وفد سعودي يشارك في تمرين إيطالي لمحاكاة مخاطر البراكين ويبحث تعزيز التعاون في الحماية المدنية    الذهب يتجاوز 4200 دولار وسط مخاوف الديون الأمريكية وخفض "الفائدة"    تجمع الرياض الصحي الأول يحتفي باليوم العالمي للجودة ويستعرض منجزاته في تحسين الرعاية وسلامة المرضى    اليماحي يثمن الدور الرائد لدول الخليج في تعزيز مسيرة العمل العربي المشترك والدفاع عن القضايا العربية    مدة غياب بونو وكوليبالي عن الهلال    سوق الموسم ينطلق من منطقة الطوالع التاريخية ب "النجناج"    وزارة الداخلية تحصل على جائزة أفضل جناح وتفاعل ومشاركة في مؤتمر ومعرض الحج 2025    هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة من يوم غدٍ الجمعة حتى الاثنين المقبل    مفتي عام المملكة يستقبل وزير العدل    خوارزميات الإنسان    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية فرنسا لدى المملكة    خبراء: السجائر الإلكترونية تقوض حقوق الأطفال الإنسانية    توازن كيميائي يقود إلى الرفاه الإنساني    غرفة القصيم توقع تفاهمًا مع الحياة الفطرية    منسوبو وطلاب مدارس تعليم جازان يؤدّون صلاة الاستسقاء    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    ارتفاع الإنفاق على البحث والتطوير بنسبة 30.4% خلال عام 2024م    نجاح فصل التوأم الملتصق الجامايكي «أزاريا وأزورا» بالرياض    محافظ صبيا يؤدي صلاة الاستسقاء تأسياً بسنة النبي واستجابة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين    التضخم في السعودية يبلغ 2.2% في شهر أكتوبر 2025    أمير القصيم يؤدي مع جموع المصلين صلاة الاستسقاء في جامع الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز ببريدة    تقني الشرقية تختتم "راتك 2025"    شراكة مجتمعية بين ابتدائية قبيبان وجمعية «زهرة» للتوعية بسرطان الثدي    أول اجتماع لمكتب المتقاعدين بقوز الجعافرة    مصرية حامل ب9 أجنة    أمير حائل يدشّن عددًا من الحدائق الجديدة بالمنطقة .    الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة.. محميتان بحريّتان تجسّدان وعي المملكة البيئي وريادتها العالمية    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    أمانة نجران تطلق حملة موسم التشجير لعام 1447    تحذير فلسطيني من تهجير قسري في قلنديا ينتهك القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف    المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء في جميع مناطق المملكة    عقد شراكة بين فرع الهلال الأحمر السعودي وبيت الثقافة بمنطقة نجران    ورشة استراتيجية مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة 2026–2030    ذاكرة الحرمين    الشلهوب: الرسائل المؤثرة.. لغة وزارة الداخلية التي تصل إلى وجدان العالم    كمبوديا وتايلاند تتبادلان الاتهامات بالتسبب بمواجهات حدودية جديدة    ستة معايير سعودية تقود عملية تطوير مؤسسات التعليم العالي عربيًا    الرياض تحتفي بانطلاق البطولة العربية للجولف للرجال والرواد    كريستيانو رونالدو: المونديال القادم هو الأخير لي    رئيس برشلونة ينفي تقارير عودة ميسي    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    وسط جدل سياسي واسع.. الرئيس الإسرائيلي يرفض العفو عن نتنياهو    في دور ال 32 لكأس العالم للناشئين.. مواجهات صعبة للمنتخبات العربية    في الميركاتو الشتوي المقبل.. الأهلي يخطط لضم الألماني«ساني»    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    تصفيات مونديال 2026.. فرنسا وإسبانيا والبرتغال لحسم التأهل.. ومهمة صعبة لإيطاليا    أوروبا وكندا تدعوان لتنفيذ اتفاق غزة    الوكالة الذرية تفقد القدرة على التحقق من مخزون اليورانيوم الحساس    تجربة الأسلحة النووية مرة أخرى    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    النويحل يحتفل بزواج عمر    السعودية تقود اعتماد أول مواصفة عالمية للتمور    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليبيا 2012: انتخابات تطوي عقوداً من الديكتاتورية على وقع فوضى وانقسامات
نشر في الحياة يوم 31 - 12 - 2012

لم تكن السنة 2012 سنة عادية في ليبيا. فقدت شهدت أول انتخابات ديموقراطية تعددية حقيقية بعد عقود من الحكم التسلطي للعقيد الراحل معمر القذافي الذي أطيح وقُتل خلال الانتفاضة الشعبية المدعومة من حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أواخر العام 2011. لكن على رغم مرور امتحان الانتخابات بسلام، فقد عانت البلاد فوضى واضطرابات سياسية وأمنية وجهوية وقبلية مرتبطة إلى حد كبير بتركة النظام السابق والنشاط المتزايد لجماعات توصف بأنها جهادية – سلفية تسعى إلى تطبيق الشريعة في ليبيا الجديدة.
بدأ العام الجديد كما انتهى العام الذي سبق: السلطة الجديدة بقيادة المجلس الوطني الانتقالي (برئاسة مصطفى عبدالجليل) والحكومة الانتقالية (بقيادة عبدالرحيم الكيب) تحاولان تثبيت أقدامهما في ظل فوضى عارمة خلّفتها الثورة الدامية ضد القذافي. لكن المجلس وحكومته بدوا كمن ينوء بحمل ثقيل أورثه النظام السابق لليبيا الجديدة «الحرة». فقد ظهرت مشاكل عميقة بين المدن والقبائل في غرب البلاد وجنوبها تحديداً، وكانت مرتبطة في شكل واضح بالانقسام الذي نشأ عن اصطفاف جزء من الشعب مع نظام القذافي خلال الثورة في مقابل جزء آخر في الصف المقابل. وبما أنه كان هناك منتصر ومهزوم في هذه الثورة، فقد كان واضحاً أن المنتصرين يسعون إلى رسم مستقبل ليبيا وفق رؤيتهم، محاولين انتزاع مزايا وسلطات كانت في السابق حكراً على أفراد وقبائل موالية للقذافي ونظامه.
وهكذا نشبت صراعات، دموية أحياناً، بين قبائل الغرب، كما حصل بين المشاشية (أيّدت النظام السابق) والزنتان (وقفت مع الثورة) في الجبل الغربي، وبين زوارة (مع الثورة) والجميل ورقدالين (مع القذافي) على الساحل الليبي قرب حدود تونس، وبين قبائل ورشفانة (مع النظام السابق) والزاوية (مع الثورة). كما امتدت هذه النزاعات إلى جنوب ليبيا حيث وقعت مواجهات دامية في سبها، كبرى حواضر الصحراء، وأخرى أكثر عنفاً ودموية بين قبائل التبو والزوية في الكفرة، بوابة الحدود الجنوبية الشرقية مع تشاد والسودان والتي تُعتبر ممراً أساسياً لعمليات تهريب السلع والبضائع.
لكن على رغم دموية هذه النزاعات وخطورتها، إلا أن السلطات الجديدة تمكنت إلى حد كبير من احتوائها، من خلال وساطات قبلية محلية هدفت إلى جمع المتقاتلين وحل خلافاتهم حبياً. لكن تطبيق مثل هذا الحل لم يكن ممكناً في قضية بني وليد المدينة الواقعة إلى جنوب شرقي طرابلس والتي بقيت مؤيدة لنظام القذافي حتى الرمق الأخير. فقد تمكن مسلحون من قبيلة الورفلة التي تعتبر هذه المدينة معقلاً لها، من استعادة السيطرة عليها في بدايات العام 2012 من أيدي مجلس محلي مرتبط بنظام الحكم الجديد في طرابلس، وأقاموا مجلساً اجتماعياً مختلفاً يدير شؤون مدينتهم. وعلى رغم أن الحكّام الجدد لبني وليد أكدوا أنهم جزء من النظام الليبي الجديد، إلا أن خصومهم كانوا يرددون على الدوام أنهم في الحقيقة ليسوا سوى جزء من نظام القذافي وأنهم قاتلوا معه حتى سقوطه، كما أن بينهم من هو مطلوب بجرائم ارتُكبت خلال الثورة وقبلها. واستمرت سيطرة هؤلاء المقاتلين حتى تشرين الأول (أكتوبر) عندما اقتحمها مقاتلون جاء قسم منهم من مدينة مصراتة التي اشتكت من أن «مؤيدي النظام السابق» في بني وليد خطفوا وعذّبوا حتى الموت المقاتل الشاب عمران بن شعبان الذي اشتهر بأنه كان واحداً من الثوار الذين عثروا على القذافي - قبل قتله بلحظات - مختبئاً في أنبوب قرب مدينة سرت في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي.
وفي حين غرق غرب ليبيا وجنوبها في مثل هذه النزاعات القبلية، بدا شرق ليبيا - الذي تخلّص مبكراً من حكم القذافي في بداية الثورة - وكأنه بمنأى عنها. ولكن في مقابل ذلك، ظهرت بقوة في الشرق الليبي مجموعات قوية تنادي بالعودة إلى النظام الفيديرالي الذي كان معتمداً في بداية العهد الملكي والذي يقضي بتوزيع ليبيا إلى ثلاثة أقاليم في الشرق (برقة) والغرب (طرابلس) والجنوب (فزان). ونظّم مناصرو الفيديرالية تظاهرات شعبية حاشدة مؤيدة لمطالبهم، وعيّنوا في آذار (مارس) أحمد الزبير أحمد الشريف السنوسي رئيساً ل «المجلس الانتقالي» في الإقليم. وعلى رغم تأكيد مناصري الفيديرالية أنهم لا يريدون الانفصال، إلا أن خطوتهم جوبهت بمعارضة واسعة من كثير من التيارات السياسية الليبية التي اعتبرت الخطوة ممهدة لتقسيم البلاد.
وإضافة إلى بروز التيار المنادي بالفيديرالية، برز في الشرق الليبي تيار سلفي - جهادي ينادي بتطبيق الشريعة. ونظّم هذا التيار مؤتمراً ضخماً في حزيران (يونيو) في بنغازي أبرز فيه قوة كتائبه العسكرية التي بدت كقوة لا يُستهان بها. وترافق بروز هذا التيار السلفي - الجهادي مع أنباء عن معسكرات تدريب ل «جهاديين» في كثير من المناطق الليبية، وهجمات على منشآت دينية «صوفية»، ومع سلسلة اعتداءات نُسبت إلى متشددين واستهدفت رموزاً «غربية» مثل مقابر الجنود البريطانيين في الحرب العالمية الثانية في بنغازي، ومقار الصليب الأحمر في بنغازي ومصراتة، وموكب السفير البريطاني في بنغازي، ومقر القنصلية الأميركية في المدينة ذاتها. لكن أخطر هذه الاعتداءات كان ما حصل للقنصيلة الأميركية في 11 أيلول (سبتمبر) عندما هاجمها مسلحون وأحرقوها ما أدى إلى مقتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين. وتقول الولايات المتحدة إن هذا الحادث «إرهابي»، لكنها لا تعرف بعد هوية منفذيه.
لكن كل هذه المشاكل لم يمكنها أن تغطي على النجاح الذي حققته ليبيا في تنظيم أول انتخابات تعددية حقيقية بعد عقود من ديكتاتورية القذافي. ففي تموز (يوليو)، شارك ملايين الليبيين في الإدلاء بأصواتهم بحرية في صناديق الاقتراع لاختيار مؤتمر وطني عام مؤلف من 200 عضو. ومرت تلك الانتخابات بنجاح مشهود، وأسفرت عن فوز تيار القوى الوطنية (يضم أحزاباً ليبرالية ووطنية بقيادة رئيس حكومة المجلس الانتقالي السابق محمود جبريل) بغالبية المقاعد المخصصة للأحزاب (39 من أصل 80). وجاء حزب الإخوان المسلمين - العدالة والبناء - في المرتبة الثانية (17 مقعداً). كما شاركت أحزاب «جهادية» وسلفية في الانتخابات، لكن نتائجها أبرزت حجمها المتواضع. لكن نتيجة الانتخابات أفرزت واقعاً مفاده بأن أي حزب لا يمكنه أن يتولى السلطة إذا لم ينجح في استقطاب أكبر عدد ممكن من النواب الذي انتخبوا على القوائم غير الحزبية (120). وفاز زعيم «الجبهة الوطنية» محمد المقريف - العدو اللدود للقذافي على مدى عقود - برئاسة المؤتمر الوطني، في حين انتُخب أحمد زيدان رئيساً للحكومة.
ومن المفترض أن يتصدى هذا الحكم الليبي الجديد لمهمة إعادة بناء الدولة، وعلى رأسها بناء القوات المسلحة من جيش وشرطة (أخذت مكانهم الآن مجموعات مسلحة «موازية» مرتبطة شكلياً بوزارتي الدفاع والداخلية)، ومكافحة الفوضى المستشرية، وإعداد دستور جديد يتم الاستفتاء عليه، وتنظيم محاكمات «عادلة» لمسؤولي نظام القذافي وعلى رأسهم عديله رئيس الاستخبارات السابق عبدالله السنوسي الذي سُلّم من موريتانيا، ونجل العقيد الراحل سيف الإسلام القذافي الموقوف منذ تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي في مدينة الزنتان.
لكن هذه تحديات سهلة بالتأكيد أمام النظام الليبي الجديد. وسترسم طريقة التعامل معها بلا شك معالم الطريق التي ستسلكها في السنوات المقبلة ليبيا الجديدة الحرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.