طقس ممطر ورياح مثيرة للأتربة على عدة مناطق    استقرار الدولار و اسواق السندات    ارتفاع أسعار الذهب    انخفاض أسعار النفط    المعمرون أقل عرضة للأمراض    الأهلي يجدّد عقد مدربه"يايسله" حتى عام 2027    المملكة أكبر داعم تاريخي للقضية الفلسطينية    الجنرال.. الجوال    انكسار القناع    هل الروبوتات أكبر خطر يُهدِّد البشريّة؟    كل عام وأنت بخير    نائب وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية موريتانيا    الدوري السعودي لكرة القدم قوة ناعمة عالمية    عدنان المعيبد: مشكلة اتحاد الكرة أنه لا يعلم ماذا يُدار في لجانه    استعداداً لكأس آسيا .. "الأخضر تحت 23" يواجه روسيا ودياً    وزارة الرياضة تختتم مشاركتها في جناح "واحة الإعلام" بالعاصمة الرياض    كيف ستغير رسوم الأراضي البيضاء مسار السوق العقارية ؟    حملة الدراسات العليا بين الموارد والتعليم    الرواية.. سحر الحكاية وشغف القراء    وزارة الثقافة تحمي التراث وتترجِم رؤية 2030    الرؤية والزمن    التربية بين الأنْسَنة والرقْمَنة    ملامح عامة في شعر إيليا أبو ماضي    إنهم يشوهون المثقفين 2/2    مفردات من قلب الجنوب 19    لقاء الثلاثاء بغرفة الشرقية يناقش صناعة السينما في السعودية    التنجيم ضرب من ادعاء الغيب    من قلب الأحساء إلى العالمية... حكاية اللومي الحساوي    اضطراب المساء عند كبار السن (متلازمة الغروب)    النوم عند المكيّف يسبب الخمول    إتاحة الدراسة عامين لخريجي الثانوية الراغبين في رفع معدلاتهم التراكمية    «سلمان للإغاثة» يوزّع (1.500) سلة غذائية في ولاية النيل الأبيض السودانية    إحباط تهريب (105,000) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي و(31.5) كجم "حشيش" في جازان    الجوف تشهد انطلاقة أعمال السجل العقاري    منتخب السعودية يتفوق على مقدونيا وديًا    محافظ الخبر يدشن المؤتمر الدولي الخامس لمستجدات أمراض السكري والسمنة    بالدمام إحالة مقيم إلى النيابة لبيعه مستحضرات غير مسجلة    غرفة الرس تستعرض منجزاتها في الدورتين الثالثة والرابعة    السعودية تفرض قيوداً على لعبة روبلوكس لتعزيز الأمان الرقمي    الطريق البري بين المملكة وعُمان إنجاز هندسي في قلب الربع الخالي    استخدام الإنترنت في السعودية يقفز ل 3 أضعاف المعدل العالمي    المليحان في ذمة الله    القيادة تعزّي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان    أوروبا تعتبر لقاء بوتين وشي وكيم تحدياً للنظام الدولي.. لافروف يتمسك ب«الأراضي» وكيم يتعهد بدعم روسيا    لا أمل بالعثور على ناجين بعد زلزال أفغانستان    كبار أوروبا يبدؤون مشوارهم في تصفيات كأس العالم    احتجاجات إسرائيلية قرب منزل نتنياهو للمطالبة بصفقة غزة    الواحدي والدغاري يحتفلان بزفاف محمد    100 % امتثال تجمع جدة الصحي الثاني    حُسنُ الختام    اليوم الوطني السعودي.. عزنا بطبعنا    منع تجاوز الحواجز التنظيمية في الحرمين    فضيلة المستشار الشرعي بجازان "التماسك سياج الأوطان، وحصن المجتمعات"    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    نص لِص!!    ميلاد ولي العهد.. رؤية تتجدد مع كل عام    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    المملكة تعزي السودان في ضحايا الانزلاق الأرضي بجبل مرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مريض الوهم» لموليير:... ومن الطبّ ما قتل

تكثر في فرنسا منذ فترة الدراسات والكتب التي تحاول القول إن موليير ليس هو صاحب أعماله الكبيرة. ونعرف طبعاً أن التكذيب والنسيان يكونان عادة مآل هذا النوع من «التأكيدات»، وذلك لسبب بسيط لخصه مفكر إنكليزي مرة بقوله، في مجال الحديث عن «تأكيدات» مشابهة تتعلق بشكسبير: حسنا... قد يكون شكسبير شخصاً لا وجود له، ومع هذا ها نحن أمام أعمال مسرحية كتبها، بالتأكيد، عبقري ما... وهذا العبقري قد يكون اسمه شكسبير.
فالعمل هو التأكيد الأفضل على وجود صاحبه، وهكذا هو عمل موليير، لأن الرجل خلّف وراءه حين رحل في العام 1673، عشرات المسرحيات والنصوص، وساد ذكره في مراجع زمنه وفي مدونات البلاط و «الكوميدي فرانسيز» الى درجة لا يعود معها ممكناً الحديث إلا عن... اقتباسات قام بها، في أسوأ الأحوال، لبعض أعمال لغيره كان يكتشف وجودها وهو يبحث عن أفكار. ولكننا نعرف في عالم الأدب والفن، أن الفكرة ليست أبداً الأساس. الأساس هو كيف يعالج المبدع هذه الفكرة وكيف يوظفها في زمنه وفي إطار عمله. ولو لم يكن الأمر كذلك لكان علينا أن نلغي معظم أعمال شكسبير وغيره، وصولاً إلى «ثلاثية» كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، التي قد تشبه في فكرتها عملاً لغالسوورتي أو عملاً لتوماس مان، لكنها في نهاية الأمر، وفي الحياة التي باتت لها، عمل محفوظي من ألفه إلى يائه.
من هنا، حتى إذا كان تاريخ الأدب قد قال لنا، مثلاً، إن موليير، عثر على فكرة آخر مسرحية كتبها، وهي «مريض الوهم» في مقدمة وضعها كاتب مغمور لعمل له صدر في ذلك الحين، فإن هذه الواقعة يجب ألا تعني شيئاً، لأن النص المسرحي الذي كتبه صاحب «البورجوازي النبيل» و «دون جوان»، عاش كل حياته منذ أنجز وقدم أوائل العام 1673، بشكل مستقل، ليشير إلى موليير نفسه، حياة موليير، برمه بالأطباء، وليختصر في حبكة أخاذة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنتمي إلا إلى موليير نفسه، وإلى كل ما كان موليير حمّله لهزلياته، ولأعماله الأخرى طوال تاريخ مسيرته الكتابية. وهنا لا بد من أن نشير إلى أن موليير قد فارق الحياة غداة تقديم العرض الرابع للمسرحية يوم 17 شباط (فبراير) من ذلك العام، علما أن بداية العروض كانت في اليوم العاشر من الشهر نفسه. ولنذكر هنا، على الهامش، أن موليير إذ كان امتنع عن نكران عمله كممثل أمام رجال الدين، لم يعط الحق الكنسي بأن يدفن في أرض مسيحية، ما استدعى يومها تدخل الملك حتى تقبل الكنيسة دفنه في مقبرة القديس يوسف، من دون احتفالات تذكر.
وعلى رغم أن «مريض الوهم» مسرحية هزلية صاخبة، نعرف أن بدء موليير بالتفكير فيها وصوغها كان حين توفيت صديقته مادلين بيجار قبل ذلك بعام، وهي وفاة لام موليير الأطباء عليها، وجعله يفكر بأن «يبهدلهم» في عمل مقبل له. وهكذا ما أن انتهى يومها من كتابة «النساء العالمات» وانفصل عن الموسيقي لوللي، الذي كان تعاون معه تحت إشراف البلاط، في الكثير من أعماله، حتى قرر أن يكتب «مريض الوهم» من دون أن يعرف طبعاً أنها ستكون مسرحيته الأخيرة، إذ بالكاد كان يومها تجاوز الخمسين من عمره. وكانت تلك المسرحية، عدا عن ذلك، أول عمل مسرحي في ذلك الحين لا يكتبه موليير للبلاط، ومن هنا سهل عليه أن يكلف شاربانتييه بكتابة الموسيقى لها، إذ كان في الماضي وربما بناء على أمر ملكي قد منح لوللي امتياز احتكار كل الموسيقى التي تؤلف ضمن إطار النشاطات الفنية للبلاط.
على رغم الظروف التي أحاطت بكتابة «مريض الوهم» ولا سيما منها ما يتعلق بوفاة صديقة الكاتب التي أشرنا إليها، كان موليير، بداية قرر أن يجعل منها عملاً ترفيهياً خالصاً. أراد منها، وفق تعبيره «ان تعجب الشعب والمدينة» من دون أن يعني هذا أنها لن تعجب جلالة الملك. والحال أن «مريض الوهم» أعجبت كثراً ولا تزال، حيث تفيدنا الإحصاءات أنها قدمت بين العام 1680 والعام 1967 أكثر من 1650 مرة على خشبة «الكوميدي فرانسيز» وحدها. وأما موليير نفسه، فإنه أحصى خلال الأيام الأخيرة من حياته، أن «مريض الوهم» عادت عليه، في عروضها الأولى الأربعة تباعاً، بما مجمله 6549 ليبرة... وهو رقم كان مدهشاً في ذلك الحين، فعمّ تتحدث هذه المسرحية بعد هذا كله؟
في المقام الأول، والأكثر حدة طبعاً، عن عجز الأطباء عن مداواة المرض، وعن وصفاتهم وتشخيصاتهم التي تؤدي أحياناً الى القضاء على المريض بدلاً من شفائه. لكن هذا، وإن كان لب الموضوع، فإنه لم يقدم إلا في خلفية تلك الحكاية العائلية، التي تسير في نهاية الأمر على النمط الذي كان موليير مبدعاً فيه، ولا سيما في لجوئه للتعبير عنه إلى حسّ السخرية الفكهة، وملأ به معظم مسرحياته الكبرى، ما جعله أعظم كاتب كوميدي في تاريخ فن المسرح.
فنحن هنا وسط حبكة عائلية تدور من حول آرغان، إحدى شخصيات موليير الأكثر قوة وجاذبية، إلى جانب تارتوف ودون جوان. وآرغان هنا ثري ورب عائلة تزوج بعد زواج أول من امرأة ثانية هي غير أم أولاده. وها هو الآن، حين تبدأ المسرحية، يعيش في وهم أنه مريض، وفي إطار كتابة وصيته وتعيين من سيرث أمواله. وهكذا تدور من حوله مؤامرات الطمع وتضارب الغدر والإخلاص، والحقد والانانية. لقد سلم آرغان قدره إلى الأطباء، إذ اعتقد أنه مريض وأنه لا محالة سيكون ميتاً بعد قليل... لذا راح يرتب الأحوال من بعده، وها هو يخطط لتزويج ابنته من زواجٍ أول آنجيليك، التي تحب كليانت، فتعتقد آنجيليك أن العريس المعين هو حبيبها وتقبل بسعادة. لكن آرغان كان قد اختار توماس، الطبيب الشاب وابن الطبيب، لابنته. لذا يبدأ الضغط على هذه الأخيرة لكي تطيعه، مهدداً إياها بحرمانها في وصيته إن هي لم تذعن لإرادته. وهنا تدخل بيلين زوجة آرغان الثانية معلنة قدوم الكاتب العدل الذي سيغير الوصية بناء على رغبة آرغان. وتكتشف الخادمة طوانيت، حليفة آنجيليك، أن الكاتب العدل ليس سوى العشيق الخفي لبيلين، التي ما تزوجت آرغان إلا طمعاً في وراثته. وهكذا ينتهي الفصل الأول بعد أن يكشف أمامنا، كما هو الحال في «طرطوف» و «البخيل»، وبخاصة في «البورجوازي النبيل» كل الحبكة منذ البداية، ويمكّننا طبعاً من توقع كيف ستكون النهاية. إذ لا جديد هنا: في النهاية سينتصر الطيبون وينكشف الأشرار، ويكتشف مريض الوهم أنه ليس مريضاً وأن الأطباء إنما كانوا يضحكون عليه لابتزازه، حالهم في هذا حال زوجته بيلين وعشيقها. أما الجديد هنا، فهو أسلوب عرض الأحداث وتطورها... إذ في الفصل الثاني، وبتدبير من طوانيت يتم إدخال العاشق كليانت إلى البيت كموفد من أستاذ الموسيقى الذي يدرّس أنجيليك... وهكذا، في مقابل مؤامرة بيلين، تحيك الخادمة طوانيت مؤامرتها المضادة، وسط مناخ حافل بالمفارقات والحوارات والأغاني والمناورات والصراعات الخفية، لينتهي الأمر كله بموافقة آرغان، بعد أن «شفي» من مرضه وفضح رياء زوجته والمحيطين بها، على زواج آنجيليك وكليانت ويعم الفرح المكان.
من المؤكد أن مريض الوهم «هي الأشهر وربما الأقسى في مسار جان- باتيست بوكلان (موليير) العملي، منذ بدايات كتابته وتمثيله المسرحيين في العام 1643 (وكان في الحادية والعشرين من عمره)، علماً أن مسار موليير، امتلأ بتلك الأعمال التي لا تزال حية بيننا حتى اليوم، مثل «سخيفاتنا الغاليات» و «مدرسة الأزواج» و «مدرسة النساء» و «النفور» و «البخيل» و «جورج داندان» وغيرها من أعمال أسست بالتأكيد لنوع معين وواقعي، نقدي إلى حد بعيد، من أنواع المسرح الكوميدي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.