خطأ في سِجلِّه الجامعي كاد يقضي على مستقبله العلمي. فبعد أن حصل محمد السيد شحاتة جاد الله (هو اسمه كاملاً) على مِنحة دراسية من جامعة «ماك ماستر» الكندية (هاملتون– أونتاريو) فوجئ بابلاغه بأن ملفه الدراسي في جامعة القاهرة التي نال فيها ماجستير الهندسة الميكانيكية عام 1974، عائد إلى السيد محمد شحاتة من دون ذكر اسم العائلة: جاد الله. وكاد هذا الأمر أن يلغي قبوله لمتابعة الدكتوراه لولا تدخل أستاذه المُشرِف، الذي وافق الأستاذ على العمل مع جاد الله في أطروحة الدكتوراه ريثما تنتهي إجراءات تصحيح الملف في جامعة القاهرة. وبعد حصول العالِم الكندي- المصري جادالله (مولود عام 1950) على الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية عام 1980، ركز اهتماماته على «البحوث المتعلقة بالتصميمات الميكانيكية، وإيجاد الحلول لمشاكل الآلات الصناعية وتطويرها وتحسين مردودها الإنتاجي، والاعتماد على طريقة استخدام الحلول العددية باستخدام الكومبيوتر للمشاكل الهندسية غير التقليدية (تُسمى تقنياً «مشاكل خطية»)، بمعنى أن تفاعلها مع الحدث لا يكون متناسباً مع الحدث نفسه». على خطى الفراعنة بدأ جاد الله بكتابة برنامج كومبيوتر مستخدماً طريقة حديثة لحلول هذه المشاكل تسمى «طريقة العناصر المحدودة» التي انتشرت بعد بدء استخدام الكومبيوتر في حلول المشاكل الهندسية، فعلى رغم جدتها، أكد جاد الله أنها كانت «معروفة منذ عهود قدماء المصريين الذين استخدموها لحساب مساحة الدائرة بتقسيمها إلى مثلثات عدة تتلاقى رؤوسها في مركز الدائرة. وبمعرفة مساحة المثلث، تمكنوا من إيجاد معادلة لمساحة الدائرة وحساب العنصر الرياضي «ط» أو π، مع ملاحظة أن المعادلة التي تصف مساحة الدائرة هي: مربع الشعاع مضروباً في العنصر π. بعد ذلك، أخذ جاد الله يطبق المقاربة نفسها في مجالات مختلفة. «طبقت هذه المقاربة في دراسة التصدعات الميكانيكية، والانهيارات الناتجة عنها وكيفية تفاديها، والوصول إلى التصميم الأمثل في ذلك، وإيجاد الطريقة الأفضل لتبريد ألواح الصلب مع المحافظة على مواصفاتها الميكانيكية، وإنشاء نظام متكامل لمراقبة الأجهزة الميكانيكية بهدف إعطاء إنذار مسبق عن أعطال هذه الأجهزة وانهياراتها، وكذلك دراسة الطرق المُثلى لتشكيل المعادن والحديد الصلب، وتصميم مُبردات ذات كفاءة عالية للكومبيوتر وغيره من الأجهزة الإلكترونية». خلال مساره الأكاديمي، شغل جاد الله عدداً من الوظائف والمناصب، لعل أبرزها تعيينه مهندساً ميكانيكياً ثلاث سنوات في شركة المُفاعِلات الذرية في مقاطعة أونتاريو. وحينها، تركز عمله على تحليل الإجهادات التي تتعرض إليها الأجهزة الميكانيكية في المُفاعِلات الذرية، وضمان سلامة المُفاعِلات، وعدم تسرب الإشعاعات منها». ولمدة مماثلة، عمل جاد الله مهندسا في شركة «أونتاريو- هايدرو». وتضمن عمله خلال تلك المُدة على دراسة التصدعات الناشئة عن تشغيل الأجهزة الميكانيكية، إضافة إلى استنباط طُرُق لمعالجتها. بعدها، انتقل إلى ولاية «ميشغن» في الولاياتالمتحدة ليشغل منصب مدير البحوث في إحدى شركات كتابة برامج الكومبيوتر المتعلقة بالهندسة. كما انكب على تطوير هذا النوع من البرامج. وتسلم قيادة قسم البحوث والتطوير في هذه الشركة، فعكف على كتابة برنامج يركز على استخدام «طريقة العناصر المحدودة» في إيجاد حلول للمشاكل الهندسية غير الخطية. وعُين أستاذاً غير متفرغٍ في جامعة «ميشغن» لمدة ثماني سنوات، انتقل بعدها إلى جامعة «بريتش كولومبيا» الكندية. وهناك، تدرج في هذه الجامعة من درجة أستاذ مشارك إلى مرتبة بروفسور. وأخيراً، جرى اختيار جاد الله دورتين متتاليتين لتولي منصب أستاذ كرسي في التصاميم الميكانيكية، وهو أعلى منصب أكاديمي. أروقة الطاقة الذرية يتمتع جاد الله برصيد كبير من الإنجازات العلمية والتكنولوجية، تتوجها مساهمته الفعالة في تصميم مُفاعِل نووي كندي مخصص لليابان، تتوافر فيه أعلى مواصفات السلامة العامة كي يتناسب مع حماية ذلك البلد المُعرض للزلازل والهزات الأرضية وثورات البراكين. وسُجل لجاد الله أنه نجح في إصلاح أحد أنابيب الوقود النووي في مُفاعِلات شركة «أونتاريو- هايدرو» الذرية، عقب تعرضه لشرخ كبير عام 1982. وبلغت تكاليف الأعطال في هذا المُفاعِل قرابة بليوني دولار. وحينها، كاد المُفاعِل أن يتسبب بكارثة بشرية بأثر من إمكان تسرب الإشعاعات الذرية منه. في سياق متصل، أدخل جاد الله تعديلات جوهرية على عدد من هياكل المُفاعِلات النووية. وبعد انتقاله إلى أميركا، أنجز عام 1990، بالمشاركة مع أحد زملائه، كتابة برنامج كومبيوتر. وصل حجم البرنامج إلى مُجلدين ضخمين ضم كل منهما 1500 صفحة. وسرعان ما صار البرنامج مرجِعاً عالمياً. وجرى تسويقه في مجموعة من الدول، واستأجرته شركة «ديزل كيكي» اليابانية بمبلغ 350 ألف دولار سنوياً. وكذلك ابتكر جاد الله تصميماً لماكينة صناعية لغسل «لب الورق» أثبت نجاعته بعد تصنيع نموذج منه وإجراء اختبارات عملية عليه. وبفضل هذه الكفاءة، تفوقت هذه الماكينة على الآلات المماثلة الشائعة التي كانت تتعرض لأعطال بشكلٍ متكرر. وتستخدم هذه الماكينة حالياً في مصانع للورق في دول كثيرة، بينها كندا. وأشار جاد الله إلى أنه بعد تصميم هذه الماكينة وتشغيلها بنجاح، جرى استدعاؤه لمساءلات عدة في المحاكم الأميركية والكندية، إثر دعوى قضائية رفعتها شركة «بوتلاتش كورب» Potlatch Corp المتضررة من تلك الماكينة. وطاولت الدعوى شركة «بلوا كورب» Beloit Corp التى أنتجت الماكينة. وانتهت الدعوة بتغريم الأخيرة 96 مليون دولار. تعاون مع السعودية علمياً في مجال التصميميات الميكانيكية، سجل جاد الله براءات اختراع عدة، شملت غسالات ذات أسطوانات ضاغطة Pressure Washer Drum (براءة اختراعها محفوظة لدى الدوائر الكندية الرسمية). وفي حزيران (يونيو) 1999، ابتكر جاد الله تصميماً أكثر فعالية للغسالات ذات الأسطوانات. وحفظ ابتكاره في السجلات الرسمية الأميركية. فضلاً عن رصيده العلمي والتكنولوجي، حظي جاد الله بعدد وافر من الجوائز والتقديرات، إضافة إلى عضويته في لجان مهنية وأكاديمية راقية. ويبرز في هذا السجل، أنه نال جائزة من «جمعية المهندسين الميكانيكيين الأميركيين- ميشغن»، وجائزة مماثلة من جامعة «بريتش كولومبيا»، إضافة إلى جائزة «مركز البحوث الوطني» (كندا) عن أفضل تطبيق أكاديمي في الصناعة. ويضاف إلى ذلك أنه عضو أساسي في «لجنة تطوير التعليم الميكانيكي» (جامعة «بريتش كولومبيا»)، وعضو «اللجنة الاستشارية الصناعية الأكاديمية»، والرئيس الدائم ل «لجنة تطوير مناهج التصميم في الهندسة الميكانيكية» في تلك الجامعة. وفي مجال التأليف والنشر، يملك جادالله ما يزيد على 150 بحثاً منشوراً في مجلات علمية عالمية، كما حرر 5 فصول في كتاب عن علوم الهندسة الميكانيكية وتطبيقاتها العملية، وكذلك ألف كتاباً حول الحلول العددية باستخدام الكومبيوتر. شارك جاد الله في ما يزيد على50 مؤتمراً علمياً، وألقى محاضرات في كثير منها. وتخرج على يديه قرابة 37 طالباً في شهادتي الماجستير والدكتوراه، بينهم عرب ومسلمون ما لبثوا أن صعدوا إلى مناصب علمية وأكاديمية رفيعة. على الصعيد العربي، ما زال جاد الله يساهم في عدد من النشاطات العلمية عبر إشرافه على رسائل الدكتوراه في جامعات مصرية، ومراجعة المناهج العلمية في جامعة أسيوط- قسم الميكانيكا. وعمل جاد الله أيضاً على تصميم نُظُم هندسية ذات معايير عالمية في جامعات عربية، كما ساهم في مشروع بناء أحدث جامعة تكنولوجية تجارية أكاديمية في دولة الكويت. وفي آذار (مارس) 2008، بالنيابة عن جامعة «بريتش كولومبيا»، وقع جاد الله معاهدة تعاون مع جامعة «طيبة» في المدينةالمنورة في المملكة العربية السعودية، شملت مجالات علمية وبحثية شتى. وحصل جاد الله على منحة للبحوث بقيمة 2.5 مليون دولار من «الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي»، بهدف تطوير قطاعات صناعية فيها.