يتساءل الرياضيون والمتابعون أي الخبرين أقوى: إقامة السوبر خارج المملكة، أم غياب الهلال عن البطولة الخبر الأهم والأبرز؟ عندما تصدّر خبر إقامة كأس السوبر السعودي في هونغ كونغ ظن الكثيرون أنه الحدث الأبرز في كرة القدم السعودية لهذا الشهر، لكن ما إن أعقبته مفاجأة اعتذار الهلال حتى طغى هذا الأخير على كل ما سواه، غياب الهلال بصفته النادي الأهم والأكثر تأثيرًا في المشهد الرياضي السعودي والقاري لم يكن حدثًا عاديًا، بل فتح بابًا واسعًا للتساؤلات وألقى بظلاله على مستقبل البطولة، وربما على استراتيجية الرياضة السعودية في المرحلة المقبلة. فهل كان إعلان إقامة البطولة خارج المملكة حدثًا أقوى من غياب زعيم القارة، الإجابة قد تكون نسبية، لكن المؤكد أن الهلال يظل الرقم الأصعب في أي معادلة، وحضوره أو غيابه يشكل فارقًا في القيمة التسويقية والجماهيرية لأي بطولة! الهلال ليس ناديًا عاديًا بل يمثل واجهة كرة القدم السعودية على المستوى القاري والدولي، إذ يمتلك أكبر قاعدة جماهيرية في المنطقة وحقق في السنوات الأخيرة بطولات قارية وأرقامًا عالمية كان آخرها مشاركته في كأس العالم للأندية بأمريكا، والتي قدم خلالها مستويات مشرفة نقلت صورة إيجابية عن الكرة السعودية، ومع هذه المكانة يصبح غيابه عن أي بطولة محلية أو خارجية قضية تثير الاهتمام وتفتح باب التحليل حول الأسباب والتبعات! وهنا يبرز السؤال الأهم: لماذا لم تقم البطولة داخل المملكة خصوصًا في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها السعودية على مستوى السياحة والترفيه ضمن رؤية 2030 تنظيم حدث رياضي بهذا الحجم داخل المملكة لا يخدم كرة القدم فقط بل يدعم السياحة والاقتصاد بشكل مباشر، ويعزز من صورة السعودية كوجهة عالمية للفعاليات الكبرى، لو نظرنا إلى تجربة كأس البطولة العربية في الطائف عام 2023 سنجد أن البطولة حققت إشغالًا فندقيًا تجاوز 90 في المئة في بعض المدن، وخلقت أكثر من خمسة آلاف فرصة عمل مؤقتة، إضافة إلى زيادة إنفاق الجماهير على المطاعم والأنشطة السياحية، وهذا مكسب اقتصادي ورياضي في الوقت نفسه. إقامة السوبر السعودي داخل المملكة في هذا التوقيت كانت ستوفر فرصة ذهبية لجذب السياح خصوصًا مع تزامن الحدث مع موسم الصيف والفعاليات الكبرى في المملكة، وكان يمكن أن تكون البطولة منصة تسويقية ضخمة للدوري السعودي الذي أصبح تحت الأضواء العالمية بعد قدوم نجوم بحجم كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما وميتروفيتش، اليوم الوضع مختلف تمامًا عن السابق، حين كانت البطولة تقام في لندن بوجود أندية محلية بلا نجوم عالميين، أما الآن فإقامة السوبر في المملكة تعني تسويقًا أفضل وحضورًا جماهيريًا أعلى ورسائل قوية للعالم أن السعودية أصبحت الوجهة الأهم للأحداث الرياضية. من الناحية الاقتصادية، لو افترضنا أن حضور المباراة الواحدة في السوبر يبلغ 40 ألف متفرج بمتوسط إنفاق للفرد 500 ريال، فإن الإيرادات المباشرة من تذاكر وضيافة قد تصل إلى 20 مليون ريال، بخلاف المكاسب السياحية من إقامة الجماهير في الفنادق وإنفاقهم على التسوق، وهو ما يضاعف العوائد ويحقق الهدف من الاستثمار في الرياضة كقطاع اقتصادي وليس مجرد منافسة كروية. وهنا تُطرح أسئلة منطقية ما الذي ستكسبه هونغ كونغ من استضافة البطولة؟ وما الذي ستكسبه السعودية من إقامتها هناك؟ وهل هي صفقة تسويقية بحتة؟ أم تجربة لنشر العلامة التجارية للدوري السعودي في شرق آسيا؟ وإن كان الهدف الترويج، فلماذا لم يتم اختيار دولة ذات قاعدة كروية أقوى مثل اليابان أو كوريا الجنوبية أو حتى ماليزيا التي تمتلك جماهير عاشقة للكرة السعودية منذ سنوات؟! أما عن الهلال، فهنا بيت القصيد، بطل آسيا وزعيم القارة خرج من موسم هو الأصعب في تاريخه، لعب فيه أكثر من 60 مباراة بين بطولات الدوري والكأس ودوري أبطال آسيا وكأس العالم للأندية في أمريكا، وأكمل موسمه وهو يواجه ضغطًا بدنيًا هائلًا، وفوق ذلك فقد خاض مواجهات قوية مع أندية عالمية مثل مانشستر سيتي وفلامنغو، وقدم مستوى مشرفًا للكرة السعودية، فهل يحق له الاعتذار منطقيا؟ نعم، لأن مبدأ تكافؤ الفرص يحتم أن يمنح النادي وقتًا للاستراحة، لكن السؤال الأعمق هل كان يمكن البحث عن حل وسط، مثل تأجيل البطولة حتى يستعيد الهلال أنفاسه أم أن القرارات كانت أسرع من اللازم دون مرونة تراعي مصلحة الأندية والجماهير؟ ولا يختلف اثنان أن هونغ كونغ ليست وجهة كروية عالمية، هي مدينة اقتصادية وتجارية مهمة؛ لكن رياضيًا لا تصنف ضمن البلدان ذات الحضور القوي في كرة القدم، لا دوري تنافسي قوي، ولا قاعدة جماهيرية ضخمة، فهل ستستفيد جماهيريًا من البطولة أم أن المستفيد الأكبر سيكون المنظمون فقط؟ وهل فكرنا في صورة الملاعب ونوعية الحضور الإعلامي مقارنة بما يمكن تحقيقه في مدن سعودية، مثل: الرياض أو جدة أو حتى الطائف والدمام، التي تحتضن بطولات عالمية وتملك منشآت متطورة؟ إن التجارب العالمية في تنظيم البطولات تقول إن الاستفادة القصوى تأتي عندما ترتبط البطولة باستراتيجية طويلة المدى تخدم الرياضة والاقتصاد معًا، لا عندما تكون القرارات مفاجئة وتفتقر إلى التكامل في الرؤية، فاليوم، نحن نعيش مرحلة ذهبية للكرة السعودية مع استثمارات ضخمة ونجوم عالميين وإقبال جماهيري غير مسبوق، لذلك فإن أي قرار تنظيمي يجب أن يكون مدروسًا بعناية حتى لا نفقد الزخم الذي تحقق في السنوات الأخيرة. وفي الختام، كل ما نتمناه هو أن تسير الرياضة السعودية وفق منظومة وخطط استراتيجية واضحة بعيدة عن الارتجال أو المجاملات على حساب مصلحة الأندية أو البطولات، نحن أمام فرصة تاريخية لصناعة كرة قدم سعودية تنافس عالميًا، لا نريد أن تضعفها قرارات غير مدروسة، فالتخطيط السليم هو الضمانة الوحيدة للحفاظ على المكتسبات وتحقيق طموحاتنا في أن تكون المملكة في صدارة المشهد الرياضي العالم.