أوضحت دراسة علمية حديثة أن كبر حجم ملكية الدولة السعودية وصناديقها المختلفة، إضافة إلى غياب الاستثمار المؤسسي هما أبرز مشكلتين أسهمتا في ارتفاع مؤشرات السوق إلى أرقام كبيرة في بدايات العقد الماضي، ومن ثم في تعميق أثر الأزمة التي شهدتها السوق في أوائل 2006. وقالت الدراسة التي قام بها عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة المستشار الاقتصادي لصحيفة «الحياة» الدكتور عبدالله بن ربيعان، ونال على إثرها درجة الدكتوراه من جامعة برونيل البريطانية، إن كفاءة السوق المالية السعودية تحسنت بعد القرارات الهيكلية والكبيرة، التي اتخذتها هيئة السوق المالية منذ تأسيسها في 2003، مشيراً إلى أن درجة الكفاءة كانت أكبر مقارنة بالدراسات السابقة للسوق، إلا أنها ما زالت غير مرضية، ولم تصل إلى معدلات درجات الكفاءة التي سجلت في بعض البلدان النامية. وقال ابن ربيعان إن الدراسة عبارة عن بحث كامل لسوق المال السعودية ولأسباب طفرتها وأزمتها، وكانت الدراسة بعنوانEffect of Regulation, Islamic Law, and Noise Traders on the Saudi Stock Market، واستخدمت بيانات يومية وأسبوعية ل50 شركة مساهمة مدرجة في سوق المال السعودية، وخمسة من مؤشرات القطاعات المختلفة في السوق، إضافة إلى مؤشر السوق الرئيسي تاسي Tasi، وغطت الدراسة الفترة من 2002 إلى 2008، واشتملت على ثلاثة فصول رئيسية، الأول: أثر إعادة الهيكلة والتنظيم على كفاءة سوق الأسهم السعودية. وفي هذا الباب تم استخدام خمسة اختبارات إحصائية واقتصادية هي اختبار Autocorrelation، واختبار الرنز Runs test، فيلتر رول Filter rule test، ومعدل التباين Variance ratio test، وأخيراً اختبار Co-integration test. وتم تقسيم البيانات إلى فترتين لدرس أثر اللوائح والأنظمة، التي أصدرتها هيئة السوق تباعاً خلال فترة الدراسة في كفاءة السوق، واتضح أنه باستثناء فترة الأزمة، كان هناك تحسن ملحوظ في كفاءة السوق السعودية خلال فترة الدراسة، كما كانت درجة الكفاءة التي توصلت لها الدراسة أفضل بكثير مقارنة بالدراسات السابقة، التي كان محورها قياس كفاءة السوق المالية السعودية. كما وجدت الدراسة وبحسب نموذج فاما وفرينش Fama and French s three factor model تأثيراً سلبياً في الكفاءة، ناتج من تأثيرات الشركة الصغيرة small size effect، إذ تحقق الشركات الصغيرة في العادة عوائد تفوق الشركات الكبيرة، وأثر حجم الشركة في مقابل النموvalue versus growth effect، وغيرها من العوامل المعروفة في الدراسات التي تركز على دراسة كفاءة الأسواق المالية. وختم الباحث هذا الفصل بالتوصية بتعميق السوق، وإدراج شركات كبيرة فيها، وتقليل ملكية الصناديق الحكومية للأسهم، وهي الأسباب الرئيسية التي أعطت المضاربين قدرة كبيرة على التحكم في أسعار المتاح من الأسهم، ورفعها لأسعار لا تعكس القيمة الجوهريةIntrinsic value للسهم وعوائده بحسب الطرق العلمية المعروفة، ما أدى لانفجار الفقاعة، مع تزايد تضخم الأسعار. المخاطر النوعية وفي الفصل الثاني، ناقشت الدراسة أثر الشريعة الإسلامية من خلال تحريم الربا على معدلات التذبذب في متوسطات وتباين عوائد الأسهم السعودية. وقسمت الدراسة الأسهم بحسب التصنيف الشرعي لها إلى أسهم محرمة، ومختلطة، وحلال، واستخدمت نماذج اقتصادية متقدمة لقياس درجة تذبذب أو تطايرية Volatility الأسهم، ووجدت باستخدام نموذج Multivariate Garch الشهير في قياس تطايرية الأسهم، أن التذبذب في الأسهم الحلال والمختلطة كان أكبر من التذبذب في الأسهم المحرمة. ويعود السبب - بحسب الإحصاءات - إلى كبر حجم الإقبال الذي شهدته هذه النوعية من الأسهم خلال وقت الطفرة الذي شهدته السوق، لاسيما وأن السوق يسيطر عليها الاستثمار الفردي بنسبة تفوق 94 في المئة خلال مدة الدراسة. إضافة لذلك، أوضحت مصفوفة التغاير Co-variance بين قطاعات السوق المختلفة، استقلالية كبيرة للقطاع البنكي (المحرم بحسب التصنيف الشرعي، عدا مصرفي الراجحي والبلاد)، ولم يوجد أي تأثير متبادل في تباين العوائد بين هذا القطاع وبقية القطاعات، التي تم تصنيفها إلى حلال ومختلطة بحسب الشريعة الإسلامية. واعتمدت الدراسة على قوائم الشيخين يوسف الشبيلي ومحمد العصيمي في تصنيف الشركات إلى «محرمة، ومختلطة، وحلال»، ووجد عموماً - مع بعض الاستثناءات - أنه كلما كانت نسبة التطهير في الشركة أقل كانت عوائدها أكثر تذبذباً وتطايرية، ما يعكس الإقبال الكبير من المستثمرين الأفراد على هذه النوعية من الأسهم. وأوصت الدراسة في هذا الفصل بزيادة وخلق أوعية تمويل متوافقة مع الشريعة الإسلامية، بما يشتت التركز الكبير في أسهم الشركات الحلال شرعاً، ويعيد توزيع الاستثمار بشكل أوسع على جميع الشركات والأسهم المتاحة في السوق، ويقلل المخاطر النوعية idiosyncratic risk التي يواجهها بعض المستثمرين، بسبب تفضيلاتهم لأسهم معينة بسبب العامل الشرعي. سلوك القطيع الفصل الثالث، ركّز في الجزء الأول على دراسة ظاهرة سلوك القطيع Herd behaviour في سوق الأسهم السعودية، وتعرف الظاهرة بأنها تخلي المستثمر في السوق عن قناعاته وتوقعاته وتفضيلاته، واتباع سلوك استثماري يعتمد على تقليد أو اتباع ما يفعله الآخرون. وتدخل في الموضوع توصيات الأصدقاء، ورسائل الجوال، وتوصيات المنتديات المهتمة بالأسهم. وفي الجزء الثاني من الفصل الأخير، ناقشت الدراسة تأثير التذبذب الكبير في عوائد الأسهم خلال فترة الدراسة، وأثر الفقاعة في حجم هذا التذبذب. واستخدم الباحث نموذج ماركوف Markov regime switching، لتحديد عدد مرات انتقال «متوسط» و«تباين» المؤشر العام والمؤشرات القطاعية لسوق الأسهم السعودية من مرحلة إلى أخرى. وكان تأثير الفقاعة واضحاً في الدراسة، من خلال انتقال السوق من مرحلة إلى أخرى قبل وبعد الأزمة. وفي المجمل وجدت أن السوق السعودية مرت بثلاث مراحل أو انتقالات تمت ملاحظتها قبل وأثناء وبعد الأزمة.