موعد مشاركة رونالدو وسيماكان في تدريبات النصر    1.9 مليون مصلٍ بالروضة الشريفة وأكثر من 3.4 مليون زائر للنبي صلى الله عليه وسلم    «التعاون الإسلامي» تدين استهداف الكنائس والمقدسات الفلسطينية    المعيقلي: «لا حول ولا قوة إلا بالله» كنز من كنوز الجنة    حسين آل الشيخ: النميمة تفسد الإخاء وتورث العداوة    حساد المتنبي وشاعريته    ميراث المدينة الأولى    حملات إعلامية بين «كيد النساء» و«تبعية الأطفال»    أبعاد الاستشراق المختص بالإسلاميات هامشية مزدوجة    استقرار أسعار النفط    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف على قطاع غزة    رياح نشطة وطقس حار على معظم مناطق المملكة    "هيئة الطرق": الباحة أرض الضباب.. رحلة صيفية ساحرة تعانق الغيوم عبر شبكة طرق متطورة    الجبل الأسود في جازان.. قمم تعانق الضباب وتجذب الزوار بأجوائها الرائعة    إنقاذ مريضة تسعينية بتقنية متقدمة في مركز صحة القلب بمدينة الملك سعود الطبية    جراحة تنهي معاناة مريضة من آلام مزمنة في الوجه والبلع استمرت لسنوات ب"سعود الطبية"    تجمع مكة الصحي يفعّل خدمة فحص ما قبل الزواج بمركز صحي العوالي    "الداخلية" تشارك في ملتقى إمارات المناطق والمبادرات التنموية بالمدينة    شخصيات الألعاب الإلكترونية.. تجربة تفاعلية لزوار كأس العالم للرياضات الإلكترونية    "موسم الرياض" يرعى شراكة بين "لا ليغا" و"ثمانية"    استعداداً لبطولة كوتيف الدولية..الأخضر تحت 19 عاماً يكسب تشيلي    اختتام أعمال الإجتماع الأول للجان الفرعية ببرنامج الجبيل مدينة صحية    خارطة لزيادة الاهتمام بالكاريكاتير    نادي القادسية يوقع اتفاقية رعاية تقنية مع زوهو لتعزيز الكفاءة وتحسين العمليات    "المزيني"نسعى لتعزيز الحضور الرياضي للطالب الجامعي السعودي عالمياً    الأسبوع الثاني من كأس العالم للرياضات الإلكترونية: لحظات تاريخية وخروج مبكر لحاملي الألقاب    مهند شبير يحول شغفه بالعسل إلى علامة سعودية    معادلة عكسية في زيارة الفعاليات بين الإناث والذكور    نادي الدرعية .. قصة نصف قرن    هاتفياً... فيصل بن فرحان ووزير الخارجية الأميركي يبحثان التطورات بسوريا    السعودية: نرفض كافة التدخلات الخارجية في سوريا    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    (إثراء) يعلن عن فوز 4 فرق في المنافسة الوطنية لسباق STEM السعودية    إيلانجا لاعب نيوكاسل: إيزاك من أفضل اللاعبين في العالم    برنامج تطوير الثروة الحيوانية والسمكية يعلن توطين تقنية «فيچ قارد»    فِي المَنَاهِجِ النَّقدِيَّةِ: المَنهَجُ التَّدَاوُلِيُّ    المملكة تعزي العراق قيادة وحكومة وشعبًا في ضحايا «حريق الكوت»    تعليم الطائف يختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي لأكثر من 200 طالب وطالبة    صدور بيان عن السعودية و 10 دول حول تطورات الأحداث في سوريا    إنقاذ مواطن من الغرق أثناء ممارسة السباحة في ينبع    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في المنطقة الشرقية    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الأمير سعود بن نهار يلتقي المدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الغربي    أمير منطقة تبوك يستقبل معالي نائب وزير البيئة والمياه والزراعة    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    20 قتيلاً.. وتصعيد إنساني خطير في غزة.. مجزرة إسرائيلية في خان يونس    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    "الأحوال": جدد هويتك قبل انتهائها لتفادي الغرامة    بوتين لا ينوي وقف الحرب.. روسيا تواصل استهداف مدن أوكرانيا    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحولات السلفية الاسلامية والمشهد الراهن
نشر في الحياة يوم 22 - 09 - 2012

الدعوة السلفية نسبة إلى السلف الصالح، وفي اللغة، المتقدمون والسابقون، والمراد بها إصطلاحاً أهل القرون الثلاثة الأول. فهذه بشهادة النبي (صلى الله عليه وسلم) خير القرون. وهذا لا يشمل عندهم الأمور الدنيوية، وعلومها. وتُعتَبر السلفية امتداداً لمدرسة أهل الحديث في القرن 3ه، ورائدها ابن حنبل (855م)، في مواجهة المعتزلة، وانتهت هذه المواجهة بانتصار الخليفة المتوكل لمنهج ابن حنبل ومعتقده. ما لبثت السلفية أن شهدت انحساراً ملحوظاً شعبياً وسياسياً بعد انقسام الفقهاء وأهل الحديث إلى حنابلة وأشاعرة، وعلو موقع الأشاعرة. إلى أن أحيا ابن تيمية السلفية، في القرن الثالث عشر للهجرة، بالتزامن مع سيطرة التتار على بغداد عام 1259م. وتابع رسالته ابن قيم الجوزية (1350) وابن كثير (1394 ) وصولاً إلى محمد بن عبدالوهاب (1791).
يدعّي السلفيون أن دعوتهم قديمة تلتصق بالإسلام الصحيح النبوي. بينما ذهب الباحثون إلى أنها ظهرت بعد أن تسربت الثقافات الأجنبية، في العصر العباسي، ودخول النظر العقلي (علم الكلام) والتفلسف على المسلمين. فتمسكت السلفية بالمأثور على الرأي، وبالكتاب والسنة وفهمهما على طريقة السلف، وبالتوحيد الصحيح على حساب التوسل لغير الله، وتجنب البدع.
ارتبطت السلفية بوحدة الأصول العقائدية، وباختلاف أعلامها بالفروع، أي اتفقوا في الإلهيات واختلفوا في الفقهيات. وما يميزها أنها اشتهرت بطاعة أولي الأمر، والتدرج في إنكار المنكر، وعدم إعلان الجهاد إلا بإذن الحاكم، والمناصحة للحاكم. وتعدَّدت الاتجاهات السلفية حتى وصل الاختلاف بينها، في الوقت الراهن، حد التناقض، إذ لم يعد معطف السلفية قادراً على أن يجمع سلفية «جهادية» تدعو إلى الانقلاب على أنظمة الحكم، وسلفية «تقليدية» و «علمية»، تتبنى الفكر الانسحابي.
ومن إيجابيات منهجها النصوصي –وفق عمارة- أنه ضيق دائرة الحرام والحلال وحصرها على الأمور التي وردت فيها النصوص، أما ما عدا ذلك فأدخلوها في باب النافع والضار، على العكس الذين توسعوا في التحريم وضيقوا على الناس استناداً على القياس.
ومن آرائها الإيجابية، التي أتى بها ابن قيم الجوزية، قوله في»تغير الفتوى واختلافها وفق تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال»، وأن «الشريعة مبنية على مصالح العباد في المعاش والمعاد». كما ميَّز في الأحكام ما يتأسس منها على نص، وما يتغير بتغير الواقع والأحوال والمصالح. فأكد على أن «الفتاوى والأحكام تتغير وتختلف وفق تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال». وانعكس هذا الموقف على آرائهم السياسية.
بما أن (الشريعة) كانت تعني الشرع المنزَّل في الكتاب والسنة، فإنه مع التغيرات الحاصلة صار الفقهاء والحكام (يُشرعون) أحكاماً جديدة، فنشأ ما يسميه ابن القيم (شرع التأويل) الذي غدا بناء قانونياً ذا طبيعة مدنية وليس دينية، مصدره تأويلات الفقهاء. وأقر بعض أعلام السلفية أن (مقاصد الشريعة): العدل، تحقيق المصالح ودفع المضار. وبالتالي فإن كل ما يحقق هذه المصالح هو (شرع وشريعة). وقال ابن قيم: «فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحه بأي طريق كان، فثم شرع الله .. فإذا كانت (السياسية) عدلاً فهي من الشرع». فطوَّر هذا الرأي مضمون (الشريعة) ليشمل (السياسة) العادلة حتى يمكن التوفيق بين (فقه الواقع ) و (فقه الشرع).
لكن السلفية حافظت على إجماعها ضد الخروج على الحاكم الظالم. ذكَّر الفرار (1066م) بكلمات ابن حنبل القائلة: «ومن غلب بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً عليه، براً أو فاجراً، فهو أمير المؤمنين!». وهذا ما أكده ابن القيم.
استجابت السلفية لبساطة الفكر عند العامة، ولاقاها العامة بالتأييد. استمرت على هذا الحال في العصر الوسيط، وأكدت نفسها في القرن 18 في الوهابية والسنوسية تحت راية تجديد الدين وتنقيته من البدع. ثم استمرت كحركة تجديد وإحياء لدى الأفغاني وعبده، اللذين انطلقا من افتراض أساسي: إن الإسلام الصحيح لا يتعارض مع المدنية الحديثة. فجمعا بين التمسك، على طريقة السلف، بعقائد الدين وأصوله، وبين تجديدهما للدين وتحريرهما للعقل.
ولعل الإمام حسن البنا، أبرز شخصيات الإسلام السياسي، انطلق من النهج السلفي في إصلاحه، «الذي لخصه بالرجوع إلى الكتاب والسنة، «وتطهير العقول من الخرافات والأوهام»، غير أنه اختلف عن السلفيين في أنه وظَّف الدين بالسياسة، وقال إن الإسلام مصحف وسيف. فدشن بذلك عهد الإسلام السياسي. وفتح الطريق أمام انبعاث ما يسمَّى السلفية الجهادية، التي اتخذت أبعادها على يد سيد قطب. وجاءت دعوة أبي الاعلى المودودي (-1979م)، وتأسيسه ل (الجماعة الإسلامية)، في شبه القارة الهندية، لتشمل مقاصدها إصلاح جوانب الحياة جميعاً، لتُكمل رسالة البنا، وتتبنى تصوره التدخلي الاعتراضي في السياسة والحكم.
إلا أن هذا لم يُوقف موج السلفية التقليدية تحت مسميات (أنصار السنة) في العالم الإسلامي، وغيرها من المسميات، وتكاد تحصر دعوتها في التمسك بالكتاب والسنة ومحاربة ما طرأ على العقيدة الإسلامية من انحرافات، والالتزام بالسنة في القول والمظهر والسلوك. وقد وجد السلفيون أنفسهم مضطرين لمراجعة مواقفهم من السياسية ومن طريقة تعاملهم مع الأنظمة، فحدثت في صفوفهم انقسامات عديدة، لا سيما في أتون الصراع مع أميركا بعد حروب الخليج، فتمخض ذلك عن تقوية السلفية الجهادية، رغم ذلك بقيت الغلبة للسلفية الانسحابية عن السياسة، يساندها سلفية المشيخة الرسمية، التي سلِّمت للحاكم بالشأن السياسي.
ولعل تجربة الإسلاميين في تركيا والمغرب والأردن شجعت بعض رموز السلفية كسليمان العودة على تحبيذ دخول الإسلاميين في العمليات السياسية المرتكزة على مفاهيم غربية كالديمقراطية. في حين أن قطب، وورثته، قد أكدوا على أن المعركة بين الإسلام وأعدائه تدور حول التوحيد، وحول لمن يكون الحكم، حكم الله أو البشر؟! وحكمت هذه الرؤية تيارات السلفية الجهادية كافة وفي مقدمها «القاعدة». بينما حافظت جماعة الإخوان على نبذ العنف.
بقيت الغلبة للسلفية الوعظية الانسحابية، لكن ثورات الربيع العربي دفعتها إلى الانخراط بها، فحدث ما يمكن تسميته انفجار سلفي سياسي كبير، وهو ما نغَّص، في بعض جوانبه، المشهد السياسي، وذلك باقتران بعض تيارات السلفية بالجهادية. ظهر ذلك جلياً في الحوادث الأخيرة في بنغازي وتونس والقاهرة. أما في سورية، فتبدو كأنها امتداد لسلفية القاسمي ورضا، ثم غلب عليها، بعد محنة الثمانينات، التبعثر وانعدام التنظيم، والانسحاب من السياسة إذا استثنينا المشيخية الرسمية الملتصقة بالنظام خشية أو منفعة. أما السلفية الجهادية فقد وظفها النظام في معاركه الدامية في العراق ولبنان، وعند الضرورة أطلق، من سجونه، أبرز رموزها أبو مصعب السوري (مصطفى مزيك)!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.