19 فعالية في مدارس التعليم تعزز الولاء والانتماء وتحفز على الإبداع    وطن يسمو.. وولاء يتجدد    المملكة أنموذج للسلام والإنسانية    الهلال يقلب الطاولة على الأخدود بثلاثية    قائد تجاوز التحديات .. تاريخٌ مشرقٌ وممتد    شرطة الرياض تقبض على يمني لاستغلاله أطفال ونساء يمنيين في التسول بالميادين والطرقات العامة    تخريج (248) خريجًا من دورة أعمال الدفاع المدني التأهيلية للضباط ال (54) بالرياض    المرأة السعودية.. أيقونة وطنية تتجلى في يوم المجد    لاعبا الهلال والاتحاد ضمن المرشحين .. الاتحاد السعودي يستضيف النسخة ال29 من حفل جوائز الاتحاد الآسيوي    الخلود يحصد النقاط الثلاثة من الشباب    القبض على (10) إثيوبيين في عسير لتهريبهم (150) كجم "قات"    وزير الخارجية يشارك في اجتماع ترويكا القمة العربية    "جستر" جازان بالتعاون مع "سحر الفنون" ينفذان معرض قدرات وطن احتفاءً باليوم الوطني 95 في محافظة صامطة    لمدة 5 سنوات: إيقاف الزيادة السنوية في عقود إيجار العقارات السكنية والتجارية داخل النطاق العمراني في الرياض    نجل الزميل الإعلامي يحيى آل مشافي في ذمة الله    الهلال يتسلم قرار لجنة الاستقطابات بشأن الثنائي سافيتش ونيفيز    لوران بلان: بنزيما جاهز للنصر    الرياض تحتضن المؤتمر العالمي لإنترنت الأشياء    تعليم جازان يحتفي باليوم الوطني ال95 تحت شعار «عزنا بطبعنا»    "أنا من هالأرض" معرض تشكيلي ل"فن وفنانين" يرسم ملامح الوطن في اليوم الوطني ال95    الشماسية تحتفي باليوم الوطني ال 95    "لين" توقع مذكرة تفاهم استراتيجية مع وزارة الصحة السورية    اليوم الوطني ال95... يوم فخر واعتزاز    مصيون أثر الاستيطان الأول بتبوك    1.7 مليون سجل تجاري قائم بالمملكة وفرص استثمارية ب50 مليار ريال في التعليم    ميدفيديف لزيلينسكي.. "لدينا أسلحة حتى الملاجئ لا تحميكم منها"    مستشفى الحريق يحتفي باليوم الوطني ال 95 بإنجازات صحية نوعية    جمعية ملاذ لرعاية الأيتام بمكة المكرمة تحتفل مع ابنائها الأيتام باليوم الوطني ال95    الوحدة في بيئة العمل.. أزمة صامتة تهدد الإنتاجية    آل هيازع: تقلة تنموية شاملة في عهد الملك سلمان و الاستثمار في الإنسان السعودي من أعظم الإنجاز ات    جمعية البر ببيشة تحتفل باليوم الوطني 95    المياه الوطنية: 1 أكتوبر المقبل فصل خدمة المياه نهائياً للعدادات غير الموثقة    الأمين العام للأمم المتحدة يحذّر من مخاطر الذكاء الاصطناعي ويدعو لحظر الأسلحة ذاتية التشغيل    الأسبوع العالمي للتبرع بالأعضاء.. دعوة إنسانية تمنح الأمل لآلاف المرضى    الدولار يقترب من أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع    إسقاط 55 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    ولي عهد الكويت يشكر السعودية على دورها في دعم حل الدولتين    الرئيس الأمريكي وقادة دول عربية وإسلامية في بيان مشترك: إنهاء الحرب خطوة نحو السلام    بزشكيان: طهران لن تسعى أبداً لصنع قنبلة.. إيران تتعهد بإعادة بناء منشآتها النووية المدمرة    واتساب تطلق ميزة ترجمة الرسائل مباشرة    أشرف عبد الباقي بطل في «ولد وبنت وشايب»    لجهوده في تعزيز الحوار بين الثقافات.. تتويج (إثراء) بجائزة الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري    المركز السعودي للموسيقى بجدة يحتفل باليوم الوطني    « البلديات والتجارة»: أبلغوا عن مخالفات السكن الجماعي    العمران والغراش يحتفلان بزواج مهدي    في احتفاليتها باليوم الوطني..ديوانية الراجحي: المملكة بقيادتها الرشيدة تنعم بالأمن والرخاء والمكانة المرموقة    كوب «ميلك شيك» يضعف تدفق الدم للدماغ    الرياض تستضيف مؤتمر العلاج ب«الجذعية»    «كلاسيكو» الاتحاد والنصر.. مقارنة القيمة السوقية بين الفريقين    عزّنا بطبعنا: التعليم ركيزة القيم الوطنية    كيف يستخدم الناس ChatGPT فعليا    تسعيني ينافس الشباب باحتفالات الوطن    اتحاد الكرة يدشن أخضر الفتيات تحت 15 عامًا    اليوم الوطني المجيد 95    البعثة الروسية لدى منظمة التعاون الإسلامي تحتفي باليوم الوطني السعودي ال95    رحيل المفتي العام السابق الشيخ عبدالعزيز آل الشي "إرث علمي وديني خالد "    "هيئة الأمر بالمعروف" تشارك في فعاليات اليوم الوطني 95    فقيد الأمة: رحيل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وعطاء لا يُنسى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قَطَرَاتٌ مِنْ غَمَام في سِيْرَةِ الشَّيْخِ أبي عزَّام
نشر في الجزيرة يوم 12 - 08 - 2012

لا يزال التاريخ والسير أرفع العلوم وأهمها مكانة، ولها مرتبة رفيعة بالمقارنة مع غيرها من العلوم، ففي علم التاريخ والسير العبر والعظات وفيها طرق القدوات ومسالك رموز الأمة، وفيها ذكر الأخبار والروايات وتراجم الأفذاذ، ودراستها والإلمام بها نور للسالك فيما استشكل عليه مهما كان فنه، ونحن هنا نشير للسير والأخبار التي نأت عن الترهات والمغالطات والمشاحنات والأخبار الملفقة وسمت عن مزالق الأغراض غير الشريفة، فالحديث هنا عن باب عظيم يدخله كل عظيم يريد النفع له ولأمته، ذكر مير خواند محمد بن خواندشاه (1433-98) في مقدمة كتابه تاريخ روضات الصفا (تاريخ ملوك فارس) عدة فوائد للتاريخ منها: معرفة الناس، واطلاع المرء على تجارب كثيرة وقد قال الحكماء: إن التجارب من فضائل بني آدم، وأن التاريخ يثلج صدور أرباب الفضل ذوي القدرة فيه هدوءاً وسكينة ويحملهم على رباطة الجأش عند وقوع الحوادث الجسام والنوازل المدلهمة، وغيرها من الفوائد.
يقول العلامة الشيخ عبدالرحمن الجبرتي الحنفي في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار (ج1 ص3): «...التاريخ علم يبحث عن معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائعهم وأنسابهم ووفياتهم وموضوعه أحوال الأشخاص الماضية من الأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء والشعراء والملوك والسلاطين وغيرهم والغرض منه الوقوف على الأحوال الماضية من حيث هي وكيف كانت وفائدته العبرة بتلك الأحوال والتنصح بها وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تقلبات الزمن...» فالجبرتي يؤكد أن لتاريخ وترجمة الإعلام والعظماء من الأمة الفوائد الجمة، قال الإمام أبو حنيفة النعمان -رحمه الله-: «سير وتراجم العلماء أحب إلينا من كثير من الفقه»، وفي أهمية التاريخ وعلو شأنه ألف الإمام شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي كتاباً سماه: «الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ» تحقيق المستشرق فرانز روزنثال وترجمة الدكتور صالح أحمد العلي، يقول الإمام السخاوي في سبب تأليفه للكتاب: «وبعد، فلما كان الاشتغال بفن التاريخ للعلماء من أجل القربات، بل من العلوم الواجبات المتنوعة للأحكام الخمسة بين أولي الإصابات» إلى أن قال: «فأردت إتحاف العارفين السادات وأن أظهر ما فيه من الفوائد المأثورات وأشهر كونه من الأصول المعتبرات»، ويقول الجبرتي: «وقال أبو بكر محمد بن محمد بن علي بن خميس في مقدمة (تاريخ مالقه) إن أحسن ما يجب أن يعتنى به، ويلم بجانبه، بعد الكتاب والسنة، معرفة الأخبار، وتقييد المناقب والآثار، ففيها تذكرة بتقلب الدهر بأبنائه، وأعلام بما طرأ في سالف الأزمان من عجائبه وأنبائه، وتنبيه أهل العلم الذين يجب أن تتبع آثارهم، وتدون مناقبهم وأخبارهم، ليكونوا كأنهم ماثلون بين عينيك مع الرجال، ومتصرفون ومخاطبون لك في كل حال، ومعروفون بما هم به، متصفون فيتلو سورهم من لم يعاين صورهم، ويشاهد محاسنهم من لم يعطه السن أن يعاينهم، فيعرف بذلك مراتبهم ومناصبهم...إلخ».
وعلى هذا فنحن بصدد سيرة عالم من العلماء ومسؤول من المسؤولين إنه صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن محمد بن دخيل بن يويسف التميمي رحمه الله، والذي ولد في ثرمداء عام 1349ه، لقد كان الشيخ رحمه الله في طفولته موهوباً يختلف عمن هم في سنه، فقد نشأ في بيئة زراعة وفلاحة، ولكن طموحه أعلى ونظراته مختلفة، فكان شغوفاً بالقراءة والتعلم في بلد لا تتوفر فيه الفرص التعليمية، لكنه بدأ تعليمه كما الآخرين في الكتاتيب، كان عمه سعد بن محمد بن دخيل بن يويسف فخورا بابن أخيه وكان يراه بارزاً متميزاً فيجعله وهو صغير يقرأ متون الكتب في فنون مختلفة على جماعة جامع ثرمداء، لكن بصره لم يزل يتقلب في فضاء بلدته يبحث عن وجهة يجد فيها ما يشبع نهمه للعلم ورغبته في طلبه، فانتقل للرياض حيث العلماء والمحدثين، يقول الشيخ إبراهيم بن محمد السيف في كتابه «المبتدأ والخبر لعلماء في القرن الرابع عشر وبعض تلاميذهم، مجلد 5، ص 194» عن فضيلة الشيخ محمد رحمه الله: «في عام 1366ه سافر إلى الرياض وقرأ على العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها، وأخيه فضيلة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ ثم استأذن من شيخه محمد بن إبراهيم فالتحق بمساعدة شيخه بدار التوحيد في الطائف في مطلع عام 1368ه ودرس فيها واجتهد حتى حصل على شهادة الكفاءة ثم عاد بعد افتتاح المعهد العلمي فالتحق به عام 1372ه، وبعد تخرجه من المعهد التحق بكلية الشريعة عام 1378ه مواصلاً الدراسة على أيدي عدد من المدرسين من علماء المملكة وغيرهم في مختلف العلوم وحصل على شهادة كلية الشريعة عام 1382ه» أ.ه. والشيخ محمد بهذا كان ضمن أول دفعة تتخرج من أول كلية تقام في الرياض.
كان الشيخ محمد رحمه الله عالماً ذا خلق حسن وأدب جم لا يمل مجلسه، وهو العالم بالشريعة والمتبحر فيها، لم يقتصر تحصيله العلمي ومخزونه الثقافي على علم معين أو فن بذاته بل تنوعت مشاربه وتعددت إسهاماته الثقافية، يقول الشيخ سليمان بن إبراهيم الدخيل رحمه الله صاحب كتاب « ثرمداء عبر التاريخ» في ترجمته: «آثاره: له كتابات دينية وأدبية وتاريخية وجغرافية في الصحافة السعودية فكان له عمود ثابت في مجلة اليمامة تحت عنوان (مشكلات على الطريق) وآخر في جريدة القصيم تحت عنوان (مجهر الحقيقة) وله مقال طويل في عدد من مجلة الجزيرة بعنوان (الوشم في التاريخ)» ولم يقف جريانه العلمي وتدفقه الثقافي على مشاركاته الصحفية، بل له مؤلفان مخطوطان الأول عبارة عن نظرات نقدية على أمهات كتب التراث في حوالي 500 صفحة، كما كان للشيخ محمد رحمه الله شغف بالرحلات والكتابة عن الأماكن والبلدان فقد قام رحمه الله برحلة لمعظم بلاد نجد بدأها في 1-3-1383ه وألف عن هذه الرحلة كتاباً في حدود 200 صفحة، بل إنه زار معظم الدول العربية، ومن رحلاته زيارة للقدس تشرف فيها بالصلاة في المسجد الأقصى.
في مطلع عام 1377ه وحينما أنشئت رئاسة القضاء في نجد والمنطقة الشرقية والحدود الشمالية برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله أمر سماحته رئيس القضاة الشيخ محمد بتعيينه مساعداً للمفتش العام برئاسة القضاء. (السيف، 195)، ثم تدرج رحمه الله في الوظيفة حتى شغل منصب وكيل وزارة العدل بالنيابة، كما كان عضو المجلس الأعلى للأوقاف.
كان رحمه الله محل ثقة بإخلاصه في العمل وتواضعه في التعامل مع الرئيس والمرؤوس، مثل دولته خير تمثيل في العديد من المؤتمرات العالمية في كل من باكستان والمغرب وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية.
كان رحمه الله هادئ الطبع ذا شخصية مهيبة طموحاً عصامياً لين الجانب متواضعاً، يبذل المال للفقير والمحتاج، ينفق نفقة من لا يخشى الفقر ليرسم ابتسامات على محيا كل محتاج.
توفي الشيخ محمد رحمه الله في الرياض يوم 29 رمضان 1412ه وقد رثاه جماعة من الشيوخ والعلماء في الصحافة السعودية شعرا ونثرا ومن أجود ما رثي به قصيدة أبدعتها قريحة ابن عمه: محمد بن عبدالرحمن بن دخيل اليوسف حيث قال:
ولو أن لي فيما قضى الله حيلة
لأهديت روح الشيخ ما ظل من عمري
لقد كابد الدنيا، وأمضى حياته
طموحاً عصامياً بعيداً عن الكبر
فيا رب قدس روح من مات صائماً
وقام ليال العشر من آخر الشهر
سعد بن دخيل الدخيل - ثرمداء
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.