العين الاماراتي يقصي الهلال من نصف نهائي دوري ابطال آسيا    الرئيس يضع يايسله في حيرة    الصليبي ينهي موسم نجم أبها    «مكافحة المخدرات» تقبض على ثلاثة مروجين    الإسعاف الجوي ينقذ حياة مقيم    نائب أمير منطقة جازان يُدشِّن المؤتمر الدولي الأول ل "طب الأطفال حديثي الولادة"    الوحدة تزيد الرغبة في السكريات    الحميات الغذائية الطبية وسيلة لشفاء القولون العصبي    الاستغناء عن الدواء!    3000 %؜ زيادة الإنفاق على التعليم الأسبوع الماضي    "منتدى الاقتصاد".. اهتمام سعودي بقضايا العالم    وزير الخارجية يستعرض مع "الزياني" العلاقات الوثيقة    الاستعلام عن سجلات الشركات عبر تطبيق «توكلنا»    مقتل عنصر في حزب الله بضربة إسرائيلية    مطالب بتمكين موظفي الحكومة من مزاولة "الأعمال"    قضية "شراء الصمت".. ترمب أفسد انتخابات 2016    "سدوس".. مقصد الرحّالة والمؤرخين على مرِّ العصور    مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوماتية يختتم فعالياته.. اليوم    محافظ الدرعية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية سفراء التراث    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلتقي منسوبي فرع الرئاسة العامة بمنطقة جازان    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزور جامعة جازان ويقدم محاضرة عن "جهود المملكة العربية السعودية في حماية الجيل من الانحرافات"    100 مليون ريال لتطوير السقيا بالحرم    بريطانيا تتمسك بترحيل اللاجئين ومنظمات حقوقية تعارض خططها    الفصول تتحول إلى مخيمات للحوثيين    300 موهوب بنهائي أولمبياد "أذكى"    غدا.. يوم حافل للطيران بتوسعة وافتتاح مطارين في الأحساء والرس    أمير الرياض يرعى غدًا حفل جائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية    السعودية تدين استمرار جرائم قوات الاحتلال في غزة دون رادع    4 ميداليات لجامعة نورة    العثور على 300 جثة في مقبرتين جماعيتين بغزة    معرض برنامج آمن يجذب أطفال المنطقة الشرقية عبر فعاليات توعوية المتنوعة    القصاص من مواطن قتل أخته    الذهب لأدنى مستوى.. انحسار توترات الشرق الأوسط والأسهم تواصل مكاسبها    الفريق البسامي يستعرض الخطط الأمنية لقوات أمن الحج    ذوو الإعاقة يطالبون بمزايا وظيفية وتقاعد مبكر    تركيب نصف مفصل فخذ صناعي لسبعيني في مستشفى الملك خالد بالخرج    أمير حائل يستقبل مدير فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالمنطقة    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    تشكيل الهلال المتوقع أمام العين الإماراتي    محافظ الأحساء يستقبل قائد لواء الملك عبدالعزيز بالحرس الوطني المعين    كريسبو يتحدث عن غياب بونو وميتروفيتش    غدًا الأربعاء .. افتتاح مطار غرب القصيم بمحافظة الرس    المجمع الفقهي يوصي بتمكين المرأة بالتعليم    سمو وزير الدفاع يتلقى اتصالا من وزير الدفاع البريطاني    نائب رئيس مجلس الشورى يلتقي النائب الأول لرئيس البرلمان اليوناني    مارتينيز سعيد بالتتويج بلقب الدوري الإيطالي في قمة ميلانو    ارتفاع في درجات الحرارة على منطقتي مكة والمدينة وفرصة لهطول أمطار بالجنوب    الإعلام والنمطية    دور السعودية في مساندة الدول العربية ونصرة الدين الإسلامي    إنقاذ الشعاب المرجانية    أمير حائل لمدير قطاع الحرف: أين تراث ومنتوجات حائل؟    مساجد المملكة تذكر بنعمة الأمن واجتماع الكلمة    شعوب الخليج.. مشتركات وتعايش    العين بين أهله.. فماذا دهاكم؟    حاجز الردع النفسي    أمانة المدينة تطلق الحركة المرورية في طريق سلطانة مع تقاطعي الأمير عبدالمجيد وخالد بن الوليد    الزائر السري    أمير الرياض يرعى حفل تخريج دفعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة الفيصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«حياة أقلّ من عاديّة» لبيبي هلدر ... بين كشمير ودلهي
نشر في الحياة يوم 26 - 11 - 2013

تعبّر البنغاليّة بيبي هلدر في روايتها «حياة أقلّ من عاديّة» (ترجمة صخر الحاج حسين، دار قدمس، دمشق) عن معاناة المرأة البنغاليّة في كثير من الأماكن التي تعمل فيها، وصراعها لإثبات ذاتها في واقع تتعرّض فيه للعنف والقمع والقهر والتهميش، انطلاقاً من ضواحي كشمير إلى المدن المجاورة التي تناثر فيها البنغاليّون وصولاً إلى دلهي.
تتحدّث هلدر عن حياتها مازجة بين ضمير الغائب والمتكلّم، واصفة الحياة العادية التي تنشدها، والتي تتمثّل في تلبية الحاجات الضروريّة اللازمة للمعيشة من مأوى وملبس وغذاء وشراب، وكيف أنّ تلك الحاجات تصبح أحلاماً بعيدة المنال في مجتمعات القهر والجوع والفقر، بحيث أنّ ما يكون من حقّ الإنسان الطبيعيّ يحتاج إلى جهود كثيرة ومجازفات كي يفلح في تحقيقها، وبذلك يكون قد استغرق الكثير من الوقت والجهد، وبدّد الطاقة في سبيل ما يجب أن يكون مؤمّناً له بحكم الحقّ الفطريّ لا المكتسب. وفي مثل هذه الحالات يجد المرء نفسه أمام معادلة قاسية، إمّا أن يتحلّى بالقسوة لينتزع حقوقه من براثن غيلان الواقع أو يترك على قارعة الجوع والفقر نهباً لألسنة الناس وقدحهم المتجدّد.
حياة بيبي هلدر التي تصفها بأنّها أقلّ من عادية، تكون مفعمة بالصراع في سبيل تحصيل أبسط الحقوق، لقمة الخبز تستعصى على التحصيل، في ظلّ واقع قاهر وظروف مؤسفة، وتحتاج مع ذلك إلى مكابدة ومجاهدة في سبيل الارتقاء بمعيشتها وحياتها لتبلغ المستوى العادي الذي يمكن أن تنطلق منه نحو الآفاق، أو نحو الآخر، بشيء من التواصل أو التعامل، كي لا تكون غارقة في مستنقع القاع بعيداً من الاهتمام، وينظَر إليها على أنّها عالة أو «وباء» ينبغي الاحتراس منه أو الابتعاد منه.
تحكي الكاتبة عن حياتها في أسرة مكوّنة من بضعة أفراد، يتعامل الأب بطريقة قاسية مع زوجته، يعنّفها بطريقة وحشيّة، لا يلبّي لها طلباتها ولوازم البيت، يغيب أيّاماً من دون أيّ تبرير ثمّ يعود إلى تقريعها وتعنيفها، تتحمّل الزوجة كلّ ذلك في سبيل أبنائها، لكنّها تصل إلى درجة تفقد فيها السيطرة على نفسها وتفقد صبرها وتحمّلها، فتغادر البيت، تحمل معها ابنها الصغير فقط، وتترك الباقين في البيت تحت رحمة الأب الظالم. تكون بيبي الابنة الثانية للأمّ الهاربة، تشهد حادثة هروب أمّها، وتعاني بعدها الويلات، تتعرّض لظلم زوجة الأب، ثمّ تكون الطامة الكبرى في تزويجها قبل أن تكمل الثالثة عشرة من عمرها.
تصبح بيبي الطفلة المتزوّجة مسؤولة عن بيت وزوج، تجد صعوبة في التكيّف مع حالتها الجديدة، تشتاق إلى أن تعيش حياتها الطبيعيّة كطفلة تلعب مع أقرانها وتتسلّى برفقتهم، لكنّها تُحرَم من ذلك كلّه، فضلاً عن تعرّضها للإهانة الدائمة والضرب المتكرّر من زوجها اللامبالي، وكأنّها تستعيد صورة أمّها وحياتها البائسة. تتحمّل بيبي الضغوط الفظيعة التي يمارسها زوجها عليها، لا لشيء إلا لأنّها لا تجد متنفّساً آخر تلوذ إليه، فبيت أبيها متوتّر دائماً ويشهد مشاحنات مستمرّة بين أبيها وزوجته، كما أنّها تحاول تحدّي الظلم الذي يُلحقه بها زوجها، وتقرّر رسم حياتها واختيار مصيرها بنفسها، وذلك بعد بضع سنوات من المعاناة والقهر والتعنيف.
كأنّما تصبح بيبي نسخة عن أمّها تستعيد سيرتها وتدور في الحلقة المفرغة نفسها، الحلقة التي تشهد فيها صنوف العذاب بسبب ودون سبب، دون أن يحقّ لها الاعتراض أو المناقشة، فتكون ثورتها التالية بالانقلاب على حياتها والسعي إلى حياة أفضل، مع إدراكها مشقّات المحاولة في مجتمع يحرم المرأة من أبسط حقوقها ويتّهمها ويدينها بشكل دائم دون أيّة محاكمة أو مناقشة.
تنتقل بيبي هلدر بحياتها من العتمة إلى النور من خلال القراءة والكتابة، وذلك بعد أن تنتقل بأطفالها الثلاثة إلى دلهي لتخدم في البيوت وتعتمد على نفسها بعيداً من عذاباتها مع زوج متوحّش لا يكترث لها. وفي مسعاها تنتكب هلدر أكثر من مرّة لكنها تصمد وتكابر على جراحها لتمضي في رحلتها نحو حياة عادية، تخدم في أحد البيوت، وهناك أيضاً تتعرّض لتعنيف لفظيّ لا يهدأ علاوة على إنهاكها وإرهاقها بالأعمال والطلبات، دون أن يكون من حقّها الاحتجاج على أيّ شيء أو المطالبة بشيء. تحمّل مِنّة أنّه أواها مع أبنائها، وهذا ما يكون نقطة استغلال لها، ويدفعها إلى المصابرة لحين الاستدلال إلى عمل آخر أو طريق آخر.
بعد صدمات عدّة تعمل بيبي لدى أسرة تحترمها، تؤمّن لها ولأولادها المسكن، وتعاملها كإنسان من دون أيّ انتقاص أو تحقير، ويكون صاحب البيت مثقّفاً يرشدها إلى القراءة والكتابة ويلحّ عليها بذلك، يجد لديها تجربة مختلفة يمكن أن ترويها وتنقل من خلالها معاناتها ومعاناة قريناتها من بنات جلدتها.
أعطاها كتاب تسليمة نسرين، وحدّثها عن الكاتبة أشابورنا ديفي التي تكتب بعد أن تنهي أعباءها المنزلية وهي تخدم في البيوت.
الرجل الذي تعمل في بيته يغدو المعلّم المرشد، يمسك بيدها، يقدّم لها المساعدة الممكنة، ينتشلها من واقع الفقر والحاجة والتشرّد، يحترم إنسانيّتها وأمومتها ومكافحتها لإثبات ذاتها وتربية أطفالها. يطلب منها أن تكتب، يفرض عليها ذلك بنوع من التعامل الأبويّ، يوجب عليها القراءة والكتابة كواجب لا بدّ منه، يجد فيها مشروع كاتبة، يطلب من أصدقائه مساعدتها والأخذ بيدها. يقال لبيبي إنّه ليس من الميسور كتابة النوع الذي تكتبه من الكتابات، وإنّه ليس لدى كلّ الناس المقدرة والمهارة لينقّبوا في العديد من الذكريات المشتّتة وتقديمها بتلك البساطة وذلك الإحساس.
ويطلب منها ألا تتوقّف أبداً عن الكتابة لأنّ الكتابة تمنح حياتها معنى وقيمة. وأنّها إذا بقيت على دأبها ومثابرتها فستتمكّن من التطرّق إلى كثير من الموضوعات والقضايا الأخرى مثل اضطهاد النساء ومصاعب حيَواتهنّ.
شكّلت الكتابة جسر بيبي هلدر للعبور إلى الحياة العاديّة من تلك الحياة التي كانت تعانيها، والموصوفة بأنّها أقلّ من عادية، كما كانت فرصتها لتنتقل من عتمة العنف والجهل والفقر إلى نور الواقع بعيداً من الازدراء والتهميش. وتستدلّ إلى حكمة حياتيّة تضعها شعاراً لنفسها وأبنائها وهي أنّ أيّ رجل أو امرأة يجب أن يعتني بنفسه، وأن يكون مكتفياً مادّيّاً كي يستطيع تحقيق طموحاته وأحلامه وبلورة خصوصيّة لائقة به، وكي لا تضيع حياته سدى في عتمة البحث عن سبل للمعيشة، أو أن تبدّد في تيهها ووصفها بأنّها حياة أقلّ من عاديّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.