الأخضر يختتم مشاركته في مونديال السلة الموحدة ببورتوريكو بحصاد فضية الرجال ورابع السيدات    الشورى : الميزانية تعكس نجاح الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية وفق رؤية المملكة    الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر تحصد شهادة الاستثمار ذي الأثر الاجتماعي    وزير التجارة يوافق على قواعد المستفيد الحقيقي    البديوي: تصريحات المسؤولين الإيرانيين مغلوطة ومرفوضة    شراكة استراتيجية بين مجموعة روتانا للموسيقى و HONOR توثق لحظات لا تتكرر انطلاقا من جلسة شعبيات محمد عبده    سوق الأسهم السعودية يغلق متراجعا وسط سيولة 3.5 مليارات ريال    5 محطات ركاب للقطار الكهربائي السريع بين الرياض والدوحة    هيئة التأمين تطلق 15 خدمة رقمية جديدة    أمير الرياض يطلع على المشاريع والخطط الإستراتيجية لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الذوق العام    انطلاق معرض جدة للكتاب 2025 الخميس المقبل    "العلا" تتوج عالميًا كأفضل مشروع سياحي    "إرث العقارية" تشارك بصفتها الراعي الماسي في مؤتمر سلاسل الإمداد 2025 وتعرض مشروع "مجمَّع سويفت اللوجستي"    ولي العهد وأمير قطر يرأسان مجلس التنسيق السعودي القطري    تجمع الرياض الصحي الأول يشارك في تفعيل النسخة الثانية من مبادرة "10KSA"    "التحالف الإسلامي" يطلق برنامج الاستخبارات التكتيكية بالرياض    "التخصصي" يتوج بثلاث جوائز في مجال الخزينة وإدارة النقد بقطاع الرعاية الصحية    الأهلي يتفق على تمديد عقد ميندي    خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يهنئان الرئيس السوري بذكرى يوم التحرير    صلاح يهدد بالاستبعاد عن مواجهة انتر ميلان    إحالة منشأة تجارية إلى النيابة العامة لتداول أجهزة طبية مخالفة للنظام    الصناعات الإيرانية حاضرة في معرض المنتجات العربية والعالمية بمكة    4.8% نمو الاقتصاد السعودي خلال الربع الثالث من 2025    إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال شمال مدينة القدس    أمانة القصيم ترفع جاهزيتها لاستقبال الحالة المطرية المتوقعة    عازم و تجمع عسير الصحي توقّعان مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروع " خطوة "    ⁨الإسلام دين السلام لا إرهاب وعنف⁩    «أحياها» تشارك في ختام «دُرّة طلال» وتحتفي بتأهيل 25 مقدمة رعاية بالأحساء    ثلاث مدن سعودية تنضم إلى شبكة اليونسكو العالمية لمدن التعلّم    تايلاند تشن غارات جوية ضد أهداف للجيش الكمبودي    التدخل العاجل ينقذ 124 حالة بمستشفى أجياد    أمير نجران يطلع على سير العمل في قطاعات الأمن العام    نتائج المسح الصحي الوطني لعام 2025.. 95.7 % من البالغين لديهم تغطية ل«نفقات الرعاية»    للعام الخامس على التوالي.. يزيد الراجحي يتوج ببطولة السعودية تويوتا للراليات الصحراوية    ميسي يقود إنتر ميامي للقب الدوري الأمريكي    لا تلوموني في هواها    في معرض "أرتيجانو آن فييرا" بمدينة ميلانو.. «الثقافية» تعرف العالم بتاريخ وثقافة السعودية    اعتمد لجنة لتطوير الحوكمة.. «الألكسو» برئاسة السعودية: إنشاء المركز العربي لدعم المسار المهني    العزف على سيمفونية حياتك    حماس تشترط انتهاء الاحتلال لتسليم السلاح    «الدعم السريع» يقصف المدنيين في كردفان    آل الشيخ يطلق النسخة الثانية من مبادرة «ليلة العمر».. رسم بداية جديدة لشباب الوطن    «سار» تحصد جائزة أفضل مركز اتصال بقطاع السفر    اشتراط تفعيل الجواز للسفر بالهوية الوطنية    أكد أن العملية على وشك الانتهاء.. المبعوث الأمريكي: اتفاق السلام في أوكرانيا في «الأمتار العشرة»    السمنة تسرع تراكم علامات الزهايمر    جامعة الطائف تكشف بدراسة علمية عن مؤشرات فسيولوجية جديدة للمها العربي في بيئته الطبيعية    تدابير الله كلها خير    زراعي عسير: أكثر من 6 ملايين ريال عائد اقتصادي للعمل التطوعي    الجوازات تضع شرطا للسفر لدول الخليج بالهوية الوطنية    إنه عمل غير صالح    نائب أمير الشرقية يطلع على أعمال فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بالمنطقة    تتم عبر تصريح «نسك» للرجال والنساء.. تحديد زيارة الروضة الشريفة ب«مرة» سنوياً    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله.. ويعلن انضمام أمانة الرياض لعضوية المنظمة العالمية "ISOCARP"    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. "التخصصات الصحية" تحتفي ب 12,591 خريجًا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    أمير منطقة جازان يؤدى واجب العزاء والمواساة لإبراهيم بن صالح هملان أحد أفراد الحماية (الأمن) في وفاة شقيقته    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ايران – الولايات المتحدة: ثلاثون عاماً من الصمت والرفض والرغبة
نشر في الحياة يوم 20 - 02 - 2009

لم تؤكد الحكومة الإيرانية المعلومات المتداولة عن لقاء جمع كبير مستشاري الرئيس الإيراني مجتبي هاشمي ثمرة مع وزير الدفاع الأميركي وليام غيتس، إلاّ أن الحدث يعيد الى الأذهان العلاقة بين طهران وواشنطن خلال الأعوام الثلاثين الماضية والتي امتازت بالصمت والرغبة والرفض. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 1979 أي بعد ثمانية أشهر من نجاح الثورة، عقد أول اجتماع رسمي بين رئيس الوزراء الإيراني آنذاك مهدي بازركان ومستشار الأمن القومي الأميركي زبيغنيو بريجنسكي في العاصمة الجزائرية على هامش مشاركة الطرفين في احتفالات الجزائر بذكرى استقلالها. وشارك في المباحثات وزير الخارجية الإيراني ابراهيم يزدي ووزير الدفاع مصطفى شمران، واعتبر الاجتماع الأول من نوعه بعد أن اعترفت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بالحكومة الجديدة الموقتة التي رأسها بازركان. مهدي بازركان الذي كان يعرف خطورة اللقاء قدم حال عدته من الجزائر تقريراً للبرلمان الإيراني مدافعاً عن خطوته التي لم ترض منتقديه الذين وصفوه ب «الأميركي» وحكومته ب «الحكومة الليبرالية الأميركية». ولعبت الصدفة دورها حيث أقدم الطلاب السائرون على نهج الإمام الخميني بعد أربعة أيام من ذلك باحتلال مبنى السفارة الأميركية في طهران والذي صادف ذكرى إبعاد الإمام الخميني من إيران الى تركيا ومن ثم الى العراق. ويعتقد المطلعون على خفايا هذا الحادث أن الطلاب الإيرانيين أرادوا إرسال رسالة لحكومة بازركان يقولون فيها ان التاريخ لن يعيد نفسه وان الولايات المتحدة لا يمكن ان تعود الى إيران كما عادت بعد حركة الدكتور محمد مصدق عام 1953. وعلى رغم ان اجتماع بازركان – بريجنسكي الذي دام أكثر من ساعتين لم يسفر عن أي تعهد من الطرفين، وعن أي مذكرة إلا أن بازركان لم يستطع الصمود أمام حادث السفارة الأميركية الذي أجبره على تقديم استقالته للإمام الخميني الذي كان عينه رئيساً للحكومة الإيرانية الموقتة بعد نجاح الثورة في 11 شباط (فبراير) 1979. والغريب في الأمر، ان اتصالاً آخر كان أُجري في طهران قبل يومين من مباحثات الجزائر بين محمد حسين بهشتي أحد أبرز المقربين من الخميني ومسؤولين من السفارة الأميركية، وذلك في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1979 لكن هذا الاجتماع الذي عقد في مكتب بهشتي لم يعلن عنه إلا بعد تسعة وعشرين عاماً وتحديداً في صيف 2008، ولم يستطع في حينه إسقاط بهشتي الذي ظل على علاقة حميمية مع الخميني حتى مقتله في حادث انفجار الحزب الجمهوري عام 1981 بأيدي منظمة «مجاهدين خلق» المنشقة. في المرحلة اللاحقة، ظهرت طبق من الثوريين الإيرانيين قادوا مباحثات جديدة مع الجانب الأميركي على خلفية احتلال السفارة في طهران، وقاد المباحثات من الجانب الإيراني بهزاد نبوي زعيم حركة مجاهدي الثورة الإسلامية مقابل وارن كريستوفر من الجانب الأميركي. وانصبت المباحثات على مصير الرهائن والأرصدة الإيرانية المحتجزة في البنوك الأميركية. مفاوضات صامتة خلال الثلاثين عاماً الماضية، كانت هناك رغبة جامحة لإجراء مباحثات بين الجانبين، من خلال عدد من السياسيين في البلدين كانوا يدافعون عن إعادة العلاقات الديبلوماسية، وحل الملفات العالقة بين الجانبين. لكن هذه الرغبات كانت تصطدم بعدد من العوائق، خصوصاً من الجانب الإيراني الذي كان يسعى لتعزيز القيم الثورية المعادية للولايات المتحدة، بقدر ما يرغب بإبداء واشنطن احترامها للثورة الإسلامية في إيران. أما الجانب الأميركي فكان يرى أنه فقد الكثير من صدقيته حينما احتلت السفارة الأميركية في طهران، وان على الإيرانيين العمل على إعادة ما دمروه بخطوتهم تلك. وعدا مباحثات الجزائر بشكل علني، أُجريت جميع الاتصالات والحوارات بين مسؤولي البلدين بعيداً من الأضواء، وكان طبيعياً أن تكون الاتصالات سرية لإذابة الثلوج المتراكمة بين البلدين والتي تقف حائلاً دون البحث في إعادة العلاقات. لكن المصادر السياسية والصحافية استطاعت أن تكشف الكثير من هذه الاتصالات التي كانت في مجملها تحاول حل المشاكل المالية والتجارية، أو أنها كانت تحاول شراء قطع الغيار للتجهيزات العسكرية الإيرانية. ومن ضمن الاتصالات ذلك الاجتماع الذي عقد في آذار (مارس) 1980 بين مبعوث ايراني لم يكشف عن اسمه وويليام كيسي مستشار الرئيس الأميركي رونالد ريغان ومدير حملته الانتخابية في فندق ريتز في مدريد، حيث شارك في المباحثات عدد من الشخصيات السياسية. وعقد اجتماع آخر في أيار (مايو) من العام نفسه حضره من الجانب الأميركي ارل برين وكيتر ومن الجانب الإيراني خسرو فخرية الذي اغتيل في ما بعد. وفي منتصف شهر تموز (يوليو) 1980 جرى اللقاء الثالث للحصول على التجهيزات العسكرية التي كانت إيران تحتاجها، خصوصاً قطع الغيار التي بدأت تنفد من المخازن العسكرية. وهذا ما دفع الجانبين الى لقاء رابع في آب (أغسطس) من العام نفسه بين ممثلين غير رسميين في فندق ماريوت في امستردام حيث قدم الجانب الإيراني قائمة باحتياجاته من قطع الغيار والتجهيزات العسكرية. وجرى لقاء آخر بين الجانبين بعد بدء الحرب العراقية – الإيرانية في مدينة بارسلون الإسبانية اتفقا خلاله على رفع مستوى المباحثات، وبناء على ذلك عقد اجتماع آخر في منتصف أيلول (سبتمبر) لمدة يومين في فندق ماريوت في أمستردام. وفي 2 تشرين الأول (أكتوبر) 1980 عقد اجتماع في فندق لوانفات بلازا في واشنطن شارك فيه من الجانب الأميركي روبرت ماكفرلين وريتشارد الن ولارنس سيلزمان. ومع بدء الحرب العراقية – الإيرانية عقد اجتماع آخر في منتصف تشرين الأول في باريس شارك فيه روبرت كيتز، وجورج كيو وروبرت ماكفرلين ودونالد كرك وجورج بوش اضافة الى وليام كيسي، حيث نوقشت آلية الإفراج عن الرهائن الأميركيين في طهران، في الوقت الذي تقدمت طهران بقائمة لشراء سلاح وقطع غيار قدرت ببليون دولار. ماكفرلين وكانت زيارة روبرت ماكفرلين الى طهران من أهم الأحداث على صعيد العلاقات بين البلدين، بعد مباحثات الجزائر، وألقت الضوء على الاتصالات التي حدثت قبل هذا التاريخ. ففي احتفال إيران بالذكرى السابعة لاحتلال السفارة الأميركية، وتحديداً في 4 تشرين الثاني 1986 كشف علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الشورى، عن زيارة ماكفرلين بعد خمسة أشهر من وقوعها، وكانت حديث المحافل السياسية خارج إيران لكن الإيرانيين لم يكونوا يعرفون ذلك إلاّ من الإذاعات الأجنبية. ونقل رفسنجاني معلومات موثقة عن الزيارة وقال ان ماكفرلين زار ايران باسم مستعار هو شون دوبلين وبجواز سفر ارلندي. ونقل رفسنجاني ان ماكفرلين وصل الى طهران على متن طائرة تحمل شحنة من التجهيزات العسكرية المشتراة، حطت في مطار قلعة مرغى العسكري جنوب طهران. وأشار رفسنجاني الى أن ماكفرلين عرف بنفسه لدى نزوله من الطائرة، حيث مكث في المطار لليوم الأول قبل أن يسمح له ولبقية أعضاء الوفد بالتوجه الى فندق استقلال. والتقى الوفد في الفندق المذكور كلاً من فريدون وردي نجاد الذي كان ممثلاً لاستخبارات الحرس الثوري – عمل في ما بعد مديراً لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية وبعد ذلك سفيراً لإيران في الصين – والسفير محمد علي هادي ممثلاً عن وزارة الخارجية. وطلب الوفد الأميركي لقاء رئيس الجمهورية علي خامنئي، ورئيس مجلس الشورى هاشمي رفسنجاني، ورئيس مجلس القضاء الأعلى آية الله عبدالكريم اردبيلي، إلا أن هؤلاء امتنعوا من لقاء الوفد. وغادر ماكفرلين والوفد المرافق طهران بعد ثلاثة أيام، وست جولات من المباحثات، تاركين هدايا للمسؤولين الإيرانيين: ثلاث قطع سلاح شخصية لرؤساء السلطات الثلاث، وقطعة كيك لرئاسة الجيش الإيراني، وانجيل وقعه الرئيس ريغان أهدي الى الإمام الخميني! وفي المباحثات كان ملف الرهائن الأميركيين في لبنان على طاولة الحوار، فساهمت ايران بإطلاق أحد هؤلاء الرهائن، ما دفع طهران الى مطالبة الجانب الأميركي بإرسال السلاح اليها. وهنا دخلت إسرائيل على الخط فنقل السلاح من واشنطن الى تل أبيب بواسطة الخطوط الجوية الإسرائيلية ومن هناك الى مطار تبريز بواسطة طائرة أرجنتينية إذ لم تكن طهران ترغب باستخدام طائرة اسرائيلية. الصفقة الأولى كانت بقيمة 500 مليون دولار، وصلت شحنتها الأولى في أيلول (سبتمبر) 1985 وشملت طائرة حملت صواريخ ناو، وبعد أسبوعين وصلت الشحنة الثانية فأطلقت الرهينة الأميركية الثانية وهي القس الأميركي بنجامين وبر. لكن الإيرانيين علموا في ما بعد، ان 18 صاروخاً من صواريخ ناو كانت اسرائيلية الصنع، الأمر الذي أدى الى انزعاجهم، وأثر ذلك بشكل واضح على التعامل في هذا المجال. وفسر هاشمي رفسنجاني هذه الخطوة خلال حديثه الى مجلة «كيهان هوايي» بأن الأميركيين أرادوا أن يقولوا للرأي العام ان إيران تستخدم أسلحة إسرائيلية. وتبين في ما بعد أن الجانب الأميركي عقد الصفقة لحساب المجموعات المعارضة للرئيس النيكاراغوي دانيال اورتيغا والتي عرفت في ما بعد بصفقة إيران – كونترا، لأن الكونغرس كان يحظر دعم هذه المجموعات. ديبلوماسية الانجيل حاولت الحكومة الأميركية ترميم فضيحة ايران – كونترا، لتبدأ فصلاً جديداً من الديبلوماسية، فالتقى وفد أميركي علي هاشمي ابن شقيق هاشمي رفسنجاني في بلجيكا، وتركز الاهتمام برفسنجاني الذي اعتبر الوحيد الذي يملك مفاتيح العلاقات مع الولايات المتحدة. وبحسب ما نقل علي هاشمي، فإن اتصالاً تم معه في تشرين الأول 1986، الهدف منه نقل رسالة خاصة لعمه هاشمي رفسنجاني. وتبين في ما بعد أن الوفد شمل شخصيات تعمل مع مجلس الأمن القومي الأميركي منهم ريتشارد سيكورد (عمل معاوناً لوزير الدفاع، إضافة الى عمله لمدة طويلة في إيران). وكانت رغبة هؤلاء مناقشة الأسباب التي أدت الى فشل مهمة ماكفرلين، إضافة الى طلبهم الحوار مع وفد رسمي إيراني. والواقع ان عدم استعداد أي وفد رسمي ايراني للجلوس مع الأميركيين كان سبب وصول العلاقات بين البلدين خلال الثلاثين عاماً الماضية الى طريق مسدود. وتوالت جهود علي هاشمي لجمع الأميركيين والإيرانيين في كل من تركيا والولايات المتحدة، وكانت ترتكز بمجملها على التعاون الاقتصادي والفني، حتى توقفت هذه الجهود بسبب انكشاف مهمة ماكفرلين. الديبلوماسية الاقتصادية في هذه الأجواء كانت الحرب العراقية – الإيرانية وصلت لمرحلة حاسمة، بعدما أدركت القوى الكبرى ضرورة وضع حد لها، وزادت الضغوط على إيران مع حرب الناقلات والاشتباكات بين البحريتين الإيرانية والأميركية في الخليج، إذ هاجمت البحرية الأميركية حقول النفط الإيرانية في تلك المنطقة، ما أدى في نهاية المطاف الى إسقاط طائرة الركاب المدنية الإيرانية وعودة العلاقة بين البلدين الى المواجهة. لكن وصول هاشمي رفسنجاني الى الرئاسة، متزامناً مع وصول جورج بوش الأب الى البيت الأبيض، أعطى أملاً في إخراج العلاقات من طريقها المسدود، فشهدت ولاية رفسنجاني آراء تقول بجواز التعامل اقتصادياً مع الولايات المتحدة، على الرغم من حساسية هذا الأمر على صعيد الشارع الإيراني. وأعلن مجلس الأمن القومي الإيراني موافقته على التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة موفراً الغطاء السياسي لتوجهات الرئاسة الإيرانية، في الوقت الذي وافق مجلس الأمن الأميركي على هذا الأمر أيضاً، ما ساعد في جعل التبادل التجاري بين البلدين يصل الى بليون دولار خلال أشهر قليلة. وكانت سياسة إعادة البناء التي انتهجتها حكومة الرئيس هاشمي رفسنجاني (1989 – 1997) تحتاج الى الكثير من القدرات الفنية لإعادة تشغيل المعامل والمصافي ومعامل البتروكيماويات، حيث استطاعت ايران شراء المعدات والأجهزة، لتشغيل هذه المعامل والمصانع التي توقفت عن العمل في الحرب. وكان واضحاً ان الحكومة الأميركية كانت تسعى لإعادة العلاقات مع طهران، إلا أن مثل هذه الرغبة كانت تواجه بممانعة إيرانية لأسباب تتعلق بالوضع الداخلي. وظهر واضحاً أن الإدارة الأميركية كانت تستعجل إعادة العلاقات، وكان طلبها يتمحور على إرسال مسؤول كبير الى طهران ليضع حداً للعلاقات المتوترة مع الجمهورية الإسلامية. وفي ذلك يقول علي هاشمي: «لقد تم اتصال بين وزير الخارجية الأميركي وممثل ايران لدى منظمة الأمم المتحدة خلال ولاية جورج بوش الأب من أجل ترتيب اتصال هاتفي بين الرئيسين بوش ورفسنجاني. ولم يتأخر الرئيس بوش
كثيراً حيث قام بالاتصال في اليوم التالي بمكتب الرئيس رفسنجاني طالباً التحدث مع السيد هاشمي لكن هذه الخطوة جوبهت بمعارضة من قبل الرئيس هاشمي رفسنجاني لأنه لم تكن هناك رغبة بمثل هذا الاتصال، وقد تكرر الاتصال الهاتفي لكن في كل مرة كان يقطع الهاتف». وعلى رغم الخطوات الحذرة التي انتهجتها طهران وواشنطن في ولاية الرئيس رفسنجاني والتي كانت بمجملها تصب في الإطار الاقتصادي وليس الديبلوماسي، إلا أنها وصلت بسرعة الى طريق مسدود، بسبب استعجال الحكومة الأميركية انتهاج سياسة المقاطعة الاقتصادية حيال ايران، حيث شملت هذه المقاطعة كافة العقود النفطية والاقتصادية، والتي كان من ضمنها عقد شركة «كونوكو»، في الوقت الذي كانت مجموعة «هاليبرتون» الأميركية تخطط للعمل في ايران من خلال شركة إيرانية حيث أشيع في طهران ان ديك تشيني أحد أبرز المساهمين في الشركة المذكورة قد قام بزيارة طهران في ذلك الحين. وبصدور قانون «داماتو» عام 1996 الذي حظّر العمل في المناقصات النفطية الإيرانية، انكمشت مرة أخرى العلاقات الاقتصادية حيث عمل الجانبان بعد ذلك على إعادة الأوضاع الى ما كانت عليه، لكن المساعي كانت تفشل في كل مرة لاختلاف النوايا حيث كان الجانب الإيراني يسعى للتعاون الاقتصادي في الوقت الذي كان الجانب الأميركي ينظر للعلاقات الديبلوماسية. وأوجد فوز الرئيس محمد خاتمي في انتخابات الرئاسة الإيرانية عام 1997 الكثير من الأمل لدى الإيرانيين والأميركيين على حد سواء، بقرب الانفراج في العلاقات الثنائية خصوصاً، وان الرئيس خاتمي وصف للمرة الأولى خلال لقائه مع قناة «سي. ان. ان» الشعب الأميركي ب «الشعب الكبير» ما لقي اشادة من قبل الرئيس بيل كلينتون. لكن الذي فاجأ المراقبين امتناع الرئيس محمد خاتمي عن مصافحة الرئيس كلينتون على هامش اجتماع منظمة الأمم المتحدة، وتعمده عدم المشاركة في الصورة التي التقطت للرؤساء المشاركين في الاجتماع المذكور. وشهدت ولاية خاتمي الكثير من الاتصالات بين وفود إيرانية غير رسمية مع وفود أميركية في عواصم أوروبية، كما أن البلدين شاركا في اجتماعات مشتركة وفي عمليات تنسيق في حوادث مشتركة وتطورات مهمة كالهجوم الأميركي على أفغانستان والعراق، ومشاركة ايران في اجتماع بون الذي حضرته الولايات المتحدة، وقبل ذلك أصدرت الحكومة الإيرانية بياناً عزّت فيه الشعب الأميركي بأحداث الحادي عشر من أيلول ما أثار انتقادات كثيرة داخل إيران حيث صار بيان التعزية وصمة عار على خاتمي من قبل منتقديه. وعلى رغم كل ذلك أدرجت الحكومة الأميركية اسم إيران في محور جديد أطلق عليه اسم «محور الشر». وتعرض الرئيس خاتمي لضغوط متعددة من قبل الداخل الإيراني، وتحديداً من المحافظين من أجل عدم فتح باب الحوار مع واشنطن لأنهم كانوا يعتقدون بأن مثل هذه الخطوة ستجعل الإصلاحيين يحكمون إيران لسنوات طويلة. وبفوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بالرئاسة الإيرانية عام 2005، صار يسمع بوضوح ما كان محظوراً في العهود السابقة. حيث رحبت الحكومة الإيرانية بالحوار مع الولايات المتحدة، وحصلت حوارات مباشرة بين الجانبين في بغداد حيث كانت المرة الثانية التي تسجل فيها مثل هذه المباحثات العلنية المباشرة بعد مباحثات الجزائر. وعقدت في هذا الإطار ثلاثة اجتماعات بين آذار وشباط 2007 بين سفراء ايران والولايات المتحدة في العراق بمشاركة عراقية. هذه الورقة الخضراء التي أعطيت لحكومة الرئيس أحمدي نجاد، لم تكن متوافرة للحكومات السابقة ويبدو ان المحافظين هم الأقدر في ايران على فتح باب الحوار مع الولايات المتحدة حيث وجه الرئيس أحمدي نجاد رسالة اعتبرت الأولى من نوعها الى الرئيس الأميركي باراك أوباما هنأه فيها على فوزه في الانتخابات الرئاسية أمام منافسه الجمهوري جون ماكين، والتي جاءت - كما يقول المطلعون – على أثر المباحثات التي أُجريت في إحدى العواصم الأوروبية في تشرين الثاني 2008 بين كبير مستشاري الرئيس الإيراني مجتبى هاشمي ثمره ووزير الدفاع الأميركي السابق وليام بري.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.