دمشق، لندن - «الحياة»، أ ف ب - مع تعزيز العقوبات الاقتصادية الدولية ضد سورية بسبب الحملة الأمنية ضد المدنيين، تجد دمشق نفسها معتمدة في شكل أكبر على الدول التي ما زالت تربطها بها علاقات قوية، وعلى رأسها روسيا وإيران والعراق ولبنان والصين لمواجهة العاصفة سياسياً واقتصادياً. وقال مسؤول سوري لوكالة «فرانس برس»: «نحن نعرف كيفية التعامل في الشدائد كوننا نعاني منذ سنوات من العقوبات». وقال «إن كانت روسيا حصننا السياسي فإن العراق ولبنان وإيران هي أوكسجيننا الاقتصادي». وبعد أن تجاهل نظام دمشق المهلة التي وجهت إليه لإنهاء العنف ضد المدنيين، من المتوقع أن تعلن الجامعة العربية في اجتماع اليوم في القاهرة عقوبات اقتصادية على سورية بعد أن علقت عضويتها. وأعلن محمد التويجري الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في جامعة الدول العربية في تصريحات صحافية، مجموعة من التدابير المحتملة. وهذه العقوبات تشمل وفق التويجري «السفر، التحويلات المصرفية وتجميد الأموال في الدول العربية، إيقاف المشاريع القائمة في سورية والمشاريع المشتركة، التعاملات التجارية، تعليق عضوية دمشق في منطقة التجارة العربية الحرة». إلا أنه أشار إلى أن «ذلك يتطلب موافقة غالبية الدول الأعضاء». وكشف الأمين العام المساعد أن «اجتماعاً استثنائياً للمجلس الاقتصادي الاجتماعي سيعقد خلال الأيام المقبلة من المحتمل أن يكون في القاهرة، لإقرار العقوبات الاقتصادية على النظام السوري». وقال إنه يجري العمل بحيث «لا تطاول العقوبات الاقتصادية الشعب السوري». لكن العراق يدعم النظام السوري. وصرح مسؤول حكومي عراقي مقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي «لا أتوقع أن يشارك العراق في تطبيق أي عقوبات اقتصادية على سورية». ويشير المركز السوري للإحصاء في إحصاءات نشرها في 2009 إلى أن 52.5 في المئة من الصادرات السورية و16.4 في المئة من الواردات تحصل مع الدول العربية. وتتجه البضائع السورية نحو العراق (31.4 في المئة) ثم إلى لبنان (12.7 في المئة) ثم إلى ألمانيا (9.2 في المئة) ونحو السعودية (5.2 في المئة) كما تستورد سورية بالدرجة الأولى من الصين (10.8 في المئة) ومن السعودية (10.1 في المئة) ومن تركيا (7 في المئة) ومن الإمارات (5 في المئة) ومن لبنان (4.1 في المئة) ومن مصر (4.1 في المئة). أما لبنان الذي تحكمه حكومة مقربة من دمشق وتجمعه بسورية حدود طويلة فمن الممكن أيضاً أن يسمح بتجاوز العقوبات. ويقول تاجر سوري «خضعنا لفترة طويلة لحظر غربي، وهذا دفع الكثير من السوريين إلى تأسيس شركات في الخارج بما في ذلك في لبنان لإرسال البضائع واستقبالها. لقد أصبحنا شديدي الابتكار ولكن أولئك الذين يقع العبء عليهم هم الفقراء على رغم ما تدعيه جامعة الدول العربية». ويشير خبير اقتصادي أوروبي مقيم في دمشق إلى أن منطقة التجارة الحرة العربية لا تعمل بمبدأ الاستبعاد أو تعليق العضوية، ولكن يمكن بلداً ما الانسحاب منها. أما بالنسبة للطرد «فلا يوجد أساس قانوني للقيام بذلك». وأضاف «يمكن سورية أن تتخذ تدابير انتقامية لأن الطريق بين أوروبا والخليج يمر عبر سورية التي إن بادرت إلى إغلاق حدودها مع تركيا والأردن فإن ذلك من شأنه عرقلة وصول الكثير من البضائع إلى السعودية ودول الخليج». وتابع «لن يبقى حينها سوى المرور عبر العراق إلا أن التأمين سيكون باهظ التكلفة، أما النقل الجوي فهو أكثر تكلفة كما أن النقل البحري يستغرق وقتاً طويلاً». وعلى رغم ذلك، يقول أحد مستوردي الأدوية «ستكون معاناتنا كبيرة لأننا لم نخضع من قبل لعقوبات أميركية وأوروبية وعربية مجتمعة. سيكون الوضع صعباً، ولكي نتمكن من البقاء، على الحكومة وضع استراتيجية اقتصادية حقيقية». وتعرض الاقتصاد السوري لضربة قوية سددتها قرابة ثمانية أشهر من قمع حركة الاحتجاج. والنشاط الاقتصادي بات بطيئاً. فحركة شراء السلع الاستهلاكية في أدنى مستوياتها والفنادق خالية. وقد ألحقت أعمال العنف الضرر بالقطاع السياحي الذي كان يستخدم 11 في المئة من اليد العاملة وجنى أكثر من 7.6 مليار دولار في 2010، أي 12 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي، وفق بول سالم مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط. وأكد سالم أن «التجارة الخارجية انخفضت أكثر من خمسين في المئة والاستثمارات الأجنبية توقفت، وتسارعت وتيرة هروب الرساميل» وخصوصاً نحو دبي. وتحدث خبراء اقتصاديون ورجال أعمال سوريون عن تحويلات تفوق قيمتها أربعة مليارات دولار إلى خارج سورية منذ بدء حركة الاحتجاج في آذار، في حين فقدت الليرة السورية 10 في المئة من قيمتها أمام الدولار الأميركي.