الفرنسي"إينزو ميلوت"أهلاوياً ل 3 مواسم    اقتصاد المملكة ومقومات النمو    تزوير الأدوية يتفاقم عبر الإنترنت    فيصل بن فرحان يتحرك دبلوماسياً لوقف الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني    ستة قتلى من الجيش اللبناني جرّاء انفجار ذخائر من مخلفات إسرائيلية    ألتمان وماسك يشعلان سباق الذكاء الاصطناعي    اصطدام منطاد بسقف مدرسة    النفط ينهي تداولات الأسبوع بخسارة 5 % وسط وفرة العرض    الخليج يدعم صفوفه بالعمري    قادماً من ليفربول "داروين نونيز"هلالياً ل 3 مواسم    الفتح يواجه أتلتيكو مدريد ودياً    القبض على يمني وإثيوبي في جازان لترويجهما (9) كجم "حشيش"    مساعدات المملكة.. نبعٌ لا ينضب    إقامة «حوكمة التطوع» في الشرقية    إعادة استجابات التوحدي بالذكاء الاصطناعي    فرص موسيقية واعدة بموسم الرياض    خطيب المسجد الحرام: تعاونوا على مرضاة الله فهي غاية السعادة    إمام المسجد النبوي: الأمن من الخوف سكينة تغمر الحياة    قرص يومي لإنقاص الوزن    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يعيد "مسنة" مصابة بكسر متفتت بالعمود الفقري إلى حياتها الطبيعية    تشخيص وعلاج أمراض وراثية نادرة في طبية مكة    إكرام الضيف خلق أصيل    تحت رعاية الملك.. انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن    النفط الجديد من أجسادنا    النصر ينتظره.. برشلونة يؤكد رحيل إينيجو مارتينيز    في عام الحرف اليدوية.. المعدن ينطق فناً    المملكة تعزي لبنان إثر وفاة وإصابة عدد من عناصر الجيش    كاسيت 90 تعود بأصوات التسعينات إلى جدة    تهنئة سنغافورة بذكرى اليوم الوطني    سفير اليابان يزور المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    المنتخب السعودي يتأهل إلى الدور الثاني من بطولة العالم للناشئين لكرة اليد    بيان من السياحة يوضح سياسة ال 20 ساعة في مرافق الضيافة    مانشستر يونايتد ينفق 240 مليون يورو لعلاج عقمه التهديفي    الشمّام يُحلّي صيف المملكة بإنتاج وفير يتجاوز (63) ألف طن سنويًا    نجاح زيادة الهاطل المطري على شمال شرق الرياض    اجتماع قطري - أمريكي في إسبانيا لبحث خطة شاملة لإنهاء حرب غزة    تحذيير من استمرار الأمطار الرعدية على مناطق عدة    أمير تبوك يدشّن ويضع حجر أساس (48) مشروعًا تنمويًا لمنظومة "البيئة" بالمنطقة بتكلفة إجمالية تتجاوز (4.4) مليارات ريال    طالبة من "تعليم الطائف" تحقق الميدالية الفضية عالمياً    كامكو إنفست تنقل مكاتبها في السعودية إلى مركز الملك عبدالله المالي "كافِد"    محافظ خميس مشيط يتفقد مركز الرعايه الصحية بالصناعية القديمة    معجم الحيوان الأليف عند العامة    فريق النجوم التطوعي ينفذ مبادرة صناعة الصابون لنزيلات دار رعاية الفتيات بجازان    المملكة ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان    جمعية فضاء العالية للتنمية الشبابية تختتم برنامج ماهرون الصيفي    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    انقسام إسرائيلي حاد حولها.. تحذيرات دولية من «خطة الاحتلال»    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    احتفال الفرا وعمران    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآخر وتمثلاته في الحضارة الغربية والإسلامية
نشر في الحياة يوم 05 - 01 - 2010

لا بد من الإقرار مسبقاً بصعوبة الإلمام بجميع جوانب الموضوع، بسبب كثرة تشعباته وتراكماته التاريخية أيضاً. فالعلاقة بين الحضارتين هي من أكثر العلاقات التباساً في التاريخ الحضاري، وأكثرها إنتاجاً للصور والتمثلات. وعليه يصعب الركون إلى تتبع أوجه هذه العلاقة في مسارها التاريخي المتشعب، وكذلك تحليلها انطلاقاً من تنوع المناهج والوسائل المعرفية التي وصلت إليها الثقافة العالمية في عصرنا الراهن. لذلك سيكون من الضروري أولاً الاقتراب من مصطلح الآخر وتحليله انطلاقاً من الموقع والأهمية الذي يتخذه إنْ على مستوى الحضارة الغربية أو الإسلامية. ومن ثم سيكون علينا ثانياً البحث عن تمثلات هذا الآخر في المدونات التاريخية والوقائع والأحداث التي تمثل المفصل في العلاقات التاريخية بين الحضارتين. لكننا سنسير في تحليلنا وفق التداعيات التي يفرضها سياق الحديث دون ترتيب أو تنظيم للفكرة، بل إننا سنتحرك وفق حركة البندول جيئة وذهابا من التاريخ إلى الحاضر والعكس صحيح. من دون أن نلزم أنفسنا بمنهجية مقررة سلفاً.
أولاً - في مفهوم الآخر
دعونا نتساءل من منظور تجليات هذا المفهوم وأثره في الخطابات السياسية الحالية :من هو «الآخر» الذي ندعي نحن العرب والمسلمون محاورته تحت مسميات راجت كثيرا في الخطابات الثقافية والسياسية من قبيل حوار الحضارات والأديان والثقافات؟ وهل هناك بالأساس حدود جغرافية وثقافية للحضارات والثقافات حتى يمكن تبني مفهوم الحوار ذاته حينما يحدث بين طرفين متباينين هما «الأنا والآخر»؟ إن ما يصدم في الواقع هو الانقياد خلف ما يروجه النظام الرأسمالي الغربي الأمريكي المدعوم بالقوة العسكرية والاقتصادية والإعلامية في إظهار أن الحرب على الإرهاب هي حرب ثقافية بالدرجة الأولى تتمحور حول التعصب الديني والعرقي، أو «حول صراع ديكتاتوريات شرقية الطابع وديمقراطيات غربية الأصول، وعلى هذا الأساس تم تبني نظرية صدام الحضارات التي تعود بداياتها إلى كتاب باسيل ماثيوز» مسار الإسلام الفتي: «دراسة في صدام الحضارات» أيام كان القلق يسيطر على مجمل الكتاب الغربيين حول الإسلام منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، وأيضاً فلسفتها التي تتكئ على الحتمية التاريخية، وذلك من خلال الإعلام الغربي بقوة، وجرى تفعيلها في الأوساط الأكاديمية الغربية المسيسة التي تهتم بالدراسات الأثنولوجية. وبالمقابل نجد أن هذا الانقياد في الأوساط الثقافية العربية جاء بمثابة ردات فعل لم تفعل سوى أنها أكدت على هذا المنحى في فهم الصراع على الإرهاب جاعلة من مفهوم حوار الحضارات صرخة احتجاج ضد الاتهامات المبطنة تارة والصريحة تارة أخرى الموجهة إلى الثقافة العربية الإسلامية، وكأنها بذلك تقول للغرب: نعم هذه الحرب ليست سياسية وإنما ثقافية ولكن بدلاً من الصدام هناك الحوار. لم يتغير شيء من المعادلة، لقد أنسقنا بسذاجة إلى تلك المقولات، وكرسنا بذلك تزييف الوعي بالمشكلات التي تتصل بحاضرنا وماضينا ومستقبلنا من خلال هذا النوع من الانسياق. ولكن ماذا نعني بالآخر؟! أليس من الأولى لنا أن نحدد هذه الأنا أو «الهوية» التي ندعي بأنها تمثل الموروث الحضاري الإسلامي للأمة قبل الشروع في محاورة الآخر الذي لا نملك عنه معرفة كاملة، وإنما معرفة قاصرة تاريخياً يشوبها الكثير من القهر السيكولوجي؟ إن الاحتكام إلى هذه الثنائية جعل من التفكير العربي أسير تعلقه بماضيه من جهة وبُعده الشديد عن الوعي بتاريخه من جهة أخرى، والإصرار على فهم العالم وشعوبه من خلال هذه الثنائية كما نجدها في كثير من الكتابات دليل على وجود شرخ في المنظور الذي نرى فيه أنفسنا قبل أن نرى فيه الآخرين. لقد أنزلت مثل هذه الثنائيات منزلة الحقيقة الثابتة وكأن التاريخ جامد لا يتحرك، ونحن نعلم تماماً أن إرادة الناس ومصالحهم وعيشهم المشترك هي مدار حركة التاريخ على مر العصور، والأفكار لا تصنع التاريخ وإنما تتحول إلى قوة رمزية بفعل المخيلة ينتج عنها تصورات تكون بمثابة الكيان النفسي والروحي والثقافي لأي أمة من الأمم، هذه التصورات نبع يتدفق لا ينضب ولا يتوقف يمد المجتمع بقيمه الأخلاقية والثقافية والدينية كلما احتاج إلى ذلك. فالأنا والآخر تدخل ضمن إطار هذه التصورات، لذلك من الخطأ الاعتقاد بأننا نملك فكرة ثابتة عنهما، فهما ليسا معطى ثابتاً، وإنما يتشكلان عبر التجربة التي يصنعها المجتمع من خلال سعيه الحثيث إلى بلورة عقد اجتماعي ينظم علاقته بالدولة باعتبارها شراكة في سبيل التنمية والتقدم وليس باعتبارها علاقة هرمية بين الراعي والرعية. لقد عبّر غسان سلامة عن اندهاشه من انتشار نظرية صدام الحضارات ومقولاتها في الأنا والآخر والهوية والتاريخ والردود المعاكسة لها في خطابات المثقفين والسياسيين، لأنها بحسب قوله خطرة سياسياً «لاسيما على المجتمعات المدنية المركبة وهي تشكل الأكثرية الكبرى من المجتمعات السياسية في العالم، وخاطئة علمياً لأنها تنطلق من فرضية مفادها أن الهوية معطى ثابت جامد ومنذ الولادة، بينما نعلم أن الهوية أكانت فردية أو جماعية هي نتاج لعملية تركيب وتفكيك مستمرة في الزمن»، ومن دون أدنى شك أن هذا التركيب والتفكيك الذي يشير إليه غسان سلامة ليس سوى نتاج تصوراتنا المتخيلة التي ترتكز عليها نظرتنا لأنفسنا وللآخر.
وفي السياق ذاته يقدم وجيه كوثراني تحليلاً رائعاً في كتابه «هويات ناقصة.. مواطنة منقوصة» في تهافت نظرية صدام الحضارات وحوارها، خالصاً إلى نتيجة تقول: «إن التشكل الحضاري لأمة من الأمم أو لإطار من الجغرافيا البشرية المنتظمة في قرابة حضارية كأن نقول: عالم إسلامي أو عالم أوروبي أو عالم أميركي يتجاوز في سيرورته التاريخية وعمليات تكونه التاريخية الحوار والصدام، بل أحياناً كثيرة قد يكون الحوار مترافقاً مع الصدام أو نتيجة له».
والخلاصة التي نستلها من هذه الفقرة هي صعوبة فرز التداخل المعرفي بين الحضارات، وذلك لسبب بسيط هو الاشتباك المعقد بين الشعوب والأمم سواء على الصعيد الثقافي أو السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، لذلك كما أشرنا يصعب التحديد، فالحضارات والثقافات لا تخضع للحدود الجغرافية البشرية. وعند الانتقال إلى الضفة الأخرى نجد أن القومية الأوروبية التي راجت في كتابات القرن الثامن عشر وأسست بالتالي ما يسمى بالدولة القومية لم تكن- كما يقول بندكت أندرسن في كتابه الجماعات المتخيلة – «سوى مجتمع سياسي متخيل»، ويدلل على ذلك بقوله: «ويمكن أن يتضح سبب كون هذا التحول مهماً في ميلاد المجتمع المتوهم على أساس القومية بأجلى صوره إذا ما فكرنا في البناء الأساسي لشكلين من أشكال التوهم انتشرا في أوروبا في القرن الثامن عشر لأول مرة وهما الرواية والصحف، فقد قدم هذان الشكلان الوسائل التقنية لإعادة تقديم نوع المجتمعات المتخيلة ألا وهو الأمة».
لقد نشأت الرواية - على سبيل المثال- كما يقول إيان واط «على الاعتقاد بقدرة الفرد على إدراك الواقع من خلال حواسه» تحت تأثير الواقعية الفلسفية، أي إيجاد عالم متخيل جديد يدخل كعنصر فاعل في تكوين الهوية الثقافية. وكذلك يمكن الإشارة أيضاً إلى كتاب العالم السياسي الفرنسي جان فرانسوا بايار «أوهام الهوية»، يكشف من خلاله الدور الكبير الذي تلعبه التخيلات الانتمائية الدينية والعرقية، وكذلك هشاشة الاعتقادات القائلة بالجوهر الثابت للثقافات الذي يفترض أن يحتضن في طياته ما يسمى روح كل شعب. إن النتيجة التي نريد أن نقف عليها هنا تشير في مجملها إلى فقدان العرب لبوصلة الوعي التاريخي كمشروع سياسي يتوجه إلى المستقبل، وليس إلى الماضي كتراث مغلق على نفسه، وإلى التعرف على أنفسهم من خلال إعادة قراءة التاريخ في حركته الدائبة، أي كما يؤكد على ذلك الفضل علي شلق في كتابه «الوعي والمأزق» حينما يقول: «إعادة كتابة تاريخهم في إطار شمولي يشمل الحاكم والمحكوم والبنى التحتية كما البنى الفوقية والحياة اليومية للناس المجهولة أسماؤهم كما تاريخ الأعلام العظام، إطار شمولي يضم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وسنوات القحط والمجاعة والغلاء وتضخم الأسعار والنتائج المترتبة على ذلك، وتطورات الصناعة والزراعة والتقنيات المستخدمة في كل منها، وطرائق الملبس والمأكل وبناء البيوت والأعراس والمآتم وغيرها من الاحتفالات الجماعية، علماً بأن لكل منها تقنيات تطورت عبر العصور وطقوساً اختلفت باختلاف الفئة الاجتماعية وإمكاناتها المادية».
ولن تكون هذه الإعادة مفيدة ونافعة إذا لم نتخلص من نظرتنا إلى تاريخنا بوصفه حنيناً للأصالة المتعارضة مع حداثة غربية مقتلَعة الجذور على حد تعبير جورج قرم، والنظر إليه كذلك بوصفه انحطاطاً في بعض مراحله الزمنية. يقول المؤرخ الأميركي المعروف ريتشارد بويت: «إن انتشار الإسلام خلال القرون التي سميت بقرون الانحطاط وجمود المسيحية وتوقفها عن الانتشار أمران لا يمكن الشك بجديتهما».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.