أمير الرياض يلتقي نائب وزير الحرس الوطني    سعود بن بندر يستقبل قائد المنطقة الشرقية    «محمية الإمام تركي» تنضم لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    استثمار في الثقافة    فيصل بن نواف يطلع على تقرير "سهل التعليمية"    "الجيوسياسية".. تحرك سوق النفط    ‏قائد قوة جازان يزور المنطقة الخامسة ويشيد بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية    غزة.. قصف إسرائيلي يوقع 50 شهيداً خلال يوم واحد    لبنان: «إسرائيل» تقصف مخزن أسلحة ل«حزب الله»    أربعة قتلى بنيران مسلح في ميشيغن.. وترمب يصفه بجزء من "وباء العنف"    أمير حائل: المبادرات تدعم الحراك الرياضي والسياحي    ليلة الخذلان من لوران بلان    سعود بن نايف يكرم شركاء نجاح "سند"    مطالبات شورية لتطوير مبادرات تعزز أثر القطاع غير الربحي    المعلم أولًا..    أمير جازان يرعى ندوة "بلادنا تأريخ وحضارة" والتي ينظمها نادي الثقافة والفنون بصبيا    أمير جازان يطلق فعاليات منتدى فكر    تكريم الفائزين بجائزة «صيتة» في الزلفي    جمعية تكتب الأدب كما يُصنع الفن    «العظام والمفاصل» بمستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة.. رعاية صحية وفق أعلى المعايير.. أميز الكفاءات.. وأحدث التجهيزات    تداول يعوض خسارته ويرتفع 204 نقاط    8% نموا في الإيرادات السعودية غير النفطية    الأهلي يتأخر في النتيجة مجددا قبل التعادل مع الدحيل    الأهلي يتعادل إيجابياً مع الدحيل القطري في نخبة آسيا    167 ألفا مخالفات المنشآت لحماية الأجور    الصندوق السعودي للأفلام يعتمد ريفيرا كونتنت اسما جديدا    البيان المشترك لوزراء خارجية السعودية والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر ومصر    9 بنود في خطة ترمب لإنهاء حرب غزة    الانتماء الوطني والمواطنة: ركيزتان لبناء المجتمع وترسيخ الهوية    7 موضوعات ملهمة تعزز الوعي والتحصين بجازان    81 مليار ريال استثمارات السعودية في البنية التحتية الثقافية    الشورى لبنك التنمية الاجتماعية: استثمروا في التمويل الجماعي    جمعية رعاية ا الأيتام بنجران تحتفل مع أبنائها الأيتام في برنامج عناية باليوم الوطني 95    بحضور الأمراء.. نائب أمير مكة يشارك في صلاة الميت على الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة ضمن برنامج تماسك في الكلية التقنية بصامطة    لا للتهجير أو الاحتلال.. البيت الأبيض ينشر خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة    الهلال يتفوق على ناساف في الأسيوية    نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    الاتحاد يرد على تقارير رحيل بنزيما    محافظ صبيا يكرم مدير مكتب التعليم بمناسبة انتهاء فترة عمله    إجازة لستة أيام ومباراة ودية للفتح خلال فترة التوقف الدولي    "سعود الطبية" تنظّم ملتقى "صوت المستفيد يقود التغيير"    الهيئة السعودية للتخصصات السعودية تعتمد برنامج طب التخدير في تجمع تبوك الصحي    محافظة الفرشة بتهامة قحطان تحتفل باليوم الوطني 95 وسط حضور جماهيري واسع    أكد التزامها بالتنمية المستدامة.. وزير الخارجية: السعودية تترجم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة لواقع ملموس    «هيئة الشورى» تحيل 20 موضوعاً للجان المتخصصة    خلال مشاركته في المؤتمر السعودي للقانون.. وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    معرض الكتاب.. نافذة على عوالم لا تنتهي    5.5 مليار ريال فائض تجاري    الخريف يبدأ زيارة إلى هانوي.. تعزيز التعاون الصناعي والتعديني بين المملكة وفيتنام    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    وزارة الرياضة تعلن نتائج التحقيق في أحداث مباراة القادسية والعروبة    صالات النوادي والروائح المزعجة    ورقة إخلاء الطرف.. هل حياة المريض بلا قيمة؟    "الشؤون الإسلامية" تواصل جهودها التوعوية في الجعرانة    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    الاهتمام بتطوير التجربة الإيمانية لضيوف الرحمن.. «الحج» : التنسيق مع ممثلي 60 دولة للموسم القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الإرث الطائفي واستثماره... وفي إنكاره أيضاً
نشر في الحياة يوم 18 - 05 - 2012

سيكون مشروعاً تماماً اتهامُ النظام السوري بالاستثمار في الورقة الطائفية، وصولاً إلى تصويره الثورة على أنها ثورة أصولية سنّية، مع أن الخلاصة الأخيرة أيضاً لا تشفع لبقائه في السلطة إذا اعتمدنا المنطق العددي في الحساب الأكثري والأقلوي. ثمة افتراض خبيث يريد النظام ترويجه، مفاده أن الثورة لم تكن لتحدث لو أن العائلة الحاكمة انتمت إلى مذهب الغالبية، وبهذا يتنصل من أفعاله ملقياً بالتبعات على انتمائه الطائفي. لكن تفنيد زعم النظام لا يعني تلقائياً نفيه تماماً، إذ ليس من المستبعد أن يساعد الانتماء الأقلوي له في ترسيخ الشعور بالتهميش والنقمة لدى الأكثرية المذهبية. والحال أن تقاذف الاتهام بالطائفية، تلميحاً أو تصريحاً، تفاقم إلى حد يغري بالتشكيك في النجاح الساحق للنظام على هذا المضمار تحديداً واحتسابه له فقط.
بعد مرور أشهر قليلة على بدء الثورة أخذ تقاذف الاتهامات بالطائفية يظهر إلى العلن في أوساط المعارضة أيضاً، ولم يعد مقتصراً على الأحاديث الشفوية الجانبية كما كان يحدث من قبل، وعلى رغم إنكار البعض وجود اصطفافات سياسية على خلفية طائفية إلا أن هذه القناعة راحت تترسخ لدى البعض الآخر لتزيح ما عداها من اعتبارات، وصولاً إلى ما يبدو أنه إقرار نهائي بوجود المسألة الطائفية والاختلاف فقط حول الطرف الذي يتحمل مسؤوليتها.
لقد تبين خلال 14 شهراً من الثورة أن إعادة الاعتبار لفكرة المواطنة تصطدم بحقيقةِ غياب الوعي الوطني، فالمجوعات السورية لم تختبر سوى مدة وجيزة في الخمسينات فكرةَ الاجتماع الوطني الطوعي، بينما تربى أغلب السوريين الفاعلين اليوم على بديهية الوجود القسري للوطن ممثلاً بالنظام ومُحتَكراً من قبله. في ذلك المناخ لم يكن مسموحاً بأن تتعارف المجموعات في حقل السياسة، أو أن تختبر نفسها فيه، بما أن السياسة برمّتها كانت مغيَّبة، وإذا كان الانتظام الطائفي ممتنعاً بطبيعة الحال فإن اختراقه على أسس وطنية حديثة كان ممتنعاً أيضاً. ما كان ممكناً بحكم الواقع هو أن تتقنع تجمعات بدعاوى أيديولوجية حداثية، بينما تسود فيها روابط ما قبل حداثية، بما في ذلك تحدر الغالبية الساحقة في كل تنظيم من لون مذهبي أو إثني واحد.
وبالمثل، كانت هناك سردية رسمية للتاريخ السوري، بينما كانت لكل مجموعة سرديتها الخاصة عن التاريخ البعيد والقريب، ولم تمنع الرواية البعثية من استمرار تداول السرديات الأصغر ضمن كل مجموعة وتوريثها للأجيال الجديدة. ومن المؤكد أن الروايات المقصية بقيت فاعلة في اللاوعي الجمعي لأصحابها، ذلك الفعل الواقع تحت الحصر العام، والمعرّض بالتالي إلى التفاقم من دون أن يتم امتحانه بالواقع، وأيضاً من دون أن يصبح زمنياً، أي أن يتموضع ضمن ظروفه ومبرراته. من ذلك، وفي التاريخ القريب على سبيل المثال، أن السردية الرسمية تكرس بالمطلق شخصية صالح العلي كأحد أهم رموز الثورة على الفرنسيين، بينما يُنظر إليه من قبل أبناء الطائفة الإسماعيلية بوصفه مجرماً وقاطع طريق، ويؤكدون أن صالح العلي لم يكن ليصطدم بالفرنسيين لولا أن منعوه من مواصلة محاصرة الإسماعيليين والتنكيل بهم. من ذلك أيضاً ما يتداوله علويو سورية عن مذابح واضطهادات تعرضوا لها على أيدي السنّة المحليين، بخاصة أيام الحكم العثماني، فضلاً عن الشعور التقليدي بالتهميش بوصفهم أبناء ريف.
لم تفلح التطورات المعاصرة الطبيعية في محو التصورات الخاصة لكل مجموعة، فالهجرة الداخلية التي تفاقمت على نحو سريع خلال العقود الأربعة الماضية لم تؤدِّ إلى التقارب الممكن، بل زادت من حدة التنافر في بعض المدن بسبب التنافس على الموارد، معطوفاً على الإرث الطائفي السابق. ومن نافل القول إن السياسة الأمنية المعتمدة استثمرت طوال الوقت في الإبقاء على عوامل الانغلاق على الآخر، ومنعت الجميع من التعبير العلني الشفاف عن المكنونات الحقيقية، تحت زعم الوحدة الوطنية. في الواقع كان يمكن للاختلاط غير المسبوق بين السوريين أن يوفّر مناسبة جيدة للحوار الوطني وطرح الهواجس المتضادة من قبل الجميع، لولا أن ذلك كان ليعني انتزاع مفهوم الوطن من الطغمة المحتكرة له، وهذا ما لا تسمح به حتى الآن. إن تجاوز المسألة الطائفية والإرث المتعلق بها، بالإعراض عنها، يماثل من حيث النتيجة إنكارها من قبَل النظام سابقاً، وهو يأتي من قبَل بعض المثقفين حالياً حتى إن أتى بدواعي الحرص على الثورة. إذ من الصحيح أن المنسوب الطائفي الحالي أعلى من المعتاد، في دلالة على التحول الكبير الذي تبشر به الثورة، أو تنذر به البعض، لكن الوعي المأزوم حالياً ليس نتاج «الأزمة» وحسب. لذا سيكون من الأجدى الاعتراف بوعورة المجتمع السوري، وتحمّل مسؤولية معالجة ما راكمه النظام، بل الاعتراف بأن المشكلة أكبر من أن تُسجّل للنظام حصرياً، لأن عهود التعايش الذهبية التي يستشهد بها البعض لم تكن في الواقع قاعدة راسخة يوماً ما.
وإذا كان الوضع الراهن ليس الأنسب لفتح الملف الطائفي الشائك فذلك حكم الواقع الذي لا مناص منه، وبناء عليه ينبغي البحث عن السبل الأنجع لانتشال النقاش من منطق العنف اللفظي، أو العنف الجسدي المباشر. لقد تبين مع الأسف أن الثورة والسوريين ليس بوسعهم، خارج سلطة القهر، التعاطي مع الوطن السوري كمعطى ناجز فعلاً. ويترتب على الثورة، من ضمن التركة الثقيلة الملقاة عليها، أن تعيد إنتاج المسألة الوطنية على أسس ديموقراطية تعتمد مبدأ التكافؤ الحقيقي أكثر مما تلمّح إلى مبدأ المساواة العددي. هنا في وسع الثورة طرح نفسها كمعركة استقلال جديد، من دون أن يذهب الوصف فقط إلى تشبيه النظام بسلطة احتلال، أي فيما لو استطاعت تحقيق فكرة المواطنية المتكافئة عطفاً على تحقيق الوطن بالإرادة المشتركة لأبنائه.
لقد أثبتت الثورة أيضاً أن الأنظمة الديكتاتورية لا تبني أوطاناً، وإذا كان ثمة مقدار قليل من القسر الضروري فهو ذلك الذي يتفق المواطنون على تفويض الدولة به. لقد نجح النظام في إعاقة الممكنات الأفضل لسورية، وعلى مشارف انتهائه يبدو تحقيق الفكرة الوطنية أصعب من لحظة استيلائه على الحكم، أما الأصعب والأكثر كلفة فهو السماح له بإسقاط ما تيسر إنجازه، بحكم التطور الزمني الطبيعي، من فكرة الوطن.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.