رحل السيّد هاني فحص. هذا الإنسان المميّز بانفتاحه وحداثته، في زمنٍ يتميّز بعنفٍ لم تشهده المنطقة في تاريخها الحديث. عنفُ نظامٍ أدّى إلى تدمير سورية، وعنفٌ آخر يمارسه تنظيمٌ باسم الدين فينذر بحروبٍ لا نهاية لها. في زمنٍ كهذا نفتقد إنساناً عاقلاً وشجاعاً، كان مسكوناً بهمّ عدم تكرار تجارب الماضي المأسوية، إنساناً عمِل قبل وفاته على توجيه رسائل بكل الاتجاهات بخاصة باتجاه «حزب الله» لتجنيب المنطقة خطر حربٍ أهلية بين السنّة والشيعة. هذا الإنسان تميّز برفضه اختزال شخصيته بمكوّن واحد من مكوّناتها، وأدرك أن العلاقة مع الآخر هي المصدر الأساس في تطوّرها وإغنائها. واكتسب هذا الوعي المبكر من خلال قدرة نادرة على استخلاص العبر والدروس من تجاربه المتعددة. من تجربة حرب لبنان وتجربة المقاومة الفلسطينية إلى تجربة الثورة الإيرانية وصولاً إلى تجربة انتفاضة الاستقلال عام 2005. ترافقت مع السيّد هاني منذ عام 1993، حين أسسنا المؤتمر الدائم للحوار اللبناني الذي عمل على إطلاق الحوار بين اللبنانيين حول سبل تجديد عيشهم المشترك بعد 15 سنة من الحرب. وكنّا في الآونة الأخيرة نبحث في إعادة إحياء هذه التجربة، نظراً إلى ما تشهده المنطقة من عودة للعصبيات وتهديد للسلم الأهلي في لبنان وعدد من الدول المجاورة. في آخر نص كتبه السيّد قبل وفاته وهو نص أرسله من المستشفى إلى «لقاء سيدة الجبل» بمناسبة خلوته العاشرة (31 آب - أغسطس 2014) دعا إلى إتمام الوفاق دفاعاً عن فكرة المواطنة في مواجهة «تفشّي الهويات الفرعية» وإلى قيام الدولة... «المطلوب دولة، دبّروا لنا دولة»... كان هذا نداءَه الأخير، بل صرختَه الأخيرة لعلاج مجتمعاتنا، سواءٌ تلك التي ما زالت «تحت الدولة» أو تلك التي تغادر بغباء موصوف دولتها.