سعود بن نايف: الأحساء تشهد حراكًا تنمويًا نوعيًا    هيئة مكة تُطلق خرائط جيومكانية تفاعلية    بدء العمل بمركز فيصل بن مشعل للنباتات المحلية    التنظيم يقفز بأسعار العملات الرقمية    الأسهم تتراجع وسط تداولات ب4.4 مليارات ريال    2100 طلب شهريا لدعم المنشآت بمنصة مزايا    المملكة تحترم الحقوق وتصون الكرامة    رابطةُ العالم الإسلامي تُرحِّبُ بإعلان بريطانيا عزمَها الاعتراف بدولة فلسطين ودعم حلّ الدولتين    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية بريطانيا    1.689 طلب منح الأراضي المنفذة    محمد بن عبدالرحمن: القطاع الصحي يحظى بدعم واهتمام القيادة    فهد بن نافل يعلن عدم ترشحه لرئاسة الهلال في الدورة الجديدة    ضبط 22497 مخالفاً للإقامة والعمل وأمن الحدود    لماذا تهاجر بطولاتنا؟    تعليم مناسك العمرة «افتراضياً»    أكثر من 19 مليون فحص لالتهاب الكبد الفيروسي    بقع شمسية    أخضر الصالات يتخطى أستراليا بثلاثية في بطولة القارات    مريم حسين: «طوق» نتاج مشروعنا العالمي    بيان مؤتمر حل الدولتين : حرب غزة يجب أن تنتهي فوراً    مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة 2025 يوسّع قائمة المشاركين    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة صبيا    سلسلة من الكلمات الدعوية ضمن الدورة العلمية الصيفية الثالثة تنفذها دعوة المسارحة والحرث    فرع هيئة حقوق الإنسان بجازان ينظم فعالية اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص 2025 غدًا    «سلمان للإغاثة» يوزّع 600 سلة غذائية في ولاية النيل الأبيض بالسودان    القيادة تتلقى رسالتين من رئيس أذربيجان    رسمياً.. النصر يضم البرتغالي "جواو فيليكس"حتى 2027    محافظ الطائف يلتقي الرئيس التنفيذي لمركز دعم هيئات التطوير    أمير تبوك يستعرض المشاريع والمبادرات لشركة الاتصالات السعودية بالمنطقة    برنامج الأغذية العالمي: الفلسطينيون يموتون جماعيا من الجوع    هجمات روسية على منطقتين تقتل 20 شخصا في أوكرانيا    "الأدب والنشر والترجمة" تطلق النسخة الرابعة من "كتاب المدينة"    إيران تهدد أمريكا وإسرائيل برد حازم إذا تعرضت لهجوم جديد    نائب أمير مكة يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المدير العام للتعليم بالمنطقة    أبشر رسالة مشحونة بالتفاؤل    خادم الحرمين الشريفين يرأس جلسة مجلس الوزراء في جدة    محافظ الجبيل "الداود" يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية بالمحافظة    عبدالعزيز بن سعود يزور مركز العمليات الأمنية لشرطة باريس    ( لا يوجد عنوان )    منصة قبول : 339 ألف طالب وطالبة أكدوا قبولهم في الجامعات والكليات    طالبت السوداني بالتحرك.. واشنطن تتهم حزب الله بتنفيذ هجوم بغداد    نجوم عالميون في حفلات صيف" مدل بيست"    تامر حسني ينتقد عمرو دياب على "منصات التواصل"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على فهد بن ثنيان    قضايا تمس حياة الناس وممتلكاتهم .. القحطاني: تحذيرات الطقس مسؤولية حصرية للأرصاد    طرح مشروع تملك الأجانب    سمو وزير الخارجية يصل نيويورك للمشاركة في ترؤس الاجتماع الوزاري لمؤتمر حل الدولتين    نيابة عن وزير الخارجية.. مندوب المملكة لدى الأمم المتحدة يشارك في الاجتماع التنسيقي الخليجي    قبلة على جبين أرض السعودية    وداع وطني لزياد الرحباني    ثقافة القطيع    فهم جديد للمعنى كيف تشكل الأزمات طريقة عيشنا    وزير الداخلية يلتقي مجموعة من منسوبي الوزارة المبتعثين للدراسة في فرنسا    أمراض تشير إليها الأقدام الباردة    إنزيم جديد يفتح باب علاجات    التلوث الهوائي يزيد الإصابة بالخرف    عقدت اجتماعها الدوري برئاسة المفتي.. هيئة كبار العلماء تستدعي خبراء لتقديم رؤى متخصصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين كتب العقاد ومنصور.. كانت لنا ساعات
نشر في الجزيرة يوم 17 - 12 - 2015

أكثر من عشرة أيام قضيتها برفقة الأديبين الكبيرين عباس العقاد وأنيس منصور، جذبني في البدء صالونهما الأدبي، فظللت أتردد عدة أيام على هذا المنتدى البديع، واقرأ كتبهما وتجلياتهما الثمينة، وأناقش أفكارهما في الحياة والفكر والأدب. وجدت إجابات مختصرة منهما، وظلت أسئلة كثيرة معلقة في الهواء تحوم بلا إجابة، تضافرت معها رغبة دفينة منهما في الصمت، الصمت فقط وترْك الإجابة للأيام والحدس ولعبة التأويل.
ظللت أحضر هذا الصالون مشرفًا من فوقهم برفقة الفيلسوف الذي أضاع فلسفته خلف الكتابة الصحفية والرحلات والوجودية، أنيس الذي لا يقول كلمتين حتى يذكر أمه أو يتذكرها، ولا يكتب حرفين حتى يذكر الأمكنة العجيبة التي زارها حول العالم بأسلوبه الرشيق، أمشي بجواره كصديق قديم، فأشعر أن طيبته ولطفه تضوع على كل من يعرفه أو يقابله في الشارع، لقد كان يترفق بي كثيرًا ونحن نخوض غمار قراءاته الموسوعية، وحواراته الأدبية، ثم لا يمتعني شيء قدر اصطحابي إلى صالون العقاد، ولا ينتشي بي شيء مثلما يلتفت إلى (الأستاذ) متسائلاً ومحاولاً استدراجي في الحديث: وألا أيه يا مولانا؟، وأنا صامت لا أحر جوابًا، ولا أريد أن أتحدث. لا أعرف إن كان ذلك انبهارًا بتمرده، أو خوفًا من قسوته في الحوار.
أنيس الذي انخرط في الصحافة، وصداقة عبدالناصر والسفر إلى أصقاع العالم، ظلّ مشغولاً بالكتابة حول السياسة، وافتراءات الناس على أصحابها، ومتجهًا أحيانًا إلى الكتابات الاجتماعية، وقليل من الخواطر الأدبية، كان يقرأ كثيرًا وكثيرًا، ويكتب قليلاً، ويحاور ويناقش بين ذلك سبيلاً، اختار القراءة في كل شيء، لأنه أراد أن يكون مثقفًا يحيط بكل ما حول العالم، وهذه كانت غلطته، لأنه كان من الممكن أن يتخصص فيصبح فيلسوف مصر أكثر من عبدالرحمن بدوي، ولأنه كان من الممكن أن ينشغل بالرواية فيكون روائيًا عالميًا، وبينما كنت أجد أن أنيس يلم من كل فن بطرف يريد أن يجمع أطراف المجد الواسعة إلا أن ذلك كان دونه حياض الموت أو الجنون، ولأنه كان يؤمن بالتحرر في الفكر والفهم فقد جاءت كتاباته خفيفة عابرة، بينما كان العقاد أكثر عمقًا، وأغزر معنى، وقرأ هذا الأخير أربعين ألف كتاب معظمها في الفلسفة والفكر، وبدا لي أن معظم قراءاته وانبهاراته أيضًا في الفكر الغربي. ويختصر أنيس الفرق بينه وبين العقاد (أنا صاحب قلب، وهو صاحب عقل. أنا اتنقل وهو يتقدم. أنا أنبهر وهو يضيء. أنا أتغنى وهو يخطب. كنتُ أمسكُ في يدي شمعة، أما هو فيمسك النجوم والشموس في يديه).
كشف أنيس عن أنانيتنا في تعلقنا بالشعراء والمبدعين.. الشعراء المغمورون الذين نقرأ عنهم ثم نخبئهم ونخفي قصائدهم عن الناس، والمفكرون العظماء الذين وجدنا ضالتنا الفكرية في كلماتهم فاحتفظنا بها في دفاترنا، كنا نظن أن الفلاسفة والحكماء منزهون عن هذه العلة، فإذا بهم يتصدرونها، وضبطنا أنيس متيمًا بحب الشاعر محمود إسماعيل يحفظ قصائده، ويتمثل بها، لا يريد لأحد أن يشترك معه، ويغتاظ حين يأتي ذكره بين الشعراء أو يتمثل أحدهم بقصائده، وقرأنا لإسماعيل ووجدنا شاعرية مبهرة فذة، وسألت عن سر هذه الانانية الإنسانية ومغزاها، لكن كان أنيس كعادته يرى أن مشاعر الإنسان أحيانًا تستعصي على الفهم.
لقد تفكرت كثيرًا في مقولة العقاد في صالونه (أنه أمر شاق تمامًا أن يكون الإنسان حرًا وزوجًا في وقت واحد) ولأنني متزوج فضلاً على أبوتي لعدد من الأطفال، فقد حاولت أن أقنع نفسي بأن الحرية أحيانًا تكون عبئًا على الإِنسان، فلا هو بالذي بقي حرًا منتجًا دون امرأة، ولا هو الذي أضاف شيئًا إلى الحياة بعيدًا عنها، فرضيت بنصيبي بل اطمأننت إليه، ورأيت أن أي فشل أصاب به وأنا متزوج وأعيل أولادًا هو منجز يكفيني مؤونة البحث عن المجد والشهرة والخلود، وهو مع كل آرائه في الصالون ومجالسه عن أن (المرأة ديكتاتورية) وأن (الزواج غلطة) إلا أنني وجدته منصفًا لمشاعرها، حين قرأت له عنها أن المرأة قد تحب الرجل بالفعل لكن الرجل لا يحب سوى نفسه فقط. فضلاً عن رسائله العديدة إلى سيدته الفضلى مي زيادة، وحكاية الفتاة سارة. أما صديقنا أنيس منصور فإنه كاد أن يفعلها كما فعلها أستاذه ويعيش عازبًا، لولا ثورة الضباط الأحرار التي أنقذته وزوجته من شقيقة ضابط منهم، لكنه استمر على الوحدة والكتابة وعدم الإنجاب!
ظل العقاد يعاني ردحًا من الزمن من المصران الغليظ، وظل يذكي هذا الألم من غير أن يعلم بأقداح القهوة وعصائر الليمون التي لا تغيب عن مجلسه، وتبعه بسنوات منصور بنفس العلة وجئت آخرهم وليس أخيرًا مشتركًا معهم في القولون، والقهوة والليمون وبعضًا من الآراء حول المرأة، فرقنا الزمان، وجمعنا الداء الوبيل، والسهر الطويل. وربما الكلام الجميل ربما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.