محمد بن عبدالرحمن يستقبل نائب أمير جازان وسفير عمان    تشغيل 10 مشاريع طاقة متجددة خلال عام    الأسواق السعودية بين مكاسب النفط وضغوط التضخم    1.19 تريليون حجم استثمارات المصانع    تناقضات سوق النفط.. شحّ أم فائض في المعروض؟    أمير جازان يفتتح مبنى "الموارد البشرية"    الرئيس الأميركي يعد كييف بمنظومات «باتريوت» ويلمح لمعاقبة موسكو    اليوسف يدعو لتفعيل اللجنة العليا اللبنانية - الكويتية    مونديال الأندية.. بالمر يهدي تشلسي اللقب الكبير    السوبر.. هذه النتيجة!    القيادة تهنئ الرئيس الفرنسي بذكرى اليوم الوطني    مطالبات شورية باستقطاب رؤوس الأموال السعودية في الخارج    جمعية تأهيل.. صرحٌ إنساني تتوهج فيه الإرادة ويتجسد التميز    تقرير أعمال الهلال الأحمر على طاولة سعود بن نايف    «المتاحف» بالتعاون مع «التراث» تدعو الباحثين للمشاركة في مؤتمر البحر الأحمر    بأمر وزير الدفاع.. إجراء عملية قلب نادرة لطفلة سودانية    187 ألف مستفيد من الخدمات الشاملة بالمسجد النبوي    جمعية "أصدقاء" تحتفي بتخرج أبناء اللاعبين السابقين    الاتفاق يطير بموهبة إفريقيا    مذكرة تفاهم للتعاون القضائي بين السعودية والمجر    تحتضن "دوم الرياضة للجميع" بطولة المنطقة الشرقية 2025 تحت اشراف الاتحاد السعودي للهوكي    المملكة تؤكد دعمها للجهود الرامية لتعزيز التعاون الدولي في الفضاء السيبراني    51 شهيدًا و143 مصابًا في قصف إسرائيلي على غزة    مفردات من قلب الجنوب ٣    رواد التأثير والسيرة الحسنة    تجمع القصيم الصحي يُطلق خدمة النقل الطبي غير الطارئ لمستفيدي الرعاية الصحية المنزلية    اعتدال و تليجرام يكافحان التطرف الرقمي بإزالة 30 مليون مادة متطرفة    تعامد الشمس على الكعبة المشرفة غدا الثلاثاء    «العدل» تنهي خدمات بعض موظفي فريق جاك سميث ترامب يطارد رجال استخبارات سربوا معلومات سرية عنه    "تقويم التعليم": بدء التسجيل لاختبار القدرة المعرفية    مركز المصالحة يعزز ثقافة التسوية الودية    القبض على 21 مهرباً ومروجاً في عسير وجازان    11 لاعباً سعودياً يشاركون في بطولة العالم للبلياردو بجدة    بعد انتهاء أزمة «الغواصات».. استئناف التعاون الدفاعي بين فرنسا وأستراليا    عرض«روكي الغلابة» 30 يوليو    خطة أمريكية لحل الأزمة الليبية    توثيق دولي جديد.. السعودية الأولى في نمو إيرادات السياح الدوليين    تدشين الخطة الإستراتيجية "المطورة" لرابطة العالم الإسلامي    لتعريف الزوار ب«الأثرية».. جولات إثرائية لإبراز المواقع التاريخية بمكة    المحتوى الهادم.. يبدأ بحجة حرية التعبير وينتهي بضياع القيم    عن الطائف وحولها يتعانق الفكروالقلم يدندنان معاً «1»    فريق VK Gaming بطلاً لمنافسات لعبة Apex Legends بكأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    ترجمة مسرحية سعودية للغتين    100 مليون مشاهدة في يوم    الكركديه من مشروب تراثي إلى ترند في مقاهي جدة    القهوة تقلل خطر الإمساك    مسارات صحية تحذيرية تؤدي إلى الخرف    «جامعة نايف الأمنية» تحصد اعتماداً فرنسياً في عدة برامج    «إثراء» يمتّع الصغار بفعاليات متنوعة.. وحرارة الطقس تزيد الإقبال على «المولات»    أمير الشرقية يستقبل سفير جورجيا    فيصل بن مشعل يتسلّم تقرير مزادات الإبل وفعاليات يوم التأسيس في ضرية    فرنسا تعتمد برامج جامعة نايف    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق عددا من الفعاليات عن الحرف اليدوية    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - هنري ثورو: حق الفرد والخيبة من دولة خذلت تاريخها
نشر في الحياة يوم 13 - 09 - 2009

أواسط القرن التاسع عشر، كان الكاتب والفيلسوف الأميركي هنري دافيد ثورو في السجن ينفذ عقوبة صدرت في حقه. حدث يومها ان زاره صديقه وأستاذه الشاعر الكبير اميرسون. وما ان التقيا عبر القضبان حتى صرخ هذا الأخير بالكاتب السجين: «هنري... ماذا تصنع هنا خلف القضبان؟» فكان جواب ثورو سؤالاً طرحه بدوره على صديقه، ولكن في لهجة أكثر استنكاراً: «بل أنت يا والدو... ما الذي تصنعه خارج القضبان؟». ولم يكن ذلك الحوار بين الاثنين عبثياً أو كافكاوياً، لأن ثورو كان يقصد بالتحديد ان يذكّر صديقه وأستاذه بأنه، أي أميرسون و «كل فرد آخر ممن يؤمنون بحقوق الإنسان الطبيعية وفي حريته الفردية، لا يجوز له ان يستسلم لدولة تجنح من طريق الصواب كما يمليه الضمير الحر، وان أدى به عصيانه الى السجن»، بحسب تفسير الدكتور زكي نجيب محمود في دراسة له عن «هنري دافيد ثورو والفردية المتطرفة». ولئن كان مفكرنا العربي أصاب في تفسيره الحوار بين أميرسون وثورو، فإنه لم يكن دقيقاً في العنوان الذي أعطاه لدراسته. إذ صحيح ان ثورو كان يدعو الى الفردية... ولكن ليس الى فردية متطرفة، هو الذي كان لسان حاله يقول دائماً ان «الحياة الطليقة في ظل حكومة ظالمة هي السجن بعينه لمن ينشد في الحياة عدلاً».
في كتاباته كلها، خصوصاً في نصه الأشهر، والذي كان ذا تأثير كبير على الكثير من الحركات الاحتجاجية في القرن التاسع عشر، «مقالة عن العصيان المدني»، لم يكن ثورو يدعو الى أية فردية مطلقة بل الى ثورة من دون عنف، وإلى عدالة اجتماعية من دون ضغوط. وهو في هذا الاطار كتب في واحد من فصول «مقالة عن العصيان المدني» يقول: «ان القول بأن الفرد خلق ليعيش في مجتمع، أكذوبة كبرى، والعكس هو الأقرب الى الصواب، فقد خلق المجتمع من أجل الفرد(...) ان الناس يريدون ان يحتفظوا بما يسمونه سلامة المجتمع بأعمال العنف كل يوم. فانظر الى الشرطة وما تحمل من عصيّ وما تعده للناس من أغلال. انظر الى السجون والمقاصل (...) اننا نعطي الحكم للأكثرية لا لأنها أحكم، بل لأنها أقوى».
ازاء مثل هذه الآراء الواضحة هل سيكون غريباً ان نرى المهاتما غاندي، محرر الهند في القرن العشرين، يصرح دائماً وعلناً بأن أفكار هنري دافيد ثورو شكلت مكوناً أساسياً من مكوناته الفكرية؟ غير أن غاندي لم يكن الوحيد الذي «أعاد اكتشاف» ثورو في القرن العشرين، ذلك ان أنصار البيئة المتكاثرين عدداً وقوة خلال النصف الثاني من القرن المنصرم تبنوا أفكار ثورو الطبيعية المبكرة، عرفوا ذلك أم لم يعرفوه. ففي كتابين له على الأقل، وهما «والدن... أو الحياة في الغابات» (1849) و «غابات مين» (1864) أشار ثورو الى الطريق القادرة على انقاذ البشرية: الطريق الى أحضان الطبيعة وأسلوب الحفاظ على البيئة. لقد كان هذان الكتابان من أهم ما كتب ثورو، غير ان ما يهمنا هنا انما هو كتابه عن «العصيان المدني».
هذا الكتاب الذي وضعه ثورو ونشره عام 1849، كان عنوانه في الأصل «مقاومة الحكومة المدنية» لكنه سرعان ما بدّل عنوانه بسبب ما فيه من التباس، كما قال لاحقاً. والموضوعة الأساسية في الكتاب هي «حق الفرد في الخروج على الدولة»... ولكن ليس أي دولة ولا كل دولة بالطبع. وهذا الأمر توضحه طبعاً، ظروف وضع الكتاب، في شكل بيان سياسي آني. فالواقع ان ثورو كتب هذا النص بعد أن رأى أمته التي كان يؤمن بقيمها كثيراً، ويؤمن بأفكار مؤسسيها الإنسانية «تنحرف عن العدالة والحق» كما يراهما، وذلك «في حرب المكسيك، وفي مسألة العبيد، وفي معاملة الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين». أولاً، إزاء هذه القضايا قرر ثورو ان من حقه ألا يدفع الضرائب الى الحكومة، معلناً، بذلك احتجاجه، فكان أن سجن. وحين تقدم عدد من أصدقائه ودفعوا الضريبة عنه، أطلق سراحه. غير ان هذا لم يمنع السؤال الأساسي من أن يظل قائماً في نظره: هل للفرد حق الامتناع عن دفع ضرائبه الى الحكومة إن هو وجدها انحرفت عن الحق والعدالة؟ وللإجابة على هذا السؤال، كان الكتاب.
رأى ثورو في كتابه ان للفرد هذا الحق «لأنه منضو تحت سلطة الدولة (أو بالأحرى: الحكومة) باختياره، وتبعاً لشروط تعاقدية معينة»، لذلك فإنه «وباختياره، وكردٍّ على اخلال الدولة بتلك الشروط، يمكنه الانشقاق عنها والخروج عليها». بل ان ثورو رأى ان ذلك ليس من حق الفرد فقط، بل من واجبه أيضاً. والى هذا قال ثورو في صفحات كتابه، على سبيل الاستنتاج ان «أفضل الحكومات هي حكومة لا تحكم على الاطلاق. وهذه الحكومة هي التي ستكون حكومة الناس في المستقبل، شرط أن يعدّ الناس أنفسهم لها». أما الدولة الحرة المستنيرة فإنها «لن تقوم، بمعناها الصحيح، إلا إذا اعترفت هذه الدولة بأن الفرد قوة عليا مستقلة في ذاتها، تستمد منه كل ما لها من قوة وسلطان». وإذ يصل ثورو الى هذا الحد من تفكيره يتساءل: «أليس من الجائز أن يصيب الفرد وتخطئ الحكومة؟ هل يجب ان نفرض القوانين على الناس فرضاً، لا لشيء إلا لأنها صيغت على هذا النحو، ولأن نفراً من الناس قد قرر انها على صواب؟ هل ثمة ما يحتم على الفرد أن يكون أداة تنفذ عملاً لا يوافق عليه؟» ويخلص ثورو موجها كلامه الى المجتمعات قائلاً: «لا يتعيّن ان تعلموا الناشئة احترام القانون بقدر ما ينبغي ان تعلموهم احترام الحق. ان النتيجة الحتمية لاحترام القانون بغير موجب، هي ان نرى هذه الصفوف من الضباط والجنود تسير في نظام عجيب فوق السهل والجبل، الى حومات القتال على رغم ارادتهم. نعم وعلى رغم ادراكهم الفطري السليم، وعلى رغم ما تمليه عليهم ضمائرهم... وذلك يجعل سيرهم هذا شاقاً عسيراً، أشد ما يكون العسر والشقاء... انه سير تلهث منه القلوب».
ولد هنري دافيد ثورو عام 1817 في مدينة كونكورد في ولاية ماساشوستس الأميركية. ومنذ شبابه صار تلميذاً لوالدو اميرسون وصديقاً له. وهو عرّف نفسه ذات يوم بأنه «متصوف، تجاوزي وفيلسوف طبيعة من قمة رأسي الى أخمص قدمي». وهو على غرار غيره من المؤلفين الأميركيين تنقل بين مهن عدة، على رغم انه لم يعش سوى 45 عاماً، قضى معظمها نزيل الغابات في أحضان الطبيعة يعيش منفرداً مهتماً بدراسة النباتات والحيوانات، وهو ما عبر عنه في معظم كتبه. غير انه قبل ذلك، ومنذ عام 1843، كان شديد الاحتجاج على حرب المكسيك الظالمة وعلى سوء معاملة العبيد وإفناء الهنود الحمر... ما أدى الى سجنه. ولم يكن من الصدفة ان يكون الكتّاب الانكليز، لا الأميركيون، أفضل وأول من اكتشف فلسفة ثورو. أما أعماله، لا سيما يومياته (14 مجلداً) وكتاباته المختارة فلم تنشر على نطاق واسع إلا مع بداية القرن العشرين، أي أربعين سنة بعد موته عام 1862.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.