مرّ 28 آذار (مارس) الماضي يوماً عادياً في حياة السعوديين، من دون تفاصيل تُذكر إلا من مباراة المنتخب السعودي مع نظيره الإيراني في رحلة «لم يكتب لها النجاح» بعد، في الوقت الذي أغلق مئات الملايين من البشر في 88 دولة «أنوار الإضاءة»، في منازلهم ومكاتبهم مدة ساعة، تضامناً مع الأرض ورحمةً بها من الاحتباس الحراري في «ساعة الأرض». امتد التضامن البشري مع الأرض لساعةٍ مسائية «من8:30 حتى9:30» مساءً، بالتوقيت المحلي للدول المشاركة، لكن السعودية كانت بقعةً من الأرض مرت عليها الساعة ذاتها بأنوارٍ مضاءة، وأصوات التلفاز ترتفع بأصوات المعلقين من كل لهجة في مشهدٍ متوترٍٍ، وحتماً سيزداد توتراً حد الجنون لو انقطعت الكهرباء، عدا أن يقطعها السعوديون من تلقاء أنفسهم في تلك الساعة الكروية. جاء رمضان هذا العام بنكهة صيفيةٍ ساخنة، وأجندةٍ تمتلئ أسواقاً مكيفة ومسلسلاتٍ من كل لون، لكن الانقطاع الكهربائي المتكرر، من المولدات الكهربائية الهرمة، دخل بنداً مربكاً على الأجندة الاجتماعية السعودية. وعلى رغم روتينية الحدث كل صيف، إلا أن صيف هذا العام كان رمضانياً، وحتماً فالحسابات ستختلف. مع حالة الانقطاع، عاد مشهد مارس المتوتر إلى الظهور، مقروناً بلقطات العيون «الزائغة» التي لم تنم عطشاً وإرهاقاً من حرارة الجو، ومذكراً ب«ساعة الأرض» التي لم يفكر السعوديون في التضامن معها، على الأقل حتى تكتسب أجسادهم لياقة التعامل مع حدث مثل هذا. «رمضان بلا كهرباء»، سيناريو لا يمكن تخيله ومهندسو «كود البناء السعودي» لم يضعوا على أوراق تصاميم المباني فكرة «روشان حجازي» على النوافذ، ولا «بادجين» شرقاوي (برج الهواء) على الأسطح، يدخل معها الهواء نسناساً طبيعياً صحياً بارداً. حتى «الفانوس» بإنارته الهادئة، وعبقه الرمضاني، صار تقليداً «صينياً» مصنوعاً من «البلاستيك»، يشتريه الآباء لأبنائهم، وبحاجةٍ إلى بطارياتٍ كهربائية، لا تعرف رائحة «الكيروسين»، الذي تغلغل أزماناً في أركان المنازل القديمة، وغدا اليوم جزءاً من الماضي. أثبتت المباني السعودية الحالية حال الثقافة الجمعية التقليدية التي يعيشها السعوديون. المباني غدت نسخاً من بعضها، وقصة الانتقال الاجتماعي نحو الحضارة العمرانية المدنية، التي عرفت الأسمنت والحديد وواجهات الزجاج، تناست المناخ السعودي الحار الجاف صيفاً، البارد شتاءً، كما يحفظه السعوديون «عن ظهر قلبٍ» من كتب الجغرافيا المدرسية، في عملية «قصٍ» و«لصقٍ» كسولةٍ من مباني شيكاغو ولندن، من دون أن يتساءل أحدهم «لماذا نبني منازلنا على هذه الطريقة؟». بين الماضي والحاضر، تجلس «الجدة» محاطةً بأحفادها تحكي لهم قصص الأجداد، ويتداخل «الجد» راوياً قصيدة شعرية يكررها - ربما- بشكل يومي، ولا يملها الأبناء، فيما تكاد أجساد أطفال اليوم تتشنج عند انقطاع البث الفضائي «لسوء الإشارة»، بانتظار حلقةٍ جديدةٍ من خرافات «قناة شباب المستقبل». يتقمص السعوديون عاداتهم حد التدين، فمكبرات الصوت التي أعطت رمضانهم أيقونةً صوتيةً مميزةً ستختفي في حال انقطاع الكهرباء، وعندها لن تحتاج وزارة الشؤون الإسلامية إلى استصدار «فرمانات» ترجوهم أن يراعوا «ولا تجهر بصلاتك». وفي الشارع الخالي من الكهرباء، سيلجأ المتسوّقون والباعة على حدٍ سواء إلى فتح محالهم فجراً، وقضاء حاجاتهم قبل غروب الشمس، وستسكن حركة الضوضاء مساءً. ومرة أخرى، لن يكون وزير العمل السعودي غازي القصيبي وطاقمه بحاجة إلى لجانٍ تفكر في كيف يمكن هندسة سوق العمل، لتتماشى مع النمط المعيشي الاجتماعي السعودي. المشهد بكل تفاصيله هوليوديٌ خياليٌ، يصعب تصوره على جيلٍ كامل، جاء إلى الدنيا تحت إضاءة كبيرة في غرف جراحات المستشفيات، ويموت مع «روماتيزم» العظام من برودة مكيفات التبريد. حياةٌ بأكملها تتوقف على «الإضاءة» و«التبريد». وفي 27 مارس المقبل، هل يمرّن السعوديون أجسادهم مع العالم في «ساعة الأرض»، أم ينتظرون «فتحاً» علمياً كهربائياً يعزلهم عن حرارة الصيف، ويسمح لهم بمشاهدة منتخبهم في جنوب أفريقيا، «إن تأهل»؟