الرمان يعزز الأمن الغذائي في المملكة ب 37 ألف طن    أمطار رعدية وسيول على جازان وعسير    ضبط (21997) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    تجمع تبوك الصحي يطلق مشروعات تطويرية لطب الأسنان    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    «متحف طارق عبدالحكيم» يختتم المخيم الصيفي للأطفال    تراجع أسعار النفط بأكثر من 1% عند التسوية    نيوم يضم المالي "دوكوري"    ماسكيرانو يؤكد جهوزية ميسي لسلسة مباريات إنتر ميامي المهمة    ليفربول يدين الإساءة العنصرية التي تعرض لها سيمنيو    ناشئو أخضر اليد بين كبار العالم.. ضمن أفضل 16 في مونديال مصر    ترامب: أحرزنا تقدما كبيرا في المحادثات مع بوتين    ارتفاع ضحايا الأمطار والسيول في شمال باكستان إلى أكثر من 200 قتيل    الكرملين: انتهاء محادثات بوتين وترامب في ألاسكا    رسمياً .. النصر يعلن تعاقده مع الفرنسي"كومان"    هيئة المياه تطالب بسرعة تحديث البيانات    نونو سانتو: فورست يحتاج لتعزيز صفوفه بصورة عاجلة    إغلاق 84 منشأة في حي منفوحة بالرياض وضبط مخالفات جسيمة    جيسوس يرحب برحيل لاعب النصر    قرار مفاجىء من إنزاغي بشأن البليهي    أمير عسير يستقبل سفير بلجيكا    المملكة تعزي وتواسي باكستان في ضحايا الفيضانات والسيول    تطبيق نظام "حضوري" لضبط دوام منسوبي المدارس في 13 منطقة تعليمية    تكليف الدكتور محمد الغزواني مساعدًا لمدير تعليم الحدود الشمالية للشؤون التعليمية    مستشفى جازان العام وجمعية التغذية العلاجية يحتفيان بأسبوع الرضاعة الطبيعية    الشيخ عبدالله البعيجان: استقبلوا العام الدراسي بالجد والعمل    الشيخ بندر بليلة: احذروا التذمر من الحر فهو اعتراض على قضاء الله    جامعة جازان تعلن نتائج القبول في برامج الدراسات العليا للفترة الثانية    أمين جازان يتفقد مشاريع التدخل الحضري ويشدّد على تسريع الإنجاز    مقصورة السويلم تستضيف المهتم بعلوم النباتات عبدالله البراك"    بيع 3 صقور ب 214 ألف ريال    الاستثمار الأهم    النوم عند المراهقين    المملكة تتوّج بالذهب في الأولمبياد الدولي للمواصفات 2025 بكوريا    محمد بن عبدالرحمن يعزي في وفاة الفريق سلطان المطيري    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظم حلقة نقاش بعنوان: (تمكين الابتكار الرقمي في العمل التوعوي للرئاسة العامة)    نائب أمير جازان يستقبل مدير مكتب تحقيق الرؤية بالإمارة    اليوم الدولي للشباب تحت شعار"شبابُنا أملٌ واعد" بمسرح مركز التنمية الاجتماعية بجازان    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة أبوعريش    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    زراعة أول نظام ذكي عالمي للقوقعة الصناعية بمدينة الملك سعود الطبية    استقرار معدل التضخم في السعودية عند 2.1% خلال شهر يوليو 2025    في إنجاز علمي بحثي.. خرائط جينية جديدة تُعزز دقة التشخيص والعلاج للأمراض الوراثية    حظر لعبة «روبلوكس» في قطر    الصين تطلق إلى الفضاء مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للإنترنت    «البصرية» تطلق «جسور الفن» في 4 دول    الإطاحة ب 13 مخالفاً وإحباط تهريب 293 كجم من القات    الشيباني: نواجه تدخلات خارجية هدفها الفتنة.. أنقرة تتهم تل أبيل بإشعال الفوضى في سوريا    19 % نمواً.. وإنجازات متعاظمة للاستدامة.. 3424 مليار ريال أصول تحت إدارة صندوق الاستثمارات    اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    رئيس الوزراء النيوزيلندي: نتنياهو فقد صوابه وضم غزة أمر مروع.. «الاحتلال» يصادق على الهجوم .. وتحرك دبلوماسي للتهدئة    موسكو تقلل من أهمية التحركات الأوروبية.. زيلينسكي في برلين لبحث القمة الأمريكية – الروسية    تمكين المدرسة من خلال تقليص المستويات الإدارية.. البنيان: 50 مليار ريال حجم الفرص الاستثمارية بقطاع التعليم    انطلاق ملتقى النقد السينمائي في 21 أغسطس    استخراج هاتف من معدة مريض    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الجولاني وترشيق الظاهرة الجهادية
نشر في الحياة يوم 22 - 12 - 2013

نرجح أن تكون المقابلة التلفزيونية التي أجرتها «الجزيرة» مع قائد جبهة النصرة أبو محمد الجولاني قد استرعت انتباه كثيرين. نرجح أيضاً أن تتفاوت درجة الاهتمام بهذا الحديث لدى المطلعين عليه مباشرة أو منقولاً إلى لغة وسائل إعلامية أخرى كالصحافة المكتوبة. ويعود التفاوت هذا، بطبيعة الحال، إلى تفاوت المقاربات الشائعة لظواهر الإسلام السياسي عموماً، وتفاوت أشكال التعويل أو عدم التعويل عليها.
يبقى أن مجرد إطلالة قائد النصرة ومخاطبته لجمهور واسع حدث في حد ذاته ما دام الرجل قائداً لتنظيم إسلامي مقاتل صنفته الإدارة الأميركية منظمة إرهابية، وتبعتها في هذا الموقف أو ما يشابهه دول أخرى. يبقى أن السياق الذي تندرج فيه المقابلة، وإن كان ظرفياً جداً، من شأنه أن يعزز قيمتها الحدثية. فظهور الجولاني على شاشة وسيلة إعلامية معروفة يأتي على خلفية لغط وسلسلة من التصريحات المتضاربة، تأكيداً أو نفياً أو في منزلة بين المنزلتين، حول لقاء مسؤولين في الإدارة الأميركية مع مسؤولين في «الجبهة الإسلامية» التي تضم أبرز الفصائل الإسلامية المقاتلة في سورية ضد قوات النظام والموالين له. ويأتي تصريح الموفد الأميركي والسفير السابق في دمشق روبرت فورد ليزيد اللغط. فهو قال، قبل ثلاثة أيام، إنّ الجبهة الإسلامية هي التي «رفضت الجلوس معنا» وإن الإدارة الأميركية مستعدة للتحادث مع كل الأطراف.
معلوم أيضاً أن الإدارتين الأميركية والبريطانية أعلنتا الأسبوع الماضي عن توقفهما عن تقديم المساعدات غير الفتاكة إلى المعارضة المسلحة خوفاً من وصولها إلى جهات غير مرغوبة، وذلك بعد الهجوم الذي شنّه مقاتلو الجبهة الإسلامية على مراكز ومقار «الجيش السوري الحر» والسيطرة عليها في المنطقة الحدودية مع تركيا. وإذا كانت الخرائط الميدانية القتالية شديدة التعقيد ولا تتطابق مع الهيكليات النظرية التي ترسمها دوائر المعارضة السورية في الخارج، ومعها دوائر دول نافذة، فإن الاضطراب والتشرذم اللذين يسمان المشهد السوري المفجع اليوم يتعاظمان على إيقاع فرز يختصر المواجهة، بالأحرى يختزلها اختزالاً عنيفاً، إلى منازلة بين نظام فئوي شرس وجهاديين يقاتلون كل من يخالفهم. ومثل هذا الوضع لا يترك للمراقب الحر، أياً كان موقعه ورأيه، سوى التفجع من «نكد الدنيا...». ويستفاد من هذا أن الجولاني استشعر، هو وغيره من الرعاة الإقليميين والدوليين، ضرورة تظهير صورة عن مشروعه الإسلامي تكون أكثر رشاقة واعتدالاً. فهو يعلم أنّ ديبلوماسية المصالح، المادية وغير المادية، والتي تصدع بها سياسات الدول النافذة تقتضي قدراً من التعاطي الواقعي (البراغماتي) مما يجعل باب التفاوض مشرعاً. والجولاني يخامره الاعتقاد، غير الخاطئ بالضرورة، بأن تصنيف تنظيمه في عداد المنظمات الإرهابية ليس سوى تقنية تربوية عنيفة تهدف إلى وضع المخالفين داخل «المطهر» في انتظار أن يراجعوا تصوراتهم وممارساتهم للحصول على صفة السويّة المطلوبة. فمن دون هذه المراجعة يصبح صعباً أن تتلاقى وتتصالح المقاربات والتصورات.
مستنداً إلى اعتبارات عملية كهذه أعلن الجولاني رفضه القاطع لنزعة التكفير التي تسم نشاط فصائل إسلامية مقاتلة وبارزة. وهو يسعه أن يعتدّ بموقف لافت لزعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري حين أعلن هذا الأخير قبل أسابيع عن ضرورة عدم تكفير المسيحيين والشيعة. وكانت وسائل الإعلام قد تناقلت قبل ذلك وقائع سجال حاد بين الجولاني وزعيم تنظيم إسلامي آخر هو «داعش» ينسب نفسه وولاءه إلى الجسم السديمي للقاعدة ويستوحي من الفظاعة العراقية نموذجه في المقاتلة الهادفة إلى إبادة الخصم والتنكيل به حتى عندما يتراءى له الخصم الكلي في جنازة أو مجلس عزاء أو في موكب زوّار. وكان الظواهري قد رجح كفة الجولاني على منافسه الداعشي في ما يخص الولاء وربما الحق في التمثيل. يسعى الجولاني إذاً إلى حجز مقعد لتنظيمه في المحادثات التي تنوي الإدارة الأميركية إجراءها في إطار التحضيرات المعقدة لمؤتمر جنيف الشهر المقبل. لكن ما يربحه زعيم جبهة النصرة داخل حقل التنافس المفتوح، والدامي في معظم الأحيان، بين الفصائل الجهادية، أي نيل المكانة القاعدية قد يكون عقبة في طريق أي علاقة مع الغرب عموماً، ومع الإدارة الأميركية خصوصاً. من هنا ضرورة ترشيق الخطاب وتعديل الصورة الشائعة عن الظاهرة الجهادية والتكفيرية.
يتلخص هذا الترشيق، في عرف الجولاني، في رفض التكفير وفي التمسك بمبدأ الشورى وجمع أهل الحل والعقد لإقرار صيغة الحكم المنشود على أساس الشريعة الإسلامية. ويعني هذا أن الترشيق عودة إلى صورة بلاغية صنعها الإسلام السياسي منذ سيد قطب مفادها أن الإسلام هو الحل. الجديد أن الجولاني يدرج هذه المعادلة في إطار النظرية الإسلامية التقليدية عن السلطة والسياسة الشرعيتين. والحال أن آراء الفقهاء المسلمين في هذه المسألة متعددة ولا تخلو من التباين، وإن كان بعضها جرى تكريسه في مختصرات العقائد وتدريسها داخل المراكز الدينية الكبرى. وإذا أضفنا إلى ذلك أن الجسم العلمائي في المجتمعات الإسلامية لم يعرف تنظيماً يتولى حصرياً تعريف وتعيين حدود الشرعية، كما هي حال الكنيسة مثلاً، وأنّ الفقهاء تعاطوا مع الموضوع تبعاً للظروف ونزاعاتها وبقدر كبير من التجريبية، ومن الحس السليم أحياناً، فإنه لا يعود أمامنا سوى استقراء كل حالة على حدة آخذين في الاعتبار السياقات العامة والظرفية لأحكامهم. المشكلة اليوم هي أن مقولة «الإسلام هو الحل» لا تحل أي مشكلة.
فالإسلام هو عنوان هوية عريضة تغطي في الواقع عشرات المجتمعات والثقافات واللغات والأعراق المختلفة ومعها شتى أشكال التنظيم الاجتماعي التي يقتضي استمرارها تأويل الشرعية الدينية تأويلاً يتناسب مع صورتها ومثالها. وهذا الأمر يخترق التاريخ الإسلامي برمته. ويكفي التذكير بأن ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة، وهم من كبار الصحابة ومؤسسي الدعوة ورموز الحقبة الذهبية التأسيسية، قضوا نحبهم قتلاً واغتيالاً باسم شرعية أخرى لم تعدم التذرع بحجج تستند إلى تفسير معين للشريعة وللسياسة الشرعية. وهذا شرح يطول. ما يهم الجولاني هو التركيز على أن مشروعه يستند إلى تصور عن الشرعية التي ينبغي تثبيتها ما دامت شرعية النظام السوري مفقودة أصلاً. الترشيق الجولاني سيبقي صراع الشرعيات مفتوحاً إلى الأبد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.