محمد بن ناصر يرعى تخريج طلبة جامعة جازان    في ذكرى الرؤية.. المملكة تحتفي بتحقيق العديد من المستهدفات قبل وقتها    الذهب ينخفض مع تراجع الطلب واحتمال ارتفاع أسعار الفائدة    رئيس الشورى يرأس وفد المملكة في مؤتمر البرلمان العربي    حزمة الإنفاق لأوكرانيا تشكل أهمية لمصالح الأمن الأمريكي    أمير القصيم يثمن دعم القيادة للمشروعات التنموية    بوتين يعلن اعتزامه زيارة الصين الشهر المقبل    إطلاق برنامج تدريبي لطلبة تعليم الطائف في الاختبار التحصيلي    جائزة الامير فهد بن سلطان للتفوق العلمي والتميز تواصل استقبال المشاركات    استثمر في عسير ببلديات القطاع الشرقي    فيصل بن بندر يرأس اجتماع المجلس المحلي بمحافظة الخرج    فيصل بن فرحان يهنئ وزير خارجية اليمن بمناسبة توليه مهمات عمله    بريطانيا تعلن فرض حزمة عقوبات جديدة على إيران    مريض سرطان يؤجل «الكيماوي» لاستلام درع تخرجه من أمير الشرقية    الفيحاء يتفوق على الطائي بهدف مندش    «الثقافة» تُعيد افتتاح مركز الملك فهد الثقافي بعد اكتمال عمليات الترميم    "سلطان الطبية" تنفذ دورة لتدريب الجراحين الناشئين على أساسيات الجراحة    تسيير حافلات لدعم الأخضر أمام أوزبكستان    "ذكاء اصطناعي" يرفع دقة الفيديو 8 أضعاف    تشافي: مشروع برشلونة وراء قرار بقائي في منصبي وليس المال    «الإسلامية»: ضبط اختلاسات كهرباء ومياه مساجد في جدة.. لتشغيل محلات ومصاعد وبسطات    أكثر من 80 مليون ريال جوائز كأس العُلا للهجن    "روح السعودية" تختتم مشاركتها في فعاليات منتدى العمرة والزيارة 2024    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلتقي مديري عموم فروع الرئاسة في مناطق المملكة    نائب وزير الموارد البشرية للعمل يلتقي سفير أثيوبيا لدى المملكة    مستشفى ظهران الجنوب يُنفّذ فعالية "التوعية بالقولون العصبي"    الحوثي يقر باستهداف سفن أمريكية وإسرائيلية.. هيئة بريطانية: انفجار قرب سفينة قبالة عدن    بعد مقتل اثنين من موظفيها .. بلجيكا تستدعي السفيرة الإسرائيلية    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس مجلس أمناء جمعية قبس للقرآن والسنة    مواقع التواصل تحتفي بمغادرة خادم الحرمين الشريفين المستشفى    "الجمعة".. ذروة استخدام الإنترنت بالمملكة    أمير عسير يعزي الشيخ ابن قحيصان في وفاة والدته    استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة على المملكة    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    الأخضر السعودي 18 عاماً يخسر من مالي    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    أدوات الفكر في القرآن    «النقد الدولي» يدشن مكتبه الإقليمي في السعودية    فهد بن سلطان يتسلّم شهادة اعتماد تبوك مدينة صحيّة    بيع "لوحة الآنسة ليسر" للرسام كليمت بمبلغ 32 مليون يورو    حجار التعصب تفرح بسقوط الهلال    النفع الصوري    حياكة الذهب    مين السبب في الحب ؟!    اللي فاهمين الشُّهرة غلط !    إجراء أول عملية استبدال ركبة عبر «اليوم الواحد»    رسالة فنية    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    «سدايا» تطور مهارات قيادات 8 جهات حكومية    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    "أم التنانين" يزور نظامنا الشمسي    مقصد للرحالة والمؤرخين على مرِّ العصور.. سدوس.. علامة تاريخية في جزيرة العرب    بعضها يربك نتائج تحاليل الدم.. مختصون يحذرون من التناول العشوائي للمكملات والفيتامينات    تجاهلت عضة كلب فماتت بعد شهرين    جامعة جازان تحتفي بتخريج 9,597 خريجاً وخريجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوابيس الشباب الجزائري في «ثقوب زرقاء»
نشر في الحياة يوم 10 - 02 - 2014

يحاول الجزائريّ الخير شوار في روايته «ثقوب زرقاء»، (دار العين، القاهرة) تقديم ما يراه وقائع مَعيشة في سياق التخيّل. يتّخذ من الخيال معبراً إلى الواقع ومرآة له. يغوص في قاع المجتمع الجزائريّ، يبرز تأثيرات البطالة الرهيبة في جيل الشباب في شكل خاصّ والأجيال الأخرى عموماً، ذلك أنّ البطالة تشكّل دائرة نار تكبر بالتقادم وتحرق كلّ مَن يتماسّ معها أو يدخلها.
يبتدئ الخير شوار روايته بجانب بوليسيّ، إذ يتمّ العثور على رجل مقتول، تغرق وجهه ندوب زرقاء هي موضع طعن السكاكين المغروزة فيه وآثارها. وهناك صحافي يستقصي عن الجريمة التي تقع في إحدى المناطق النائية، قرب قصر يُحاك حوله الكثير من حكايات الجنّ، يُخشى الاقتراب منه أو الإقامة فيه.
الفصول الثلاثة التي تعتمد الترقيم مكتوباً، تبدأ ب «واحد»، «اثنان»، ثمّ تعود إلى «صفر»، تتشعّب في ثلاثة اتّجاهات، يختلط فيها الواقع بالخيال، ويكون أحدهما أقسى من الآخر. اتّجاه الحلم والوهم والكابوس. ويلجأ أحياناً إلى الحلم داخل الحلم نفسه، أو الحكاية المتناسلة من حكاية متخيّلة في دائرة من الاستيهام.
عِراك دمويّ:
في الفصل الأوّل يسعى الصحافيّ الموكل اليه متابعة حادثة القتل إلى استقصاء التفاصيل، أمام شحّ المعلومات وندرتها، يلجأ إلى بعض موظّفي المشفى والمشرحة، يخمّن أنّه قد يكشف تفاصيل جريمة غريبة، يتابع سير القضية التي تقيّد ضدّ مجهول، ثمّ يتخيّل أنّ القتيل يُدفن في مقبرة المدينة ويكتب على شاهدة قبره أنّ القبر لرجل مجهول.
يتحرّك التحرّي المتخيّل بين مجاهيل عدّة، يكون الواقع المؤذي أحد الاطراف المعلومة، وما عداه مكتنف بالغموض والالتباس والحيرة، ولا ينفكّ يتقصّى آثار الضحيّة من دون جدوى، ما يدفعه إلى المشاركة في تشييعه ودفنه، وإلقاء نظرة أخيرة على وجهه المفعم بثقوب زرقاء كانت نتاج عراك دمويّ فظيع ألحق به بالغ الأذى.
في الفصل التالي، وأمام انعدام المعلومات الدقيقة حول الحادثة – الجريمة، يسعى الصحافي الراوي إلى تخيّل ملابسات الجريمة وتفاصيلها، يستعين بخياله ليمارس نوعاً من التشويق وهو يقتفي أثر مجرمين مفترضين، ينتحل دور المحقّق النابش في ثنايا المجتمع والحافر في طبقاته. فتراه يخرج باكتشافات تزيد من همومه ومآسيه، ويعود بطريقة مواربة ليتهرّب من اكتشافاته بإحالتها إلى التخيّل والهذيان، وذلك عبر العودة إلى سير الجريمة وتفاصيلها وتواريخ الأحداث المرافقة، ليجد أنّ ما يتحدّث عنه ليس إلا وهماً في خياله، أو اختراعاً من اختراعات الهذيان الذي يرى في الواقع بؤرة العلل كلّها. ويتفاجأ تالياً بالانقسام الذي يجتاح شخصيّاته المتشظّية التائهة.
يعود الراوي، في الفصل الأخير، إلى المرحلة الأولى، إلى الصفر في الاكتشاف والاعتراف، ويكون الاختتام محكوماً بالخيال ومغلّفاً بالإيهام، ليكتشف أنّ الجريمة كانت متخيّلة، وأنّ الحقيقة أن لا جريمة ولا قتلة، وأنّ الأحلام المحوّلة إلى كوابيس هي صدى لكوابيس الشخصيّة واستيهامها ورعبها من محيطها ومن ذاتها.
يكون الكاتب في بحر التخييل راصداً أحوال شرائح مختلفة، فالراوي المتحرّي عن الجريمة، يلوذ بالخيال ليعيد تركيبها في ذهنه، فيلجأ إلى القصر المسكون بحكايات الجنّ، يربض هناك، يصادف رجلين يأتيان بجثّة، يكون أحدهما بوعلام الذي يفصح تالياً أنّه القاتل، وصديقه جمال. لكنّ بوعلام الذي يتسلم السرد ويحكي قصّته، وكيف انتقل من فتى عاشق بسيط إلى قاتل، إذ كان عاطلاً من العمل، يرنو إلى الزواج من الفتاة التي أحبّها، يسعى إلى وصالها، وحين حقّق رغبته بالاقتران بها، وفي ليلة زفافه أصابته حالة هستيريّة غريبة، بدأ يصرخ في شكل مفاجئ، ما دعا إلى التساؤل والتشكيك بزوجته، وأثار كثيراً من الأقاويل والمزاعم عنه وعن زوجته.
يحمّل بوعلام الآخرين بطريقة أو أخرى مسؤوليّة تحوّله إلى قاتل، وهو الذي ظلّ ضحيّة تأليب الآخرين عليه، يرتحل عن بلدته، يلجأ إلى منطقة معزولة ليحيا مع زوجته بهدوء، يتفاجأ بسلوكه العنيف ضدّ ولده الصغير، ثمّ لا يتورّع عن ارتكاب جريمة قتل حين يجد نفسه أمام مَن يظنّ أنّه يتربّص أو يريد به شرّاً.
متاهة سوداويّة:
يصف الخير شوار حالة المرء الذي تتعاظم في داخله الظنون والشكوك فيصل إلى درجة يصارع ذاته في مرآته الداخلية، والتي تمرئي له صورته على شكل وحش يكاد يفترسه، بحيث يتبادل معه العراك بالسكاكين، يغرزها في وجهه لتخلّف ثقوباً زرقاء تكشف هول فجيعته وفداحة خسارته.
الثقوب الزرقاء المتخيّلة تعكس سوداويّة الواقع، تنفتح على جروح كثيرة وفجائع متفاقمة، وصراع المرء ومكابدته ضدّ ذاته يحلان محلّ الصراع الشرس الذي يقع ضحيّته في واقع العطالة والبطالة الدافع إلى التشريد والتطرّف والاغتراب والجنون. كما أنّها تعكس متاهة الكشف المؤلم عن قسوة ما يتعرّض له المرء في واقعه، والخيار الذي يكون محصوراً بين: إمّا أن يكون القاتل أو القتيل. بحيث يكون الانتحار إحدى وسائل الراحة بعيداً من القتل الدمويّ والاقتتال المفروض.
أمام مقت ما يتعرّض له المرء في بلده وهول ما يصيبه على أيدي مقرّبيه والمحيطين به، أولئك الذين لا يلتمسون له الأعذار، بل يدفعون به إلى مهاوي الفقر والجوع، ليقع رهين شراسة الواقع وضراوة الحصار من جانب السلطات المتحكّمة برقاب الناس ومصائرهم، قد يكون الجنون والتيه من بين الخيارات المحتّمة.
يظهر الروائيّ عتمة حاجبة تفترض سلوكيات غريبة، ويرمز إلى مشقّة تلمّس الدروب في بحر التيه الواقعيّ، وكيف أنّ الظروف البائسة تدفع الناس إلى التطرّف، وإلى أقصى حالات الوهن التي تدفع إلى العنف والتعنيف والجريمة، وبغضّ النظر عن واقعيّة الجريمة أو تخيّلها، فإنّها تكشف بؤس الواقع الذي تتناهبه التناقضات في ظلّ غياب أيّ تخطيط للحؤول دون الوقوع في شراك الجريمة أو الدفع إليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.