هناك من يقول إن تنظيم الإخوان بالنسبة لقطر هو بمنزلة «الحرس الثوري» بالنسبة لإيران، في إشارة إلى أن هذه الدولة لن تكف عن دعمها له، مهما كلف الثمن. ولكن لماذا؟ هل يدعم الشعب القطري مشروع الإخوان؟ بل هل تمت استشارته فيه؟ وماذا يفترض بقطر أن تجني من وراء تنظيم كهذا؟ ما هو السر وراء تمسك حاكمي قطر به؟ وكيف تهون عليهم جيرة الأشقاء وكل علاقات التعاون الخليجي، ولا يهون عليهم التخلي عن تنظيم لا ناقة لشعبهم فيه ولا جمل؟ أسئلة مُرّة، ولكن جوابها ليس عند قطر وحدها. منذ جريمة 11 سبتمبر عام 2001، كانت بعض «الدوائر الخلفية» لصنع القرار تبحث عن سبيل للانتقام. لم يكن مهما الانتقام من مَنْ، بل الانتقام فحسب، «خبط، لزق» (willy-nilly) من الجميع. والانتقام لم يقتصر على دولة واحدة ولا على دولتين، بل على الإسلام كدين، وعلى المسلمين ككل. جانب من دوافع الانتقام تلك، قادت إلى غزو أفغانستان، وبدا الأمر مبررا نسبيا، على الأقل لأن تنظيم القاعدة كان يتمركز هناك. ولكن بعضها قاد إلى غزو العراق أيضا. وسيقت كل الأكاذيب الممكنة من أجل ذلك. كما تم توظيف مفاهيم موجزة من صنع تلك الدوائر، لتبرير إقامة نظام «ديمقراطي» يقوم على «اللامركزية» و»الدولة الضعيفة» (كبديل مسالم للدولة القوية)، و»حقوق الأقليات» ومن ثم «نظام المحاصصة الطائفية»....الخ. هذه المفاهيم هي التي قادت إلى نسف كل مقومات الدولة في العراق، ونسف كل مؤسساتها، بما في ذلك حل الجيش العراقي. ولكنها قادت أيضا إلى حملات من القتل الوحشي وتصفية الحسابات على أسس طائفية وعنصرية. وزاد الطين بلة عندما دخلت إيران على خط الأحقاد، حتى انتهى الأمر إلى دمار شامل، أعاد العراق بالفعل 200 سنة إلى الوراء. ولكن، وككل أحقاد، فقد كانت لها عواقب وخيمة على صانعيها أنفسهم. دفع الأميركيون ثمنا باهظا من حياة عشرات الآلاف من جنودهم. وتكبدوا خسائر خرافية تجاوزت 2 تريليون دولار. واضطروا في النهاية إلى الانسحاب، تاركين البلاد إلى الفوضى والى الطائفيين لكي يكملوا فيه مسيرة التخريب والنهب والفشل. كان يفترض بمشروع «الشرق الأوسط الجديد» أن يتوقف هنا. على الأقل لأن الانتقام قد تم، ولأن الحقد قد شفي غليله بدماء مليون عراقي وتشريد خمسة ملايين. ولكن بقيت بقية من الحقد لم تشف، تتعلق بالانتقام من الإسلام. فالتفت الحاقدون إلى السعودية بوصفها مركز القيادة الإسلامية، كما التفتوا إلى البحث عن سبل لكي تغرق المنطقة بأسرها في الفوضى. وبدافع أن بعضا ممن تورطوا بجريمة 11 سبتمبر كانوا سعوديين، فقد أصبحت السعودية هدفا. وعن عمد تم تغافل الدور البطولي الواسع النطاق الذي لعبته المملكة في مكافحة الإرهاب، كما تم تغافل التنسيق والتعاون المتواصل مع الولاياتالمتحدة وغيرها لاجتثاث جذوره ووقف تمويله. وأكثر من ذلك تم تغافل التضحيات الجسيمة التي قدمتها المملكة في مواجهة كل الجماعات الإرهابية التي ارتكبت سلسلة من الأعمال الإجرامية ضد قوات أمنها ومنشآتها الحيوية. ولأن الحقائق حقائق، فقد كان لابد من أن توضع بحزم وحسم، ليس أمام تلك الدوائر الخلفية فحسب، بل أمام الإدارة الأمريكية والكونغرس أيضا. وهو عمل أدى إلى إحباط المخطط، أو على الأقل جزءا كبيرا منه. وبينما ظلت قطر تتغنى بقانون «جاستا»، فقد دفع حزم المملكة وحكمتها إلى رده إلى نحره، فخبا وخاب أمل الحاقدين. ولكن ذلك لم يوقف المعركة. ومثلما عملت إيران، لأسباب تتعلق بأحقادها الخاصة، دورا كبيرا في تدمير العراق، فقد أوجدت قطر لنفسها دورا مماثلا، إنما ضد دول المنطقة بأسرها. فجندت كل إمكانياتها لتمويل مشروع التخريب الشامل. وككل مشروع حربي كبير كهذا، فقد كان يتطلب تمويلا ضخما. وهنا لعبت قطر دور البنك الذي يدفع من دون حساب ومن دون قيود. وعاد مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، لينهض مرة أخرى من كبوته. وجاء تنظيم الإخوان، بما له من امتدادات في معظم أرجاء العالم العربي، ليلعب الدور التنفيذي فيه.