أسر جنديين إسرائيليين من طرف"حزب الله"يشعل الجبهة الجنوبية مع لبنان ويخطف الأضواء ازاء استخدام قضية الجندي الأسير غلعاد شاليت في تبرير العدوان الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية. وأقرب الى ذلك، أنه إذا كان جندي واحد يكلف اجتياح أراضي السلطة الفلسطينية، فإن أسر جنديين قد يستبيح أراضي دولتين على الأقل، بيد أنها المرة الأولى التي تتحدث فيها إسرائيل عن أسر داخل ما تعتبره حدودها الطبيعية في مقابل استباحتها التحليق فوق قصر الرئيس السوري من دون رادع. لكن أحداً لا يستطيع أن يطمئن الى وجود حدود معروفة لإسرائيل في تحد استثنائي لمفاهيم السيادة والأمن التي تضبطها الحقائق الجغرافية، ما يعني أنها قد تركب موجة الأسر لارتكاب حماقات تعاود خلط الأوراق. وإلى اليوم، لا يمكن الجزم بأن إسرائيل كفّت عن اعتبار جوارها الجغرافي، وفي مقدمه السلطة الفلسطينية وجنوب لبنان ومنطقة الجولان بمثابة أعداء، طالما أنه لا توجد اتفاقات سلام وأن كل التفاهمات المبرمة تعرضت للخرق والانتهاك من طرف إسرائيل ذاتها. وبالتالي فإن الهدنة الهشّة التي لم تفرض نفسها خياراً نهائياً تبقى مرشحة للاختراق في أي وقت، كونها لم تضمن سلاماً عادلاً ودائماً، ولم تضمن أمناً وتعايشاً. فقط يسود الانصات الى منطق إسرائيل في العربدة والاستهتار تارة بحجة الدفاع عن النفس وأخرى وفق منظومة الحرب على الإرهاب. غير أن الأهم في الرؤية الراهنة يكمن في استحالة قيام سلام مجزّأ، فقد تضعف هذه الجبهة أو تلك نتيجة معطيات غياب التوازن في معادلات الصراع، لكن ذلك لا يعني أن الأحداث ستتخذ المسار الذي تريده إسرائيل، أي الاجهاز على التجربة الديموقراطية في أراضي السلطة الفلسطينية، وجذب لبنان وسورية الى دائرة التربيع الاسرائيلي على أهواء الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة. والمفارقة في النظرة الى مشاكل المنطقة المتشابكة في النيات والأهداف وآليات التنفيذ أن ديموقراطية العراق يصار الى الاشادة بها على رغم أنها تتم في غضون استمرار الاحتلال الذي يرمز الى نقص ممارسات السيادة، بينما ينظر الى الديموقراطية الفلسطينية على أنها تشكل خطراً. لكن الاسرى حين يكونون عراقيين أو فلسطينيين أو لبنانيين أو من جنسيات عربية في ابو غريب وغوانتانامو وسجون إسرائيل، فإنهم لا يعاملون حتى بالشفقة، بينما الأسرى الإسرائيليون الذين تنطبق عليهم اتفاقات جنيف ذات الصلة بالمواثيق الدولية وحقوق الإنسان، يتم اعتبارهم خارج السياق، تماماً مثلما ترفض الإدارة الأميركية تنفيذ الالتزامات والعقوبات ضد جنودها الخارجين عن القانون. ما تجدر ملاحظته وفق هذا المنظور الاستفزازي وغير الاخلاقي، أن قيمة الإنسان لا تكون لذاته وإنما للجنسية التي يحملها، فمفهوم الجنود الأعداء وحتى المدنيين الأعداء يسمح للإدارة الأميركية بسجنهم من دون محاكمات ومن دون تهم، تماماً كما تفعل إسرائيل في إقامة معسكرات الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين التي تنتهك فيها أبسط حقوق الإنسان، لذلك فحين تأسر المقاومة الفلسطينية واللبنانية جنوداً إسرائيليين في ساحة المعركة، فإن ذلك يفتح أبواب جهنم على الآخرين. ووسط الضجيج حول تخليص الأسرى يمكن استباحة الأرض والإنسان والعمران للعربدة الإسرائيلية، مع أن الافراج عن الأسرى في أي حرب، له قواعده في المفاوضات وفي الاتفاقات التي تنشد بناء السلام. وباستثناء إسرائيل والولايات المتحدة لا توجد سوابق في انتهاك هذه الاتفاقات، بل إن الحروب ذاتها لا تكون بين الدول إلا في حال امتلاك مقومات السيادة. وما تنعته إسرائيل بالحرب على الإرهاب لا يعدو أن يكون عدواناً بكل مواصفات البطش والافراط الشديد في استخدام القوة ضد المدنيين العزل. ومن يستسيغ هذا النوع من العدوان ليس له أن يضجر من اشتعال جبهات جديدة في الصراع، والأهم أن خطف جندي إسرائيل تحول الى خطف متبادل للأدوار وما يتعين معرفته هو تطويق المخاطر التي ستتمخض عنها هذه العمليات، فقد كان الحد منها وارداً قبل أن تقع، أما وقد حدثت، فالمسؤولية واقعة على الأسباب التي لم تزل في أي فترة، فقط كان يتم حجبها بضبط النفس الذي بلغ مداه من جانب ضحايا العربدة الإسرائيلية.