حماس تقدم تنازلات وإسرائيل تتمسك بالحرب    سباق نادر بين ترمب وبايدن    رونالدو يساهم في فوز النصر بسداسية على الوحدة    «ذبلت أنوار الشوارع.. وانطفى ضيّ الحروف»    «شباب البومب» يتصدر شباك دور السينما الخليجية    النملة والهدهد    مدرب الشباب: لا أفكر في الأهلي    البدر يكتب ميلاده بالرحيل    صفقة الأسرى تنتظر رد «حماس».. ومظاهرات غاضبة تطالب برحيل نتنياهو    ضبط مواطن في حائل لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    تعيين 261 مُلازم تحقيق بالنيابة العامة    حصر المباني الآيلة للسقوط بالدمام    تحذيرات من 5 أيام ممطرة    رئيس الإمارات: رحم الله الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن.. رحل بعد رحلة طويلة من الإبداع    ريال مدريد يحقق لقب الدوري الأسباني للمرة ال36 في تاريخه    الخليج يعلن إصابة ثلاثي الفريق    غداً.. إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي في الرياض    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    انطلاق شهر التصلب المتعدد    أمير الجوف يعزي معرّف جماعة الشلهوب بوفاة شقيقه    "فلكية جدة": شمس منتصف الليل ظاهرة صيفية    الديوان الملكي ينعى الأمير بدر بن عبدالمحسن    منصور بن متعب ينقل تعازي القيادة لرئيس دولة الإمارات في وفاة الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    إعصار يضرب كينيا وتنزانيا وسط فيضانات مدمرة    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمراً دوليّاً للقادة الدينيين.. الثلاثاء    الرياض تستضيف أكبر معرض دولي في صناعة الدواجن    الديوان الملكي: الصلاة على البدر عصر غد    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    «يويفا» يوافق على زيادة عدد اللاعبين في قوائم المنتخبات المشاركة بيورو 2024    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    ضبط أكثر من 19600 مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    160 ألف سيارة واردات المملكة خلال عامين    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة إلى 34654    اللجنة الثلاثية «السعودية - التركية - الباكستانية» تناقش التعاون الدفاعي وتوطين التقنية    نيابة عن الملك.. وزير الخارجية يرأس وفد المملكة ب"مؤتمر القمة الإسلامي"    "زرقاء اليمامة" تفسر أقدم الأساطير    "تسلا" تقاضي شركة هندية لانتهاك علامتها التجارية    توافق سعودي – أذربيجاني على دعم استقرار "النفط"    مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    الذكاء الاصطناعي يبتكر قهوة بنكهة مميزة    3 مخاطر لحقن "الفيلر" حول العينين    بدء إجراءات نقل السيامي "عائشة وأكيزا" للمملكة    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحل ذو الثقافتين
الكتّاب والمثقفون في رحيل الخزندار:
نشر في الجزيرة يوم 23 - 02 - 2015

أبدى عدد من الكتاب والأدباء حزنهم العميق لرحيل الناقد والكاتب الكبير عابد خزندار الذي انتقل إلى جوار ربه، مشيدين بثقافته رحمه الله الواسعة وبجرأته في طرح قضايا مجتمعه.
وقد كان لنا في المجلة الثقافية أن عملنا عنه ملفا كاملا تخلله حوار صحفي وقد نشر بتاريخ: 2/7/2009م
- بداية عبر الكاتب والناقد أحمد عايل فقيهي عن حزنه العميق لرحيل الخزندار وقال: في مسار حركة الثقافة الجديدة في بلادنا وحركة النقد تحديدا لا يمكن القفز عن أسماء كبيرة ساهمت واعتنت بهذه الحركة، وقدمت إنجازات لافتة وكبيرة تستحق منا التقدير والاحترام والإجلال، ومن أبرز هذه الأسماء الأستاذ عابد خزندار رحمه الله والذي وإن كان جاء إلى الكتابة والنشر متأخرا لكن كان مجيئه إيذانا بتدشين وعي جديد وذهنية جديدة ورؤية جديدة ولغة مختلفة تجلت في كتاباته وترجماته والتي جمعها فيما بعد في كتبه ومنها: قراءة في كتاب الحب حيث نجد أنفسنا أمام كتابة جديدة تختلط فيها كل أنواع الكتابة ما بين السردي والحكائي، لكنها كتابة تستند إلى حصيلة معرفية هائلة وعميقة تتصل اتصالا مباشرا بأحدث النظريات النقدية الجديدة.
والأستاذ عابد رحمه الله من القلائل الذين يفهمون ويعرفون ما معنى الحداثة وما بعد الحداثة عبر ذلك الوعي الحاد والجاد بالثقافة الغربية ليست عبر وسيط (الترجمة) لكن عبر اتصال مباشر باللغة في جذورها الأولى، جذورها المعرفية والتاريخية والحضارية بمفاهيم ومصطلحات المدارس النقدية الجديدة.
كان رحمه الله متواضعا أكثر من اللازم وصامتا أكثر مما يجب وهاربا من دوره الفكري والتنويري والثقافي أكثر مما يجب مشكلته أن الكتابة اليومية سرقته من تقديم الكثير مما لديه، ذلك أن ثقافة عابد أكثر وأكبر من حضوره، لكنه يعمل بصمت مدو وحضور مضيء، وفي مجمل الكتب التي ألفها بدءا من كتابه: الإبداع أو كتابه رواية ما بعد الحداثة أو مستقبل الشعر موت لشعر أو كتابه معنى المعنى وحقيقة الحقيقة وكتابه حديث الحداثة وانتهاء بقراءة في كتاب الحب، فنحن أمام مثقف كبير ومن طراز فريد، يبرز ذلك في ثقافة تراثية عميقة مع وعي بهذا التراث وفهم باللغة العربية وأسرارها ومعانيها ودلالاتها خاصة الشعر العربي القديم وتتكامل صورة المثقف عابد خزندار مع ثقافته التراثية إطلالة على الثقافة الغربية في النقد والشعر والأجناس الأدبية الأخرى، والشعر العربي الحديث.
وفي كتابه الجديد «معجم مصطلحات السميوطيقا» الذي قام بترجمته وصدر في القاهرة عن المركز القومي للترجمة يجد المرء نفسه أمام عمل جدير بالالتفاف والاهتمام به والتنويه عنه.
لقد قدر لي في فترة من الفترات تحديدا في الثمانينيات ونهاياتها أن أقترب من هذا الرجل الكبير ثقافة ومعرفة، والكبير بأخلاقه وتواضعه ونبله وبتلك القيم التي يؤمن بها إيمانا مطلقا في الالتزام والاستقامة، واستفدت منه استفادة التلميذ من الأستاذ وعلاقة الموج بالبحر وعلاقة البحيرة بالمحيط.
وكثيرون هم الذين يهرفون بما لا يعرفون في قضايا الحداثة وما بعد الحداثة والنقد الحديث في بلادنا، لكن قليلين هم الذين يفهمون وعلى اطلاع وأهمهم الأستاذ عابد خزندار رحمه الله كثيرون هم الذين يمكن القول: إنهم أقل قيمة مما هم عليه إنهم في الواجهة نعم. لكن هناك من هم أكثر قيمة ومعرفة ولكن يقفون على الهامش دون صخب ودون ضجيج.
وإذا قمنا بتقييم حقيقي لحركة النقد والثقافة الجديدة في بلادنا في السنوات الأخيرة سوف نجد أن عابد خزندار واحد من الذين أسهموا إسهاما كبيرا في هذه الحركة بما أضاف وبما أضاء. وبموته نكون قد فقدنا قامة نقدية كبيرة رحمه الله رحمة واسعة
- من جانبه اعتبر الشاعر - عبد الله الخشرمي -عابد خزندار رحمه الله قامة نقدية استثنائية في المملكة العربية السعودية تختلف عن كل القامات النقدية المزاحمة لبعضها في المملكة.
وأضاف الخشرمي أن هذا الرجل قامة نقدية لم يأت متسلحا بالمرجعية النقدية الأكاديمية من جذورها وإنما جاء متسلحا باخضراره القادم من أعماق الجذور في المجال الزراعي الذي هو تخصصه فاستنبت خطا مغايرا عن كل خطوط النقد التي انتهجها الكثير على اختلاف المدارس. فلم يكن هو منتميا لأي مدرسة سائدة في هذه البلاد.
فرانكفورية صحيح أعطته مذاقها والثقافة الفرنسية التي اكتسب قيم النقد من معينها للأدب الفكري لا من معجمية الأكاديمي، ونظريات مقولبة أكاديمية هدمت بعضها بعضا. لا لم يأت هكذا عابد خزندار
قدم مذاقه للمجتمع الفكري في المملكة بصورة مغايرة وهز كثيرا من تلك القامات التي لم تتوقع هذا الاجتياح من قامة كعابد خزندار، إنه بكل تأكيد علامة فارقة في مذاق النقد في المملكة العربية السعودية.
أيضا على مستوى المقالة التي بدأها وانتهى بها مكرسا ثقافته العالية لم يرتهن للثرثرة اليومية ولم يقع في نقيع التعاطي مع اليومي لكنه كان انتقائيا في مواجهة المسكوت عنه في المجتمع السعودي وبرز أكثر في مقالاته ومساحة حريته في جريدة الرياض أكثر من أي منبر كتب فيه فكان يقدم القضايا الاجتماعية بمذاقه بجرأته برؤيته بأدبيته العالية ورقيه في عدم إخضاع مقاله للجلبة الصوتية أكثر من المعالجة العميقة التي كان يتوخاها.
كان دائما ذلك الحارس لمنابت جذوره العميقة، كان يؤمن ويدافع عن ثقافة ومرجعية عالية الجودة لم تخضع ولم ترتهن للاستلاب بقدر ما تشربت كثيرا من القيم الجمالية التي كان الغرب في كثير من الأحيان سباقا لها غلفها بمشرقيته الجميلة، فنجح بامتياز ناقدا ونجح بتقدير جيد جدا كاتبا يتناول قضايا تستحق منا أن نخلده في ذاكرة النقد والمقالة الناقدة في المملكة.
- ووصف الناقد والشاعر د. يوسف العارف الفقيد رحمه الله بأنه كان رمزا ثقافيا معتبرا، له صولات وجولات في مضمار الدرس النقدي والكتابة الاجتماعية من خلال نثاراته اليومية في جريدة الرياض.
مضيفا بقوله: عرفته في نادي جدة الأدبي في الثمانينيات يوم المد الحداثي، كان قامة فكرية وأدبية تلامس قضايا النقد في طروحاته الغربية وفي مظانه الأساسية
لم يكن طارئا على الساحة الثقافية بل كان متجذرا فيها متماهيا معها مبدعا ومنتجا قيل له ذات لقاء صحفي: أينك لم تكتب إلا متأخرا؟! فقال كنت أقرأ. نعم جاء للكتابة متأخرا في عمره لأنه كان يعد نفسه لها ويستعد استعدادا معرفيا بالقراءة والتثاقف على المدرسة النقدية الغربية في كل اتجاهاتها وأبعادها.
وجاء كاتباً/ ناقدا متسلحا بأدوات النقد الحديثة فكان إضافة معرفية وعلمية لافتة أضافت كل جديد للمشهد الثقافي السعودي
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان وألهم أهله الصبر والاحتساب و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
- ويستعرض القاص وعضو نادي جدة الأدبي محمد علي قدس مرحلة برز فيها الراحل رحمه الله وهي مرحلة الثمانينيات فيقول:كان عابد خزندار وعبدالله الغذامي وسعيد السريحي، في الثمانينيات الميلادية، يحركون تيار الحداثة من نادي جدة الأدبي. حتى أصبح النادي في نظر الأصوليين والتراثيين والرافضين لثورتها معقلا من معاقل الحداثة، وصرحا من صروحها، قام هؤلاء الرموز بكل جرأة وحماس بتصدير إبداعاتهم وأفكارهم وقراءاتهم، عبر منبر النادي فأشعلوا نشاطاته بالمحاضرات والأمسيات الشعرية والقصصية وقراءاتهم النقدية، المثيرة والمستفزة للكثيرين، والتي كان لها أثرها وتأثيرها في منجزنا الثقافي والإبداعي.
لم يكن عابد خزندار، فقاعة من فقاعات الحداثة في ثقافتنا، ولم يكن أيضا نبتا من نباتات الصحراء إبان طفرة الثقافة في بداية السبعينيات.بل كان مشروعا ثقافيا ناجحا، ومن رواد جيل القنطرة، ممن تبنى حركة التغيير وإعادة قراءة الأدب، بناء على رؤية نقدية تنهل حداثتها من جذور تراثنا النقدي، بمعرفة مطلقة، ورؤية مستقبلية واقعية لمشهدنا الثقافي،كان فيه لصيقا بالمشروع الحداثي الغربي، ومنفصلا عنه، وما أهله لذلك اطلاعه الدؤوب، ومتابعته الدؤوبة، لتلك التجربة، مترجما لمفازاتها، ناقلا ومفسرا لرموز مصطلحاتها وإشاراتها.هذا ما كتبته عنه وشهدت به على فكره وعطائه ونشر في كتاب أصدره الكاتب الموسوعي الأستاذ محمد القشعمي عابد خزندار، ناقد واع، عمل على تطويع المعاني، وتبسيط المفاهيم، من خلال قاموس معاصر سلس اللغة والعبارة، وهو قارئ عالي الثقافة، لم يدع يوما أنه ممن صنع الحداثة في ثقافتنا، رغم أنه من الذين بسطوها وجعلوها قريبة وملائمة لبيئتنا، فالحداثة كما قال الشاعر الكبير محمد العلي لا يمكن أن يصنعها فرد أو جماعة.
وأن المجتمع هو الذي يصنعها ويخلقها بإنتاج مبدعيه.فليس هناك صانع للحداثة بل مشارك في مشروعها، والمشاركون في ثورة الحداثة كثيرون منهم وفي مقدمتهم (الخزندار)، والذين جاؤوا بعد مرحلة الحداثة الحجازية المبكرة، يوفونه حقه ولا ينكرون جهده فأكملوا مسيرة الحداثيين الأوائل، لأن معنى الحداثة في كل شيء يؤخذ من معنى الحياة التي تبني صيرورتها وتكوينها بناء على المتغيرات البيئية وانعكاسات تطورات كل التيارات. وإلا أصبحت الحياة كماء البحيرة الراكد الذي يصبح آسنا بانعدام تيارات الهواء التي تحركه وتغير توجهاته.
عابد خزندار الذي صدمنا خبر وفاته، آلمنا رحيله، لم يكن مجرد شاهد على طفرة الثقافة والإبداع الأدبي وقراءة النصوص، وإنما كان رحمه الله أحد أهم روادها، وأحد أبرز صانعيها.ولازال تراثه المنشور والمخطوط، بنثاره وقراءاته في التعريف برموز تيارات النقد الحديث، يُعد شاهدا على عطائه ونجاحه في مشروع الحداثة وما بعد الحداثة. وبفقدنا له خسر الوسط الثقافي والحركة النقدية في أدبنا العربي ناقدا كبيرا ومفكرا متميزا.
- و يعتبر الكاتب فاروق با سلامة أن مؤلفات الخزندار يمكن وصفها بموسوعة الحداثة الجديدة بعد أدونيس على أقل تقدير إذ إنها تشكيل التعبير عن إشكاليات وقضايا الحداثة المعاصرة ولا يغيب عن البال ثقافته الأدبية الواسعة العربية منها والغربية سواء الانجليزية أوالفرنسية ومع ذلك انظر إلى كتابه (مستقبل الشعر.. موت الشعر) ففيه ما يدل على وسع ثقافته العربية القديمة بالذات. فهو يطرح اللغة والشعر كأساسيين للأدب الإنساني سواء كان هذا الأسلوب غربيا أو عربيا، قديما أو حديثا وذلك إلى إضافة (معنى المعنى وحقيقة الحقيقة) ككتاب يفلسف معنى الأدب بمفهوم الناقد المحب والفيلسوف المنطقي والمفكر المجدد.
فلسفة عابد رحمه الله لا تنحصر في الحب الذي ورد في الشعر أو في نقده للأدب بل هي فلسفة فكرية كتابية واقعية يكتبها في كل مكان يستطيع وفي الأزمان التي عاشها شرقا وغربا، يقرأ كتاب الحب ليفلسفه وينقد أدب الكتاب ليفكر القارئ به فيصحو فكر القارئ بأعجوبة ويفهم هذا القاريئ بوعي.
فأي فيلسوف حداثي مر علينا مثل هذا العابد وهذا الخزندار العجيب!!! إنه حداثي غير تقليدي بل مؤصل وهو محب غير كاذب بل صادق في حبه وعندما يفلسف ذلك يأتي بقلمه فيأتي بالغرائب والعجائب.
إنه يذكر بأدونيس تارة وبكولن ولسن تارة أخرى مع الفرق في الرؤية والانتقاء، ومع فوارق الهوية والانتماء، فهل هو فيلسوف ناقد أو كاتب مفكر أو محب وشاعر؟
الواقع أن عابدا رحمه الله كل في ذلك وأهل لهذه الصفات والمزايا التي تعطينا إشارات إلى تفكيره الأدبي وثقافته النقدية وحداثته الكتابية فهو في ذلك كله يعطي أكثر مما يكتب وله فضل كبير على أهالي الحجاز اليوم بمكتبة الخزندار في جدة التي يوفر لهم فيها الكتب والصحف الأجنبية التي لا تتوفر في كل جدة سواها.
فهذه إضافة ثقافية له رحمه الله تعتبر عملية الواقع لكنها ثقافية المبدأ. رحمه الله لقد فقدنا قامة وطنية وأدبية شامخة
- شريفة الشملان:
لأهل مكة دائما نكهة خاصة، هذه النكهة وإن بدت في كل أهلها إلا إنها تتركز في أدبائها، مكة التي تصهركثيرا من ثقافات الأمم الإسلامية من اجناس مثقافات واطر اجتماعية، وقبل هذا وذاك العبق الروحاني. لمكة عمق التاريخ هذا العمق الذي يجعل لعمق الجغرافيا معنى ومغنى، وتسابيح مكة وتكبيراتها تطل وتمتزج وتخمر خميرة تتوالد عبر الزمان فتنثرها على الأمكنة، ومن عاش في مكة ودرس فيها وراح يعابث القلم فإنه ينثر ذلك ليكن من مكة نثرا للعالم أجمع وللعربي أخص.
من هؤلاء المكيين الرائعين كاتبنا الجميل عابد خزندار رحمه الله وهو من الذين درسوا في مدارس تحضير البعثات، حيث هذه المدارس أسست لجيل جميل، ظهر منه كواكب جميلة في مختلف المجالات.
فمن الكتاب كثيرون ومن السفراء والوزراء، ومن أساتذة ومفكرون. هؤلاء الذين جاوروا الحرم ودرسوا به أو بقربه عبقوا أيامنا بكل جميل.. أستاذنا عابد خزندار، يلف بنا عبر مقالاته وكتبه، شرقا وغربا، ويجعلنا ننهل من أدبه الشيء الكثير.
فمن دراسات أدبية تطل بنا على العالم الغربي ومدارس نقده إلى دراسات للعالم العربي وللشعر بالذات. هذا الموسوعي ينقلنا أيضا إلى عالم الزراعة والاقتصاد، إنه لا يضيعنا فيها لكنه يقدم لنا المعلومة والفكرة والتي تصل للمثقف والإنسان العادي، تزيد الأول معلومات وتزيد الثاني اطلاعا. ما زلت أحتفظ بدراسة جميلة قام بها كاتبنا الجميل رحمه الله دراسة بسيطة وممتعة جدا بعنوان (الجماليات والنقد الثقافي) رغم العمق التاريخي للأحداث السياسية والصراعات إلا ان كاتبنا زينها بالأشعار ليس كدليل فقط ولكن للجمال، فأتت ممتعة، بالمقارنات بين العالم الأدبي في أوروبا وبين عالمنا العربي.
مستلهما من قصة طرفة بن العبد من جهة وقصة (آلام فرتر) الرواية الغربية، والتي تنتهي بانتحار البطل، فيعيد لنا انتحار البطل في واقع تاريخنا الأدبي وشاعرنا طرفة بن العبد، حيث حمل الرسالة التي تحوي أمر الملك لحاكم البحرين بقتله رافضا فتحها ومعرفة ما تحوي. وهكذا انتهت حكايتهما بالانتحار، فرتر بيده، وطرفة بيد حاكم البحرين.
وقد أعادنا لمعلقة طرفة بن العبد، ولأبيات منها حيث يتبين إقدام طرفة على الملذات ليشبع منها وكأنه عارف قصر حياته، لازلت معجبة بطروحات كاتبنا رحمه الله الأدبية والفكرية والنقدية، وتابعت عموده اليومي في جريدة الرياض (نثار) وطريقة تناوله لما ينثر بالساحة الأدبية.
هذا المكاوي الذي أنار جريدة الرياض يحس نبض الشارع، ويتفاعل معه. يقدم معاناة الإنسان المواطن، بأبعادها، ويقترح الحلول. ذكي في نقده للحياة الاجتماعية التي نحياها، هذه الحياة التي يبدو النفاق مغلفا لها، وكان موضوعه عن قيادة المرأة للسيارة موضوعا أحسست كما لو انه قال ما بخاطري.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وعوض ذويه خيرا
- السيرة الذاتية:
ولد الكاتب الأديب الأستاذ/ عابد خزندار في مكة المكرمة في عام 1935م، وحصل على الشهادة الثانوية من مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة في عام 1953م، ثم التحق بكلية الزراعة جامعة القاهرة وتخرج منها في عام 1957م، ثم ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الكيمياء العضوية وحصل فيها على درجة الماجستير عام 1961م، ثم عاد إلى وطنه المملكة العربية السعودية ليبدأ رحلة الحياة العملية وبدأ بالعمل كمدير عام في وزارة الزراعة بالرياض إلى عام 1963م، ثم ترك الوظيفة وعمل بالتجارة لعدة أعوام، ثم سافر بعد ذلك إلى فرنسا وأقام بها عدة سنوات مما أتاح له الفرصة للقيام بدراسات أدبية متنوعة وشاملة، ثم عمل وإلى الآن في الأدب والكتابة فألف عدة كتب ودراسات شعرية وله عدة إصدارات قيمة في هذا الخصوص.
ترجمت أعماله إلى عديد من اللغات، وخاصة الألمانية، حيث احتفي به في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2005.
لديه زاوية مقال اجتماعي معروفة بشجاعتها باسم (نثار)، يكتبها بشكل يومي في صحف الرياض وعكاظ والمدينة، وأخيرا في الرياض مرة أخرى.
من مؤلفاته النقدية:
الإبداع
حديث الحداثة.
قراءة في كتاب الحب.
رواية ما بعد الحداثة.
أنثوية شهرزاد.
معنى المعنى وحقيقة الحقيقة.
مستقبل الشعر موت الشعر.
والعديد من الدراسات النقدية والتقنية المتخصصة.
-من أرشيف الثقافية:
الحوار: بتاريخ: 2/7/2009م
عابد خزندار: الذي لا يعرف ثقافة الآخر لا يعرف ثقافته
الغذامي رائد النقد البنيوي
- جدة - الثقافية- صالح الخزمري
قارئ نهم لم يدلف إلى ساحة الأدب إلا متأخرا بعد أن تشرب المعارف، وكان من حظه أن استوطنته باريس عاصمة الشغب الثقافي، فجمع الثقافتين الغربية والشرقية، ولم يكن كمن انخدع ببريق الثقافة الغربية ونسي أو تناسى جذوره بل وتنكّر لها.
يدعو دائما إلى معرفة لغة الآخرين وثقافتهم لأن ذلك مدعاة لمعرفة لغتنا وثقافتنا. من القلائل الذين منحوا الشأن الاجتماعي اهتماما منقطع النظير، في كتاباته ناقلا صوت المواطن من خلال قراءة واعية لهموم المجتمع بأسلوب قوي وجريء.
عابد خزندار على الرغم من دراسته وتخصصه العلمي في الزراعة والكيمياء العضوية إلا أن القارئ عرفه منهمكا بالمدارس الأدبية، وقد أسهم إسهاما كبيرا في حركة النقد والثقافة في بلادنا، أما مؤلفاته فيمكن وصفها بموسوعات الحداثة.
والمؤسف أن الأضواء لم تسلط عليه بالصورة التي تعطيه حقه، وتقدمه للجيل كنموذج للمثقف الواعي. (الثقافية) قلبت أوراق الخزندار من خلال الحوار التالي:
القراءة بوابتك الأولى. كانت تلك إجابة لك على سؤال عن غيابك منذ ثلاثين سنة. فكانت الإجابة: كنت أقرأ. كيف توجه جيل اليوم الذي اضمحلت ثقافته بسبب جفوته للقراءة، وهل قراءتك المتعمقة هي التي جعلت الحداثة لا تنقلب عليك؟
- القراءة لا تعني مجرد استيعاب النص أو الإلمام به أو تكوين فكرة عنه إنها تعني سبر غوره والبحث عن الحقيقة الكامنة فيه، والحقيقة التي أعنيها ليست هي الحقيقة التي تبدو لنا لأول وهلة، إنها ما سميتها بحقيقة الحقيقة، وبسطت القول فيها في كتابي: معنى المعنى وحقيقة الحقيقة، وقد انتهيت في هذا الكتاب إلى أن الشعر الجاهلي تولّد نتيجة لصراع بين نظامين: نظام مستبد يتمثل في كليب وحجر والد امرئ القيس، ونظام ينشد التحرر وينشده عبيد بن الأبرص، أي أن حقيقة الحقيقة في الشعر الجاهلي ليست غزلا أو بكاء على الأطلال أو وصفا للناقة، إنه صراع بين نظامين، وإذن فنحن لا نستطيع أن نفهم الشعر الجاهلي إلا إذا أدركنا ذلك، بل إننا لن نفهم العالم نفسه إلا إذا أدركنا حقيقة الحقيقة الكامنة فيه، وأنت تسألني كيف أوجه جيل اليوم الذي يجفو القراءة وأنا لست موجها، ولكنني أقول: إنه بدون القراءة والقراءة التي تبحث عن حقيقة الحقيقة فإننا لن نفهم العالم، بل قد ننخدع بما تبثه وسائل الإعلام أو الميديا، ومن باب التبسيط سأضرب مثلا على ذلك: غزو العراق واحتلاله، وسائل الإعلام قالت: إن سبب الغزو هو البحث عن أسلحة التدمير الجماعية، ولكن القراءة الحقيقية للوضع أثبتت أن الهدف هو النفط وهذا هو الذي يحدث الآن حيث تتسابق شركات النفط الكبرى وخاصة الأمريكية على الفوز بآبار النفط.
إذن المراد بحقيقة الحقيقة أن هناك حقيقة ظاهرة وحقيقة باطنة وحقيقة أولية وحقيقة ثانوية وما ذا تقصد بمعنى المعنى؟
- معنى المعنى أن كل معنى له لفظ ظاهر ومعنى باطن أو معنى أولي ومعنى ثانوي مثلا قول الشاعر:
المعنى الأول: اللؤلؤ المعروف يتجاوز إلى المعنى الثاني المقصود به الدموع
قراءتك في التراث وقراءتك في الثقافة الغربية ضدان لم يطغ أحدهما على الآخركيف حافظت على هذه المعادلة الصعبة؟
- إنها ليست م عادلة صعبة، وجوته فيما أذكر يقول: إن الذي لا يعرف لغة أجنبية لا يعرف لغته، وقياسا على ذلك فإن الذي لا يعرف ثقافة الآخر لا يعرف ثقافته، وأنا حين قرأت للفلاسفة الغربيين وجدت أنها تحيلني إلى ابن رشد وابن سيناء وابن خلدون، بل إنني لم أفهم ابن خلدون إلا بعد أن قرأت أعمال كارل ماركس، والعملية عكسية، بمعنى أنني بعد أن قرأت الفلاسفة تأت أاااااتت الغربيين استطعت أن أستوعب وأفهم أعمال الفلاسفة العرب، ولأضرب لك مثلا على ذلك: إذ إنني لم أفهم أعمال البلاغيين العرب ابتداء من ابن المعتز ومرورا بعبد القاهر وانتهاء بحازم القرطاجني إلا بعد أن قرأت كتاب الشعر لأرسطو، بكلمات أخرى أنني لا أستطيع أن أفهم نظرية التخييل عند حازم إلا بعد أن أفهم نظرية المحاكاة عند أرسطو، أنتهي من ذلك إلى القول: أن الثقافتين الغربية والعربية ليستا ضدان بل مكملتان لبعضهما، وهذا التكامل يتجلى في كتابي: معنى المعنى وحقيقة الحقيقة إذ إن السميوطيقا الغربية المنشأ وجماليات عبد القاهر مكنتني من قراءة الشعر الجاهلي والوصول إلى حقيقة حقيقته.
في خضم هذه القراءات أي الأل قاب أقرب إلى نفسك: الناقد، أم الفيلسوف، أم الحداثي المجدد؟
- لست ناقدا إذ إن النقد تقييم وحكم، وأنا لا أمارس أي تقييم أو حكم، كما أني لست فيلسوفا ولكنني قارئ، والقراءة في رأيي عبارة عن نص مواز للنص أو مقابل له ويمكن أن نطلق عليه باللغة الإنجليزبة metatext
برأيك الرواية بعد نجيب محفوظ إلى أين؟
- الرواية بعد نجيب محفوظ تختلف عن الرواية قبله، فالواقع تغير وكل واقع يفرض نوعا معينا من الرواية حتى نجيب محفوظ نفسه له روايات تختلف عن بعضها مثلا: الكرنك، يوم مات الزعيم، تختلف عن: السكرية، وبين القصرين، وقصر الشوق، لأن الواقع تغير.
استوطنتك عاصمة الشغب الثقافي باريس. فكيف كان وقعها المباشر على ثقافتك؟
- استفدت من إقامتي في باريس كثيرا فقد كنت منتظما في الدراسة بالجامعة الأمريكية، كما كنت أحضر محاضرات في الكوليج دي فرانس مع أمبرتو أكو واندري ميكيل، وباريس مدينة ثقافية ولا تخلو من معارض ونشاطات ثقافية، وكنت أواظب عل حضور هذه المعارض، إلا أنني تكاسلت عنها في المدة الأخيرة رغم أن بعض هذه المعارض تشرف عليها ابنتي منى، وآخر معرض أقامته هو معرض لأم كلثوم.
منحت الشأن الاجتماعي مساحة عظمى من كتاباتك. فهل لمست صدى لما كتبت؟
- على المرء أن يكتب حتى لو لم يجد صدى لما يكتبه، ومع ذلك كان هناك تجاوب من المسؤولين على بعض ما طرحته من قضايا، ومن هذه القضايا جعل مكة المكرمة هي عاصمة فعلية لمنطقة مكة المكرمة
ماذا تعني لك هذه الأسماء: د. الغذامي، د. السريحي، محمد العلي، محمد الثبيتي، د. عالي القرشي؟
- أنا لا أقيم ولا أحكم، ومع ذلك يمكنني القول: إن الغذامي ناقد مميز ويعتبر رائدا للنقد البنيوي، أما السريحي فهو ناقد مبدع ولكنه لم يأخذ حقه من التقدير، وعالي القرشي ناقد مميز وأتابع ما يكتبه في صحيفة الرياض، والعلي والثبيتي شاعران مبدعان حقا، وهما رائدان من رواد الحداثة في بلادنا، ويبدو أنني تورطت فعلا في الحكم، لا ضير ولكن ما أريد أن أقوله هو أن لدينا نقادا وشعراء نفتخر بهم وهناك أسماء أخرى غير التي ذكرتها كسعد البازعي ومعجب الزهراني ومحمد جبر الحربي وعلي با فقيه وحسين با فقيه، وممن لا تحضرني أسماؤهم، وبجانب هؤلاء الشعراء والنقاد لدينا كتاب رواية أعد منهم ولا أعددهم: صبا الحرز (اسم مستعار) ومحمد حسن علوان وأميمة الخميس وعبده خال ومحمود تراوري وعبد الله التعزي، والذين لم أذكرهم لا يقلون إبداعا عن الذين ذكرتهم.
ما الدافع لكتابتك عن الحب في كتابك (قراءة في كتاب الحب)؟
- الحب هنا مجاز والمقصود: قراءة في كتاب الحياة والبعض وصف هذا الكتاب بأنه رواية وبعضهم الآخر قال: إنه سيرة ذاتية، وهو في رأيي ليس هذا وذاك، بل إنه كتابة ولا أجد له وصفا غير هذا الوصف، وهي كتابة عن حالة حياتية عشتها، وقد كتبت هذه الحياة في نفس الوقت الذي كتبت فيه النص، أي أن الحالة الحياتية كتبت نفسها، ولهذا فإن الكتاب لا يندرج تحت أي جنس من الأجناس الأدبية.
هل أنت راض عما قدمته (دار الخزندار للنشر) حتى الآن وعن دورها في تنوير المجتمع؟
- أنا راض من الناحية المعنوية فقد نشرت لكتّاب وأدباء أقدرهم حق التقدير مثل أحمد حجازي وأحمد مرسي، وغير راض من الناحية المادية وقد انسحبت من عالم النشر ووجدت أنه لا ينجح فيه إلا أشخاص عندهم حاسة شم قوية للكتاب الناجح الذي يمكن أن يبيع نصف مليون نسخة بصرف النظر عن اتجاهه، أي ليس من المهم أن يكون الكتاب يمينا أو يسارا أو دينيا أو علمانيا المهم أن يبيع.
هل فعلا أن الكتابة الصحفية سرقتك من النقد؟
- لم تسرقني من النقد لأنني لست ناقدا، ولكنها سرقتني من الكتابة الثقافة، ومع ذلك استطعت في السنوات الخمس الماضية التي مارست فيها هذه الكتابة أن أترجم كتابين هما: المصطلح السردي، ومعجم مصطلحات السميوطيقا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.