تنفيذ مبادرة "غرس الشتلات" في منتزه قرضة بفيفا    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    "سلمان للإغاثة" يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحة العامة في محافظة عدن    الأسبوع الرابع يكتب فصلًا جديدًا من الإثارة في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تداول 446 مليون سهم    ميزانية الإيرادات غير النفطية والأولويات    النفط يرتفع مع تزايد مخاوف اضطرابات الإمدادات    51.9 مليار ريال زيادة سنوية بإيرادات قطاع التشييد والعقارات    غزة : قصف مستمر واستهداف للمدنيين ومنتظري المساعدات    صندوق النقد يرفع توقعاته بنمو الناتج المحلي إلى 3.5%    الاتفاق يواصل تحضيراته للموسم الجديد .. والفرنسي"ديمبيلي" يبدأ رحلة العودة    السعودية تحقق أول ألقابها في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    كلنا مع الأخضر    طفلة داخل حقيبة تهز نيوزيلندا    الحراثة التقليدية    إصدار معماري يوثق تطور المسجد النبوي عبر العصور    الدرعية تحتفي ب"ترحال".. قصة وطن تُروى على المسرح    «طوق» الأولى في تاريخ مهرجان «فرينج» الدولي    سفير سريلانكا: المملكة تؤدي دورًا عظيمًا في تعزيز قيم التسامح وخدمة الإسلام عالميًا    روائح غريبة تنذر بورم دماغي    علامات واضحة للاعتلال النفسي    نائب أمير الرياض يبحث مع وزير التعليم المشروعات التعليمية    أمير المدينة يكرم المشاركين في مبادرة "الشريك الأدبي"    أمير الشرقية: تسخير التقنية وتجويد الخدمات يعكسان توجه الدولة لرفع كفاءة العمل الحكومي    المفتي يستقبل رئيس جمعية "الدعوة والإرشاد"    أمير تبوك يبارك حصول مجمع مباسم الطبي على شهادة "سباهي"    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي أحد المسارحة    سقوط لعبة .. الأسئلة الصعبة    أبها تحتضن غداً أنشطة برنامج "حكايا الشباب" بمشاركة عددٍ من الأكاديميين والرياضيين    911 يستقبل 93 ألف مكالمة في يوم واحد    12 نجمة إنجاز سلامة مرورية للشرقية    ولي العهد ورئيس وزراء الكويت يستعرضان العلاقات وأوجه التعاون    وكيل إمارة جازان يرأس اجتماع الاستعدادات للاحتفال باليوم الوطني ال 95    ندوة تاريخية تكشف أسرار تحصينات المدينة المنورة    أمير جازان يستقبل مدير الاتصالات السعودية بالمنطقة ويطّلع على تقرير الاستدامة لعام 2024م    أمير جازان يرأس الاجتماع الدوري للجنة الدفاع المدني بالمنطقة    الشؤون الإسلامية في جازان تبدأ تركيب وسائل السلامة في إدارات المساجد بالمحافظات    السفارة في في بريطانيا تتابع واقعة مقتل الطالب السعودي    الفرق السعودية تستعد لآسياد البحرين للشباب بمعسكر في كازاخستان    تحولات لبنان المنتظرة: البداية من جلسة الثلاثاء    إسقاط 61 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    وثيقة تاريخية تكشف تواصل الملك عبدالعزيز مع رجالات الدولة    تأهيل وتمكين الطلاب للمنافسة في المحافل العالمية.. المنتخب السعودي يحصد 3 جوائز في أولمبياد المعلوماتية الدولي    تدشين كتاب "حراك وأثر" للكاتبة أمل بنت حمدان وسط حضور لافت في معرض المدينة المنورة للكتاب 2025    رغم التحذيرات الغربية.. إيران: باب التفاوض النووي مفتوح    مقتل عنصر أمني وسط خروقات لوقف النار.. هجوم مسلح يعيد التوتر للسويداء    القيادة تهنئ رئيس جمهورية النيجر بذكرى استقلال بلاده    غارات جوية تثير موجة غضب في ليبيا    لا تدع أخلاق الناس السيئة تفسد أخلاقك    إحباط تهريب مخدرات في جازان وعسير    رئيس هيئة الترفيه يعلن طرح تذاكر مهرجان الكوميديا    الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في (18) موقعاً    جبال المدينة.. أسرار الأرض    «هلال مكة» يفعل مسارات الجلطات القلبية والسكتات الدماغية    رؤية 2030 تكافح السمنة وتعزّز الصحة العامة    15 مهمة لمركز الإحالات الطبية تشمل الإجازات والعجز والإخلاء الطبي    من حدود الحزم.. أمير جازان يجسد التلاحم بالإنجاز    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران عضو مجلس الشورى المدخلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس: «الشعب يريد ختان البنات»
نشر في الحياة يوم 19 - 02 - 2012

من كان يصدّق أن تونس، البلد العربي الرائد في حريات المرأة، سيصل يوماً إلى وضع تصبح فيه قضية ختان البنات موضع جدل سياسي، مع حزمة من «القضايا» الأخرى مثل ارتداء النقاب في المؤسسات التعليمية وصحّة الزواج العرفي؟
لكنها الثورة يا صديقي، كلّ شيء يصبح وارداً وجائزاً، لأن أحلام الجميع تتساوى، وكذلك تتساوى معرفة الجاهل بالعارف وعقل البليد بالنبيه. أليست الثورة قائمة على مبدأ المساواة؟ ثم إنّ حرية التعبير ليست مشروطة بالقدرة على التفكير. والنتيجة أن الصوت الأعلى هو صوت من يملك الإمكانات المالية ويتاجر بعواطف الجماهير. ليس الأمر جديداً أو خاصاً بالثورات العربية، ألم يتقدّم الشاعر الفرنسي المشهور لامارتين للانتخابات الفرنسية بعد الثورة الثانية (1848) فلم يحصل من الأصوات إلا على الفتات، مع أن أشعاره كانت وقود الثورة؟
يوم السبت الحادي عشر من شباط (فبراير)، نظمت مجموعة من أحزاب المعارضة التونسية اجتماعاً جماهيرياً «ضخماً» لتعلن اتفاقها على إقامة جبهة ديموقراطية موحدة. حدث جميل، مع أنه جاء متأخراً جدّاً، لكنّ نشوة المعارضة لم تدم طويلاً، فصبيحة اليوم التالي كان الواعظ المصري المشهور وجدي غنيم يحاضر في مكان آخر مستقطباً عدداً من الحاضرين يمثل أضعاف ما حشدته تلك الأحزاب مجتمعة. أحدثت زيارة غنيم إلى تونس، وهي الأولى، جدلاً كبيراً بسبب شهرته بالدعوة إلى ختان البنات وتكفيره للديموقراطية، وقد جاء داعياً التونسيين إلى أن يبدأوا فوراً بتطبيق الشريعة، تعبيراً عن اعتزازهم بدينهم، وهلم جرّا. المهم ليس مواقف غنيم المعروفة وإنما التفاعل المنقطع النظير لآلاف الشباب معه. فقد تفانى الحاضرون في الهتاف حتى كادت أن تتقطع حناجرهم. وزيارته غطت على الأحداث الأخرى كلها، ومنها توحيد أحزاب المعارضة أو الإعلان على لسان وزير الداخلية (من حزب النهضة) عن خلية مسلحة تهدف إلى تأسيس إمارة للقاعدة في تونس.
لقد نجح الواعظ بطريقته التي تجمع بين المواقف المتشددة والنكتة المصرية في أن يستقطب آلاف الشباب، حتى أنه لو خرج بهذه الجموع إلى القصر الرئاسي لربما أمكنه أن يحتله بيسر. هذه هي تونس وقد أصبحت بلد العجائب والغرائب. واعظ يدخل البلد لأول مرة يحشد من الأتباع أكثر من الأحزاب السياسية، وشباب «إسلامي» يتجاوز كل الحدود المتفق عليها بين الفرقاء السياسيين من اليمين إلى اليسار، يكفّر الديموقراطية ويرفع شعارات «الشعب يريد خلافة إسلامية» و «الشعب يريد تطبيق الشريعة» و «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود».
ولم يكن الحدث محرجاً للأحزاب «الديموقراطية» وحدها، بل أيضاً للحزب الحاكم، حزب «النهضة». فقد بذل هذا الحزب جهده ليمسح آثار هتافات «خيبر خيبر...» التي رفعت لمناسبة زيارة قام بها قبل فترة السيد إسماعيل هنية، ذلك أن السياحة تمثل مورداً رئيسياً للاقتصاد التونسي، والمؤسسات السياحية الدولية حذرت من أنها ستقاطع السياحة التونسية إذا تواصلت التهديدات ضد اليهود، لأن جزءاً من صُنّاعها قد يكونون يهوداً من أوروبا أو يهوداً تونسيين هاجروا إلى الغرب. وسيكون انهيار الموسم السياحي للمرة الثانية على التوالي كارثة حقيقية، فقد تضاعف عدد العاطلين عن العمل من نصف مليون عشية الثورة إلى ما يقارب المليون تقريباً. وتمثل السياحة مصدراً أساسياً لفرص العمل في تونس، وهي أيضاً مصدر العملة الأجنبية التي يحتاجها البلد لاستيراد العديد من الضروريات.
ثم إن حزب «النهضة» لا يريد أن يشكّك أحداً في التزامه بالديموقراطية، وهو لا يدعو علناً إلى تطبيق الشريعة بالمعنى الذي يريده غنيم، ولم يدع قط إلى حرق اليهود، لكنه محرج أمام السؤال البديهي: من هم هؤلاء الآلاف من الشباب الذين هتفوا لغنيم وكبّروا؟ إذا افترضنا أنهم ليسوا من شباب النهضة، فهي الكارثة، فذلك معناه أن فصائل «إسلامية» أخرى أصبحت قادرة على حشد الأتباع بكثافة، لا سيما أن منظمي المحاضرة اختاروا تنظيمها في المكان ذاته الذي تنظم فيه «النهضة» عادة اجتماعاتها الشعبية الحاشدة. وإذا افترضنا أنهم من شباب «النهضة»، فهي ايضاً الكارثة، فذلك معناه أنّ ثمة هوّة واسعة بين قاعدة الحزب وخطابه الرسمي القائم على الالتزام بالديموقراطية وادعاء التوفيق بين الإسلام والحداثة.
يمكن حزب «النهضة» أن يواصل اتهامه المعارضة «الديموقراطية» بأنها أجّجت الموضوع الديني عندما رفضت مساندة منهجه «المعتدل»، ويمكن الديموقراطيين أن يواصلوا اتهام حزب «النهضة» بأنه يخفي ما لا يُظهر، ويعتمد ازدواجية خطاب، لكن الحقيقة أن الطرفين باتا عاجزين اليوم عن تطويق «فلتان» التيار الديني الذي يشهده البلد ويهدد المسار الديموقراطي والاقتصاد والتعايش المشترك. الديموقراطيون ما زالوا تحت تأثير منظِّري العلمانية التقليدية، الذين لا يتقنون غير خطابات الإدانة والمنع، غير مستوعبين أن الدولة لم تعد في صفّهم. والإسلاميون مازالوا يتخيلون أن الخطاب الديني سيبقى حكراً عليهم ولا يفهمون أنه موظف للاحتجاج، فإذا ما أصبحوا في السلطة، فإن الخطاب ذاته سيستعمله المحتجون ضدهم.
لا الديموقراطيون ولا الإسلاميون راغبون في أن يفكروا في الموضوع الديني تفكيراً عميقاً، فهم متأكدون أنهم يفهمون منه كل شيء. الديموقراطيون نادوا بعد المحاضرة بمنع غنيم وأمثاله من دخول تونس مجدداً، مع أن المفروض أن يدافعوا عن حرية التعبير، ويدركوا أن المهم لم يكن حضور غنيم وإنما حضور آلاف الشباب للاستماع إليه. والإسلاميون سارعوا لاستعراض قدراتهم الخطابية في وسائل الإعلام، كأنهم لا يريدون أن يتغلب عليهم وافد من الخارج في ميدان تخدير الجماهير، مع أن المفروض أن الإسلاميين يؤمنون بالأخوة الإسلامية الجامعة ولا يفرّقون بين داعية إسلامي محلّي وآخر وافد. والضحية هو هذا الشباب المغرّر به، وقد ترك شعارات الحرية والكرامة ليطالب بالنقاب وختان البنات، فهو لم يغنم بعد شيئاً من الثورة، لم تحلّ مشاكله في البطالة وطموحاته لتحسين ظروف العيش، بل أُشبِع بالخطب الرنانة ليتلهى بها عن مآسيه، فلما استنفد المحلي منها أصبحت تصدّر له من الخارج!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.