عندما قررت «بي بي سي»، قبل سنتين، ان الوقت حان لأن تنضم عائلة اسلامية الى المسلسل الاشهر والأقدم على شاشتها الاولى، لم يبد الامر ناشزاً على الاطلاق. فمسلسل «ايست اندرس» الذي يقدم قصص مجموعة من الناس في شرق العاصمة الانكليزية لندن، كان سيبدو غريباً جداً من دونهم، بخاصة ان شرق لندن من الأماكن المعروفة بالوجود الاسلامي والاسيوي. ثم ان المسلسل الذي يقدم حياة ابناء الطبقة العاملة، كان يفتقد حضور المسلمين العاملين في لندن الذين يشكلون نسبة كبيرة من سوق العمل هناك، وفي مدن بريطانية كبرى اخرى. لكن «ايست اندرس» الذي يخضع لرقابة صارمة من «بي بي سي»، اختار ان يقدم عائلته الخاصة (وهو ما ينطبق ايضاً على العائلات الاخرى في المسلسل). فالعائلة الآتية من اصول اسيوية، والتي تعيش في لندن منذ سنوات، عكست امنيات صناع العمل لنموذج العائلة المهاجرة اكثر من الواقع الفعلي والمشاكل العميقة التي يعيشها كثر من المهاجرين من اصول اسلامية في بريطانيا، وبخاصة بعد تفجيرات أنفاق لندن عام 2005، والتي كان وراءها شباب مسلمون من اصول اسيوية، ولدت غالبيتهم في بريطانيا. وسريعاً جداً جذبت شخصيات العائلة المسلمة في المسلسل الانتباه، فالأم التي لعبت دورها ممثلة كوميدية محبوبة، حققت شعبية سريعة. صحيح ان هذه الام كثيرة التطلب وملتزمة ببعض التقاليد، لكنها ايضاً شخصية اجتماعية، ولا تملك اي مشاكل في تكوين صداقات مع جاراتها البريطانيات. اما الأب الذي اثار تدخينه في احد المشاهد اثناء عرض المسلسل في رمضان قبل الماضي، مئات الاعتراضات من المسلمين في بريطانيا، فهو منسجم تماماً مع حياته كبريطاني من اصول مسلمة. وحين نصل الى الابناء الثلاثة نجد ان مشاكلهم لا تختلف عن مشاكل اقرانهم من البريطانيين او من الاصول الاخرى التي تعيش في واحد من اكثر البلدان تنوعاً في العالم. صحيح ان المسلسل مرّ على بعض القضايا الحساسة، مثل السلطات الاجتماعية القوية داخل الجاليات المسلمة، وزواج الأقارب المفروض على بعض الفتيات في هذه الجاليات، الا ان المعالجة كانت محسوبة تماماً، وبقيت ضمن الحدود المسموح بالتعبير عنها في المسلسل الذي يعرض بشكل شبه يومي و يجذب 8 ملايين مشاهد يومياً. وقد تحول هذا العمل في السنوات الاخيرة الى احدى الطرق الفعالة لتسليط الانتباه على قضايا مهمة، مثل الادمان على الكحول او التوعية الجنسية للمراهقين، وحتى قضايا المسنين... كل هذا طبعاً ضمن قصص سكان ساحة «ألبيرت» التي تعيش حولها شخصيات المسلسل التي تتبدل بالعادة كل بضع سنوات، ليحل محلها سكان جدد في المسلسل الذي يقترب من عامه الخامس والعشرين. وأخيراً، هيمنت قصة هذه العائلة المسلمة على القصص الاخرى في المسلسل، وعلى الصحافة البريطانية ايضاً. فالشاب الوسيم ابن العائلة المسلمة هو «مثلي» يعيش صراعاً كبيراً بين هويته الجنسية وبين تقاليد مجتمعه. ولأن القصة لا تزال في بدايتها، لم يخبر الشاب عائلته بعد بأنه مثلي، وهناك مؤشرات كبيرة الى ان تترك العائلة المسلسل، كنتيجة لما يحصل في هذه القصة. اما «بي بي سي» فيبدو انها في حيرة من امرها، فهي لا يمكن ان تتقبل نهاية سعيدة لمحنة الشاب، وهو الامر الذي يجعل المسلسل وشخصيات العائلة المسلمة بعيدة كثيراً من الواقع الفعلي. اما السيناريو الآخر، اي رفض العائلة الشاب او نبذه، فهو تكريس لصورة تقليدية عن العائلة المسلمة، وهو امر يبدو ان «بي بي سي» لا تريد ان تتورط به ايضاً!