بوتين يعلن اعتزامه زيارة الصين الشهر المقبل    إطلاق برنامج تدريبي لطلبة تعليم الطائف في الاختبار التحصيلي    جائزة الامير فهد بن سلطان للتفوق العلمي والتميز تواصل استقبال المشاركات    فيصل بن بندر يرأس اجتماع المجلس المحلي بمحافظة الخرج    فيصل بن فرحان يهنئ وزير خارجية اليمن بمناسبة توليه مهمات عمله    أمير الحدود الشمالية: رؤية 2030 حققت لمنطقتنا قفزات نوعية واستثنائية    استثمر في عسير ببلديات القطاع الشرقي    الفيحاء يتفوق على الطائي بهدف مندش    بريطانيا تعلن فرض حزمة عقوبات جديدة على إيران    مريض سرطان يؤجل «الكيماوي» لاستلام درع تخرجه من أمير الشرقية    «الثقافة» تُعيد افتتاح مركز الملك فهد الثقافي بعد اكتمال عمليات الترميم    "سلطان الطبية" تنفذ دورة لتدريب الجراحين الناشئين على أساسيات الجراحة    تشافي: مشروع برشلونة وراء قرار بقائي في منصبي وليس المال    تسيير حافلات لدعم الأخضر أمام أوزبكستان    "ذكاء اصطناعي" يرفع دقة الفيديو 8 أضعاف    «الإسلامية»: ضبط اختلاسات كهرباء ومياه مساجد في جدة.. لتشغيل محلات ومصاعد وبسطات    الذهب ينخفض مع تراجع الطلب واحتمال ارتفاع أسعار الفائدة    نائب وزير الموارد البشرية للعمل يلتقي سفير أثيوبيا لدى المملكة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلتقي مديري عموم فروع الرئاسة في مناطق المملكة    أكثر من 80 مليون ريال جوائز كأس العُلا للهجن    مستشفى ظهران الجنوب يُنفّذ فعالية "التوعية بالقولون العصبي"    بعد مقتل اثنين من موظفيها .. بلجيكا تستدعي السفيرة الإسرائيلية    الحوثي يقر باستهداف سفن أمريكية وإسرائيلية.. هيئة بريطانية: انفجار قرب سفينة قبالة عدن    رئيس مجلس الشورى يرأس وفد المملكة المشارك في المؤتمر السادس للبرلمان العربي    مواقع التواصل تحتفي بمغادرة خادم الحرمين الشريفين المستشفى    الأمير محمد بن ناصر يرعى حفل تخريج الدفعة 19 من طلبة جامعة جازان    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس مجلس أمناء جمعية قبس للقرآن والسنة    كاوست ونيوم تكشفان عن أكبر مشروع لإحياء الشعاب المرجانية في العالم    أمير عسير يعزي الشيخ ابن قحيصان في وفاة والدته    استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة على المملكة    "الجمعة".. ذروة استخدام الإنترنت بالمملكة    "رسائل الأمل" من أطفال السعودية إلى غزة    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    الأخضر السعودي 18 عاماً يخسر من مالي    الإبراهيم: تشجيع الابتكار وتطوير رأس المال البشري يسرعان النمو الاقتصادي    أدوات الفكر في القرآن    فهد بن سلطان يتسلّم شهادة اعتماد تبوك مدينة صحيّة    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    بيع "لوحة الآنسة ليسر" للرسام كليمت بمبلغ 32 مليون يورو    لا تستعجلوا على الأول الابتدائي    حجار التعصب تفرح بسقوط الهلال    النفع الصوري    حياكة الذهب    اللي فاهمين الشُّهرة غلط !    مين السبب في الحب ؟!    مقصد للرحالة والمؤرخين على مرِّ العصور.. سدوس.. علامة تاريخية في جزيرة العرب    رسالة فنية    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    «سدايا» تطور مهارات قيادات 8 جهات حكومية    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    "أم التنانين" يزور نظامنا الشمسي    بعضها يربك نتائج تحاليل الدم.. مختصون يحذرون من التناول العشوائي للمكملات والفيتامينات    تجاهلت عضة كلب فماتت بعد شهرين    قطاع القحمة الصحي يُنظّم فعالية "الأسبوع العالمي للتحصينات"    جامعة جازان تحتفي بتخريج 9,597 خريجاً وخريجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجدل العسكري والكهربائي في برنامج إيران النووي : الصاعق الأخطر لتفجير الشرق الأوسط !
نشر في الحياة يوم 21 - 06 - 2004

بحث مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مقر الوكالة في فيينا في الأيام الأخيرة موضوع البرنامج النووي الإيراني. وأصدر المجلس قراراً بلهجة متشددة حيال طهران دعاها فيه إلى التعاون، بهدف الوصول الى استنتاجات صحيحة عن مضمون برنامجها النووي بما يزيل الالتباس حول حقيقة هذا البرنامج. ولكن القرار لم يحدد مهلة معيّنة لإيران، كما كان يدعو مشروع القرار الذي قدمته ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بدعم من الولايات المتحدة، وذلك تلافياً لاصطدام محقق مع السلطات الإيرانية. وفي حين ظل المدير العام للوكالة محمد البرادعي مصرّاً على جلاء الأمر في شكل نهائي، فقد عبّر عن أسفه "لأن تعاون إيران في شكل عام، لم يكن تاماً ومنضبطاً وفاعلاً كما يجب ان يكون"، فإنه رفض تحديد مهلة زمنية معيّنة يتعيّن على إيران قبل انتهائها ان تثبت ان برنامجها النووي المدني لا يشمل أهدافاً عسكرية، لأن ذلك سيكون بمثابة انذار مفتوح للسلطات الإيرانية. وبالفعل، ردت إيران بغضب قبل صدور القرار على ما أسمته الضغوطات الغربية عليها في شأن نشاطاتها النووية. وهددت بإعادة النظر في تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
فما هي قصة هذا البرنامج النووي الإيراني؟
ولماذا تثار حوله هذه الضجة التي لم تهدأ بعد؟
وهل سيشكل الصاعق الأخطر لتفجير الشرق الأوسط؟
أولاً:حكاية البرنامج النووي الإيراني
1- يعود تاريخ البرنامج النووي الإيراني الى ثلاثين سنة مضت أي الى زمن الشاه 1974. فقد كان طموح محمد رضا بهلوي إقامة دولة إيرانية عصرية أي صناعية يكون لها دور مركزي في منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا مشروعه تزويد إيران بعشرين مفاعلاً نووياً تبلغ قدرة بعضها 1300 ميغاوات. وكانت الولايات المتحدة زوّدت إيران قبل ذلك بمفاعل أبحاث نووي صغير عام 1967 بطاقة 5 ميغاوات قرب طهران ثم بأربعة مفاعلات أبحاث بحدود 30 ميغاوات في مركز أبحاث أصفهان. وفي حين قامت شركة "سيمنس" الألمانية بتزويد إيران مفاعلات ضخمة بحسب طلب الشاه، قام العراق في المقابل بالطلب من الشركات الفرنسية تزويده بمفاعلين، أحدهما "تموز" الذي قصفته اسرائيل عام 1981. وهكذا يمكن القول ان المشروع النووي الإيراني خلق حال صراع ومنافسة مع العراق. وكان البلدان يتصارعان حينها على أمور كثيرة يجسدانها في مشكلة قسمة شط العرب.
2- مع انتصار ثورة الإمام الخميني 1979 أوقف مشروع الشاه الطموح لانشغال الثورة بأمور أخرى ولعلاقتها بالعرب ولأوضاع إيران المالية حيث لم تعد قادرة أو راغبة في السير بالتزاماتها تجاه شركة "سيمنس" الأمر الذي أدى الى المحاكم الدولية. في هذا الوقت استغل العراق الحرب مع إيران كما استغل تفوقه الجوي في الطيران ليقصف المنشآت النووية الإيرانية، لا سيما مفاعلا بوشهر على الخليج، علماً ان مفاعل بوشهر رقم 1 يوصف ب"العمود الفقري للبرنامج النووي الإيراني". على ان الغارات الجوية العراقية المكثفة أصابت المفاعلين بأضرار أكيدة ولكنها لم تكن مدمرة نظراً إلى الحماية الخاصة التي وفرتها إيران لهذه المنشآت الاستراتيجية من جهة وإلى البنية الخاصة القوية لهذه المنشآت التي وضعها العلماء الألمان.
3- بعد خروج الثورة الإسلامية الإيرانية منهكة من حربها مع العراق مطالبة بوقف النار 1988 أدركت طهران انها غير قادرة على الرد الا بسلاح التفوق الذي استخدمه العراق ضدها: الكيماويات وصواريخ يتجاوز مداها 650 كلم أصابت طهران وأخلت بالتوازن العسكري. وكانت الأمثولة الكبرى والأولى التي حفظتها الثورة من الحرب مع العراق هي السعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وبالتالي احياء البرنامج النووي الإيراني الذي أطلقه الشاه. وعلى هذا الأساس جرى العمل مع جهات عدة لتحقيق هذا الاحياء وتطويره، لا سيما مع الصين والجمهوريات السوفياتية المنشقة، خصوصاً كازاخستان، ومع باكستان بشراء أسرار نووية بواسطة العالم الباكستاني عبدالقدير خان، وخصوصاً مع روسيا حيث عقدت معها اتفاقاً لإعادة بناء محطة بوشهر و10 محطات للطاقة النووية خلال عشرين سنة. على ان يسلم المفاعل الأول بوشهر عام 2003 مع السعي لشراء كبار علماء الذرة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
4- في الحقيقة لم تكن إيران تحتاط للتهديد العراقي فقط، بل هي كما يصفها أحد علماء الاستراتيجيا "الدولة التي تعيش في هاجس التهديد الخارجي". يضاف اليهما ما يشكله التهديد الباكستاني على حدودها. وما يشكله خصوصاً، التهديد الاسرائيلي للجمهورية الإسلامية. لكن تحوّل إيران الى دولة نووية كان أمراً غير مقبول في واشنطن وفي اسرائيل أيضاً. لذا سارعت الدولتان الى الضغط على روسيا لعرقلة اتفاقها النووي مع إيران مهما كانت نوعية هذا الاتفاق. وعندما بدأت روسيا ترضخ في شكل أو في آخر لهذه الضغوطات سافر الرئيس محمد خاتمي الى موسكو في آذار مارس 2001 ليناقش مسألة تأخر روسيا في الايفاء بتعهداتها بتسليم المفاعل الأول عام 2003. وهكذا أصبحت روسيا واقعة بين شاقوفين: مصالحها الحيوية المادية مع إيران بلايين الدولارات واعتباراتها الاستراتيجية في علاقتها بالولايات المتحدة وتالياً باسرائيل! وقد حاولت ولا تزال التوفيق بين هذين الأمرين بالاستمرار في التزاماتها من جهة، وبالتشديد على الطابع المدني الانمائي لنشاطها في إيران من جهة ثانية.
ثانياً: النيات والشكوك
1- ان مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية اجتمع للمرة الخامسة منتصف الشهر الجاري وناقش موضوع البرنامج النووي الإيراني. وخلاصة الاشكالية هي: هل تقوم إيران بتنفيذ برنامج نووي للأغراض السلمية انتاج الكهرباء وهو يخضع لتفتيش الوكالة الدولية أم أنها تعمل في خط موازٍ لهذا البرنامج على برنامج آخر سرّي عسكري لإنتاج سلاح نووي قنبلة نووية، وهي تسعى كي يبقى هذا البرنامج خارج كل رقابة بل خارج كل علم به. ومحور الجدل هو بالتأكيد تخصيب اليورانيوم لأن في ذلك المدخل لإنتاج الطاقة من جهة ولإنتاج القنبلة النووية من جهة ثانية.
2- بالنسبة إلى إيران، يمكن اختصار موقفها بما يأتي:
- انها تقوم بمشروعها لأسباب محض اقتصادية وانمائية انتاج الكهرباء.
- انها من الدول الموقعة على برنامج حظر انتشار الأسلحة النووية.
- انها تضع منشآتها بتصرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتفتيش.
- انها أقرت مبدأ التوقيع على البروتوكول الاضافي للتفتيش المباشر من دون اعلام مسبق المعروض الآن أمام مجلس الشعب الإيراني.
- انها أعلنت، من منظور الفتوى الدينية "ان امتلاك السلاح النووي حرام دينياً".
- "ان لإيران حقها المشروع في تخصيب اليورانيوم ولن تتخلى عن هذا الحق" بحسب قول حسين موسويان ممثل إيران في فيينا.
- لقد تعهدت إيران لكل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، أثناء زيارة وزراء خارجيتها لطهران، بالوصول الى حل تفاهمي مع الوكالة الدولية، خصوصاً في موضوع تخصيب اليورانيوم.
- اذا كان لدول الغرب، لا سيما أميركا، مطالب من إيران، فإن لإيران مطالبها أيضاً وهي:
أ - الاعتراف بشرعية الثورة الاسلامية الايرانية وسحب تصنيفها في "محور الشر" وفي عداد الدول الداعية للارهاب.
ب - عدم التدخل في شؤون إيران الداخلية.
ج - جلاء القوات الأميركية عن منطقة الخليج ومحيطها.
د - رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران.
ه - تحرير الأموال الإيرانية المجمّدة لدى المصارف الأميركية.
ويختصر كمال خرازي وزير الخارجية الموقف الإيراني بالقول: "ليست لدينا خطط لإنتاج أسلحة، وكل نشاطاتنا ذات أغراض سلمية، وليس ثمة شيء خاطئ".
ويحذّر الرئيس خاتمي بأن بلاده "ستتجه الى خيارات أخرى" فيما لو استمرت الضغوط الغربية عليها. وحتى البروتوكول قد لا يصادق عليه في مجلس الشعب.
3- بالنسبة إلى أميركا والغرب عموماً في شكل أقل حدة، يختصر موقفها على الشكل الآتي:
- تحاول إيران سراً، وتحت ستار البرنامج النووي الانمائي الكهربائي، ان تنتج سلاحاً نووياً عسكرياً هو في كل وضوح "القنبلة النووية" لتصبح ثاني دولة في الشرق الأوسط، بعد اسرائيل، تملك هذه القنبلة.
- ان المبررات التي تقدمها إيران لمشروعها غير مقنعة. فلماذا هي مشغولة الى هذا الحد بإنتاج كهرباء بواسطة الطاقة النووية وهي من الدول الأكثر غنى بطاقات النفط والغاز؟ ولماذا تصر على دفع بلايين الدولارات ثمن "الطاقة النووية" ما دام انتاج الكهرباء بواسطة الطاقة النفطية يكلفها ما يوازي 20 في المئة أقل من كلفته النووية. ثم ان مواقع مفاعلاتها بعيدة عن المدن الرئيسية التي تستهلك الكهرباء.
- لدى أميركا شك بنيات إيران، فهي ترى ان لديها برنامجاً نووياً عسكرياً موازياً وليست منشأة بوشهر سوى غطاء لذلك البرنامج الذي يهدف الى امتلاك القنبلة النووية. وهذا الشك يرتكز على مجموعة مؤشرات منها:
صور جوية أميركية تظهر مجمعاً نووياً لمشروع نووي ضخم في إيران بما يثير قلق أميركا واسرائيل بالتأكيد وحتى الدول الثماني في اجتماعها الأخير، اذ أعلنت "قلقها من البرنامج النووي الإيراني".
عدم قيام إيران بالتعاون والمكاشفة لكل نشاطاتها النووية للوكالة الدولية كما جرى التفاهم مع وزراء الخارجية الأوروبيين الثلاثة، على رغم أن الوكالة عادت واعترفت بارتكابها خطأ بتأكيدها في تقريرها الأخير أن طهران لم تبلغها باستيراد أجزاء مغناطيسية تدخل في صنع أجهزة الطرد المركزي.
عدم اعلام الوكالة باستيرادها 5.1 طن يورانيوم طبيعي في بداية التسعينات.
اطلاق تكنولوجيا تصنيع الماء الثقيل.
السعي للحصول على معدات نووية لمعالجة الوقود النووي أخفتها طويلاً عن الوكالة.
الاستعانة بعلماء وخبراء أجانب في موضوع الذرة من باكستان وكوريا.
العثور على عيّنات من اليورانيوم المخصّب لديها لم تعلن عنها من قبل.
4- لقد حاولت أميركا اعتماد ثلاثة أساليب مع إيران: العقوبات والاحتواء المزدوج والضغوط الديبلوماسية، وفشلت. والآن تجد نفسها أمام دولة تعتبرها ادارة الرئيس بوش في عداد "محور الشر". ولذا تسعى، كما يقول بعضهم الى تضخيم برنامجها النووي لأربعة أهداف:
- من اجل ابقاء اسرائيل في وحدانية امتلاك السلاح النووي في المنطقة وعدم تعريضها للخطر.
- للضغط على إيران في موضوع الارهاب.
- لتخويف دول الخليج ما يدفعها الى شراء أسلحة أميركية.
- لتبرير استمرار وجودها العسكري حول منابع النفط في الخليج.
وما من شك ان أميركا، بفعل هيمنة المحافظين الجدد على فكرها السياسي، طرحت إمكان ضرب إيران في حالات معينة من ضمن استراتيجية الحرب الوقائية، أو، وهذا هو الأرجح، جعل أولويتها في العمل على زعزعة النظام الإيراني، لا سيّما بطبعته التقليدية المحافظة، ما دامت هناك معوقات تقف أمام قيام تفاهم أميركي - إيراني، منها: رعاية الارهاب، والسعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، ومعارضة عملية السلام بين العرب واسرائيل، وتهديد دول الجوار الجغرافي في الخليج، وانتهاك حقوق الانسان.
5- من جهتها، حاولت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان تجد حلاً للاشكالية التي يطرحها برنامج إيران النووي سواء كانت مقزّمة كما تصورها إيران أم كانت مضخّمة كما تطرحها أميركا. وتمثل موقف الوكالة بالأمور الآتية:
- تعترف المنظمة بوجود اشكالية في مشروع إيران النووي وتحاول جلاء هذه الاشكالية لئلا تتطور الى ما هو أسوأ.
- في رأي مدير الوكالة محمد البرادعي: "السؤال المركزي هو: هل أعلنت إيران كل نشاطاتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم؟" وجوابه على ذلك، "ان أجوبة إيران كانت تتبدل بل وتتناقض أحياناً". ويقول البرادعي: "لم يطلعونا على كل الأمور". وفي رد على سؤال لم يؤكد ولم ينفِ امكان وجود مشروع نووي عسكري إيراني.
- سعت الوكالة الى اقناع إيران بتوقيع البروتوكول الاضافي حول حق الوكالة بالتفتيش المفاجئ. وهو ما قبلته إيران بعد طول نقاش داخل السلطات، ولكنه لم يُطرح بعد على مجلس الشورى.
- للوصول الى نتائج مؤكدة تعمل الوكالة مع الدول الأوروبية الثلاث على استصدار قرار من مجلس الوكالة يدعو إيران، كي تعود الثقة الى الجهات الدولية، إلى الامتناع عن تخصيب اليورانيوم في منطقة أصفهان والتوقف عن بناء مفاعل لإنتاج المياه الثقيلة في آراك. وهو ما ترفضه إيران حتى الآن لأنه يناقض حقها، بحسب البروتوكول، أي تخصيب اليورانيوم للاستعمال المدني. ولكن الوكالة تحاول ألا تفرض على إيران شبه انذار ضمن فقرة محددة، كما يطالب الأميركيون، بكشف جميع، وليس بعض، ما يتعلق ببرنامجها النووي.
- منذ بدء اجتماعات الوكالة في فيينا 14 الشهر الجاري أعلن البرادعي ان تعاون إيران كان "أقل من المقبول". وطالبها بأن "تكون أكثر تعاوناً وشفافية... ومن الضروري لحسن سير العمل، ان نتمكن من وضع حد لهذا الملف في الأشهر المقبلة"، رافضاً تحديد موعد نهائي، ومستبعداً، مع الثلاثي الأوروبي، في المرحلة الحالية على الأقل، اتخاذ اجراءات دولية ضد إيران.
- يتمثل موقف الوكالة الآن في أمرين: الأول، الحزم من حيث اعلان الموقف بضرورة الزام إيران بتوضيح كل نقاط مشروعها النووي في طابعه السلمي وليس العسكري وذلك بجلاء كل علامات الاستفهام الموضوعة حول هذا المشروع ضمن مهلة معقولة. والثاني، التريث في اتخاذ عقوبات ضد إيران في حال تمنّعها عن ذلك. ومن ذلك امكان احالتها الى مجلس الأمن الدولي وتعريضها لعقوبات دولية، خصوصاً مقاطعة النفط الإيراني ما يشكل كارثة حقيقية للبلاد ويجبرها على تغيير سياستها النووية، وهو ما يعكسه قرار الوكالة.
ثالثاً: صاعق البرنامج النووي
إذا جمعنا امكان امتلاك إيران قنبلة نووية، الى امتلاكها المعروف لصاروخ شهاب - 3 بمدى يصل الى ما بين 1300 - 1500 كلم، والقادر على حمل سلاح نووي، أمكن تصور الوضع المتفجر في الشرق الأوسط بالنسبة إلى إسرائيل وأميركا في آن. ففي الاستراتيجية الاسرائيلية "ان الجيش الاسرائيلي مدعو لمواجهة هذا التهديد في المستقبل القريب مستنداً الى الردع وليس الى مجرد الدفاع". وحسب زئيف شيف "لم تعد اسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط المزودة بصواريخ أرض - أرض يتجاوز مداها ألف كلم". أما الاستخبارات الاسرائيلية فتعتبر "ان إيران هي أكثر التهديدات عجالة لإسرائيل، لذا على الدولة العبرية ان تؤمن تغطية صاروخية لضرب إيران، معتمدة، ليس فقط على صواريخ أريحا - 2 المزودة برؤوس نووية من حجم 340 كلغ أي بقوة انفجارية تساوي 20 كلغ طن وتعادل القنبلة التي ألقيت على ناكازاكي، بل على صواريخ تطلقها الغواصات الاسرائيلية الثلاث من بحر العرب أو من داخل الخليج".
وإذا تأكدت اسرائيل، بحسب تقديرات استخباراتها للعام 1999، من أن إيران قادرة على امتلاك السلاح النووي بعد خمس سنوات أي عام 2004 ،فإن الأمور تكون قد تجاوزت الخط الأحمر بالنسبة إلى الدولة العبرية التي لديها استراتيجية معلنة خلاصتها: قبل حلول السلام العربي - الاسرائيلي والاسلامي لن تسمح لأي دولة شرق أوسطية بالحصول على سلاح نووي. وستعمد الى تدمير هذا السلاح قبل ان يقوم غيرها بتدميرها. حتى ولو أدى ذلك الى خلط الأوراق في الشرق الأوسط، وليس غريباً عن هذا الأمر اعلان اسرائيل بأنها أنتجت أخيراً صواريخ لضرب بيروت ودمشق. فهذا الاعلان هو جزء من السيناريو.
في الخلاصة، ان البرنامج النووي الإيراني، لا يمكن ان يبقى لغزاً يكتنفه الغموض. فهل هو مجرد تهمة تسوقها أميركا واسرائيل والغرب خصوصاً أم أن وراء الأكمة ما وراءها لدى الإيرانيين؟ ان المنشآت النووية الإيرانية المعلن عنها، وغير المعلن تشكل قوة ردعية لدى إيران كما تشكل عبئاً عليها، خصوصاً في هذا الزمن الرديء: زمن القوة الامبراطورية الأحادية، وزمن الغطرسة الاسرائيلية التي تغري آرييل شارون باجتياز الخليج جواً كما اجتاز السويس بحراً ليؤكد للاسرائيليين مجدداً انه "ملك اسرائيل" الحقيقي الذي يخلّصها من كل تهديد بأسلحة الدمار الشامل.
من الواضح، استناداً إلى قرار اسرائيلي استراتيجي لا رجعة عنه، معلن وغير مخفي، ان اسرائيل اتخذت حتى الآن كل الاجراءات اللازمة لضرب المنشآت النووية الإيرانية لإجهاض امكان إيران في الحصول على قنبلة نووية. مع الأخذ في الحسبان كل التداعيات المحتملة لمثل هذه المجازفة الخطرة على أوضاع المنطقة ككل. بل ربما يكون ذلك بمثابة الحرب الاسرائيلية عبر لبنان وسورية وإيران المتممة للحرب الأميركية عبر العراق.
وإذا تأكد إمكان اقتراب إيران من انتاج سلاح نووي فإن السؤال لن يعود: هل ستضرب اسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ بل يصبح السؤال: متى ستضرب هذه المنشآت، لأنه لن يعود أمام اسرائيل شيء تخسره أو تخاف منه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.