قال المؤرخ والكاتب الليبي خليفة التليسي إن ما لاحظه خلال متابعته الأعمال العلمية للإيطاليين أنهم فصلوا ودرسوا وأرّخوا لكل شيء، وتابعوا الأحداث والوقائع متابعة تامة. وأشار إلى أن أكثر ما يؤلمه "ألا أجد لدى الكثير من الشباب والأجيال الناشئة سوى صورة ضبابية غائمة وموشحه بالخطابية ومملوءة بسحر الكلمات عن الجهاد الليبي الطويل، ثم ألتفت إلى المصادر الإيطالية فأجدها وثّقت لحروبها في ليبيا، وسجّلتها تسجيلاً تاريخياً يعتمد أسلوب المعاجم والموسوعات أو التسلسل والتتابع الزمني أو العرض والسرد التاريخي العام". ويضم كتاب "معجم معارك الجهاد في ليبيا" الذي نهج فيه التليسي نهج المعجم المرتّب ترتيباً أبجدياً للمدن الليبية، غالبية أو كل ما تمّ حصره وتسجيله من معارك ووقائع حربية منذ بداية الغزو الايطالي لليبيا عام 1911 حتى نهاية المقاومة سنة 1931. وحرص المؤلف على إيراد المعارك والوقائع التي تم رصدها على رغم تفاوتها من حيث الأهمية والضخامة، كما هو الأمر لأي عمل حربي، على أنه من الواضح أن معظم المعارك الكبرى وقعت في المرحلة الأولى من الغزو في طرابلس وسائر المدن الساحلية، ثم تتابعت بعد ذلك واختلفت من حيث المستوى. ولعل من أبرز هذه المعارك تلك التي وقعت في جبهة درنة والجبل الأخضر بعد إبرام الصلح، ثم المعارك التي جرت ضد حملة "مياني" على فزان، وقيام الثورة في الجنوب ضد الإيطاليين ونشوب معركة وادي مرسيط ومعركة القرضابية التي تعتبر من أعظم المعارك من حيث النتائج التاريخية التي ترتبت عليها، ثم المعارك التالية في طرابلس الغرب وبرقة، ومن أشهرها تلك التي جرت في المرحلة الأخيرة التي سماها الايطاليون مرحلة الاسترداد . وتختلف أسماء المعارك بين المصادر الوطنية والأجنبية، وهو أمر نبّه إليه الكاتب قدر الإمكان. فالقرضابية مثلاً تُعرف في المصادر الايطالية باسم معركة قصر أبي هادي، ومعركة سواني عبدالغني أو معركة النخلتين في بنغازي تُعرف لدى المصادر الوطنية باسم الهواري، كما ورد في الكتاب. ولا يغيّر هذا الإختلاف شيئاً من حقيقة المعارك وتاريخها، ولا يتصل إلا بمعارك محدودة، أما معظمها فتتفق تسمية مواقعها لدى الطرفين. ويجعل الإعتماد على المصادر الأجنبية في هذه الوقائع التاريخية التي يُفترض أنها معادية وتسعى للتقليل من شأن الجهاد، المعارك بعيدة من التهويل والمبالغة، ويُضفي عليها صفة الواقعية والحياد قدر الإمكان . ويُلاحظ أن المؤلف ركّز في هذا العمل على المعارك والوقائع الحربية، ولم ينصرف إلى سرد الزعامات والشخصيات التي لو وُجدت لأضفت صبغة السير الذاتية على هذا المعجم التاريخي. والملاحظ من خلال مجريات السرد أن غالبية المعارك دارت حول الأودية والآبار والقصور والأولياء، وذلك أمر واضح في دلالته الحربية على اعتبار الأهمية التي تمثلها السيطرة على مصادر المياه في الحرب أو التحكم في المرتفعات أثناء احتدام المعارك، وما تمثله هذه التضاريس والمباني من رافد نفسي للمجاهدين. ولا يمكن القول إن هذا الكتاب شمل تلك الفترة المهمة من التاريخ الليبي بتفاصيلها كافة، على اعتبار أن ذلك أمر يصعب تحقيقه لتلك الفترة الخصبة بالمعلومات للمؤرخين والكُتّاب عامة، وإنه لم يخل من النواقص والعيوب، لكن القارئ سيلاحظ المجهود المضني من البحث والاستقصاء والتلخيص والتحقيق والترتيب الذي قام به المؤلف على مدى خمس سنوات. الهدف من الكتاب كما يقول كاتبه، إتاحة المجال وتعبيد الطريق لكتب أوفى وأكمل تحيط بالموضوع من جميع جوانبه، وتقدّم المعلومة- أو القليل منها- إلى للقارئ الليبي العادي الذي يسعى لمعرفة تفاصيل فترة كانت من أهم فترات التاريخ الليبي في المجمل.