني سياسات لا تلائم الوظائف الطبيعية للدولة ولا للحركة. وكلاهما يمارس التخريب على نفسه وفي بيته. فالدولة التي تتحول إلى «حركة» إنما تجند نفسها ومواردها في مشاريع وتطلعات لا صلة لها بطبيعة الوظيفة التي يتعين ان تؤديها الدولة، ولا تأخذ بقواعدها ومسلماتها ولا شروط وجودها أيضاً. والحركة التي تتلبس جسم الدولة إنما تخرب وظائف الدولة، كما تخرب وظائفها الطبيعية كحركة سياسية يفترض ان تؤدي واجب الضغط والتوجيه نحو مسار سياسي مختلف. وهذا هو بالضبط ما تفعله حماس في غزة: تخريب التطلع الفلسطيني إلى بناء دولة مستقلة. أما نظام «الحركة» في قطر فإنه يخرب على القطريين موارد بلادهم، والتزاماتها وروابطها، مثلما يخرب على دول المنطقة استقرارها، في نوع من الهستيريا يبدو معها المرء وكأنه يمزق ثيابه وينتف شعر رأسه على الملأ، (لأنه يؤمن ب»حرية التعبير»، طبعا!). «دولة الحركة» سريعة العطب أيضاً، مثلها مثل «حركة الدولة». وكلاهما تعبير عن سوء فهم. وهذا غالباً ما يؤدي إلى كوارث. فقط اجلس على ضفة النهر لتنتظر الجثة التي سوف تأتيك طافية بما أساءت التصرف فيه. أما الضلال، فخذ عليه مثلاً. فكلا هاتين «الحركة» و»الدولة»، توجه إلى إيران في التوقيت نفسه ليعيد فتح الجسور مع نظامها الإجرامي، ليمارس فعل «النكاية» الصبيانية حيال جواره ومحيطه. كما أنهما يواصلان الرهان، ليس على تركيا-الدولة، وإنما على تركيا-الحركة، وهذا من عجائب سوء الفهم، بل ومن أفضح فضائحه أيضاً. إيران، من أجل التوضيح، كيان ساقط داخلياً. دورته دارت على نفسها، وأزفت. وهو مسؤول خارجيا عن سفك دماء ملايين البشر. وهو نظام أيديولوجي متطرف ضاق الإيرانيون به ذرعاً. ولولا قبضة الإرهاب فيه التي تحرسها تنظيمات مثل «الحرس الثوري» و»الباسيج»، فإن هذا النظام ما كان ليبقى. وهو لن يبقى. انظر في المنعطفات السياسية في داخل المؤسسة الحاكمة. أنظر في الحال الاقتصادي المروع. انظر في حركات الاحتجاج الشعبية وفي المضايقات الشاملة التي يمارسها النظام حتى على بعض أركانه. ثم أنظر في كلفة تدخلاته الخارجية وفي حجم الأعمال الوحشية التي ارتكبها في العراق وسوريا، وفي الأدوار الإجرامية التي تؤديها مليشياته، ولسوف ترى (إذا لم تكن أعمى البصر والبصيرة) أن هذا نظام لا يمكن، ولا يجب، التعويل عليه. وكلما ابتعدت عنه، كلما كان ذلك أفضل للتطهر من تبعات ما يرتكب، ومن موقف المستقبل من جرائمه. فمثله مثل الجَرَب الذي كلما لمست منه شيئا، كلما أصابك من جَرَبه ضررا. تركيا لا يمكنها أن تشكل نظاما مثل النظام الإيراني، لكي يمارس القمع الجماعي، ليبقى 38 سنة. الأتراك الذين أحبطوا محاولة الانقلاب الغبية، لم يدافعوا عن «دولة الحركة»، بل عن «الدولة» نفسها وعن استقرار هويتها. ورفعوا، على طول الخط، رايات تركيا، واحترموا رئيسهم لأنه رئيسهم، وليس لأنه زعيم حزب. وهم قادرون على أن يُحبطوا أي محاولة لإقامة نظام مماثل للنظام الإيراني. الطبيعة التركية تقول إنها دولة أوروبية الهوية والتطلعات، أطلسية الروابط والالتزامات، أتاتوركية البنيان المؤسسي، ولا يمكنها أن تكون كيانا إخوانيا، وشعبها لا يريد «دولة خلافة». فأين ستذهب «قطر-الحركة»، و»حماس-الدولة»، برهاناتهما التي لا تُبصر شيئا؟ يكفي للعاقل أن يجلس على ضفة النهر، ليرى جثة الرهانات الضالة وقد جاءت طافيةً بما أساءت التعويل عليه.