محافظ الأحساء يهنئ القيادة الرشيدة بتأهل "الأخضر" لكأس العالم    تداول يرتفع 86 نقطة    تسريع نمو منظومة الذكاء الاصطناعي بالمملكة    الذهب يتجاوز 4.200 دولار للأونصة لأول مرة    الحقيل يبدأ جولة آسيوية.. السعودية تعزز شراكاتها مع الصين وكوريا في المدن الذكية    مسح صناعي للمحتوى المحلي    رفع توقعات نمو الاقتصاد السعودي مع التوسع في الأنشطة غير النفطية    معرض توعوي للحد من الكوارث في القصيم    لضمان تنفيذ وقف النار.. استعدادات لنشر قوة دولية في غزة    الأرصاد: مؤشرات لتكون حالة مدارية في بحر العرب    وسط تصاعد المعارك حول الخرطوم.. الجيش السوداني يتصدى لمسيرات استهدفت أم درمان    الصحة الفلسطينية تستلم جثامين 45 شهيداً عليهم آثار تعذيب    كييف تحذر: مكونات أجنبية في المسيرات الروسية    بريطانيا تؤكد مواصلة دعم الجيش اللّبناني    بعد احتفالهما بالتأهل للمونديال.. جائزة أفضل لاعب آسيوي بين سالم وعفيف    دوري روشن يستأنف نشاطه بالجولة الخامسة.. كلاسيكو بين الأهلي والشباب.. والهلال في ضيافة الاتفاق    الأخضر.. تأهل مستحق لكأس العالم    حقائق رقمية تُزين مشوار تأهل «الصقور الخضر»    حرس الحدود بمنطقة مكة ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهما البحرية في عرض البحر    المرور السعودي: 6 اشتراطات لسير الشاحنات على الطرق    ضبط مليوني قرص إمفيتامين بشحنة مكسرات    760 مدرسة تحصد مستوى التميز وتعيد صياغة الجودة    17 مدرسة ب"تعليم الطائف" تحقق التميز    القبض على أشخاص لترويجهم الحشيش المخدر    الفيلم السعودي «هجرة» يعبر إلى الأوسكار    موسم الرياض يطرح تذاكر «النداء الأخير»    انطلاق فعاليات الشريك الأدبي في جمعية أدبي الطائف    وزارة الشؤون الإسلامية تفتتح المسابقة الدولية الثانية لتلاوة القرآن الكريم وحفظه في كازاخستان بمشاركة 21 دولة    السند يرأس الجلسة الخامسة لملتقى "مآثر سماحة الشيخ عبدالعزيز بن صالح رحمه الله- وجهوده في المسجد النبوي"    أنف اسكتلندي.. حبة بطاطا    البرد يرفع مستويات السكرفي الدم    «التخصصي».. إنجازات رائدة في الجراحة الروبوتية    مركز التحكيم الرياضي السعودي يشارك في الندوة الإقليمية للتحكيم الرياضي    مركز التنمية الاجتماعية بجازان يُفعّل اليوم العالمي للعصا البيضاء بالشراكة مع جمعية الثريا للمكفوفين    21 رياضة سعودية في ألعاب آسيا للشباب في البحرين    في افتتاح تصفيات آسيا .. أخضر الصالات يواصل تحضيراته لمواجهة الصين تايبيه    1.5% زيادة بأسعار الحديد على المستوى الشهري    نائب أمير القصيم يطلع على منجزات العناية بالمساجد في رياض الخبراء    أمير الرياض يستقبل نائب أمير جازان.. ويدشّن حملة التطعيم ضدّ الإنفلونزا    أمير مكة خالد الفيصل: القيادة أولت العاصمة المقدسة اهتماماً خاصاً    زيارة تاريخية: الرئيس السوري في الكرملين    العمري يبحث احتياجات أهالي صامطة    أمير المدينة يرعى ملتقى مآثر عبدالعزيز بن صالح    السعودية توزع المساعدات لمخيمات النازحين في غزة    الصحة تؤكد مأمونية أدوية الستاتين وتلاحق المضللين    الكلية التقنية بأبوعريش تنظم محاضرة توعوية بعنوان "تماسك"    جازان.. تدشين مشاريع تعليمية بقيمة تتجاوز مليار ريال    نائب أمير جازان يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب إلى كأس العالم 2026م    القصيبي في كتارا.. رمز وجمع في سيرة فرد وشعروائية    برشلونة يخوض الكلاسيكو بقميص المغني شيران    نائب أمير مكة المكرمة وأمراء يواسون آل نصيف    ترأس اجتماع لجنة الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: مضاعفة الجهود لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن    "الصحراء والبحر" يلتقيان في معرض "آل خليفة"    ما بين التراث والتاريخ قصة مؤسسة    مشاركة الجموع عطّلت العقول بالركض خلف الترندات    أمير الشرقية يصدر قراراً بتعيين البقعاوي محافظاً للنعيرية    أمين العاصمة المقدسة يرأس الاجتماع الثالث للجنة الأعمال البلدية والبيئية لتعزيز التكامل التنموي بمكة    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيرة الذاتية مزيج أدب وحياة... صدقت أم لم تصدق
نشر في الحياة يوم 01 - 01 - 2014

إذا كان أدب السيرة بدأ عند العرب مع «مثالب الوزيرين» لأبي حيان التوحيدي، وتغرّب مع ابن حزم الأندلسي صاحب «طوق الحمامة»، وأكمل مساره في القرن العشرين مع طه حسين في «الأيام» وميخائيل نعيمة في كتابه «سبعون»، ثم عاد وازدهر في أيامنا مع كتب عدة وضعها روائيون وشعراء، فإنه في الغرب الأوروبي بدأ مع مونتاني وروسو واستعاد شهرته في الألفية الثانية مع آلان روب غرييه وسرج دوبروفسكي.
والسيرة الذاتية يمكن أن تكون تأريخاً لحياة شخصية مهمة، أو تسجيلاً لحياة كاتب أو شاعر يجمع الغاية الخلقية، والمتعة الفنية في الآن نفسه، لكونه يحكي سيرة حياة في أسلوب يغلب عليه الطابع الأدبي.
تعتمد السيرة التي يكتبها الشخص عن حياته على العنصر الذاتي، بينما السيرة العامة تعتمد على السرد الموضوعي للأحداث والوقائع المتعلّقة بالشخص موضوع السيرة، يضاف الى ذلك أن الأولى تكتب بصيغة المتكلّم، والأخرى بصيغة الغائب، ثم إن الصفات التي تجعل السيرة الذاتيّة ناجحة ليست هي الصفات نفسها التي تجعل السيرة العامة ناجحة. ففي حين يذهب كاتب السيرة العامة إلى ذكر الشواهد والشهادات والوثائق عن الشخص- موضوع السيرة، يذهب كاتب السيرة الذاتية إلى تسليط الضوء على صفحات عمره البارزة، محاكماً أحياناً وناقداً أحياناً أخرى. وعلى خلاف كاتب السيرة العامة الذي يلعب دور المحقّق والقاضي، يلعب كاتب السيرة الذاتية دور الشاهد على أحداث حياته، فيرويها موضحاً أنها الحقيقة بعينها، وأنها الصدق الخالص. ولكن نحن نعرف أن الصدق الخالص أمر يلحق بالمستحيل، والحقيقة الذاتية صدق نسبي. وهذا ما أكّده الكاتب الفرنسي أندريه مالرو في كلامه عن الموانع التي تحول دون تحقّق الصدق في السير الذاتية، فعدّ منها النسيان الطبيعي، والنسيان المتعمّد، بحيث لا نذكر من عهد الطفولة إلاّ القليل، وبعض ما نذكر نحاول إخفاءه لأنه لاقيمة له، وما دمنا ننشئ فنّاً وعملاً أدبياً، فإن الاختيار يتحكّم بما نفعله، فنحذف ما نحذف ونبقي ما نبقيه.
أمّا الذاكرة فهي لا تنسى فحسب، بل إنها تفلسف الأشياء الماضية، وتبني وتحذف بما يتلاءم مع الظروف الحاضرة للشخص الذي يروي سيرته. لذلك كان الشاعر الألماني غوته على حقّ عندما سمّى سيرته «الشعر والحقيقة»، إشارة منه الى أن حياة كل فرد إنما هي مزيج من الحقيقة والخيال.
وغوته ليس الوحيد الذي اعتبر السيرة مزيجاً من الحقيقة والخيال، بل كتّاب كُثُر شكّكوا بصدق هذا النوع من الكتابة، وفضلّوا عليه مصطلح «رواية السيرة الذاتية»، لكونها تجمع فكرة الحقيقة التي تنشدها السيرة وفكرة التخيّل التي تتضمنّها الرواية في سردها بعض مشاهد الحياة.
لا شك في أن السيرة الذاتية لها قيمة تفسيرية تفتقر إليها الرواية، فهي تحدّثنا عن محطّات أساسية في حياة الكاتب، وبخاصة المحطّات التي كان فيها صاحب السيرة صغيراً، وبذلك نقف على نشأته البيتية، وصداقات طفولته، والعلاقات التي أقامها على الصعيد العاطفي والإنساني، بل تُعلمنا بمطالعاته واتصالاته الشخصية وتكشف عن تنقّلاته في الداخل والخارج، وكلها مواد تلقي الضوء على تاريخ كاتب السيرة الشخصي والأدبي.
إن الجهود الواسعة التي انصبّت على علم السيرة كنوع من أنواع الأدب حاولت أن تفصل بين تاريخ الكاتب الشخصي، وبين سيرته الذاتية. ذلك أنّ سرد الأحداث التي عاشها كاتب السيرة يتمّ نقلها تبعاً للتسلسل التاريخي، وهنا يلتقي علم السيرة بعلم التاريخ. إلاّ أنّ ما ينقله كاتب السيرة من ذكريات وتصريحات وشهادات وتأويلات، لا تظلّ - وإن كان لها وجودها من الناحية التاريخية - متعلّقة بأهداب التاريخ ، وإنما تبرز من خلال فائدتها في الأدب.
إن السيرة مهما ادّعى كاتبها أنها ذاتية ليست تعبيراً نقياً عن ذات كاتب السيرة، أو صورة طبق الأصل عن مشاعره وخبراته الشخصية، حتى حين توجد صلة وثيقة بين السيرة وحياة الكاتب الواقعية، يجب ألاّ تفسّر على أنها تعني أن العمل الفني ليس سوى نسخة من الحياة، فكثير من العناصر الواقعية في السيرة يعاد ترتيبها عندما تنتقل الى عمل أدبي، فتفقد كل معناها الشخصي الخاص لتصبح مادّة إنسانية عينية، وعنصراً متكاملاً من عناصر العمل الأدبي.
كثيراً ما ينسى الباحثون في تحليلهم السير الأدبية أنّ العمل الفني بعامة، والأدبي بخاصة ليس هو تجسيداً لتجربة الكاتب وحسب، وإنما هو آخر مرحلة من مراحل إنتاجه. إنه رواية أو مسرحية أو قصيدة محكومة الآن مثلما كانت محكومة منذ الأزل بتراث وعرف أدبيّين. لذلك لابدّ من الفصل بين الكاتب/الشخص، والكاتب/ الفنان في كل عمل أدبي أياًّ كان نوعه وجنسه. وهذا ما تؤكدّه «الشعرية» في نسختها الجديدة، ففي حين كانت الشعرية السائدة في القرن الثامن عشر تنظر إلى اللغة والأشكال والأجناس الأدبية باعتبارها مجرّد «حوامل» أو قوالب» جاهزة تفرغ فيها أفكار الذات وانفعالاتها، جاءت «شعرية» القرن العشرين مع ياكبسون لتثبت أن الذي يحدّد الإبداع ويقولبه ليس الشكل، وإنما «الطاقة الإبداعية» هي التي تخلق الشكل الذي يكون بإمكانه حملها من دون أن ينقص منها أدنى مقدار.
إن الطاقة الإبداعية عند كاتب السيرة التي هي تعبير عن تجربة الذات قولاً وفعلاً، تصطدم في تحقّقها على الورق باللغة التي يعتبرها هايدغر «مسكن الكينونة». فالكلمة كما يرى هذا الأخير هي التي تنشئ الإنسان، وليس الإنسان هو الذي يقول الكلمات، بل هي التي تقول ذاتها من خلال الإنسان. والشيء نفسه يقال عن الإنسان المبدع والإنسان الكاتب. فليس هو الذي يخلق اللغة والعالم، ويبدعهما، بل يقوم بدور الوسيط، إذ من خلاله يتكلّم الوجود.
إن فكرة الكاتب الوسيط التي تبنّاها الكاتب الفرنسي رولان بارت عن هايدغر، وأطلق على أساسها تعبير «موت المؤلف» تقلّل من قيمة السيرة الذاتية كعمل أدبي يتسم بالصدق والحقيقة، من دون أن ينفي عنه أدبيته وجماليّته، طالما أن الكاتب في نظر بارت لم يعد هو الكاتب الذي يقوم بفعل الكتابة، بل أصبح «المستكتب» الذي تملي عليه اللغة ما يكتبه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.