إذا صارت الأمور كما تريدها شركة «صدق» السعودية، بأن مبلغ ثمانية ملايين ريال الذي حصلت عليه من جمعية البر في جدة هو قرض حسن، سأبشركم من الآن بميلاد بنك جديد وهو بنك البر، وأجزم بأنه سيكون منافساً قوياً للبنوك والمصارف الموجودة حالياً، سواء كانت محلية أو أجنبية، والسبب هو أن البنك الجديد يقدم قروضاً بدون فوائد، وقد يكون الأمر مغرياً لبقية الجمعيات الخيرية الموجودة في البلاد وعددها 400 جمعية، لتطالب بتحويلها إلى مؤسسات مصرفية للقرض الحسن، أو حتى بنسب فوائد أقل، لا أخفيكم سرا ًوقتها ستجد البنوك العاملة من الضرورة أن تخفض من نسب الفوائد التي تحصل عليها، وأيضاً للمنافسة غير الشريفة التي تتعرض لها. وقد لا نستغرب يوماً إذا ما سمعنا أن إحدى الجمعيات الخيرية تقود اتحاداً لجمعيات البر من اجل تأمين قرض بمبلغ كبير لشركة أو تنفيذ مشروع، أو حتى طرح سندات... أرجوكم لا تسخروا من كلامي أو تأخذوه على انه حكاية من «ألف ليلة وليلة»، فملف الخلاف، بحسب ما نشر عن هذه القضية في وسائل الإعلام السعودية، وصل إلى الجهات القضائية. وآخر التصريحات الصحافية المتبادلة بين طرفي القضية، هو نفي رئيس مجلس إدارة «شركة صدق» بدر الحميضي، ما ذكره المدير العام للشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة الدكتور علي الحناكي وعضو اللجنة المكلفة بالتحقيق في قضية الخلاف بين شركة صدق وجمعية البر بجدة، حول تأييد رئيس شركة صدق لما توصلت إليه اللجنة باعتبار قرض 8 ملايين ريال الذي قدمته الجمعية للشركة بمثابة القرض الاستثماري وليس قرضاً حسناً، لأن النظام لا يجيز للجمعيات الخيرية بأن تقدم قروضاً حسنة للشركات المساهمة. دعونا نتحدث بعيداً عن المحاكم وسوق الأسهم، حينما تتحدث مع أي رجل عادي بسيط لا يفهم في أمور القروض أو البنوك شيئاً، وتسأله عن القرض، سيجيب عليك بدون أي تفكير أو شطارة، أن البنوك والمصارف هي الجهات المعنية بتقديم القروض، ولكن إذا قلت لك إن الذي قدم القرض نادٍ رياضي وليس بنكاً، فقد تستغرب وتبدأ تفكر وتعيد حساباتك. وقد تعتقد أن الأندية ربما لوجود أعضاء الشرف من رجال الأعمال والأثرياء يمكنهم ترتيب هذا القرض، أما إذا قلت لك إن القرض الذي تريد الحصول عليه، قد استقطعته من أفواه اليتامى والمساكين والأسر الضعيفة التي لا تجد قوتاً أو أقعد المرض رب أسرتها، أو أنها تسكن في منزل، وإن أخبرتك أن هذه المبالغ جمعها طلاب في المرحلة الابتدائية من مصروفهم اليومي ليقدموها مساعدة إلى زملائهم وزميلاتهم الطالبات في دار الأيتام حتى يتمكنوا من شراء مستلزمات مدرسية وملابس وأحذية رياضية، استقطعت هذا القرض من هذه المبالغ، فهل ترضى أن تأخذها؟ في البداية تفغر فاك مستغرباً، وإن كنت إنساناً وذا مسؤولية بالتأكيد إما انك تمد يدك إلى جيبك لتسهم، أو ترفض قبول هذا القرض. أياً كانت النتيجة في هذه القضية، هي في الواقع تجربة مأسوية بحق الأطفال واليتامى والمستفيدين من الأسر الضعيفة، يشترك فيها المسؤولون في شركة صدق وجمعية البر، ولعل الخلاف الأبرز في اتفاقية القرض، التي صيغت بطريقة غير واضحة الحقوق، وإلا لما وصل الخلاف إلى المحاكم وكل طرف متمسك برأيه. ولعل أي شخص يتساءل وبعفوية طبعاً، لماذا تركت شركة صدق، التي يبلغ رأسمالها 400 مليون ريال وهي متخصصة في مجال صناعة البتروكيماويات والمطاط والخزف والمواد الغذائية، كل عمالقة المصارف والبنوك المحلية والأجنبية من اجل تكملة حصتها في شركة ينساب، واتجهت إلى «طائر الكيوي» الذي يملك جناحين ولكن لا يطير، وأقصد هنا جمعية البر. دعوني أسألكم بالله عليكم، مَنْ الشخص والمسؤول النبيه الذي أشار إلى الشركة بأن تقترب من خزينة الفقراء والمساكين وتطلب منها قرضاً؟ ومَنْ المسؤول الذي فاوض الجمعية وجعلها توافق من اجل تقديم القرض؟ أين المحامي والمستشار القانوني للجمعية حينما كانت تتم هذه العملية؟ أين أعضاء مجلس إدارة المؤسستين؟ لماذا لم يعترضوا أو يحتجوا؟... لزموا الصمت طويلاً، لمصلحة مَنْ؟... الحقيقة تساؤلات عدة استفزازية تقفز فوق رأسي، كنت أود أن اعرف كيف تَصرَّف المسؤولون في جمعية البر حينما تقدمت إليهم شركة صدق بطلب قرض، أو لنقل قرضاً استثمارياً كما تدعي الجمعية، كيف جمعوا مبلغ 8 ملايين؟ هل استقطعوها من مبلغ 200 ريال إلى 1000 ريال التي تقدمها لما يقارب 1587 أسرة فقيرة في جدة وضواحيها شهرياً، كما تقول الجمعية في موقعها الالكتروني؟ أو أنها أوقفت علاج المرضى الذين ليست لديهم قيمة شراء أدوية الربو؟ أو أنها أنفقت من حصة 1700 يتيم تصل إجمالي كفالتهم السنوية إلى أكثر من أربعة ملايين ريال؟ أو أن لديها فائضاً؟ ألم يجد مستشارو الجمعية الخيرين أفضل من هذا الاستثمار، ومن بينهم رجال أعمال وشخصيات اعتبارية؟ هذه القضية تفتح ملف الجمعيات والمؤسسات الخيرية في البلاد، سواء كانت أفراداً، أو لشخصيات اجتماعية واعتبارية، يجب ألا تقف وزارة الشؤون الاجتماعية مثل البائس المسكين تتفرج وتشاهد ما يحدث من وراء هذه المؤسسات الخيرية، وعليها أن تضبط الرقابة المالية والمصروفات وأوجه الصرف. لا زلت غير قادر على فهم عدم رغبة هذه المؤسسات الخيرية في تزويد وسائل الإعلام بتقاريرها السنوية، مادامت تعتمد على التبرعات والهبات والمساعدات، كما أنها من الضروري أن تعيد النظر في أعضاء مجالس إدارتها، فليس من الضرورة أن يكونوا جميعهم من رجال الأعمال، ويفتح المجال أمام الشخصيات العلمية والاجتماعية من اجل إثراء أفكار هذه الجمعيات وتطوير أعمالها الخيرية، ويجب ألا نغفل فهناك مؤسسات خيرية أسهمت بشكل واضح في تقديم المساعدات وتحقيق رسالتها، حالة شركة صدق وجمعية البر بالفعل حالة استثنائية إلا أنها تدعو للتدبر. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]