أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    خالد بن سلمان يبحث المستجدات مع وزير الدفاع المجري    وفاة بزه بنت سعود وعبدالله بن سعود    أمر ملكي: تعيين ماجد الفياض مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    إطلاق جائزة "أداء الصحة"    4 برامج لتأهيل الكوادر الوطنية في التخصصات الصحية    موجز    بين الدولة السورية و«قسد» برعاية أمريكية.. اجتماع دمشق الثلاثي يرسم ملامح تفاهم جديد    محرك طائرة يبتلع رجلاً أثناء الإقلاع    استهدف مواقع تابعة ل"حزب الله".. الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات برية جنوب لبنان    ليش مستغربين!    إدارة الأهلي تتجاهل الإعلام في حفل تدشين شعار النادي    أنديتنا.. التقييم أولاً    إحباط تهريب 310 كجم مخدرات    آل باخذلق وآل باعبدالله يحتفلون بزواج عبدالعزيز    العتيبي يحتفل بزفاف نجله عبدالله    "لويس الإسباني".. أول رواية عربية مستوحاة من "الفورمولا"    جسرنا الحضاري    "درويش" في الخليج نهاية أغسطس    "ورث" يجدد الفنون بلغة الألعاب الإلكترونية    دراسة: بكتيريا شائعة تسبب سرطان المعدة    سان جيرمان يقسو على ريال مدريد برباعية ويبلغ نهائي مونديال الأندية 2025    المملكة توزّع (2.617) سلة غذائية في عدة مناطق بباكستان    مشاركة سعودية في تطوير التحكيم الآسيوي .. اختتام برنامج شهادة مقيمي الحكام 2025    منتخبات الأحساء وعسير والجوف والمدينة تكمل قائمة المتأهلين لبطولة المنتخبات الإقليمية تحت 13 عاماً    بيتكوين تسجل أعلى مستوى لها مقتربة من 112 ألف دولار    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    وزير الاتصالات يعقد اجتماعات مع قادة المنظمات الدولية ووزراء الاقتصاد الرقمي    "الثقافة" تنظّم الأسبوع الثقافي السعودي في أوساكا    مستشفى الأقصى.. «أيامنا معدودة»    «الديوان الملكي»: وفاة بزه بنت سعود..ووالدة عبدالله بن سعود بن سعد    القيادة تهنئ رئيس الأرجنتين بذكرى بلاده    300 طالب في «موهبة الإثرائي» بالقصيم    «الشورى» يقر دراسة إنشاء سوق لتداول أدوات الدين والتوسع بالإدراج المزدوج    "القصيم الصحي" يكرم المتميزين في مبادرة "إنسانيون الصحة"    أرنولد يغيب عن تشكيلة الريال في مواجهة سان جيرمان    ضبط 4 باكستانيين في المدينة المنورة لترويجهم (1.7) كجم (شبو)    وزير الدفاع يستقبل وزير دفاع المجر    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الخريصي في منزله    نائب أمير منطقة مكة يستقبل معالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء في ديوان الامارة    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بالمدينة المنورة ينظم ورشة " الأخبار العاجلة بين السبق والمصداقية"    معالي أمين الشرقية يزور معرض سكني بالخبر    معالي الوزير الحقيل يبحث تحديات القطاع البلدي مع رجال الأعمال في الاحساء    د.الجوهرة آل سعود: أكدت أن التوازن بين العمل والأسرة يجود الحياة ويزيد الرضا الوظيفي والعائلي    أمير تبوك يطلع على التقرير الشامل لأداء إدارة التعليم بالمنطقة    "الذوق العام" تدرب مندوبي التوصيل على مستوى المملكة        أمير منطقة جازان يرعى حفل افتتاح ملتقى "جسور التواصل 2025"    أمير تبوك يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الشمالي الصحي والرئيس التنفيذي لتجمع تبوك الصحي    زيادة بنسبة 121% في عدد العمليات الجراحية في تجمع الأحساء الصحي    روسيا تشن هجوما جديدا بالصواريخ والمسيرات على أوكرانيا    دراسات حديثة: الكركديه ليس آمناً للجميع    إطلاق مبادرة "إثراء قاصدينا عِزُّ لمنسوبينا"    مستشفى الملك فهد الجامعي يدشّن "صوت المستفيد"    التطبير" سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية وإهدار كرامة الانسان    الحب طريق مختصر للإفلاس.. وتجريم العاطفة ليس ظلماً    ترحيل السوريين ذوي السوابق الجنائية من المانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية الجريحة ولا من يواسيها؟!
نشر في الحياة يوم 03 - 06 - 2013

ويسألونك عن سورية الحبيبة الجريحة وعن أحوالها وأهوالها، وعن شؤونها وشجونها وعن من بقي من أهلها ومن رحل، ومن مات ومن أصيب، وعن من يفترش الأرض ويلتحف السماء، ومن تيتم ومن ترمل. ويسألونك عن المنتصر والمهزوم وعن الماضي المجيد والحاضر الأليم والمستقبل الرهيب.
وتحار في الجواب والرد. ويتعثر اللسان ويتلعثم وتتعطل لغة الكلام ويأتي الرد صاعقاً مبكياً مؤلماً، من دمعة حرى على خد الزمن الرديء ومن دم يغلي وينزف من أجساد الأبرياء. ويضيع الصدى بين عويل الثكالى ونواح الأمهات المنكوبات بفلذات أكبادهن وبكاء الأطفال الأبرياء الذين شابوا من أهوال حرب مجرمة لم ترحم أحداً ولم توفر مدينة أو قرية أو ترحم حيّاً قريباً أو بعيداً، حتى المناطق النائية التي كانت محرومة من الحد الأدنى من وسائل العيش ومقومات المدنية شملها ظلم القتل والتدمير وطاولتها آلات الإجرام لتتساوى في الغرم مع المناطق التي كانت تتوهم أنها كانت تعيش في بحبوحة الغنم.
الإيجابية الوحيدة التي خرجنا بها من هذه الحرب العبثية هي نجاحنا في مادة الجغرافيا بعد أن علمتنا أسماء المدن والقرى والأحياء فحفظنا عن ظهر قلب وعرفنا كل شاردة وواردة فيها وعن أهلها وتاريخها وموقعها ومصائبها وأتراحها بعد أن حرمت من أفراحها.
يا للسخرية، ويا لظلم العالم، ويا للعار الذي لحق بنا جميعاً، وعلى امتداد خريطة العالم، ومن ضمنها خريطة العرب المتلاشية: سورية الحبيبة سيدة التاريخ، ونجمة الجغرافيا، وأم الحضارات، تذبح من الوريد إلى الوريد وتمشي في أسبوع الآلام لأكثر من عامين لتتحول إلى «الأم الحزينة ولا من يواسيها، ولا حتى من يعزيها».
عامان من القهر والعذاب والألم والقتل والدمار ووحشية طاولت البشر والحجر من دون أن يتحرك العالم لوضع حد لهذا الإجرام من أية جهة جاء وكأنه يتفرج على مشهد عنف أو على فيلم مرعب من أفلام هيتشكوك.
ويقطر القلب دماً ونحن نرى آلة التدمير والتشويه تعصف بهذا الوطن الجميل، ونشاهد الشعب العريق الساكن في التاريخ العريق وصاحب أهم حضارة وأقدم عاصمة في العالم يتعرض للقهر والذل والتشريد والقتل وتشويه صورته السمحة الطيبة المسالمة التي اشتهر بها عبر التاريخ كشعب مضياف يفتح صدره وأبوابه للضيوف ويعطي الأمن والأمان لكل من يطرق بابه أو يلجأ إليه.
مَن من العرب لم يسمع بالحضارة الأموية العريقة، وبالنضال لنشر الدعوة والدفاع عن ظهير الأمة، ومن لم يسمع ببطولات وصلت إلى الأندلس، وبالبطل صلاح الدين محرر القدس الساكن في المسجد الأموي حياً في ذاكرتنا وعلى بعد قليل منه البطل يوسف العظمة الذي أبى أن يجتاح الاستعمار الفرنسي بلده، فهبّ مع ثلة من المجاهدين لملاقاة جنوده ومقاومتهم ولو رمزياً حتى لا يقال أن دمشق سقطت بلا مقاومة.
ومن لم يسمع بحضارة ما بين النهرين وأوغاريت وأفاميا وتدمر وزنوبيا، ومعلولا وصيدنايا وحوران وآثارها وبصرى الشام وصولاً إلى حمص المجاهدة، وحلب الشهباء ملتقى العالم في طريق الحرير ورمز الحضارة والتعايش، وحماه مدينة أبي الفداء، وصولاً إلى القامشلي والجزيرة وحضاراتها وآثارها وتاريخها الزاخر بالتعايش بين كل الطوائف والأديان والأعراق والشعوب.
ومن لم يسمع بسيف الدولة الحمداني وبطولاته والشاعر الفذ المتنبي، مالئ الدنيا وشاغل الناس حتى يومنا هذا، وعن يساره زين الشباب أبو فراس الحمداني. ومن لم يقرأ للشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري ومئات قبله وبعده وصولاً إلى عمر أبو ريشة وبدوي الجبل ونزار قباني وسليمان العيسى ومحمد الماغوط وأدونيس.
ومن ومن ومن... نصرخ لنقول: كفى... ولكنها صرخة في واد بلا مجيب ولا حبيب ولا مهتم ولا منتفض. وعود ووعود وكلام في كلام، ونكبات متمثلة في مبعوثين عاجزين من الدابي إلى كوفي عنان وصولاً إلى الأخضر الإبراهيمي الذي يمضي وقته في حركات سلحفائية رمزية ولا تراه إلا ضاحكاً في صور اللقاءات فيما الشعب السوري يبكي دماً ويصرخ ألماً، والدول تتحدث عن خطوط حمر وتسليح ولا تسليح ولقاءات عقيمة واجتماعات للتسلية وقرارات بلا طعم ولا لون ولا رائحة يعرف أصحابها أنها لن تبصر النور، على رغم الاتفاق الأميركي الروسي على عقد «مؤتمر جنيف 2» للحوار السوري.
كل هذا يحدث والعالم يتفرج بعد عامين ونيف من دون أن تلوح في الأفق أية بارقة أمل وآلة القتل والدمار تنخر أجساد السوريين وتدمر ما بقي من مدنهم وقراهم وتاريخهم وتراثهم وأسواقهم الجميلة ومساجدهم الأثرية الشامخة عبر التاريخ وتحرق ثرواتهم ومدخراتهم ومواسمهم وصناعاتهم العريقة وبناهم التحتية. وكل هذا يحدث والشعب السوري يتحول إلى شعب لاجئ يجبر على التسول والعيش في مخيمات الذل والهوان ويتعرض للإهانات والتجويع وسرقة لقمة المساعدات ويسمع كل يوم تصريحات ومواقف عنصرية تطاوله وهو الذي كان يفتح صدره للجميع.
أكثر من 4 ملايين لاجئ في المخيمات ومثلهم في الداخل، ومن استطاع السفر هاجر إلى ديار الله الواسعة ومن بقي اضطر إلى أن يعيش تحت هاجس الخوف والذبح والخطف، فيما بعض الدول التي كانت تعتاش من أرزاق السوريين وعرق جبينهم تعاملهم كعالة عليهم وترميهم في غياهب الصحراء كما يجري في مخيم الزعتري الأردني وغيره.
وهذا ليس كل شيء، فالمخفي أعظم، نعم حرائر وشريفات الشام الأبيات يتعرضن للتحرش والإغراء تحت مسميات وهمية، أو يضطررن إلى العمل خادمات عند الآخرين لتأمين لقمة العيش لأطفالهن بعد أن فقدن المعيل وهن من ينطبق عليهن القول: «تموت الحرة ولا تتاجر بثدييها».
ولهذا نصرخ مذبوحين من الألم، وننادي العرب والعالم أن يتقوا الله ويهبوا لنجدة الشعب العريق من دون أن ننسى أن نذكر بالخير كل من هبّ لمساعدته والتطوع لنجدته عبر إرسال المعونات أو تقديم الخدمات الطبية والإنسانية ووسائل العيش ولو في حدوده الدنيا. ونذكر أيضاً الخيرين من أبناء هذا الشعب الذين جندوا طاقاتهم وإمكاناتهم لمساعدة اللاجئين وتأمين الدواء والعلاج للآلاف منهم.
وبعد، هناك من يسأل عندما يلتقيك: متى ستنتهي هذه الحرب؟ ومن سينتصر ومن سينهزم؟ ولا تجد إلا إجابة واحدة وهي هذه حرب ظالمة لا نهاية لها. فالمنتصر فيها مهزوم والمهزوم مأزوم. ولم يعد مهماً من يبقى ومن يرحل، ومن يحكم ومن يعارض، الكل سواسية... سيجد من سيبقى أو يحكم نفسه عاجزاً أمام حجم الدمار، ولن يجد حلولاً للمشاكل المستعصية أو أجوبة عن أسئلة عن إعادة الإعمار، وعن إصلاح البنى التحتية وإعادة تأهيل وإسكان ملايين اللاجئين، وعن المال والحاجات والأمراض والأوبئة ومخلفات الحرب والأمراض النفسية وعن الصغار والكبار والتعليم و... عن كل شيء عاد إلى نقطة الصفر وما دونها.
إنها جريمة العصر لا نبرئ منها أحداً في الداخل والخارج، وهذه شهادة للتاريخ كتب علينا أن نقولها بلا خوف ولا وجل. وأعرف أنها لن ترضي أحداً ولكنني أمام هول ما أشهد لا بد أن أساهم في إطلاق صرختها بعدما بلغ السيل الزبى وفاض الكيل وتجاوزنا حدود الصبر ووصلنا إلى حد السيف. كلنا مسؤول عما جرى: الحكم في اتباعه سياسة الإنكار والإصرار على الحل الأمني والتركيز على أن ما يجري هو مجرد حرب على الإرهاب وملاحقة عصابات إرهابية متطرفة من «القاعدة» وغيرها، من دون أن يجيب عن سؤال عن كيفية دخولها وانتشارها أو في عدم التمكن من القضاء عليها، وهو الذي يملك إمكانات هائلة، بعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب.
والمعارضة، أو المعارضات، مسؤولة عما جرى لأنها لم تتمكن من توحيد جهودها وإسماع صوتها المعتدل للعالم، ويزداد تشرذمها حدة مع مرور الأيام رغم شدة الآلام، ولأنها تحولت من السلمية إلى العسكرة ثم في السماح بإدخال «جبهة النصرة» وغيرها في معادلة الصراع مما أساء إلى سمعتها وأثار مخاوف العالم المتردد وأوجد له المبرر لينفض يديه من تحمل المسؤولية في وقف نزيف الدم مع أنه يعرف جيداً أن هذه الأزمة قد تتحول إلى مشكلة عالمية تطاول الجميع عرباً وعجماً وأجانب ويتحمل مسؤوليتها كل الدول، لا سيما التي تتدخل فيها بوسائل وأساليب مختلفة ومنها ما يساهم في صب الزيت على النار.
وهكذا فإن الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن الغالي من دمه وأرواح أطفاله ونسائه ورجاله ومن ماله ومدخراته وثرواته الخاصة والوطنية في هذه التراجيديا المأسوية، التي أجزم أن التاريخ لم يشهد لها مثيلاً حتى في الحروب العالمية.
شعب يعيش بلا أمن ولا أمان ولا حاضر ولا مستقبل، بل إمعان في القتل والدمار والعناد والإنكار والتصميم على المضي في الغي مهما كان الثمن.
ولمن لا تعجبه هذه الشهادة أقول له: لا يهمني نفسي ولا هذا الطرف أو ذاك بل جل ما يهمني هو وطني الغالي وأهلي الأحباء وشعبي العريق المنكوب. وأملي الوحيد ثقتي به وبقدرته على النهوض من جديد كطائر الفينيق ليتجاوز هذه المحنة وليبني من جديد ويجتهد ويبلي كما فعل بعد غزو هولاكو وجنكيز خان وتيمورلنك والتتار والحروب الصليبية وموجات الاستعمار بشتى أنواعه وأشكاله وصوره. وهذا يحتاج إلى دعم عربي ودولي لإقامة مشروع مارشال لإعادة الإعمار واتركوا الباقي للسوريين فهم بعون الله قادرون على اجتراح المعجزات.
ولا بد أيضاً من حلول سياسية وطنية تبني أسس الديموقراطية وتضمن الحريات وتحمي حقوق الإنسان وتقيم ميزان العدالة وسيادة القانون ومبدأ التداول على السلطة وفق قرار الناخب السوري الحر في صندوق الاقتراع من أجل التفرغ لإعادة الإعمار حجراً حجراً وبيتاً بيتاً وقرية قرية ومدينة مدينة ليعود وطن الياسمين بأبهى صوره وطناً للإنسان الحر وللحضارة التي لا تفنى.
أما خوفي الكبير فهو المضي في خوض غمار هذه الحرب العبثية الإجرامية إلى مالا نهاية ليأتي يوم تنطبق علينا قصة الطبيب الجراح الذي خرج بعد عملية جراحية لمريض، مبشّراً أهله بالقول: لقد نجحت العملية... ولكن المريض مات! لا سمح الله ولا قدّر.
* كاتب عربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.