السعودية تدين هجوما إرهابيا استهدف قوات أمن سورية وأمريكية قرب تدمر    وزير الخارجية: رؤية المملكة 2030 ترسخ الاعتدال وتدعم الحوار بين الحضارات    في "المنتدى السعودي للإعلام 2026".. 3 إعلاميين بريطانيين يرسمون ملامح صحافة المواطن ودور الإعلام في التحولات الكبرى    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب غرب إندونيسيا    استمرار هطول الأمطار.. والدفاع المدني يحذر    البحري شريك استراتيجي لمبادرة ويف لدعم تعافي المحيطات والنمو البحري المستدام    مقتل 6 من قوات حفظ السلام البنغلاديشيين في هجوم على قاعدة للأمم المتحدة بالسودان    اختتام بطولة جازان الشاطئية لرياضة الإنقاذ والسلامة المائية    انطلاق مؤتمر الشبكات الذكية الاثنين    كورال المركز الوطني للفنون المسرحية في الصين تقدم عروضا في مركز إثراء بالسعودية    مقتل شخصين وإصابة ثمانية جراء إطلاق النار في جامعة براون في أمريكا    ختام أكبر هاكاثون في العالم "أبشر طويق"    وسط انتقادات واشنطن لقرار أممي.. مؤتمر دولي لبحث إنشاء «قوة غزة»    جيش الاحتلال يستهدف القيادي في حماس رائد سعد    لحظة تأمُّل    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لمواجهة الأردن    برعاية خادم الحرمين.. أمير الرياض يحضر ختام العرض الدولي الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة    تنظيم الإعلام الرياضي وعقوبات على المتجاوزين ومثيري التعصب.. بعد الموافقة عليه.. تفاصيل مشروع نظام الرياضة الجديد    حققت قفزة نوعية بمعدل 9 نقاط خلال عامين.. السعودية بالمرتبة ال10 بمؤشر التغطية الصحية الشاملة    ضبط 19.5 ألف مخالف    أمطار على معظم المناطق حتى نهاية الأسبوع    1145 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ    45 اتفاقية ومذكرة لصندوق التنمية الوطني.. 6 مليارات ريال تمكيناً لشراكات القطاع الخاص    دعت لتبني سلوكيات التنزه.. البيئة: 3 آلاف ريال غرامة مخالفة التخييم دون تصريح    وسط حصيلة متزايدة لضحايا غزة.. استشهاد فلسطيني متأثرًا بجراحه في خان يونس    يسرا اللوزي تستعد بمسلسلين لرمضان    أمسية شعرية وطنية في «جدة للكتاب»    فسح وتصنيف 40 محتوى سينمائياً    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    كوزمين: هدفنا النهائي    ورحلت رفيقة دربي أُم تركي    دراسة: كلما زاد إقناع الذكاء الاصطناعي قلت دقته    الأخضر يتجهز لمواجهة الأردن بفترة «حرة»    تقرير بريطاني يفتح الباب لرحيل صلاح نحو الدوري السعودي    المملكة توزع 1000 سلة غذائية في ولاية البحر الأحمر بالسودان    القبض على شخصين لترويجهما القات    تحسين الفئات الوظيفية ل3808 من منتسبي المساجد    «الأمر بالمعروف» تفعّل معرض «ولاء» بالطائف    مهاجم نادي الفيحاء يخضع لعملية جراحية ناجحة بمجمع الدكتور سليمان الحبيب الطبي في العليا    مستشفيات الدكتور سليمان الحبيب بالخبر والمحمدية والفيحاء والحمراء والصحافة تحصل على شهادة الاعتماد الدولية JCI    71.5% من الأنشطة العقارية بالرياض    2.31 تريليون دولار قيمة الإقراض بالبنوك الخليجية    حقن التخسيس تدخل عالم القطط    النوم الجيد مفتاح النشاط اليومي    رب اجعل هذا البلد آمنا    «هوبال» يحصد جائزة «فاصلة» لأفضل فيلم سعودي    العزاب يغالطون أنفسهم    زبرجد فيلم روائي يجذب زوار معرض جدة للكتاب    الملك يرعى الحفل الختامي للعرض الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة    فريق قوة عطاء التطوعي يحتفي باليوم العالمي للتطوّع ويكرّم أعضاءه    ورشة عمل في فندق كراون بلازا تحت إشراف جمعية القلب السعودية ضمن حملة 55 قلبك بخير    سماء المنطقة العربية تشهد زخة قوية من الشهب هذه الليلة    رئيس دولة إريتريا يصل إلى جدة    نائب أمير الرياض يعزي أبناء علي بن عبدالرحمن البرغش في وفاة والدهم    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا انهيار مبنيين متجاورين في مدينة فاس    طيور مائية    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر الفيتو الروسي: هنا موسكو!
نشر في الحياة يوم 16 - 02 - 2012

كثيرة هي الأسباب المنطقية للفيتو الروسي ضد المشروع العربي في شأن الحالة السورية، فلا يخطئ من يعتبره تمسكاً بآخر موطئ قدم في الشرق الأوسط، للاحتفاظ بالقاعدة البحرية في مدينة طرطوس كبعد استراتيجي مهم لموازنة الحضور العسكري الغربي في البحر الأبيض المتوسط، ولا يخطئ من ينظر إليه من زاوية المصلحة الاقتصادية وحاجة موسكو إلى استمرار توريد الأسلحة وزيادة حجم التبادل التجاري مع دمشق، أو لأنها قبضت ثمن موقفها من حليف سورية الإيراني في سياق الصفقات المتبادلة بينهما، مثلما لا يخطئ من يجد فيه ورقة ضغط وابتزاز، مرة على الأطراف الغربية وأميركا لوقف أو على الأقل إعاقة مشروع الدرع الصاروخية وقد وصلت بعض تفريعاته إلى الأراضي التركية، ومرة لتحصيل ما يمكن من مكاسب مادية وسياسية من العرب.
وأيضاً لا يجانب الصواب من يعتبر الأمر محاولة لإظهار صورة مبالغ فيها عن قوة روسيا عالمياً غرضه الانتخابات الداخلية، بعد أن وصل الناخبون الروس إلى حالة من فقدان الثقة بالقيادة الحالية، ونزلوا إلى الشوارع رفضاً لتفاقم أزمتهم الداخلية وضد ما اعتبروه تزويراً لانتخابات الدوما الأخيرة، وهي عادة مألوفة لدى مختلف الأنظمة المأزومة في تعويض عجزها عن تلبية الاحتياجات الداخلية بتحويل الأنظار صوب الخارج والادعاء بصنع انتصارات هناك، وقد وفر الملف السوري لقادة الكرملين ولطموحات بوتين فرصة على مشارف الانتخابات الرئاسية للرهان على تحييد بعض الناقمين وكسب بعضهم الآخر، عبر الإيحاء بأن سياسته تمكنت من إرجاع روسيا إلى موقعها كقوة عظمى ونجحت في إجبار العالم كله على التعامل معها على هذا الأساس.
وأخيراً، لا يخطئ من يضع السبب في وزن اللوبي الصهيوني وقوة تأثيره هذه المرة، ليس على قرار الغرب بل على قرار الشرق، ممثلاً بروسيا والصين، وتوجهه لتخفيف الضغط على النظام السوري، إما لأن إسرائيل تخشى البديل حيث ازداد قلقها من مزاج الثورات العربية ذات الطابع الشعبي الإسلامي المناهض لسياستها، وإما لأنها تتقصد دفع الوضع السوري نحو مزيد من الاستنزاف والاهتراء كي تأمن جانبه لعقود طويلة.
لكن وراء التشدد الروسي اليوم ثمة سر أكبر تكثفه عبارة "هنا موسكو"، كرد صريح على إهمال مصالحها والاستهتار بوزنها في المنطقة، بلغ أوجه في الملف السوري، وربما لإظهار عتب قادة الكرملين على العرب، فقد كانوا أول من دعم دور الجامعة العربية ومبادرتها، وضغطوا على النظام السوري كي يتعاطى إيجابياً مع بروتوكول بعثة المراقبين، وحاولوا ملاقاة الدور العربي عبر مشروع خاص عرض على مجلس الأمن، فضلاً عن أن غير مسؤول روسي أسمع العرب كلاماً يرضيهم عن تفهم موسكو لضرورة حصول تغيير في سورية، واستعدادها للسير مع الجامعة العربية في معالجة الأزمة المتفاقمة هناك، حتى لو وصل الأمر إلى سيناريو يشابه السيناريو اليمني، لكن لم تلق موسكو رداً إيجابياً، ولم يسألها أحد عن رأيها، ولم يطأ أرضها وزير عربي لمشاورتها وبناء قناة للتواصل، زاد الطين بلة شعورها بمرارة الخداع مما حدث في ليبيا وتنكر الجميع لمصالحها بعد أن مررت قراراً أممياً وظفه حلف شمال الأطلسي في إطاحة القذافي وأركان حكمه، وأيضاً إحساسها بأن ثمة محاولة لتطويقها عبر توافق جديد بين الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة وبين الإسلام السياسي الذي يحتل وزناً مؤثراً في الثورات العربية، وتحسبها من توظيف رياح هذه الثورات لإثارة شعوب الجمهوريات الإسلامية المجاورة لها وبلدان القوقاز، وهي التي لم تنسَ مرارة هزيمتها في أفغانستان نتيجة التحالف بين الأميركيين والإسلاميين.
المسألة لدى روسيا ليست نكاية أو بعض مكاسب اقتصادية ولا حماية لحليف تقليدي، بل إعلان حضور، واستثمار لعلاقتها التاريخية مع دمشق ولمعرفتها بتعقيدات المشهد الداخلي وارتباطه بالعديد من القضايا الإقليمية، لتقول للجميع بأنها الطرف الأول المعني بمعالجة الوضع السوري والذي لا يمكن المرور فوقه، وأن لا شيء يطمئنها ويحترم مصالحها سوى انتقال للسلطة تحت رعايتها أو بمشاركتها.
والمسألة ليست مؤشراً لعودة أجواء الحرب الباردة، كما تراهن بعض دوائر السلطة السورية التي اعتادت أن تعتاش على هذه الأجواء وتستقوي بها، فمثل هذا الرهان لا أساس له اليوم ولا حظ، ومن قبيل الأوهام رسم صورة لمستقبل قريب تعود فيه مناخات الحرب الباردة لتكون سيد الموقف.
صحيح أن روسيا منزعجة من فقدان دورها العالمي ويتملكها حنين قوي لوزنها وموقعها العتيق، وصحيح أن انزعاجها وسخطها الأشد إنما ينبع اليوم من حالة الاستهتار بمصالحها وحضورها، لكن الصحيح أيضاً أن روسيا اليوم ليست مؤهلة اقتصادياً وسياسياً للعب دورها القديم والعودة لاحتلال موقعها كقطب عالمي منافس.
روسيا اليوم ليست روسيا السبعينات والثمانينات، وما يجري تجاه الملف السوري أشبه بلعبة عض أصابع لن تتعدى حقل "التنازع الآمن" على بعض حصص السيطرة والنفوذ، فالقيادة الروسية غير قادرة على دفع هذا التحدي إلى النهاية، بل يرضيها مستوى من الشراكة والتعاون مع الغرب والعرب في معالجة هذا الملف، لأنها خير من يعلم أن تحررها من أعباء دورها العالمي كان أهم رافعة لتتجاوز أزمتها الداخلية، وأكثر من يعي بأن الشعب الروسي بعد خلاصه الصعب من كوارث السياسات القديمة، غير راغب في تغيير مساره التنموي الواعد ودفع فاتورة جديدة لسباق التسلح والتنازع على النفوذ، فقد جرب هذا الخيار طويلاً ولم يفضِ إلى نتيجة سوى مزيد من العذاب والمعاناة.
والحال، ربما عرفت روسيا أن الفيتو الذي استخدمته لم يحقق لها ما كانت ترجوه، بل وفر فرصة كبيرة أمام النظام السوري للتوغل أكثر فأكثر في القمع والتنكيل، وربما عرفت، أو ستعرف ولو بعد حين، بأن ليس من منفذ اليوم، لمن يريد مكانة في بلاد العرب سوى احترام إرادة شعوبها، ومثلما بدت القوى الغربية أدرى بما يجري وأبعد نظراً من السياسة الروسية، فرحبت بما لا تستطيع دفعه، وقبلت بما ليس منه بد، فربحت تعاطف الشعوب، فإن الطريق واضحة أمام موسكو لتدارك ما حصل وتعويض خسارتها.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.